أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مكاسب مالية:

دور الابتكار التكنولوجي في تعزيز آفاق تجارة التجزئة في العالم

30 أكتوبر، 2024


تعيد المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية تشكيل معالم تجارة التجزئة في العالم. ولقد كانت جائحة كورونا بمثابة إنذار لشركات تجارة التجزئة لإعادة التفكير بشأن استراتيجياتها، وتبني ممارسات جديدة لمواجهة تغيرات سلوك وعادات المستهلكين. اليوم، ومع اقتراب عام 2025، نجد أن التقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، وإنترنت الأشياء، لم تعد مجرد أدوات إضافية لتحسين عملية إدارة وتشغيل متاجر التجزئة الكبرى فقط، بل ركناً أساسياً لتحسين تجربة الشراء وخيارات التسوق الإلكتروني.

وإلى جانب تأثير الابتكار القائم على التكنولوجيا في تجارة التجزئة؛ صارت المتاجر الكبرى تدمج معايير الاستدامة والشفافية في عملياتها؛ إذ يطالب قطاع من المستهلكين اليوم بالعلامات التجارية التي تعكس قيمهم البيئية والاجتماعية؛ مما يحتم على التجار إعادة تقييم ممارساتهم التجارية وتبني استراتيجيات صديقة للبيئة. هذا المزيج بين الابتكار والاستدامة يفتح بلا شك آفاقاً جديدة لتجارة التجزئة حول العالم.

نمو متسارع:

تسبب الإغلاق الاقتصادي العالمي في عام 2020 بسبب جائحة كورونا في انكماش واضح لسوق تجارة التجزئة العالمية، وبنسبة بلغت 2.9%، بيد أن هذا التراجع لم يدم طويلاً؛ إذ استطاعت الصناعة تعويض خسائرها سريعاً، مع تعافي الاقتصاد العالمي في العامين اللاحقين.

 لكن من الملاحظ أن الوضع الوبائي العالمي أسفر عن تغير ملموس في عادات الشراء لدى المستهلكين حول العالم؛ إذ اتجهوا للاعتماد أكثر وأكثر على التسوق والشراء الإلكتروني، بدلاً من المتاجر التقليدية. في حين سعت محلات التجزئة الكبرى؛ لاعتماد استراتيجيات جديدة تعتمد على تحليل البيانات والتكيف مع التوجهات الجديدة للمستهلكين؛ بما يضمن تعزيز قدرتها على المنافسة في السوق.

وفي غضون ذلك، بات اعتماد الابتكارات التكنولوجية والتركيز على الأتمتة ركناً أساسياً في عمليات تشغيل المتاجر الكبرى حول العالم، على نحو من المفترض أن يعزز كفاءة إدارتها ليس هذا فحسب، وإنما يساعد على تحسين تجارب المستهلكين أيضاً. ومن شأن هذا التحول، إلى جانب عوامل أخرى، أن يخلق فرصاً قوية لازدهار سوق التجزئة حول العالم في السنوات المقبلة؛ لتزيد من نحو 28.8 تريليون دولار في عام 2023 إلى نحو 31.3 تريليون دولار في عام 2025، ثم إلى 46.3 تريليون دولار بحلول عام 2032. 

وبشكل خاص؛ من المتوقع أن تعزز التجارة الإلكترونية وابتكارات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة لتعزيز الاستدامة؛ نمو سوق تجارة التجزئة في العقد المقبل بمنطقتي آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية، واللتان تُعدان من بين أكبر أسواق تجارة التجزئة في العالم.

 هنا، جدير بالذكر أن مبيعات التجزئة في الصين بلغت نحو 6.63 تريليون دولار في الصين في عام 2023، بينما تجاوزت سوق التجزئة الأمريكية نظيرتها الصينية بالغة نحو 7.22 تريليون دولار في العام الماضي، وهما تُعدان من أكبر أسواق التجزئة في العالم.

زخم التجارة الإلكترونية:

يُعد تسارع دمج الحلول في الاقتصاد العالمي وانتشار المدفوعات الرقمية أحد أهم المحركات الأساسية لنمو التجارة الإلكترونية حول العالم. أيضاً، مع نمو عدد مستخدمي الهواتف المحمولة ومستخدمي الإنترنت حول العالم، بات التسوق عبر الإنترنت خياراً مفضلاً لدى كثير من المستهلكين حول العالم، في الوقت الذي استفادت فيه الشركات العالمية من هذا الزخم في تعزيز نطاق عملها وزيادة عدد عملائها.

بناءً عليه، شهدت مبيعات تجارة التجزئة الإلكترونية زخماً قوياً في السنوات القليلة الماضية، لتسيطر على حصة تبلغ الآن نحو 19% من إجمالي مبيعات التجزئة في العالم. ومن المرشح أن تنمو التجارة الإلكترونية في العقد المقبل؛ لتزيد من نحو 18.77 تريليون دولار في عام 2024، إلى 58.21 تريليون دولار بحلول عام 2032؛ أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15.2% في هذه الفترة. 

ثلاثة اتجاهات أخرى:

هناك عدد من العوامل التي تبعث على التفاؤل بشأن إمكانات نمو سوق تجارة التجزئة في العالم، لعل في صدارتها رقمنة الاقتصاد العالمي واهتمام الأفراد والمستثمرين بمعايير الاستدامة، وفيما يلي أبرز الاتجاهات المؤثرة في مسار السوق في هذا الصدد:  

1. دمج التجارة الاجتماعية: يفتح دمج ميزات التسوق الإلكتروني بمنصات وسائل التواصل الاجتماعي آفاقاً جديدة لتجارة التجزئة حول العالم؛ إذ تستغل المتاجر الكبرى منصات التواصل الاجتماعي مثل: "إنستغرام" و"فيسبوك" و"إكس" ليس لعرض وتسويق منتجاتها فحسب، وإنما تعزيز فرص شرائها مباشرة من قبل المستهلكين داخل هذه التطبيقات. ويسهم هذا التطور في تعزيز وصول الشركات والمتاجر بشكل مباشر إلى المستهلكين؛ ومن ثم دعم فرص زيادة مبيعاتها وأرباحها. 

2. التجزئة المستدامة كميزة تنافسية: باتت شريحة من المستهلكين حول العالم أكثر اهتماماً من ذي قبل بقضايا الاستدامة والاعتبارات الأخلاقية، وهي تؤدي دوراً أساسياً حالياً في تحديد قرارات الشراء الخاصة بهم. يعكس ذلك الوعي المتزايد لدى المستهلكين بالتغيرات المناخية والمشكلات البيئية؛ مما يدفعهم لدعم شراء العلامات التجارية التي تتوافق مع قيم الاستدامة البيئية والاجتماعية. وتشمل هذه القيم تفضيل شراء منتجات الأغذية العضوية، ودعم ممارسات الإيصالات الرقمية، والشحن الخالي من الانبعاثات، كما يفضل أولئك التغليف الورقي الصديق للبيئة.

3. سوق إعادة البيع: يمكننا أن نرى هذا التحول من خلال انتشار ونمو أسواق إعادة البيع (شراء وبيع السلع المستعملة) في كثير من أسواق التجزئة العالمية. فوفقاً لتقرير شركة (ThredUp)، وهي منصة بيع للسلع الاستهلاكية المستعملة من الملابس؛ فإن هناك 2 من كل 3 مستهلكين أمريكيين قاموا بعملية شراء واحدة على الأقل عبر الإنترنت لملابس مستعملة في عام 2023، فيما يقول 60% من المستهلكين الأمريكيين، المستطلعة آراؤهم، إن شراء الملابس المستعملة يمنحهم أكبر قدر من الاستفادة بأموالهم. 

وعالمياً، من المتوقع أن تصل سوق الملابس المستعملة إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12%. ولا يعكس هذا النمو القوي اهتمام المستهلكين بالاستدامة فقط، وإنما أيضاً رغبة المستهلكين في الحصول على سلع فريدة وبأسعار مناسبة؛ مما يجعلها خياراً مغرياً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

واقع جديد للابتكار:

أصبح اعتماد الأتمتة وتطبيقاتها المختلفة، كالروبوتات والواقع المعزز، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء خياراً استثمارياً مغرياً للشركات ومتاجر التجزئة الكبرى، ولاسيما في ظل تغير عادات وسلوك المستهلكين حول العالم، والتي تمنح فرصاً أكبر لانتشار التجارة الإلكترونية، كما ذكرنا آنفاً. 

وتوفر تطبيقات الواقع المعزز والواقع الافتراضي بُعداً جديداً لتفاعل المستهلكين أثناء عملية الشراء. وتشمل هذه التطبيقات على سبيل المثال، غرف القياس الافتراضية التي تسمح للعملاء بتجربة الملابس قبل الشراء، كما تساعدهم على تصور الأثاث أو الأجهزة الإلكترونية في منازلهم. ولا شك أن هذا يعزز رضا العملاء ويحسن تجاربهم أثناء التسوق. 

على جانب آخر، يمكن لدمج تقنيات الأتمتة وإنترنت الأشياء أن تفيد الشركات في تتبع وإدارة المخزون وسلسلة التوريد بشكل أكثر كفاءة وفاعلية. كما تسهم الروبوتات والدردشة الذكية أيضاً في تحسين إدارة خدمة العملاء، من خلال توفير دعم فوري على مدار الساعة وإجراء تفاعلات مخصصة لذلك.

بالاستفادة أيضاً من قدرات الذكاء الاصطناعي، بات بإمكان الشركات وتجار التجزئة جمع بيانات المستهلكين وتحليل اتجاهات التسوق لديهم، والاستفادة من ذلك في التعرف على تفضيلات المستهلكين واختيار الشرائح المستهدفة بشكل أكثر كفاءة، من أجل جذبهم بالشكل المناسب. 


وتتيح تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتجار التجزئة في العالم تحقيق وفورات مالية كبيرة، ففي بريطانيا على سبيل المثال، أدى استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تحسين مبيعات تجارة التجزئة 2.3 مرة وزيادة الأرباح بمعدل 2.5 مرة، لأولئك الذين اعتمدوا عليه، مقارنةً بمن لا يستخدمونه. وبشكل عام، يُمكن لتجار التجزئة تحقيق وفورات تتراوح بين 5% و10% من تكاليف التشغيل مع استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ مما يُبرز فعالية هذه التقنية في تحسين العمليات وتقليل النفقات.

في ضوء ما اسعترضناه آنفاً، تحمل أتمتة سوق التجزئة العالمية آفاقاً واعدة في المستقبل، وهي من المحتمل أن ينمو حجمها من 26.50 مليار دولار عام 2023 إلى 29.02 مليار دولار في عام 2024. كما يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليصل إلى نحو 59.97 مليار دولار بحلول عام 2032. يُظهر هذا نمواً محتملاً في استثمارات الأتمتة بقطاع التجزئة العالمي، خاصة الروبوتات والتقنيات الآلية والذكاء الاصطناعي.

ختاماً، يمكن القول إن تجارة التجزئة حول العالم تشهد تحولات جذرية بفضل الابتكارات التكنولوجية الحديثة وانتشار ممارسات الاستدامة، والتي ستعيد تشكيل تجربة التسوق وتعزز الكفاءة التشغيلية لمتاجر التجزئة والشركات؛ ولكن سيكون على الشركات ومتاجر التجزئة مواكبة التطورات التكنولوجية والاجتماعية لتلبية احتياجات السوق وتحقيق السبق المطلوب.