أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

ما وراء "داعش":

دوافع العودة الأمريكية المتصاعدة إلى العراق

15 يونيو، 2017


تختلف عودة الوجود العسكري الأمريكي إلى العراق بشكل مباشر وتدريجي في مرحلة ما بعد يونيو 2014 التي سيطر فيها تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من هذا البلد، عن سابقتها خلال الغزو الأمريكي في مارس 2003، والذي أدي إلى احتلال شامل للدولة، وإسقاط نظام "صدام حسين"، في 9 إبريل من العام ذاته، والسيطرة على البلاد، والتأسيس لنظام حكم جديد. ويكمن الاختلاف في أن الوجود العسكري الأمريكي هذه المرة جاء بناء على طلب من حكومة بغداد للمساعدة في الحرب على الإرهاب، ما يُضفي الشرعية على القوات الأمريكية بالعراق.

دوافع العودة:

لم تكن عودة القوات الأمريكية إلى الساحة العراقية بشكل مباشر إلا نتيجة لعدة متغيرات، يتمثل أهمها فيما يلي:

1- أهمية العراق استراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا للولايات المتحدة الأمريكية.

2- تزايد النفوذ الإيراني في العراق الذي بدأ مع مرحلة الاحتلال الأمريكي، وقد بلغ ذروته في مرحلة تالية للانسحاب الأمريكي، وهو أمر ذو أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة التي تحمّلت تكاليف الحرب والاحتلال، وكانت النتيجة أن تحل محلها إيران. 

3- المسعى الروسي للتواجد المباشر في المنطقة، فقد نجحت موسكو بالفعل في تعزيز تواجدها بسوريا، كما تعمل على التواجد في الساحة العراقية.

4- يتطلب سياق الحرب على الإرهاب من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لمواجهة تنظيم داعش في العراق، مرتكزًا ذلك على التصور الذي شاع لدى الأوساط السياسية والبحثية الأمريكية حول "التسرع" بالانسحاب العسكري من العراق عام 2011، حتى إن هناك من عده خطوة فاشلة أدت إلى عودة نشاط الجماعات الإرهابية، وأضاعت الجهود الأمريكية بتحقيق الاستقرار في العراق قبيل الانسحاب منه.

حجم الوجود الأمريكي:

اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة التدرج في العودة إلى العراق، ابتداء من انطلاق عملية "الحل المتأصل للإرهاب" لمواجهة داعش في مرحلة ما بعد 10 يونيو 2014، وذلك عبر إرسال قواتها على شكل دفعات بين حين وآخر. وقد كانت الدفعة الأولى 170 جنديًّا في يونيو 2014، وانتهى العام ليصل حجم القوات إلى 1550 عسكريًّا، وكانت مهمتهم المعلنة هي تقديم المشورة والنصح للقوات الأمنية العراقية التي تواجه عناصر التنظيم في العديد من المناطق.

وخلال عام 2015 واصلت الولايات المتحدة زيادة حجم قوتها على شكل دفعات حتى وصل عددها إلى ما يقرب من 4000 عنصر يتوزعون بين مدربين وفنيين ومستشارين عسكرين وأمنيين وقوات خاصة. وشهد عام 2016 زيادة في القوات الأمريكية على شكل دفعات تتراوح بين 300 و500 عنصر ليصل العدد إلى أكثر من 6000 عسكري، فضلا عن أن هناك ما يقارب 1800 عنصر إضافي لا تعدهم وزارة الدفاع الأمريكية ضمن قواتها لمحاربة داعش، ويتواجدون في السفارة الأمريكية في بغداد، وعادةً ما يكلفون بمهام مؤقتة وسرية عديدة.

وتُشير التقديرات إلى أن عدد القوات الأمريكية في العراق سيتزايد خلال الفترة المقبلة في ظل توجه إدارة الرئيس "دونالد ترامب" لتكثيف التواجد الأمريكي في العراق، بعد أن تم تخويل وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" سلطة اتخاذ القرار بشأن زيادة القوات الأمريكية في العراق وسوريا دون الرجوع إلى البيت الأبيض، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك.

أماكن التواجد:

تتوزع أماكن تواجد القوات الأمريكية في غرب ووسط وشمال العراق في قواعد عسكرية ومعسكرات دائمة ومؤقتة تمكنها من أداء المهام المقررة لها، ومن تلك القواعد ما يلي:

1- قاعدة التاجي، وقاعدة في مطار بغداد الدولي، وتشكل مركزًا للقيادة والتحكم وإجراء التحقيقات والمعلومات الاستخبارية. 

2-  قاعدة "عين الأسد" المحصنة التي تنطلق منها العمليات الخاصة، وفيها ما يقارب 300 مستشار عسكري أمريكي.

3- قاعدة "الحبانية" التي تضم معسكرًا للتدريب والاستراحة ومخازن للأسلحة والعتاد ومراكز للسيطرة والتحكم، ومعسكر في الرطبة كمركز للعمليات هدفه تأمين الحماية للطريق الدولي الرابط بين العراق وسوريا والأردن. 

4-  قاعدة "بلد"، وهي الأكبر من حيث الحجم بين القواعد الأخرى، وتضم منشآت ومخازن عسكرية ومدارج لطائراتF16 . 

5- قاعدة "سبايكر" بالقرب من تكريت.

6- قاعدة "القيارة" التي تم استردادها من سيطرة داعش، وقد باشرت القوات الأمريكية تأهيلها وتهيئة مدارج الطيران فيها. وتأتي أهميتها من كونها ستكون قاعدة جوية مشتركة لطائرات F16 الأمريكية والعراقية، ومن الممكن أن تكون بديلا لقاعدة "إنجرليك" التركية، ويتم استخدام القاعدة كمركز لعمليات تحرير الموصل، وتقديم الدعم اللوجستي والتدريب للقوات المشاركة في مواجهة "داعش". وقد تسلمت هذه القاعدة الكتيبة 82 المحمولة جوًّا في شهر ديسمبر 2016، وينتشر فيها عناصر من الفرقة 101 المحمولة جوًّا منذ شهر أكتوبر الماضي، فضلا عن العشرات من الفنيين والمستشارين العسكريين والمهندسين. ويصل عدد القوات الأمريكية فيها إلى ما يقارب 1000 جندي أمريكي و1700 من جنسيات متعددة من قوات التحاف الدولي. 

وهناك تمركز للقوات الأمريكية في معسكرات بالقرب من سد الموصل وحمام العليل. يضاف إلى ذلك معسكرات أخرى في أربيل والسليمانية ودهوك بإقليم كردستان.

مهام القوات:

تتعدد وتتنوع المهام المكلفة بها القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، ومنها: 

1- التدريب: تقوم القوات الأمريكية بتدريب القوات الأمنية العراقية على القتال وحرب العصابات والمدن؛ حيث أنجزت الكثير من دورات التدريب العسكرية للقوات الأمنية العراقية ومتطوعي العشائر من محافظتي الأنبار ونينوى، وتأهيلهم وتسليحهم للمشاركة في معارك تحرير مناطقهم والمناطق الأخرى التي يستولي عليها داعش.

2- الدعم والإسناد: تقدم القوات الأمريكية الإسناد والدعم اللوجستي للقوات الأمنية العراقية التي تشارك في معارك قتال داعش، إذ يتولى المستشارون العسكريون الأمريكيون مهمة تقديم الاستشارة والخبرات العسكرية والمعلومات الاستخبارية وتنسيق الضربات الجوية مع القادة العسكريين العراقيين، والإشراف على وصول الدعم اللوجستي.

3- المشاركة في القتال: على الرغم من نفي المسئولين العراقيين المشاركة المباشرة للقوات الأمريكية في قتال تنظيم داعش؛ إلا أن الواقع يؤكد المشاركة الفعلية لهذه القوات في معارك تحرير مناطق الأنبار ومعركة تحرير الموصل في الوقت الراهن، إذ تقوم الطائرات المروحية الأمريكية من نوع أباتشي وسوبر كوبرا بتقديم الغطاء الجوي للقوات العراقية في عملية تحرير الموصل، فيما تشارك كتيبة المدفعية الأمريكية بهذه العملية، فضلا عن قوات أخرى تعمل على إزالة العبوات الناسفة وتأمين الطرق للقوات المشاركة في القتال.

4- عمليات الإنزال: قامت القوات الأمريكية بالعديد من عمليات الإنزال الجوي في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" وحققت أهدافها. ومن أبرز تلك العمليات عملية الإنزال الجوي في 22 أكتوبر 2015 التي قامت بها القوات الأمريكية في قضاء الحويجة لتحرير العديد من الرهائن لدى تنظيم داعش. 

5- العمل على إعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق المحررة.

6- تقوية قدرات القوات الأمنية العراقية، وتمكينها من الحفاظ على الأمن، ومواجهة أي تهديدات أمنية ربما تحصل مستقبلا.

7- العمل على ضمان عدم تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق، وعدم عودة ظهور تنظيم داعش أو أي جماعات إرهابية أخرى في الساحة العراقية.

8- إعداد برنامج لإعادة تأهيل المؤسسة العسكرية العراقية، لا سيما تطوير الخبرات والمهارات للفرق والوحدات العسكرية التي أعيدت هيكلتها بعد استيلاء داعش على مناطق تواجد هذه القوات وانسحابها.

وتتعدى مهام القوات الأمريكية في العراق مسألة محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه فحسب، وإنما تتجاوز ذلك لتشمل مهام أخرى أهمها حماية الطرق الدولية، وضمان إعادة افتتاحها وتأهيلها، فضلا عن مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران المتزايد في العراق، لا سيما بعد الانتهاء من القضاء على الجماعات الإرهابية هناك.

المعوقات عديدة:

على الرغم من أن عودة الوجود العسكري الأمريكي إلى العراق كانت بطلب من الحكومة العراقية للمساهمة في الحرب على داعش، وأن هناك نوعًا من القبول والترحيب بعودة هذه القوات، لا سيما من قبل العديد من مكونات المجتمع العراقي، كالأكراد فضلا عن السنة الذين كان قطاع كبير منهم فيما سبق يعارض هذا الوجود؛ إلا أن هناك معوقات تعترض هذه القوات، ومن ثم أداءها واستمرار بقائها في العراق مستقبلا. 

وتتمثل أبرز تلك المعوقات في: رفض عدد من الفصائل المسلحة (مثل: سرايا السلام، وحركة عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله) لعودة القوات الأمريكية، كما أعلنت أنها ستقاتل هذه القوات كونها قوات احتلال عادت إلى العراق من جديد ولا بد من مقاومتها. هذا إلى جانب أن استشعار إيران الخطر من تزايد عدد القوات الأمريكية في العراق يدفعها إلى إثارة المتاعب لها عبر الجماعات المسلحة المرتبطة بها، التي من الممكن أن تستهدف القوات الأمريكية، لا سيما مع انتهاء مبررات التواجد العسكري الأمريكي في العراق بانتهاء مواجهة داعش.

ويُشاطر هذه الجماعات المسلحة الموقفَ نفسه العديدُ من القوى السياسية العراقية، كالتيار الصدري وائتلاف دولة القانون، اللذين أعلنا رفضهما للوجود الأمريكي، ما قد يدفع الحكومة العراقية في وقت لاحق للمطالبة بانسحاب هذه القوات في مرحلة ما بعد داعش. فضلا عن رفض الرأي العام الأمريكي استمرار التواجد العسكري للولايات المتحدة في العراق بعد القضاء على التنظيم، والمطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق.

نظرة مستقبلية: 

تتعدى أهداف الوجود العسكري الأمريكي في العراق القضاء على تنظيم داعش؛ حيث إن هناك توجهًا أمريكيًّا لتحقيق وجود عسكري طويل المدى -إن لم يكن دائمًا- في العراق. ويستند هذا الرأي إلى انتقادات سياسيين أمريكيين قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" بسحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011. فضلا عن أن هناك مهام مستقبلية للقوات العراقية تدخل في إطار ضمان عدم عودة الجماعات الإرهابية إلى العراق، وتعزيز استراتيجية المواجهة مع إيران في ظل تصعيد إدارة الرئيس "ترامب" ضدها.

كما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضمان امتلاك قواعد عسكرية تمنحها حرية المناورة في حال رفض تركيا استخدامها قاعدة "إنجرليك" في تحقيق أهداف معينة، وضد دولة ما في المنطقة، بما يتعارض مع السياسة التركية في المنطقة. 

وختامًا، يمكن القول إن أحداث 10 يونيو 2014 مثلت فرصة مواتية لعودة القوات الأمريكية إلى العراق، وأن مهامها تتعدى مسألة محاربتها تنظيم "داعش" والقضاء عليه، إلى إعادة ترتيب الأوضاع في العراق بما يتناسب والرؤية الأمريكية في تحجيم دور إيران في العراق والمنطقة، وعودة الشركات الأمريكية للعمل والاستثمار في العراق، وتحقيق وجود عسكري طويل المدى فيه.