أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

عوائد مُنتظرة:

دوافع إطلاق السعودية مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية

14 يونيو، 2023


أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، في خطوة جديدة من نوعها، تهدف إلى تحسين وضع الرياضة في المملكة، وتحقيقاً لمستهدفات "رؤية السعودية 2030" في القطاع الرياضي، بحسب ما ذكر بيان الإعلان عن المشروع الذي أطلقه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 5 يونيو 2023.

مساران رئيسيان:

يتضمن المشروع المُعلن عنه مسارين رئيسيين، الأول الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها. ووفقاً لهذا المسار، فإن أندية سعودية وهي الهلال والاتحاد والنصر والأهلي، سيتم تحويلها إلى شركات وتذهب 75% من ملكيتها لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، على أن تكون الحصة المتبقية البالغة 25% لمؤسسات غير ربحية تتمثل في الجمعية العمومية لكل نادٍ.

وسيتم تحويل أربعة أندية أخرى إلى شركات، ونقل ملكيتها إلى جهات تطوير تنموية، وهي: نادي القادسية الذي ستنتقل ملكيته إلى شركة "أرامكو" السعودية، ونادي الدرعية إلى هيئة تطوير بوابة الدرعية، ونادي العُلا إلى الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، ونادي الصقور إلى شركة "نيوم". كما سيتم إنشاء صندوق استثماري لكل شركة من شركات الأندية الثمانية التي تم نقل ملكيتها، وإيداع قيمة النادي في الصندوق الاستثماري، مقابل نقل الملكية إليها، وذلك بهدف تحقيق عوائد مُستدامة لصالح شركة النادي.

أما المسار الثاني، فيتمثل في طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدايةً من الربع الأخير من عام 2023، وسيتم تنفيذه بالتنسيق مع المركز الوطني للتخصيص، إذ سيتم اختيار أندية من مختلف الدرجات لطرحها للقطاع الخاص في المرحلة الأولى، وذلك خلال الربع الأخير من العام الجاري، بناءً على معايير سيتم الإعلان عنها خلال فترة الطرح.

أهداف المشروع:

يسعى مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية السعودية إلى تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في الآتي:

1- إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي: تعمل السعودية على تعزيز خطتها التي تستهدف قطاع الرياضة الذي شهد توفير 3500 فرصة عمل بدوام كامل في الأندية الرياضية. ومن خلال منصة "نافس" المعنية بإصدار تراخيص الأندية والأكاديميات والصالات الرياضية الخاصة لمستثمرين من داخل المملكة وخارجها، والتي تم إطلاقها في عام 2021، تم منح 2700 رخصة منها 196 رخصة لأندية رياضية بينها 4 أندية تجارية شاركت في دوري الدرجة الرابعة لكرة القدم. 

2- رفع مستوى الاحترافية والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية السعودية: يقوم المشروع على تصنيف الأندية الرياضية السعودية إلى 6 فئات، من خلال آلية عمل تقوم على حصر عدد الأندية لكل فئة بشكل سنوي، لتحديد قيمة الدعم وتنظيم مصاريف الحوكمة وفق الميزانيات المعتمدة، حيث يتم تحديد الميزانية وفئة المستحقين بداية كل موسم رياضي، ويركز التقييم على متوسط درجات النادي في الموسم السابق من الربعين الأول وحتى الرابع، ولا يتم تغيير فئة النادي إلا مع نهاية الموسم الرياضي. ووفقاً لوزير الرياضة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، بلغ عدد الأندية التي طبقت معايير الحوكمة 61 نادياً، كما زاد عدد الأندية التي فعّلت 10 رياضات أو أكثر من 9 أندية عام 2019، إلى 110 في عام 2023.

وبحسب "دوري الشرق المالي 2022- النسخة السعودية" الصادر عن "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"، بلغت قيمة الدعم الحكومي لأندية دوري المحترفين السعودي في نهاية العام المالي 2022 حوالي 1.4 مليار ريال سعودي، وذلك من دون النادي الأهلي الذي لم يعلن عن نتائجه المالية.

3- رفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية: وذلك لتقديم أفضل الخدمات للجماهير الموجودة في المملكة، وهو الأمر الذي شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأربع الأخيرة. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى ارتفاع عدد الرياضيين في السعودية من 40 ألفاً في عام 2019 إلى 81 ألفاً في عام 2023، كما زاد عدد المشجعين من 1.1 مليون مشجع في عام 2019 إلى 2.2 مليون مشجع في عام 2023.

استثمار طويل الأجل:

تسعى المملكة، من خلال هذا المشروع، إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف الرياضات بحلول عام 2030، لصناعة جيل متميز رياضياً على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهو ما يُمثل استثماراً طويل الأجل، يحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على نتائجه من الناحية الرياضية.

وفي الإطار ذاته، تستهدف المملكة تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة للوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل عشرة دوريات في العالم، وهو الأمر الذي يحتاج إلى العمل على عدة جوانب، منها ما يتعلق بالبنية التحتية، وجودة الملاعب، ورفع كفاءة البث التلفزيوني، والتعاقد مع كبار المدربين واللاعبين في العالم؛ وهي الخطوة التي بدأت بالفعل بالتعاقد مع اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الفائز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 5 مرات، والذي كان نقطة البداية للمشروع السعودي الكبير بانتقاله إلى نادي النصر في شتاء 2023. ثم إعلان نادي الاتحاد في يونيو الجاري عن تعاقده مع النجم الفرنسي كريم بنزيما.

وعلى مستوى الإيرادات، تستهدف السعودية زيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من الرعايات التجارية من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنوياً. وقد ارتفعت عوائد الأندية من الرعاية من 88 مليون ريال في عام 2019 إلى 728 مليون ريال في موسم 2023، وهو ما يوضح حجم التطور الكبير في هذا القطاع.


وتضع المملكة كذلك رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات ريال إلى أكثر من 8 مليارات ريال، كأحد طموحاتها في الفترة المقبلة لتطوير بطولة الدوري السعودي لكرة القدم، وجذب الأنظار إليه. ويُقدر موقع "ترانسفير ماركت"، المتخصص في القيم السوقية للاعبين، إجمالي لاعبي أندية الدوري السعودي بنهاية موسم 2022-2023 بحوالي 322.3 مليون يورو، وتُمثل القيمة السوقية لكريستيانو رونالدو بمفرده 20 مليون يورو أي 25% من إجمالي القيمة السوقية للاعبي فريقه النصر. ومن المتوقع أن ترتفع هذه القيمة السوقية بشدة خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل التقارير الحالية عن سعي عدد من الأندية السعودية للتعاقد مع لاعبين كبار في أوروبا. 

ويُعد الدوري السعودي الأعلى إنفاقاً بين الدوريات العربية، على التعاقد مع لاعبين من الخارج في عام 2022، بشراء عقود لاعبين من أندية غير سعودية بقيمة 50.4 مليون دولار، بحسب تقرير الانتقالات السنوي الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وهو الرقم المرشح للزيادة الكبيرة خلال عام 2023 في ظل السياسة التي باتت تنتهجها أندية السعودية بالتعاقد مع لاعبين كبار.

عوائد إيجابية:

يُعد الاستثمار الرياضي بطبيعته طويل الأجل، ولا يمكن حسم عوائده المتوقعة، لكن هناك بعض الإشارات التي يمكن رصدها في هذا الشأن، لعل أبرزها ما أحدثته صفقة كريستيانو رونالدو من دوي كبير على المستوى التسويقي والدعائي، ودعم القوة الناعمة للمملكة في العالم. ويظهر ذلك في حسابات نادي النصر على منصات التواصل الاجتماعي، فعلى "إنستغرام" مثلاً قفز عدد متابعي النادي من 800 ألف إلى 15 مليوناً، كما أن جميع صحف العالم تنقل كل كبيرة وصغيرة عن رونالدو وحياته داخل المملكة، وهو تسويق كبير للدوري السعودي، ولرعاة النادي، كذلك بالنسبة لمبيعات قمصان الفريق التي أصبح الطلب عليها من الخارج أكثر من الداخل.

كما أصبح الدوري السعودي مطلوباً من 37 قناة تلفزيونية تُبث في 125 دولة، بعد ضم رونالدو، بحسب صحيفة "الرياضية" السعودية. وهو ما يعني أنه في حال قدوم العديد من نجوم الكرة الآخرين، ستزيد الشركات الراغبة في عقد صفقات الرعاية بحكم المشاهدة الواسعة للمسابقة، التي سيتم بيع حقوق بثها كذلك بأرقام مالية كبيرة، وكذلك زيادة أعداد الجماهير التي ستقوم بشراء التذاكر وتنفق أموالاً لحضور المباريات، بعضها سيأتي من الخارج لمشاهدة نجومه المفضلين.

كل هذه الأمور تحول مسار الدوري السعودي نحو مزيد من الإيرادات والاستثمارات، وتخلق المزيد من فرص العمل، وتصنع اقتصاداً رياضياً قوياً وتضعه ضمن الدوريات الكبرى في العالم. 

وتراهن السعودية على أن إدراج البُعد التجاري في إدارة أنديتها الرياضية، يمكن أن يجذب مزيداً من الاستثمارات من الصناديق الاستثمارية أو الشركات الأجنبية في القطاع الرياضي بالمملكة خلال السنوات المقبلة، ما سيرفع القيمة التجارية والاقتصادية له بنهاية المطاف، ويعود بالنفع على الاقتصاد السعودي في المُجمل.

وبخلاف العوائد المباشرة للاستثمار في القطاع الرياضي السعودي، يمكن للمملكة تحقيق عوائد غير مباشرة أخرى مثل دعم استضافتها للأحداث الثقافية والرياضية الكبرى، وتنشيط القطاع السياحي. إذ بإمكان السعودية الاستفادة من الشخصيات الرياضية البارزة مثل رونالدو وبنزيما وغيرهم في الترويج للنشاط السياحي أو العلامات التجارية للشركات السعودية، وهو نموذج تجاري شائع تعتمده كثير من الحكومات في الوقت الراهن.

امتداد إقليمي:

قد تمتد آثار التجربة السعودية في هذا المجال الرياضي إلى دول الجوار سواءً خليجياً أو آسيوياً، فبحكم المنافسة القارية التي ستجمع الأندية الآسيوية ومنها العربية والخليجية، ستسعى الأندية في هذه الدول لتقليل أي فوارق قد تظهر في مواجهة نظيرتها السعودية خلال هذه المنافسات، وبالتالي قد تسير هي الأخرى على النهج ذاته لتعزيز قوة فرقها الرياضية.

وربما يترقب البعض ما يمكن أن يصل إليه الدوري السعودي لكرة القدم في تجربته الجديدة، ويرى فيه النموذج الذي يمكن أن يسير على خطاه حال تحقيقه النجاح، أو تجنب ما يظهر فيه من سلبيات، وذلك لبناء فكر استثماري رياضي جديد في المنطقة، قد يكون موازياً لتوجه المستثمرين العرب للاستثمار في الأندية الأوروبية والأجنبية، والذي أثبت أيضاً نجاحاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة.