أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

أزمة إدلب:

هل يتحول التصعيد إلى مواجهة مباشرة بين دمشق وأنقرة؟

24 فبراير، 2020


يتواصل التصعيد العسكري والسياسي غير المسبوق بين تركيا والنظام السوري، وذلك على خلفية التقدم المستمر للجيش السوري في شمال غرب البلاد، والذي كان أبرز ملامحه استعادة الأخير جميع المناطق المحيطة بالطريق الدولي الذي يربط دمشق من الجنوب بمحافظة حلب في الشمال "إم 5"، والذي تم فتحه في 22 فبراير الجاري، أمام حركة السير والمرور. وقد تسبب ذلك في تصاعد حدة الخلافات بين روسيا وتركيا، لاسيما في ظل الاتهامات التي توجهها الأولى إلى الثانية بعدم الالتزام باتفاق سوتشي، على نحو دفع أنقرة إلى الإعلان عن عقد قمة رباعية في اسطنبول في 5 مارس القادم مع كل من روسيا وفرنسا وألمانيا.

مؤشران رئيسيان:

يمكن رصد مؤشرين رئيسيين يعبران عن التصعيد العسكري المستمر بين الطرفين، وذلك على النحو التالي:

1- الاستهداف التركي المتواصل لقوات الجيش السوري: سقطت مروحية تابعة للجيش السوري، في 14 فبراير الحالي، في شمال غرب سوريا وقُتل طاقمها. وتبنت جماعة "الجبهة الوطنية للتحرير" إسقاط المروحية، في بيان نشرته على حسابها في "تلجرام"، حيث قالت أن "كتيبة الدفاع الجوي في الجبهة قامت باستهداف مروحية للجيش السوري في ريف حلب الغربي وتمكنت من إسقاطها". وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا": "تعرضت إحدى حواماتنا العسكرية للإصابة بصاروخ معادٍ في ريف حلب الغربي بالقرب من أورم الكبرى حيث تنتشر التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا".  كما أُسقطت مروحية أخرى تابعة للجيش السوري، قبل ذلك بثلاثة أيام، بصاروخ نسبه أيضاً المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى القوات التركية في إدلب.

2- التعزيزات العسكرية النوعية للجيش التركي شمال سوريا: كشفت تقارير إعلامية عديدة، وكذلك المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن دخول أرتال عسكرية ضخمة وقوافل شاحنات محملة بمنظومات راجمات صواريخ وعناصر من قوات الكوماندوز للمهام الخاصة، تم نقلها من مختلف القواعد العسكرية في تركيا، إلى سوريا أيام 12، و14 و17 فبراير الجاري عبر معابر كفرلوسين والريحانية.

خطوات مُكمِّلة:

اتخذت تركيا والنظام السوري خطوات أخرى على الصعيد السياسي، وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري، يتمثل أبرزها في:

1- التلويح التركي المستمر بعملية عسكرية ضد الجيش السوري: قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في معرض حديثه في إحدى الفعاليات التي أقامها حزبه الحاكم في اسطنبول في 15 فبراير الحالي، أن بلاده "ليست لديها نية لغزو الأراضي السورية أو ضمها"، وأشار إلى أن "المشكلة في إدلب لن تُحل حتى تلتزم القوات الحكومية بالشروط التي حددها اتفاق سوتشي"، وأضاف قائلاً: "وخلاف ذلك، سنتعامل مع المشكلة قبل نهاية فبراير".

واللافت في هذا السياق، أن الرئيس السوري بشار الأسد رد على هذه التصريحات بشكل غير مباشر، حيث قلل، خلال الكلمة المتلفزة له في 17 فبراير الجاري، من التهديدات التركية، قائلاً: "معركة تحرير ريف حلب وإدلب مستمرة بغض النظر عن بعض ‏الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال، كما استمرار معركة تحرير كل ‏التراب السوري وسحق الإرهاب وتحقيق الاستقرار".

2- الاعتراف السوري بالإبادة الأرمنية: أعلن مجلس الشعب السوري بالإجماع، في 13 فبراير الحالي، أن عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن بين عامى 1915 و1917، هى إبادة جماعية. وجاء في بيان المجلس أنه "يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين". وتابع البيان: "كما يدين المجلس أى محاولة من أى جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها".

انخراط دولي:

تدخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في التصعيد الحالي، بتقديم دعم لطرفى التصعيد، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

1- الإعلان الأمريكي عن دعم استخباراتي وعسكري للجيش التركي: قال المبعوث الخاص للخارجية الأمريكية بشأن سوريا جيمس جيفري، خلال زيارته لتركيا في 13 فبراير الجاري، أن "الولايات المتحدة تنظر في سبل تقديم الدعم لتركيا في إدلب في إطار حلف الناتو، والأولوية هنا تعود لتزويد العسكريين الأتراك بمعلومات استخباراتية ومعدات عسكرية". وشدد المبعوث الأمريكي على أن الحديث لا يدور حتى الآن عن دعم أنقرة عن طريق إرسال جنود أمريكيين إلى منطقة النزاع. وفي سياق متصل، أعلن البيت الأبيض، بعد ذلك بيومين، أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا روسيا، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إنهاء دعمها للفظائع التي ترتكبها الحكومة السورية".

2- الاتهامات الروسية المتواصلة لأنقرة بعدم الالتزام باتفاق سوتشي: أشارت تقارير روسية عديدة إلى أن تركيا أدخلت إلى إدلب أكثر من 70 دبابة ونحو 200 مدرعة و80 مدفعاً، وأن جزءاً كبيراً من المعدات يجري تسليمه لمسلحي "هيئة تحرير الشام" الإرهابية (جبهة النصرة سابقاً). وقد دفع ذلك الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف إلى القول بأن "أنقرة لم تف بالتزاماتها بشأن اتفاق سوتشي حول إدلب"، مضيفاً أن "الإرهابيين في إدلب يحصلون على معدات عسكرية خطيرة جدا".

لكن روسيا لم تكتف بالانتقادات، حيث قام الطيران الروسي بشن هجمات لوقف تقدم الفصائل نحو النيرب، مع تكثيف الغارات الجوية على مواقع المسلحين في إدلب، لمنع أنقرة، وتلك الميليشيات، من العودة مرة أخرى إلى السيطرة على مناطق تمكنت القوات السورية من استعادتها في الفترة الماضية، باعتبار أن خيار العودة من جديد إلى المرحلة السابقة التي كانت تلك الميليشيات تسيطر فيها على كامل إدلب لم يعد قائماً ولن تسمح به موسكو. 

ختاماً، يشير ما سبق في مجمله إلى أنه لا يمكن استبعاد احتمال تطور التصعيد التركي- السوري إلى مواجهات مسلحة مباشرة، على نحو سوف يكون له تداعيات عديدة على التطورات السياسية والميدانية التي سوف تشهدها سوريا خلال المرحلة القادمة.