أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ردع إيران!

استمرار المواجهات بين واشنطن وميليشيات طهران في سوريا

06 سبتمبر، 2022


قام الجيش الأمريكي، بأوامر من الرئيس، جو بايدن، بشن غارات جوية، في 23 أغسطس 2022، ضد بنى تحتية تستخدمها مجموعات تابعة للحرس الثوري الإيراني في محافظة دير الزور بشرق سوريا، وهي الهجمات، التي تأتي رداً على الهجوم الذي نفذته ميليشيات إيران، في 15 أغسطس الماضي، على قاعدة أمريكية في حقل العمر النفطي وحقل الكونيكو للغاز الطبيعي في سوريا. وردت إيران، على ما يبدو، من خلال شن هجوم صاروخي آخر ضد القاعدة الأمريكية في حقل العمر في 3 سبتمبر الجاري، وهو ما أدى إلى سماع دوي انفجارات وتصاعد ألسنة النار.

دوافع الضربات الأمريكية:

ثمة أسباب وراء إقدام واشنطن على هذا التصعيد الذي نفذته ضد مواقع مرتبطة بإيران في سوريا، ويمكن تناولها فيما يلي: 

1- كبح تهديدات ميليشيات إيران: رغبت واشنطن، جراء هذا الضربات، إلى إيصال رسالة لطهران مفادها أن واشنطن لا يمكنها أن تظل صامتة إزاء التهديدات التي تطال قواتها ومصالحها في المنطقة، خاصة بعدما اتجهت الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا إلى تصعيد هجماتها، إذ قامت تلك المجموعات، في 15 أغسطس الجاري، بمهاجمة قاعدة "التنف" السورية، والتي توجد بها قوات أمريكية، بثلاث طائرات مسيرة، وهو ما أعقبه، بخمسة أيام، هجوم صاروخي آخر على منطقة حقل العمر النفطي، والتي تضم أكبر قواعد التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، من دون وقوع خسائر بشرية. 

لذا قامت القوات الأمريكية بتوجيه ضربات متتالية ضد أهداف مرتبطة بطهران في دير الزور، حيث استهدفت 9 مخابئ ذخيرة من أصل 11 مخزناً في المنطقة، وتُشير التقديرات إلى أن تلك المستودعات، والتي تسيطر عليها ميليشيا "فاطميون" و"زينبيون" وتُدعى "مستودعات عياش"، تمثل نقطة ارتكاز مهمة في عملية إمداد الميليشيات بالذخيرة في سوريا والمنطقة بأسرها. 

وتسعى واشنطن من هذه الهجمات إلى التأكيد لإيران بأن قيامها باستهداف القواعد الأمريكية رداً على استهداف إسرائيل قواعد إيرانية في سوريا سوف يدفع واشنطن إلى التعاون مع تل أبيب لاستهداف الميليشيات الإيرانية والمخابئ التابعة لها في سوريا. ومن ثم، فإن إيران لن تفشل فقط في ردع إسرائيل عن مهاجمتها، بل أنها سوف تضيف إليها عبء هجمات القوات الأمريكية ضد ميليشياتها. 

2- تعزيز الموقف التفاوضي الأمريكي: جاء التصعيد الأمريكي ضد إيران في سوريا، في ذات اليوم، الذي أعلنت فيه واشنطن تسليمها الرد على ملاحظات إيران حول المسودة المقترحة من جانب الوسيط الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، بما يعني الرغبة في الضغط على إيران للقبول بالرد الأمريكي، والكف عن التقدم بمطالب جديدة في المفاوضات. 

ومن جانب آخر، تسعى واشنطن إلى حرمان إيران من استخدام ميليشياتها في سوريا، كورقة ضغط ضد واشنطن في المفاوضات. كما تهدف واشنطن من هذه الضربات إلى التأكيد على استمرار دورها في الرد على التهديدات الإيرانية في المنطقة، حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، أي الفصل بين مسار التفاوض مع طهران، وبين مواجهة تهديداتها.

3- احتواء الضغوط الداخلية: بدا واضحاً أن الضربات الأمريكية تستهدف استيعاب الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها الإدارة الأمريكي داخلياً، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، وذلك نتيجة لما يرونه تخاذلاً من جانب البيت الأبيض بشأن التعامل مع إيران في المفاوضات، لاسيما في الوقت الذي تقترب فيه انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وسط مؤشرات متزايدة بانخفاض شعبية الرئيس بايدن والديمقراطيين.

4- طمأنة الجانب الإسرائيلي: تتماهي الضربات الأمريكية، مع تكثيف تل أبيب لغاراتها الجوية على مقرّات ومستودعات للأسلحة والذخائر التابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا، وهو ما تكرر في 14 و22 أغسطس 2022، في مناطق بريف دمشق وحماة وطرطوس، وهو ما يحمل رسائل طمأنة بالتزام الولايات المتحدة بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل لمواجهة تهديدات تلك الميليشيات.

كما يمكن تفسير ذلك التصعيد من جانب واشنطن، بأنه محاولة لاستراضاء الجانب الإسرائيلي، والذي يبدي معارضة لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، إذ وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، الاتفاق الحالي بأنه "سيئ"، ولا يلائم المعايير التي حددها الرئيس بايدن نفسه، لمنع إيران من التحول لدولة نووية. 

وأرسل لابيد إلى واشنطن، خلال الأسبوعين الماضيين، كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين إلى واشنطن في ثلاث زيارات متعاقبة، وهم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، ووزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية، ديفيد برنياع، وذلك بهدف إثناء واشنطن عن توقيع هكذا اتفاق مع إيران، وتطوير "خيار عسكري ذي مصداقية" للتعامل مع تهديدات إيران.

أبعاد الرد الإيراني: 

على الرغم من نفي إيران أي صلة لها بالأهداف التي ضربتها واشنطن في سوريا، فإن تتبع ما قامت به إيران عقب تلك الهجمات، يؤكد أنها سوف تتجه إلى مواصلة التصعيد، وهو ما يمكن توضحيه على النحو التالي:

1- إجراء مناورات للطائرات المسيرة: أعلنت إيران، في اليوم التالي للهجمات الأمريكية، عن بدء مناورات واسعة، بمشاركة القوى الأربع للجيش الإيراني، للمرة الأولى، وأكثر من 150 طائرات مسيرة، على امتداد البلاد، ومن دون تحديد موعد انتهاء لها، مشيرة إلى أن الهدف من إجراء تلك المناورات هو محاكاة استهداف مراكز قيادة "العدو" ومراكز الدعم اللوجيستي وأنظمة الصواريخ والرادارات. 

ويكشف ذلك أن تلك المناورات جاءت رداً على المواجهة بين واشنطن وطهران في سوريا، وهي المواجهة التي تحتل فيها "الطائرات المسيرة الإيرانية" مكانة خاصة، إذ تمت مهاجمة قاعدة التنف الأمريكية، باستخدام هذه المسيّرات.

كما تكتسب هذه المناورة أهميتها، بالنظر إلى أنها رد من جانب إيران على المناورات التي قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذها في البحر الأحمر، لمحاكاة توجيه ضربات إلى إيران في البحر والجو، فضلاً عن اختراق طائرات إسرائيلية من طراز "إف – 35" للمجال الجوي الإيراني، خلال الشهرين الأخيرين. ولذا سعت إيران إلى استعراض قوتها من خلال الكشف عن أحدث طائراتها المسيرة بتلك المناورة، مثل "كروز أبابيل"، في محاولة لردع لواشنطن وإسرائيل عن مهاجمتها. 

2- تهديد المصالح الأمريكية في الخليج: قامت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، في أعقاب الهجوم الأمريكي الأخير ضد المجموعات التابعة لها في سوريا، بالاستيلاء على سفينة وطائرة من دون طيار تابعتين للأسطول الخامس الأمريكي في مياه الخليج، يومي 29 و30 أغسطس، قبل الإفراج عنهما لاحقاً، وإن قامت إيران بنزع الكاميرات منهما، وهو ما يؤشر إلى سعي إيران لتطوير قدراتها في التصوير والمراقبة من خلال الاستيلاء على الكاميرات الأمريكية، ومحاولة تطوير نماذج مماثلة لها. 

3- استمرار التصعيد النووي: أظهر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 30 أغسطس 2022، أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم باستخدام واحدة من ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتطورة "آي آر 6" بمحطة تخصيب اليورانيوم في نطنز، الأمر الذي يحمل دلالة لافتة، خاصة مع تزامنه مع التوقيت الحساس الذي تمر به المفاوضات النووية بين إيران وواشنطن.

ويعني هذا تجاهل إيران لمطالب واشنطن والغرب بالإسراع في العودة للالتزامات النووية، وهو الأمر الذي يصعّب من فرص التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، خاصة في ظل إعلان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 30 أغسطس الجاري، أن الاتفاق النووي مرهون بإنهاء تحقيق الوكالة الذرية للطاقة النووية حول آثار اليورانيوم المخصب في 3 مواقع غير معلنة في إيران، والحصول على الضمانات بعدم انسحاب واشنطن مجدداً من الاتفاق، والرفع الكامل لجميع العقوبات المفروضة على إيران، والتحقق العملية والموضوعي من ذلك، وهو ما يؤشر إلى استمرار تشدد إيران في المفاوضات، ومن ثم إطالة أمدها. 

4- استهداف حقل العمر مجدداً: قامت إيران، في 3 سبتمبر، باستهداف المنطقة الخضراء في حقل عمر، وهي المدينة السكنية الملحقة بالحقل النفطي ويتخذها الجيش الأمريكي مقراً لسكن جنوده وضباطه، وهو الهجوم الذي أسفر عن وقوع انفجارات وتصاعد دخان من القاعدة. وكشفت مصادر صحفية أن سيارات الإسعاف هرعت إلى المنطقة الخضراء، في مؤشر على احتمالية وجود ضحايا جراء الهجوم. 

وتكشف الهجمات الإيرانية الأخيرة الموجهة ضد القاعدة عن أن إيران لا تبالي بإسقاط قتلى من القوات الأمريكية في القاعدة، وهو ما يعكس تصعيداً من جانب إيران ضد الولايات المتحدة. 

وفي الختام، يمكن القول إن واشنطن وطهران سيستمران في نهج التصعيد خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء تعثر المفاوضات النووية، على خلفية إصرار إيران على مطالبها، وعدم تغيير موقفها بشأن القضايا الرئيسية الخلافية، مع دخول العامل الإسرائيلي بقوة على خط المواجهة بين الطرفين، لتنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف إيرانية في الداخل والخارج، فضلاً عن محاولة الضغط على واشنطن لمنعها من توقيع اتفاق نووي بشروط إيرانية.