أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

هسبريس:

لكريني يبرز دور "الدبلوماسية الإنسانية" في تخفيف أضرار الكوارث الطبيعية

25 سبتمبر، 2023


قال الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض، إن الأحداث والكوارث التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة توضح أن الدول ما زالت بحاجة إلى إرساء سُبل أكثر نجاعة واستدامة في إطار من التعاون والتضامن الإنسانيين، مشيرا إلى بروز “الدبلوماسية الإنسانية” كأسلوب حضاري يدعم تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف العبء عن الدول المُتضررة من الكوارث الطبيعية.

وأضاف لكريني، في مقال معنون بـ”دور ‘الدبلوماسية الإنسانية’ في تخفيف أضرار الكوارث الطبيعية”، نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن الوعي بخطورة التهديدات والمخاطر التي تخلفها الكوارث على المستويين الوطني والدولي يمكنه أن يدعم إرساء علاقات دولية بحس إنساني، تقوم على الحوار والتضامن وتنسيق الجهود في مواجهة مستقبل سمته الغموض والتحديات.

نص المقال:

على امتداد التاريخ شكلت الكوارث الطبيعية أحد العوامل المُهددة لحياة الإنسان واستقراره، فقد خلّفت الزلازل والبراكين والحرائق والأوبئة والمجاعات عدداً كبيراً من الضحايا والخسائر التي تجاوزت مخلفات الحروب، مما تسبب في نزوح الكثير من الناس بحثاً عن فضاءات آمنة. وأمام هذه الظواهر الطبيعية الضاغطة التي لا يمكن وقف زحفها، حاول الإنسان جاهداً البحث عن سُبل ناجعة وقائية وعلاجية تضمن تقليل الخسائر عند وقوعها.

وفي الوقت الراهن ازدادت خطورة هذه الكوارث مع تصاعد التهديدات والملوثات التي تطال البيئة بكل مكوناتها، بفعل نشاط الإنسان غير الرشيد، وتزايد التجمعات البشرية المكثفة والمدن المليونية، وهو ما دفع الدول إلى إرساء نظم متطورة لرصد الكوارث، ونهج سياسات تهدف إلى الحد من تمددها وخروجها عن السيطرة والتحكم.

وعلى الرغم من هذه الجهود، توضح الكثير من الأحداث والكوارث، التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، أن الدول ما زالت بحاجة إلى إرساء سُبل أكثر نجاعة واستدامة في إطار من التعاون والتضامن الإنسانيين.

وفي هذا السياق برزت “الدبلوماسية الإنسانية” كأسلوب حضاري يدعم تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف العبء عن الدول المُتضررة من الكوارث الطبيعية. وهنا سنقف عند خطورة هذه الكوارث وتداعياتها على الأمن الإنساني، مع رصد أهمية “الدبلوماسية الإنسانية” وتناولها في السياق الإقليمي في ظل ما شهده عام 2023 من كوارث طبيعية في عدة دول بالمنطقة.

تزايد الكوارث

تشير الكارثة إلى حادث أو اضطراب مفاجئ وقع فعلاً، تتمخض عنه- بحسب طبيعته- مجموعة من الخسائر في الأرواح، والمنشآت، والبنى التحتية، والمصالح الاقتصادية. وهي تحتاج إلى تدبير وقائي وعلاجي محوكم يستند إلى أساليب علمية، وقدر كبير من التشاركية والتخصص والمرونة.

وتتفرع الكوارث إلى عدد من الأصناف، تبعاً لخطورتها، وللعوامل المسبّبة لها، ولطبيعتها. وعموماً، هناك كوارث بشرية عمدية أو تحدث جرّاء الأخطاء، كما هو الأمر بالنسبة للهجمات الإرهابية ونتائجها، وتلك الناجمة عن تلوث البيئة، وهناك أيضاً كوارث مشتركة، يسهم فيها الخطأ البشري وإهماله إلى جانب العوامل الطبيعية، كما هو الأمر بالنسبة لتسرب الغازات السامة، والإشعاعات، والحرائق، وحوادث الطائرات والسفن. وثمة كوارث طبيعية تُحدثها البراكين، والأعاصير، والزلازل، والجفاف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، وانتشار الأوبئة والأمراض الخطرة المُعدية.

وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة في عام 2021 أن عدد الكوارث الطبيعية المترتبة عن التغيرات المناخية زاد بحوالي خمس مرات خلال نصف القرن الماضي، وأسفر في مجمله عن مقتل أكثر من مليوني شخص، وعن تكلفة اقتصادية ومادية بلغت ما يناهز 3.64 تريليونات دولار.

وشهد عام 2023 مجموعة من الكوارث الطبيعية التي خلّفت عدداً من الضحايا والخسائر البشرية، أبرزها في منطقة الشرق الأوسط، بدايةً من الزلزال الكبير الذي وقع جنوب تركيا وشمال سوريا في فبراير الماضي وأدى إلى مقتل نحو 51 ألفاً، مروراً بزلزال المغرب في شهر سبتمبر الجاري، الذي اقترب عدد قتلاه حتى الآن من 3 آلاف شخص، وصولاً إلى فيضانات مدينة درنة الليبية في سبتمبر أيضاً، التي تتباين أعداد ضحاياها؛ فبينما يقارب الإحصاء الحكومي الثلاثة آلاف شخص تحدث مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن أن 11300 شخص على الأقل قضوا حتفهم في هذا الإعصار، بالإضافة إلى وجود أكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين. وعلى مستوى مناطق أخرى في العالم، طالت الحرائق عدداً من الدول مثل تشيلي، علاوة على الأعاصير التي أصابت دولاً أخرى مثل مدغشقر ونيوزيلندا، بالإضافة إلى عدد من الفيضانات التي اجتاحت دولاً مثل البرازيل.

وتمثل الكوارث الطبيعية بثقلها وانعكاساتها الآنية واللاحقة خطراً على الأمن الإنساني، وتحدياً كبيراً أمام الدول؛ بالنظر إلى فجائيتها، والهلع والاضطراب اللذين يرافقانها، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات عاجلة ومواكبة للوضع بصورة تمنع تدهوره، بالإضافة إلى جهود مكثفة تواكب انعكاساته المستقبلية.

“الدبلوماسية الإنسانية”

يمثل ضغط الكوارث الطبيعية ثقلاً كبيراً على كاهل الدول، خصوصاً أن التعامل معها لا يقتصر على الانعكاسات الآنية، بل يتطلب جهداً كبيراً على مستوى التعامل مع كُلفتها المستقبلية؛ على عدة مستويات اقتصادية واجتماعية ونفسية.

وقد تبين في كثير من الأحيان أن الدول مهما بلغت إمكاناتها وتقدمها، فإن التدابير والسياسات الوطنية المُتخذة في هذا الشأن تظل بحاجة إلى مساعدات دولية تسمح بالتدخل المناسب في سباق مع الزمن لتطويق تداعيات الكوارث التي يؤدي فيها الوقت عاملاً أساسياً.

وفي هذا السياق برزت “دبلوماسية المساعدات الإنسانية” كأسلوب حضاري يدعم تكثيف الجهود لمواجهة الكوارث التي يشهدها المجتمع الدولي.

ويتكامل هذا النوع من الدبلوماسية مع صور أخرى من الدبلوماسية الموازية، كما هو الشأن بالنسبة لـ”الدبلوماسية الثقافية”، التي تحيل إلى توظيف المعرفة والمعلومات والأفكار والفنون في ترسيخ قيم ومبادئ تعزّز الحوار والتواصل بين الشعوب؛ أو “الدبلوماسية الحضارية”، التي تتوخى توظيف المشترك الحضاري الإنساني لإرساء سلوك دولي يدعم تحقيق التنمية الإنسانية ونبذ الحروب وتعزيز التضامن الدولي؛ أو “الدبلوماسية الروحية”، التي تنطوي على أهمية كبرى بالنظر إلى ما يميزها من قداسة واستحضار للمشترك الإنساني والحضاري.

إن الهاجس الذي يفترض أن يُحرك هذه “الدبلوماسية الإنسانية” هو حماية حقوق الإنسان وتعزيز التنمية الإنسانية التي تصون حياته وكرامته، وهي عملية تقودها الدول وعدد من المنظمات والهيئات المدنية في لحظات الكوارث، وتنطوي على قدر كبير من الأهمية؛ بالنظر إلى كونها تعبيراً راقياً يعكس الرغبة في “أنسنة” العلاقات الدولية، وتجاوز الخلافات السياسية والحسابات الضيقة، خلال الفترات الصعبة التي تُنهك بانعكاساتها ميزانية الدول، بما يؤثر سلباً في العديد من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية ويعرقل جهود التنمية.

ولا تقوم “الدبلوماسية الإنسانية” ضمن مرتكزاتها على الوازع الأخلاقي والديني فقط، بل تجد امتداداتها وجذورها ضمن عدد من المواثيق والقوانين الدولية التي تدعم التعاون بين الدول، وتعزز الحماية الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تجسيد عملي لأهداف الدبلوماسية باعتبارها آلية تنفيذ السياسة الخارجية نفسها.

السياق الإقليمي

تهم الكوارث كل الدول، سواءً أكانت متطورة أم نامية، لكن انعكاساتها تختلف بحسب قدرات هذه الدول وإمكاناتها، واستراتيجيتها المُعتمدة في هذا الشأن. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الكوارث تكلّف البلدان النامية ما يقارب 1 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي السنوي، في حين لا تتجاوز النسبة في الدول المتقدمة 0.3 بالمئة كأقصى حد.

ونشطت “الدبلوماسية الإنسانية” بشكل ملحوظ خلال جائحة “كورونا”، بعدما بادرت الكثير من الدول إلى تقديم مساعدات طبية وتقنية لدول أخرى في سبيل مساعدتها على محاصرة انعكاسات وباء “كوفيد 19”.

وتُعد كثير من البلدان العربية، بحكم موقعها الجغرافي، معنية بعدد من المخاطر والكوارث الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة للزلازل والفيضانات وحرائق الغابات وندرة المياه والتلوث، وهو ما يفرض أهمية تعزيز جهود التنسيق والتضامن ومأسستهما. وأولت الكثير من دول المنطقة أهمية كبرى لـ”الدبلوماسية الإنسانية”، وهو ما تجسد على أرض الواقع في عدد من الأزمات، فقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وعدد آخر من الدول بتوجيه مساعدات إلى بلدان عربية وإفريقية خلال الأزمة التي خلفتها جائحة “كورونا”.

وعندما حدث الزلزال في تركيا، يوم 6 فبراير الماضي، تحركت الكثير من البلدان العربية لتقديم المساعدة الإنسانية، بعدما تناقلت وسائل الإعلام صوراً تبرز حجم الكارثة والمعاناة التي خلفتها. والأمر نفسه بالنسبة للزلزال الذي ضرب سوريا في الشهر ذاته، والذي عمّق جرح السكان الذين عانوا الكثير بسبب الصراعات التي تشهدها البلاد. وكان لهذه المساعدات أثر ملحوظ في التخفيف من معاناة الضحايا والمتضررين الذين فقدوا ديارهم وأهلهم، وأجبرتهم ظروف كارثة الزلزال على النزوح إلى مناطق أخرى.

وعادت هذه الدبلوماسية بقوة إلى الواجهة مع الزلزال المُدمر الذي ضرب المغرب خلال شهر سبتمبر الجاري، حيث تلقى المغرب مساعدات من دولة الإمارات وقطر وإسبانيا والمملكة المتحدة، وعبّرت دول أخرى عن استعدادها لتقديم مساعدات أخرى. والأمر نفسه برز أيضاً مع الفيضانات التي شهدتها ليبيا في سبتمبر الجاري، وشهدت خلالها تضامناً عربياً ودولياً واسعاً.

إن السلوكيات الخارجية للدول تحكمها المصلحة بالمنطق الواقعي، على اعتبار أن العلاقات الدولية لا تحتمل المجاملات، إلا أن اللحظات الإنسانية المؤثرة التي ترافق الكوارث بكل أصنافها تتطلب تذليل الخلافات الدولية، ونبذ الصراعات، وعدم استغلالها سياسياً. والواضح أن انخراط دول العالم في إرساء هذه الدبلوماسية خلال فترات الكوارث سيجعلها هي نفسها موضع تضامن كبير عند حدوث كوارث مماثلة.

فرص متاحة

كثيراً ما شكلت الأزمات والكوارث التي مرت بها الإنسانية على امتداد التاريخ محطة لتعزيز الوحدة الوطنية، وتجسير العلاقات المجتمعية. وعلى المستوى الدولي أدت هذه الكوارث إلى إرساء قواعد القانون الدولي، وتأسيس منظمات كسبيل لمحاصرة الحروب والنزاعات التي تهدد الإنسانية جمعاء.

كما أن تزايد الاعتماد المتبادل بين أعضاء المجتمع الدولي بفعل التطورات المتسارعة للعلاقات الدولية جعل انعكاسات الكوارث الطبيعية تطال المحيط الدولي، على مستوى النزوح البشري، والإشكالات الاقتصادية والإنسانية، مما أصبح يفرض تضامناً دولياً. وتختزن “الدبلوماسية الإنسانية” فرصاً كبيرة على مستوى تذليل الخلافات، وإرساء شعور شعبي إيجابي يدعم التواصل والحوار وتشبيك المصالح بين الدول.

وهكذا، فإن الوعي بخطورة التهديدات والمخاطر التي تخلفها الكوارث على المستويين الوطني والدولي يمكنه أن يدعم إرساء علاقات دولية بحس إنساني، تقوم على الحوار والتضامن وتنسيق الجهود في مواجهة مستقبل سمته الغموض والتحديات.

*لينك المقال في هسبريس*