رغم أن إيران سارعت إلى إبداء ردود فعل متشددة إزاء القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 إبريل 2019، باعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية، إلا أن التمعن في خبرة تعامل طهران مع الإجراءات التصعيدية التي تتخذها إدارة الرئيس دونالد ترامب يكشف أنها لا تمتلك خيارات متعددة أو حرية حركة واسعة، خاصة أن القرار الأخير يأتي في وقت تواجه فيه ضغوطًا على المستويات كافة، سواء في الداخل بفعل تصاعد حدة الاستياء من تداعيات الأزمة الاقتصادية، أو في الإقليم بسبب العواقب التي فرضتها الأدوار التي تقوم بها في دول الأزمات، أو على المستوى الدولي، حيث يتسع نطاق خلافاتها حتى مع القوى التي حاولت مواصلة تعاملاتها التجارية معها بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها.
إجراءات سريعة:
يبدو أن إيران كانت مستعدة لهذا القرار الأمريكي، حيث كان لافتًا أنها سارعت إلى الرد بقرارات مضادة أصدرها المجلس الأعلى للأمن القومي، اعتبر فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية "دولة راعية للإرهاب" وأن القوات العسكرية الأمريكية المنتشرة في منطقة غرب آسيا "جماعة إرهابية".
واتخذ هذا القرار طابعًا إجرائيًا يشير إلى أن حكومة الرئيس حسن روحاني قامت بإعداده حتى قبل صدور القرار الأمريكي بشكل رسمي، حيث كانت تقارير عديدة قد أشارت قبل يومين إلى احتمال إقدام واشنطن على تبنيه. إذ قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بتوجيه رسالة إلى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو رئيس الجمهورية حسن روحاني، يقترح فيها إدراج القوات الأمريكية في غرب آسيا على قائمة التنظيمات الإرهابية للجمهورية الإسلامية.
اعتبارات رئيسية:
ويمكن تفسير تركيز إيران على القوات الأمريكية في غرب آسيا تحديدًا في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة تتمثل في:
1- استدعاء التاريخ: حاولت إيران تبرير قرارها بالاستناد إلى بعض الحوادث التاريخية التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت طرفًا رئيسيًا فيها وفرضت، وفقًا لها، عواقب وخيمة على الشعب الإيراني، مثل استهداف طائرة ركاب مدنية إيرانية في عام 1988.
2- الاستناد إلى عناصر القوة: يوحي قرار إيران بتصنيف القوة الأمريكية باعتبارها "جماعة إرهابية" أنها تلزم نفسها بإجراءات معينة تجاهها، خاصة أن إيران تدعي أنها كانت طرفًا أساسيًا مشاركًا في الحرب ضد الإرهاب، وهو ما لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، والتي تكشف أن سياستها وأدوارها كانت من الأسباب الرئيسية التي دعمت نشاط التنظيمات الإرهابية وتمددها داخل دول مثل العراق وسوريا.
ومن دون شك، فإن ذلك يمثل افتراضًا نظريًا، باعتبار أن إيران لن تجازف بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى بعد صدور القرار الأمريكي. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن إيران تحاول عدم استبعاد هذا الاحتمال. وهنا، تكتسب منطقة غرب آسيا أهميتها بالنسبة لها، إذ أنها المنطقة التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية والمسلحة التي قامت بتكوينها وتدريبها من أجل خدمة مصالحها في أى منطقة.
وبعبارة أخرى، فإن اختيار منطقة غرب آسيا تحديدًا لم يكن مصادفة، وإنما لأنها المنطقة التي تدعي إيران أن لديها عناصر قوة فيها يمكن أن تستند إليها في حالة ما إذ اتجه التصعيد الحالي مع واشنطن إلى مسارات أكثر تعقيدًا.
وهنا، تجدر الإشارة إلى التحذيرات التي ظهرت في واشنطن من تداعيات هذا القرار على المصالح الأمريكية في المنطقة التي قد تستهدف في رؤية اتجاهات أمريكية عديدة.
3- التصنيف الجزئي: كان لافتًا أن رد الفعل الإيراني جاء موازيًا لتركيز الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار الحرس الثوري فقط، من ضمن المؤسسة العسكرية الإيرانية، منظمة إرهابية. وبمعنى أدق، فإن إيران حرصت بدورها على تحديد نطاق تصنيف القوات الأمريكية، حيث استبعدت القطاعات والقوات العسكرية الأمريكية الأخرى من قائمتها للتنظيمات الإرهابية.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تقارير عديدة اعتبرت أن القرار الأمريكي هو الأول من نوعه الذي يستهدف جيشًا نظاميًا، وهو ما يبدو أنه مبالغ فيه. إذ أن الحرس الثوري ليس جيشًا نظاميًا بالمعنى الإجرائي، خاصة أن هناك بالفعل في إيران جيشًا نظاميًا تم تأسيسه على النمط الكلاسيكي للجيوش النظامية في العالم. إذ يمكن وصف الحرس بأنه قوة موازية للجيش النظامي، أسسها النظام الإيراني لتحقيق هدفين:
أولهما، تأمين بقاءه وتقليص أية مخاطر محتملة قد يفرضها وجود جيش نظامي آخر كان مشكوكًا في ولائه منذ الوهلة الأولى. وثانيهما، تعزيز قدرته على إدارة شئون الدولة والتمدد في الخارج، باعتبار أن "الباسدران" يعبر عن الجانب الثوري للنظام الإيراني، الذي تبنى من البداية توجهات أيديولوجية حاول من خلالها تعزيز نفوذه خارج حدود إيران على غرار مبدأ "نصرة المستضعفين" و"تصدير الثورة".
أزمة حرجة:
مع ذلك، فإنه رغم مسارعة إيران إلى الرد على القرار الأمريكي الأخير، إلا أن اتجاهها إلى تحويل هذا القرار إلى خطوات إجرائية على الأرض يبدو أنه سيواجه تحديات عديدة. إذ أن خيار شن حرب بالوكالة ضد المصالح الأمريكية في المنطقة قد يفرض عواقب لا تبدو هينة.
صحيح أن اتجاهات عديدة داخل إيران ترى أن ذلك يرفع كلفة الإجراءات التصعيدية التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع أن تتزايد مع انتهاء المهلة الحالية التي منحتها لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني في بداية مايو القادم، وبالتزامن مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 من الشهر نفسه، إلا أن طهران سوف تتبنى سياسة حذرة في هذا السياق، لاعتبارين أساسيين:
أولهما، أن ذلك قد يستدعي ردودًا عسكرية أمريكية مضادة، خاصة أن واشنطن سوف تعتبر أية محاولة لاستهداف مصالحها، خاصة في العراق، من تدبير إيران وإشراف الحرس الثوري تحديدًا. وسبق أن حذرت واشنطن بالفعل من أن ردها سيكون سريعًا في حالة استهداف مصالحها في العراق.
وثانيهما، أن اهتمام إيران الأساسي الآن يتركز حول الاستعداد لتصعيد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، في مايو القادم، حيث تسعى إيران إلى احتواء تداعيات العقوبات، سواء من خلال تبني آليات مختلفة مثل تهريب النفط والعمل عبر شركات وهمية، أو عن طريق مواصلة تعاملاتها التجارية مع الدول الأوروبية، وهى أنشطة سوف تواجه عقبات جديدة بسبب تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، في ظل النشاط الاقتصادي الذي يقوم به على المستويين الداخلي والخارجي.
واللافت في هذا السياق أيضًا، أن اتجاهات في طهران لا ترى في القرار الأمريكي الأخير جديدًا، إذ أنه يمثل في رؤيتها إعادة تدوير للزوايا من جانب واشنطن. ووفقًا لذلك، فإن هذا القرار لن يرتب تداعيات جديدة على الاقتصاد الإيراني، الذي يواجه من الأساس أزمات مزمنة حتى قبل القرار الأخير، لم تستطع الحكومة التوصل إلى حلول لها، على نحو أدى إلى تصاعد حدة الاحتقان في الشارع الإيراني.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن التصعيد في المنطقة سوف يمثل، في الغالب، عنوانًا رئيسيًا للتفاعلات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة، على نحو سوف يفرض تداعيات مباشرة على الأزمات الإقليمية المختلفة التي تحظى باهتمام خاص من جانب الطرفين.