أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • إبراهيم الغيطاني يكتب: (النموذج النمساوي: خيارات أوروبا بعد الانقطاع الوشيك للغاز الروسي عبر أوكرانيا)

تطويق النفوذ:

هل يتّجه الاتحاد الأوروبي إلى حظر "حزب الله" اللبناني بالكامل؟

13 ديسمبر، 2020


يواجه "حزب الله" اللبناني منذ بداية العام الجاري وضعًا حرجًا في أوروبا؛ إذ قررت عدة دول أوروبية حظر أنشطة الحزب على أراضيها وملاحقة عناصره، فيما حظرت دول أخرى على أعضاء الحزب دخول البلاد لمدة 10 سنوات، بما يشير إلى وجود توجه أوروبي مشترك نحو تقويض وجود "حزب الله" في الأراضي الأوروبية، بما يدفع لإمكانية حظره على المستوى الأوروبي، خاصةً في ظل الرئاسة الدورية لألمانيا للاتحاد الأوروبي، ووضعها هذه القضية ضمن أولوياتها.

محاصرة "حزب الله":

منذ عام 2013، بعد عام من عملية تفجير حافلة في بورغاس ببلغاريا اتُّهم فيها "حزب الله" وأسفرت عن مقتل 5 إسرائيليين، التزمت الدول الأوروبية بقرار الاتحاد الأوروبي بحظر الجناح العسكري للحزب على أراضيها، فيما سمحت للجناح السياسي للحزب بالعمل وتنظيم أنشطته بحرية.

وبالإضافة إلى هولندا وبريطانيا اللتين تحظران "حزب الله" بالكامل وتصنِّفانه كمنظمة إرهابية، اتخذت بعض الدول الأوروبية، خلال الفترة الماضية، عدة قرارات بمحاصرة الحزب وحظر أنشطته. ففي أبريل الماضي، أعلنت ألمانيا حظر "حزب الله" بجناحيه السياسي والعسكري بالكامل على أراضيها، بعدما أثبتت أن الحزب يعتمد على جمع التبرعات لتمويل أنشطته الإجرامية، أي يتم توظيف النشاط السياسي لخدمة أغراض الجناح العسكري للحزب.

وفي أغسطس الماضي، حظرت ليتوانيا عناصر "حزب الله" من دخول أراضيها لمدة 10 سنوات، فيما قررت إستونيا فرض عقوبات على الحزب، واصفة إياه بـ"التهديد الكبير للأمن الدولي"؛ إذ حظرت دخول البلاد على أعضاء الحزب، وفرضت عقوبات على قيادات بعينها من التنظيم من المقرر أن يجري تسميتها خلال الفترة المقبلة.

وفي مطلع ديسمبر الجاري، أعلنت سلطات سلوفينيا إدراج "حزب الله" اللبناني كـ"منظمة إرهابية تهدد السلام والاستقرار" وحظره. وفي اليوم نفسه، أعلنت حكومة جمهورية لاتفيا تصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية، وحظره بالكامل، ومنع عناصره من دخول البلاد.

إضافة إلى ذلك، تزداد الضغوط الداخلية على حكومتي سويسرا والنمسا لمواجهة الحزب، بما يجعلهما الأقرب احتمالًا لحظره في الفترة القادمة. ففي مايو الماضي أصدر البرلمان النمساوي توصية غير ملزمة للحكومة باتخاذ إجراءات قوية ضد ميليشيات الحزب، فيما يدرس المجلس الاتحادي السويسري حاليًّا الطلب المقدم من الحزب الديمقراطي المسيحي "يمين وسط"، وهو إحدى الكتل المكونة للحكومة، بحظر الحزب، ويطالب بإجراء تحقيقات شاملة عن وضع تنظيم "حزب الله" في سويسرا وأنشطته في البلاد، خاصة بعد حظره في ألمانيا وإمكانية نقل أنشطته لسويسرا مستقبلًا.

وإجمالًا لهذا السياق، فقد اتخذت 5 دول أوروبية إجراءات قوية ضد "حزب الله" اللبناني في 2020، وارتفع عدد الدول الأوروبية التي تحظر الميليشيا اللبنانية بشكل كامل إلى 6 دول، علمًا بأن هولندا حظرت أنشطة الحزب كاملة في عام 2004، وبريطانيا حظرته بالكامل في عام 2019.

دوافع الحظر المحتمل:

لا يزال الاتحاد الأوروبي، حتى الآن، ملتزمًا بقرار الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري لـ"حزب الله"؛ إذ يُصنِّف الجناح العسكري بصفته منظمة إرهابية، فيما يسمح للجناح السياسي للحزب بالعمل داخل الأراضي الأوروبية وفقًا لقوانينها. بيد أن هذا الأمر أضحى مثارًا للجدل في المرحلة الحالية، خاصة بعد تتابع خطوات تضييق الخناق على "حزب الله" في العديد من الدول الأوروبية.

من هذا المنطلق، ومع تزايد الدول التي تتخذ قرارات بحظر الحزب، قد يتجه الاتحاد الأوروبي ككتلة لحظر "حزب الله" بشقيه السياسي والعسكري بالكامل، وذلك لعدة أسباب، يمكن إيجازها في النقاط التالية:

1- احتواء التهديدات الأمنية: إذ يعمل "حزب الله" في معظم الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، على جمع التمويل اللازم للعمليات الإرهابية للميليشيا اللبنانية، وذلك عن طريق التبرعات المقدمة للجمعيات الخيرية المرتبطة بالمساجد الشيعية المحلية، أو من خلال النشاط الإجرامي، كتهريب المخدرات، والاحتيال، وتجارة السيارات المسروقة، وغسيل الأموال، وغيرها.

ومن ثم استهدفت الدول الأوروبية من خلال قرارات الحظر المختلفة قطع خطوط إمدادات التنظيم المالية، ومحاصرة قياداته ومنظماته العاملة بها، وذلك بهدف احتواء التهديدات الأمنية التي تفرضها الميليشيا. ونظرًا لاحتمال انتقال نشاطات الحزب لدول أوروبية أخرى بعد استهدافها في الدول المنتشرة بها أساسًا، فسيكون من المحتمل استباق الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة بقرار حظر كامل على المستوى الأوروبي لوأد هذه التهديدات.

2- رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي: إذ وضعت ألمانيا ضمن أولويات رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، والتي تنتهي نهاية العام الحالي، العمل على تأمين إجماع أوروبي على قرار تصنيف "حزب الله" بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة إرهابية وحظره على المستوى الأوروبي. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن تصنيف ألمانيا لـ"حزب الله" بالكامل كمنظمة إرهابية قد دفع -وما زال- العديد من الدول الأوروبية لتحذو حذوها، نظرًا لما تمثله ألمانيا من نموذج يُحتذَى به لكثير من الدول الأوروبية.

وقد برز ذلك السعي الألماني في اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل في 24 أكتوبر 2020، حيث أشار وكيل وزارة الداخلية الألمانية "هانز غيورغ أنغلكه" إلى أن "حزب الله منظمة إرهابية، ولهذا السبب يجب وضعه بالكامل على قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، ونحن ملتزمون بذلك خلال رئاسة ألمانيا الدورية للمجلس الأوروبي".

3- تزايد الضغوط: ففي يوليو الماضي، دعا مئات المشرعين من أوروبا وكندا والولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي لحظر "حزب الله" بأكمله، وذلك خلال خطاب مفتوح حمل توقيع 236 منهم. وجاء في الخطاب أن "الاتحاد الأوروبي، الذي يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام الدولي القائم على القوانين، يتعين عليه استخدام سلطته لحظر حزب الله"، مضيفًا: "بما أن أمننا الجماعي وسلامة قيمنا الديمقراطية على المحك، الآن حان وقت العمل".

وتُمثل مثل هذه الأمور ضغطًا واضحًا على الاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع قرارات الحظر التي تتخذها بعض الدول الأوروبية، بما يدفع الاتحاد للإسراع في اتخاذ هذا القرار حفاظًا على الأمن القومي، وحماية للحرية والديمقراطية الأوروبية، التي يُقدِّمها كنموذج للعالم.

4- استمرار الضغط الأمريكي: إذ تقود الولايات المتحدة الأمريكية الجهود الدولية لتصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية، وفرض عقوبات دولية عليه لحصار أنشطته وتقويض نفوذه السياسي. وليس من المرجّح أن تتراجع إدارة "بايدن" عن هذا النهج الأمريكي، بل ستستمر فيه من خلال تنمية العلاقات عبر الأطلسي، وتعزيز الضغط على الحليف الأوروبي لدعم هذا المسار.

وقد كانت تصريحات "كالي براون"، أحد متحدثي وزارة الخارجية الأمريكية، في مطلع ديسمبر الجاري في تعليقه على قرار لاتفيا بحظر الحزب كاملًا، لافتة للنظر؛ فبجانب ترحيبه بقرار لاتفيا، أكد "براون" أن "المرحلة القادمة لن يتمكن فيها عناصر "حزب الله" من العمل على الأراضي الأوروبية، وأن الاتحاد الأوروبي سيتبع خطى عدد من الحكومات الأوروبية لسد الثغرة الأمنية التي تشكّلت عبر الفصل النظري بين جناحي حزب الله، السياسي والعسكري".

وتعبِّر هذه التصريحات عن أمرين؛ إما وجود تنسيق على المستوى الأوروبي-الأمريكي بشأن قرار حظر الحزب بالكامل، أو وجود ضغط أمريكي متزايد على الجانب الأوروبي لتقويض نشاط "حزب الله" في أوروبا. وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة ستكون واحدة وهي وجود قرار أوروبي وشيك بتصنيف الحزب بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة إرهابية خلال الفترة المقبلة.

العقبة الفرنسية:

في إطار محاولتها للاحتفاظ بعلاقات متوازنة بين واشنطن وطهران، تلتزم فرنسا بالقرار الأوروبي بحظر الجناح العسكري فقط للحزب، ومن ثم قد يمثل الصوت الفرنسي عقبة أمام اتخاذ قرار أوروبي بحظر الحزب بالكامل، خاصة أن التصويت داخل الاتحاد الأوروبي يتم بالإجماع فقط.

بالإضافة إلى ذلك، تحتفظ فرنسا بهذا التمييز كورقة ضغط على "حزب الله" في لبنان لدفعه نحو مزيدٍ من التعاون، وعدم عرقلة تطورات الأوضاع في لبنان، والتي تعد منطقة نفوذ تقليدية لفرنسا. لذا إذا تم تصنيف الحزب بالكامل من جانب فرنسا كمنظمة إرهابية، أو عدم معارضتها لحظره على المستوى الأوروبي؛ فستخسر هذه الورقة، كما أنها ستكون مضطرة لاتخاذ منحى مختلف تجاهه في لبنان.

بيد أن هذا التوجه الفرنسي يتعرض لضغوط شديدة من عدة جوانب بما قد يدفع فرنسا لإعادة النظر في هذا القرار، وإعادة ترتيب أولوياتها وأسلوب إدارتها الدولية للأزمة اللبنانية. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه الضغوط على النحو التالي:

1- ضغوط "ماكرون": حيث أكد الرئيس الفرنسي "ماكرون" أن "حركة أمل وحزب الله سبب تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية"، وبعدها شهدت لغة الخطاب السياسي لماكرون تجاه الحزب تغيرًا واضحًا؛ ففي حديثه الموجه للحزب؛ قال "ماكرون": "على الحزب أن يختار بين أن يكون ميليشيات أو فريقًا سياسيًّا"، كما حمل "ماكرون" رسالة بالغة الدلالة عندما اتهم "الحزب" بالارتهان لإيران، وخيَّره بين التسهيل أو استمرار التصعيد.

2- تزايد الضغوط الداخلية: ففي مطلع سبتمبر الماضي، دعت مجموعة من الشخصيات الفرنسية البارزة الرئيس الفرنسي "ماكرون" إلى إعلان "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية، وعدم عرقلة جهود الاتحاد الأوروبي لإدراجه في القائمة السوداء، مشددين على دور الحزب في زعزعة استقرار المنطقة والعالم، وعرقلته أي جهود إصلاحية في لبنان، وخلصوا إلى أنه "بدون إدانة صارمة لحزب الله، فإن أي محاولة فرنسية لتقديم الدعم للبنان ستكون بلا جدوى".

ومن أبرز الشخصيات الموقّعة على هذه العريضة: رئيس الوزراء السابق "مانويل فالس"، ووزير الخارجية السابق "فيليب دوست بلازي"، ووزيرة البيئة السابقة وزعيمة الحزب "كورين ليباج"، والفيلسوف والروائي "باسكال بروكنر".

3- ضغوط واشنطن: فبجانب التواصل المباشر؛ نشر وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، في 15 سبتمبر الماضي، مقالًا في الصحيفة الفرنسية اليومية "لو فيجارو"، انتقد فيه رفض فرنسا تسمية "حزب الله" منظمة إرهابية كما فعلت سائر الدول الأوروبية، مؤكدًا أن "مسألة وجود جناح سياسي للحزب هي مجرد وهم، وأنه كله تحت سيطرة حسن نصر الله".

لذلك، من المرجّح خلال الفترة المقبلة أن تُعيد فرنسا النظر في حساباتها فيما يتعلق بمسألة حظر الحزب كاملًا، خاصة مع وجود رغبة أوروبية حالية تقودها ألمانيا نحو اتخاذ هذا القرار، وهو ما يمثل ضغطًا آخر على "ماكرون"، بما قد يدفع في اتجاه تمرير قرار حظر الحزب بجناحيه السياسي والعسكري على المستوى الأوروبي دون معارضة فرنسية، أو على الأقل تقويض النشاط السياسي للحزب داخل أوروبا بشكل عام كخطوة سابقة لحظره بالكامل.