نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا للكاتب «إبراهيم الغيطانى»، تناول فيه اتفاق تحالف «أوبك+» على خفض إنتاج النفط نتيجة توقف النشاط الاقتصادى العالمى بسبب تفشى الوباء، وتأثير ذلك على الدول المنتجة للنفط... نعرض منه ما يلى:
تمكن تحالف «أوبك+»، بعد مفاوضات حثيثة بين أعضاء منظمة أوبك والمنتجين المستقلين بقيادة روسيا، من إبرام اتفاق لخفض إنتاج النفط الخام فى 12 إبريل الحالى، وذلك فى محاولة لوضع حد لخسائر أسعار الخام الناجمة عن الانخفاض الكبير فى الطلب على الخام نتيجة توقف النشاط الاقتصادى العالمى، وتعطيل حركة الطيران الدولية مع تفشى فيروس كورونا منذ بداية العام. ومن المنتظر أن تُسهم تخفيضات الإنتاج المعلنة من قبل التحالف فى الحد من تُخمة المعروض، وتراكمات المخزون العالمى من النفط. وعلى الرغم من ذلك يشكك بعض المراقبين فى جدوى الاتفاق فى رفع الأسعار، نظرا لحالة عدم اليقين الاقتصادى فى ظل تفشى كورونا. ولكن مع تخفيضات الإنتاج، تتلقى أسواق النفط بعض الإشارات الإيجابية عن إمكانية حدوث تعافٍ فى الطلب على الخام، مع اعتزام بعض كبار مستهلكى النفط فى العالم استئناف النشاط الصناعى والنقل، بدءا من مايو المقبل، بما سيكون له مردود إيجابى على مستويات الأسعار بداية من الربع الثالث.
ظروف استثنائية
يأتى إبرام تحالف «أوبك+» اتفاق خفض الإنتاج فى 12 إبريل الحالى فى ظل ظروف استثنائية يعيشها الاقتصاد العالمى، حيث تواجه العديد من دول العالم تعطلا فى النشاط الاقتصادى، وعرقلة حركة الطيران والنقل نتيجة تفشى فيروس كورونا منذ يناير الماضى، وقد كان للتطورات هذه تداعيات سلبية على سوق النفط، حيث أدت إلى حدوث هبوط كبير فى الطلب العالمى على الخام وبمقدار تضاعف إلى أكثر من 10 ملايين برميل فى مارس الماضى.
ولم تكن استجابة تحالف «أوبك+» لصدمة الطلب المتوقعة بسوق النفط على قدر تطورات الأحداث، حيث تعثر أعضاء أوبك والمنتجون المستقلون فى 6 مارس الماضى ــ نتيجة خلافات فنية وسياسية ــ فى التوصل إلى اتفاقٍ لخفض الإنتاج، تبعه قيام المنتجين بإغراق الأسواق بالخام فى سياسةٍ عُرفت بـ«حرب الحصص السوقية» بين المنتجين، ونجم عن ذلك تدهور حاد فى أسعار النفط، وفقد خام برنت أكثر من ثلث قيمته ليصل إلى قرابة 31 دولارا للبرميل حتى جلسة 9 مارس السابقة لإبرام الاتفاق الجديد.
وبحسب التوقعات، سوف تزيد المستويات المتدنية لأسعار الخام من خسائر الاقتصاد العالمى فى ظل وباء كورونا، حيث من المحتمل أن تضعف اقتصادات بعض الدول المنتجة للنفط بشدة، وتهدد استقرارها المالى والنقدى، لا سيما تلك الدول التى ليست لديها أرصدة مالية كافية. وطبقا لمعهد التمويل الدولى، فإن مُصدرى النفط بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ــ على سبيل المثال ــ عرضة لفقدان عائدات تُقدر بقيمة 192 مليار دولار حتى لو بلغ متوسط سعر النفط نحو 40 دولارا للبرميل فى 2020، وهى خسائر كبيرة تعادل 11% من الناتج المحلى الإجمالى لاقتصادات المنطقة.
وعلاوة على ما سبق، من المحتمل أن يعانى منتجو النفط مرتفع التكلفة ــ وأبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية ــ بشدة من المستويات المتدنية لأسعار الخام، وتعمل شركات النفط الصخرى الأمريكية بربحية عند مستوى يتراوح بين 40ــ50 دولارا للبرميل، أى أقل بعشرين دولارا عن الأسعار الحالية للخام، وهو ما سيعرض معظم الشركات لأزمة مالية حادة.
توافق جماعى
ومع إدراك الجميع لحجم الخسائر الكبيرة التى سيتحملونها، بدأ منتجو النفط فى إجراء مباحثات جديدة فى أواخر مارس من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لدعم مستويات الأسعار. وهنا برز دور جوهرى للولايات المتحدة ــ التى ترغب فى مساندة صناعة النفط الصخرى ــ فى تقريب وجهات النظر بين كبار منتجى النفط، وعلى رأسهم السعودية وروسيا، بشأن السبل الممكنة لاستعادة توازن السوق.
وإضافة للسابق، تعهدت الولايات المتحدة بخفض إضافى فى إنتاجها ــ فوق المستويات المقترحة من أوبك ــ بنحو 250 ألف برميل يوميا نيابة عن المكسيك، وذلك طبقا لتصريح الرئيس المكسيكى «أندريس مانويل»، وذلك بعد اشتراطها خفض إنتاجها بنحو 100 ألف برميل يوميا فقط للانضمام للاتفاق الجديد. كما يُذكر أن عددا من المنتجين الآخرين أيدوا الاتفاق، وعلى رأسهم النرويج التى أبدت استعدادها للمشاركة فى خفض الإنتاج دعما للاتفاق، فى مبادرةٍ أولى من نوعها للتعاون مع أوبك.
كما حظى الاتفاق بدعم غير مسبوق من الهيئات الممثلة لكبار مستهلكى النفط، مثل: الوكالة الدولية للطاقة، ومجموعة العشرين، وتعهد بعض أعضائها بزيادة مشترياتهم من المخزونات الاستراتيجية، وهذا ما يكشف عن توافق فى وجهات النظر لأول مرة عالميا بين منتجى ومستهلكى النفط على ضرورة رفع الأسعار لمساندة أسواق النفط فى ظل ركود الاقتصاد العالمى بسبب فيروس كورونا.
تبديد التخمة
أقر تحالف «أوبك+» تخفيضات فى إنتاج النفط بنحو 9.7 ملايين برميل يوميا فى شهرى مايو ويونيو 2020، وهو ما يعادل نحو ثلاثة أضعاف المستوى المقترح فى 6 مارس الماضى عند 3.6 ملايين برميل يوميا. وبعد ذلك، ستتوخى «أوبك+» مع تحسن مستوى الطلب العالمى خفض الإنتاج تدريجيا بنحو مليونى برميل إلى 7.7 ملايين برميل يوميا حتى نهاية العام، ثم إلى 5.8 ملايين برميل يوميا من يناير 2021 إلى إبريل 2022.
ومن المقرر أن يتحمل كبار منتجى النفط الحصة الأكبر من التخفيضات، حيث ستُجرى كل من السعودية وروسيا معا تخفيضات فى إنتاج النفط بمقدار 5 ملايين برميل يوميا، وبواقع 2.5 مليون برميل يوميا لكلٍ منهما، أى ما يوازى 51.5% من إجمالى التخفيضات، وذلك من مستوى مرجعى للإنتاج يقدر بنحو 11 مليون برميل.
ومع إضافة خمسة ملايين برميل أخرى، قد يقوم منتجو النفط الآخرون ــ مثل: كندا، والولايات المتحدة، والبرازيل ــ بخفضها بحسب مقترح «أوبك+»، وستصل تخفيضات الإنتاج الكلية لتحالف «أوبك+» والمنتجين الآخرين لنحو 14.7 مليون برميل يوميا، وما يتخطى مقدار الانخفاض المتوقع فى الطلب على الخام والبالغ نحو 14 مليون برميل يوميا فى إبريل ومايو، وهذا ما سيمهد نسبيا لاستعادة توازن السوق مع تقليص تخمة المعروض وتراكمات المخزونات التجارية العالمى من الخام، وبالتالى وقف نزيف الأسعار.
ومع ذلك، شكك بعض مراقبى صناعة النفط فى جدوى الاتفاق فى إنعاش الأسعار فى القريب العاجل. فعلى الرغم من التخفيضات الهائلة، لا يزال من المتوقع ــ بحسب بعض التقديرات ــ وجود فائض فى المعروض العالمى من الخام بما يتراوح بين 5 إلى 10 ملايين برميل يوميا حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالى.
وبناء عليه، تذهب معظم التوقعات حاليا إلى أن أسعار خام برنت ستستقر على الأرجح عند متوسط يبلغ نحو 30 دولارا للبرميل فى الربعين الثانى والثالث من عام 2020، قبل أن ترتفع مجددا بحلول الربع الرابع من العام إلى مستوى يقترب من 35 دولارا للبرميل مع تعافى الطلب العالمى على الخام.
ورغم التوقعات السابقة، فمن الإيجابى لسوق النفط أن أعلن بعض كبار مستهلكى النفط فى آسيا ــ مثل: الهند، بجانب باكستان، وتايلاند ــ استئناف النشاط الصناعى فى مايو المقبل، مع اتخاذ الإجراءات الوقائية الكافية للحد من فيروس كورونا. وبالمثل أيضا، تدرس الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية استئنافا تدريجيا للنشاط الاقتصادى قبل نهاية النصف الثانى من العام.
ومن شأن عودة النشاط الاقتصادى تدريجيا فى الأشهر المقبلة، مع التزام أطراف «أوبك+» بالامتثال بشكل كامل لخفض الإنتاج؛ أن ينعش الطلب العالمى على النفط، ويدعم مستويات الأسعار بعشرة دولارات إضافية، بمستوى يقترب من أربعين دولارا للبرميل.
*المصدر: صحيفة الشروق