أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية:

مركز المستقبل يفنّد كيف افتقدت “الجارديان” للمهنية في تقرير إحصائيات كورونا بمصر

18 مارس، 2020


أغفل التقرير الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية حول عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في مصر، الكثير من القواعد المهنية، استنادًا إلى دراسة أُعدت في جامعة كندية دون الاستناد إلى أية معايير علمية، إذ لم تتحقق الصحيفة من طبيعة الدراسة، والتي أُجريت أصلًا على إيران وليس مصر.

واستعرض تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة كيف افتقدت الجارديان للمهنية في التقرير الذي نشرته، مؤكدًا أن تقرير “الجارديان” أراد فقط نشر رسالة إعلامية تفتقد للمصداقية عن ارتفاع أرقام الحالات المصابة بالفيروس في مصر.

الرسالة الإعلامية

أوضح “المستقبل” أن الرسالة الإعلامية التي حاولت الصحيفة إبرازها هو وجود عدد مرتفع جدًّا من الإصابات بمصر، وهذه الرسالة حاولت إبرازها من خلال محتوى عنوان التقرير، أو إسناد رقم تقدير هذه الحالات المرتفعة جدًّا، والتي لم ترد من قِبَلِ أية جهة دولية أخرى، إلى دراسة جامعة تورنتو. واللافت للنظر أن صحيفة “الجارديان” وضعت رابطًا للدراسة ضمن التقرير، دون فحص وتدقيق هذه الدراسة. 

وجزء من الترويج الإعلامي للتقرير الذي يتضمن هذه الرسالة الإعلامية والذي يحاول ترسيخ وتوسيع نطاق فكرة وجود أرقام كبيرة لانتشار فيروس كورونا في مصر، قيام مراسلة “الجارديان” بإعادة نشر التقرير على حسابها على تويتر. كما قام مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في القاهرة “ديكلان والش” بالإشارة إلى دراسة الفريق الكندي. وبعد حملة انتقادات في تويتر للأرقام المعلنة في الدراسة قام المراسل بحذفها.

إشكالية المصدر

ذكر تقرير مركز المستقبل أن محاولة التزام صحيفة “الجارديان” بمعايير التغطية الصحفية التقليدية في الإشارة إلى الأرقام الرسمية، ونقل بيانات متحدثين رسميين مصريين، والإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها السلطات الرسمية، والتزامها بشكل عام بعرض الموقف الرسمي، لا يعكس المهنية التامة، والالتزام بمعايير العمل الصحفي الاحترافي، فالمصدر الرئيس الذي اعتمد عليه تقرير الصحيفة، وهو دراسة جامعة تورنتو، عليه بعض الملاحظات المنهجية التي تدحض في الاستنتاج النهائي الذي وصلت إليه “الجارديان” بخصوص عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في مصر، وذلك على النحو التالي:

1- الدراسة عن إيران وليست عن مصر: الدراسة التي وضعت صحيفة “الجارديان” رابطًا لها مع التقرير، عنوانها “تقدير عبء فيروس كوفيد-2019 واحتمالات نشره الإصابة دوليًّا من إيران”. والدراسة أعدها ستة من أساتذة الأمراض المعدية بجامعة تورنتو الكندية، وكان الهدف من الدراسة هو تحديد حجم انتشار فيروس كورونا في إيران، بناء على بيانات الحالات التي سافرت خارج إيران، ورحلات الطيران بين إيران والدول الأخرى، والتنبؤ بمدى انتشار الفيروس من داخل إيران إلى خارجها في المرحلة التالية.

واللافت للنظر أن الدراسة لم يرد فيها أي ذكر لمصر بالأساس، فقد قامت برصد وتحليل بيانات المسافرين من إيران إلى عشرين دولة حول العالم، ليس من بينهم مصر، ومن أبرز الدول التي تم تحليل بيانات المسافرين من إيران إليها، تركيا، وتم رصد عدد المسافرين إلى إسطنبول وأنقرة، وكذلك العراق، وقطر، والصين، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها. 

2- فرضيات الدراسة وأطرها المنهجية قيد الاختبار: نُشرت الدراسة بموقع medRxiv، وهو موقع نشر علمي ينشر الأبحاث الطبية التي لم تنتهِ بعد أو ما زالت قيد المراجعة والتدقيق العلمي. ونشر الدراسة في هذا الموقع يعني أن نتائجها غير مؤكدة، ولم يتم إقرارها بشكل علمي بعد، ومن ثم لم تُنشر في دورية طبية أو علمية محكمة.

3- الافتقاد للمعايير في تطبيق النموذج الإحصائي في الدراسة على مصر: اعتمدت الدراسة على بناء نموذج إحصائي لتقدير عدد الحالات المصابة في إيران، ويُسمى هذا النموذج “نموذج فريسر”، وطوره في السابق دكتور “فريسر دونيلي”، لدراسة احتمالات حدوث جائحة من مرض الأنفلونزا. وفي النموذج الذي طبقه أساتذة جامعة تورنتو، قاموا ببناء علاقة بين عدد المسافرين من إيران إلى دول العالم، ووفقًا لهذه العلاقة ونماذج إحصائية، قاموا بتقدير عدد المصابين بفيروس كورونا في إيران بـ18.300 حالة في شهر فبراير (ثمانية عشر ألفًا و300 حالة)، وهذه الخلاصة كانت تتعلق بإيران، ولم يرد ذكر لمصر.

4- تناقض بين فريق الدراسة حول أرقام الحالات المصابة في مصر: رغم أن الدراسة لم تتعرض إلى مصر، ورغم أنه لا توجد أيضًا بيانات عما إذا كانت الدراسة جزءًا من مشروع بحثي أكبر يضم مصر، فقد بدا لافتًا للنظر تغريدات اثنين من فريق إعداد الدراسة، فالدكتور “إسحاق بوغش” قال في تغريدة على حسابه الشخصي “مصر: أسئلة كثيرة عن عبء كوفيد19 في مصر، فمصر قامت بتصدير حالات كثيرة إلى الخارج خلال الأسابيع الماضية، وتقديراتنا أن عدد المصابين في مصر 19.310 حالة”، ولم يوضح دكتور “إسحاق” كيف تم تطبيق النموذج الإحصائي على مصر. وفي المقابل، غرد الدكتور “ديفيد فيسمان” على حسابه الشخصي قائلًا: “مصر بلد رائع: هناك أسباب تجعل من الصعب تحديد فيروس كوفيد 19 في مصر: خاصة بسبب التوزيع العمري في مصر.. وهذا يعني توقفوا عن إطلاق النار على المرسل: فمن غير المعقول أن مصر لديها حالات قليلة إلا بين أولئك الذين يغادرون البلاد”.

وتغريدة دكتور “ديفيد فيسمان” ربما تُشير إلى أن الدراسة لم تتضمن مصر، وأنه لا يوجد مشروع بحثي موسع، وأن النموذج الإحصائي تم تطبيقه على إيران. وهو يشير عندما قال “من الصعب تحديد فيروس كورونا في مصر بسبب التوزيع العمري”، إلى احتمال صعوبة تطبيق النموذج الإحصائي على مصر، وأن الفكرة بشكل عام هي ربما وجود أعداد كبيرة في مصر، وأن ما أثاره الفريق مجرد تحذير علمي فقط، يجب أخذه بعين الاعتبار.

5 – فجوة بين الواقع والتقديرات: إن الرقم الذي تم إبرازه باعتباره رقم الحالات المصابة في مصر (أكثر من 19 ألف حالة) لا يُعبِّر عن واقع أو حقيقة الوضع في مصر، لعدة أسباب أبرزها: أن منظمة الصحة العالمية تتابع عن قرب وكثب الحالة المصرية، ولم تصدر عنها أية بيانات تشير إلى اختلاف أرقامها عن الأرقام الرسمية المصرية. والسبب الآخر أن هذا الرقم الذي نشرته “الجارديان” لم يتم تناقل أرقام تقترب منه في أية مصادر دولية موثوق فيها، كما أنه لا يمكن للدولة المصرية –منطقيًا- ممارسة عملية تعتيم على رقم بهذا الحجم، خاصة في ظل فاعلية الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في مصر.

وخلُص تقرير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى أنه لا يوجد تفسير منطقي لما قامت به صحيفة “الجارديان” إلا وجود انحياز مسبق في صياغة الرسالة الإعلامية بالتقرير، لافتًا إلى أنه رغم أن صحيفة “الجارديان” تمثل إحدى الصحف الدولية المؤثرة، التي تلتزم -إلى حدٍّ كبير- بمعايير مهنية واحترافية؛ لكن بعض التقارير المرتبطة بتغطية الشؤون المصرية أثارت جدلًا مؤخرًا. وبشكل عام فإن توجهات الصحيفة السلبية تجاه مصر، والتي يتم تفسيرها بسبب انحيازات فريق التحرير الرئيسي، وتأثيرات بعض مصادر التمويل غير المعلنة؛ تمثل جانبًا واحدًا يُفسّر موقف الصحيفة من مصر.

المصدر: المرصد المصري