أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

صراع مفتوح:

هل تستمر أزمة إغلاق منشآت النفط الليبية؟

28 يناير، 2020


تواجه ليبيا وضعاً اقتصادياً صعباً. فقد أدى توقف الحقول والموانئ النفطية عن العمل إلى هبوط إنتاج النفط الليبي بأكثر من ثلاث أرباع معدله قياساً على مستوياته في بداية عام 2020، كما فقدت ليبيا إيرادات مالية بأكثر من ربع مليار دولار. ويأتي هذا التصعيد في ظل اتساع نطاق الانقسام العسكري والسياسي بين مختلف الأطراف الليبية، بالتوازي مع استمرار التدخل التركي في الأزمة الليبية خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي قد يتسبب في إطالة وتكرار غلق المنشآت النفطية في المستقبل القريب. 

توقف مباغت: 

توقفت معظم منشآت النفط الليبية عن العمل منذ 18 يناير الجاري عندما أغلقت مجموعة من المسلحين ورجال القبائل 5 موانئ هى البريقة ورأس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة، بما دفع المؤسسة الوطنية للنفط إلى إعلان القوة القاهرة، أى وقف إمدادات النفط تحت وطأة ظروف قهرية.

وبحسب ترجيحات عديدة، فإن الخطوة السابقة جاءت رداً على التدخل التركي المتزايد في الشأن الليبي، بعد أن وافق البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية لمساندة حكومة الوفاق الوطني لوقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس.  

وسبق أن شهدت منشآت النفط الليبية اضطرابات متكررة في الأعوام الماضية بسبب الانقسام السياسي في البلاد بين حكومتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، فضلاً عن الإضرابات المستمرة لحراس المنشآت النفطية وعمال الشركات النفطية للضغط على مؤسسة النفط من أجل تحسين مستوى أجورهم، وهو ما تسبب، بين الحين والآخر، في انقطاع إمدادات النفط الليبية.  

ومن شأن إغلاق المنشآت النفطية أن يقطع التمويل عن الميليشيات المسلحة في غرب البلاد، والتي كانت تحصل على أموال من البنك المركزي في العاصمة طرابلس، حيث ظل الأخير يوزع عائدات النفط على شرق وغرب البلاد للإنفاق على أجور الموظفين العموميين والخدمات العامة وكذلك الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، وبالتالي فإن وقف الصادرات يفرض مزيداً من الضعوط على الأخيرة. 

تدهور الإنتاج:

أدى إغلاق منشآت النفط في شرق وجنوب غرب ليبيا إلى تراجع كبير في إنتاج النفط الخام، حيث بلغ نحو 284.1 ألف برميل يومياً في 24 يناير الجاري، وذلك هبوطاً من أكثر من 1.2 مليون برميل يومياً في بداية عام 2020، على نحو تسبب في تحقيق خسائر تراكمية تقدر بـ318 مليون دولار على مدى سبعة أيام منذ 18 وحتى 24 يناير الجاري.

وحالياً، يقتصر إنتاج النفط والغاز الطبيعي في ليبيا على بعض الحقول في غرب البلاد، وفي مقدمتها حقل بحر السلام البحري وحقل الوفاء، واللذان يمدان السوق الإيطالية بالغاز الطبيعي. ونتيجة لذلك، فقد ظلت إمدادات الغاز الليبية إلى إيطاليا مستقرة نوعاً ما رغم الاضطرابات الراهنة، حيث بلغت حوالي 13 مليون متر مكعب يومياً، وهى أقل قليلاً من متوسط الصادرات في العام الماضي والبالغ 15 مليون متر مكعب يومياً، وبإجمالي صادرات بــ 5.4 مليار متر مكعب سنوياً، ما يمثل حوالي 8% من إجمالي استهلاك الغاز في إيطاليا، وهو ما يوفر قدراً من النقد الأجنبي لتيسير الشئون الاقتصادية في ليبيا. 

وإلى جانب ما سبق، فإن مخزون أغلب المدن الليبية حالياً من منتجات الوقود، بما فيها الديزل والبنزين وغاز الطهى وغيرها، من المرجح نفاده في فترة لا تزيد عن 15 يوماً، بشكل يعني أن توقف منشآت النفط عن العمل لفترة طويلة سيُقوِّض قدرة المصافي النفطية في البلاد- وفي مقدمتها الزاوية البالغة طاقتها 120 ألف برميل يومياً والمرتبطة بحقل الشرارة المتوقف عن العمل- على تلبية احتياجات الأسواق من الوقود.  

ومن المتوقع أن تخسر البلاد يومياً إيرادات تقدر بنحو 55 مليون دولار نتيجة إغلاق المنشآت النفطية، مما سيكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد، باعتبار أن صادرات النفط تشكل أكثر من 95% من الإيرادات الحكومية، في الوقت الذي من المتوقع أن تسجل فيه ميزانية البلاد عجزاً بقيمة 12.3 مليار دولار.

وعلى المستوى الدولي، ربما لا يبدو انقطاع إمدادات النفط الليبية مهماً لأسواق النفط، فعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط قرابة 0.5% في اليوم الأول لإغلاق حقول النفط في ليبيا، إلا أنها عاودت التراجع مرة أخرى بسبب وفرة المعروض من الخام عالمياً، والذي يمكن أن يعوض انقطاع إمدادات النفط الليبية، وهو ما حدث في الأعوام الماضية عندما لجأ عملاء ليبيا لشراء النفط من مصادر أخرى مثل روسيا بعد تراجع إنتاج الخام الليبي. 

عواقب التدخل:

عادةً ما كانت الضغوط الإقليمية والدولية تنجح، خلال الأعوام الماضية، في دفع مختلف أطراف الصراع لإعادة تشغيل منشآت النفط من أجل تقليص حدة التصعيد على المستويين السياسي والأمني. ولقد كانت استجابة المجتمع الدولي لغلق المنشآت الليبية في الوقت الراهن مماثلة لما كان عليه الوضع في الأعوام الماضية، حيث أدانت العديد من القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، عملية إغلاق المنشآت النفطية ودعت إلى استئناف التصدير مرة أخرى. 

ومن جانبها، قالت السفارة الأمريكية في ليبيا، على موقع "تويتر" في 21 يناير الجاري: "نشعر بقلق عميق من إيقاف عمليات المؤسسة الوطنية للنفط. يجب أن تُستأنف عمليات المؤسسة الوطنية للنفط على الفور"، في إشارة واضحة للأطراف الليبية لتهدئة الصراع. كما حذرت الأمم المتحدة من استمرار غلق المنشآت لما له من تداعيات على الاقتصاد الليبي، ودعت الأطراف لحل الصراع وإعادة فتح المنشآت.  

ومن المرجح أن تستجيب الأطراف السياسية في ليبيا للضغوط الدولية لتتجه نحو إعادة استئناف أنشطة إنتاج وتصدير النفط مرة أخرى، غير أن استمرار تدخل أنقرة في الأزمة الليبية سوف يعقد، دون شك، تسويتها، وبما يتسبب في إطالة وتكرار أزمة إغلاق المنشآت النفطية مستقبلاً.