أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المحددات الأربعة:

مفاتيح نظرية لتحليل مستقبل منطقة الشرق الأوسط

20 نوفمبر، 2014

المحددات الأربعة:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في مقره بأبوظبي، يوم الخميس 13 نوفمبر 2014، الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس المركز الإقليمي للدراسات بالقاهرة، حيث ألقى محاضرة تحت عنوان "إطار نظري لبحث مستقبل الشرق الأوسط".

في البداية، أشار الدكتور سعيد إلى أن التنبؤ بالمستقبل ومحاولة توقعه هو "كابوس كل الدارسين"، فهناك تعدد كبير في المدارس التي تهتم بدراسة المستقبل، ويزداد الأمر صعوبة في حالة كتابة تصور لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، لأن هناك حالة عامة من عدم اليقين، نتيجة دخول المنطقة الشرق طوال السنوات الأربع الماضية ما يشبه "الفرن" منذ أحداث ما يسمى ثورات "الربيع" العربي.

لقد بات الأمر المطروح والملح هو محاولة فهم "ما بعد الربيع العربي"، إذ يرى الدكتور سعيد أن اليقين الوحيد تقريباً هو أن اللحظة الرومانسية التي أوجدتها حالة "الربيع العربي" مع بدايات عام 2011 قد زالت.

وأكد المحاضر أن قدرة مراكز الفكر على تقديم تحليل جيد وناجح يتوقف على القدرة على الارتكان إلى أدوات تحليلية ملائمة تتكون من إطار نظري متكامل ومتين يمكن من خلاله التحليل، حيث يتيح هذا الإطار النظري الإجابة عن العديد من التساؤلات، مشيراً إلى أن الجماعة العلمية العربية مقصرة في الاهتمام بالجوانب النظرية التي تساعد في فهم وتحليل الظواهر.

وفيما يتعلق بالتطورات المستقبلية المتوقعة لإقليم الشرق الأوسط، فقد أشار الدكتور عبدالمنعم سعيد إلى أن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات تتطلب إطاراً نظرياً يتم من خلاله التحليل، مقترحاً إطاراً يشتمل على أربعة محددات أساسية، يتم تحليل ما جرى فيها من ديناميكيات وتفاعل، وهي: الدولة، والسلطة، وتوازن السلطات، وأجندة القضايا المطروحة على النظام الآن وفي المستقبل القصير.

أولاً: الدولة

أول هذه المحددات الأربعة هي الدولة باعتبارها عماد أي حديث عن السياسية. ويبدو أن "الربيع العربي" قد أحدث أكبر تحد للدولة، فعلى الرغم من أن تحدي الدولة أمر سابق لفترة الثورات العربية، فإنه زاد واشتد طوال السنوات التي أعقبت موجة الثورات العربية.

وتواجه الدولة العربية منذ ما قبل التطورات الأخيرة تحديات من أعلى متمثلة في العولمة، وما مثلته من تحديات للسيادة، حيث تتم عشرات القرارات خارج سيطرة الدولة. فعلى سبيل المثال تدير منظمة الطيران (إيتا) حركة الطيران بصورة عابرة لسيادة كل الدول.

أما التحدي المتمثل للدولة من أسفل فله جوانب متعددة، منها: تحدي ولاءات المجتمع، حيث توجد منظمات وأفراد تنازع الدولة احتكار استخدام السلاح، ومن دون هذا الاحتكار لا توجد دولة. فمثلاً في مصر هناك تحد واضح يتمثل في وجود جماعة واحدة أو جماعات عدة تحمل السلاح، أي أنها تنازع الدولة استخدام السلاح من أجل محاولة إيجاد دولة بديلة.

يكمن التحدي الآخر فيما أفرزته أحداث "الربيع العربي" من تصاعد الطائفية بنزعة تدعو إلى الانفصال هذه المرة. فالأكراد مثلاً في سوريا يريدون الانفصال حالياً، كما ظهر تحد جديد هو المجتمع المدني، فبعض المنظمات العاملة في المجتمع المدني على المستوى المحلي باتت لها روابط دولية، وبدأ بعضها في السعي إلى فرض رأيه كأنه مؤسسة موازية للدولة، متذرعاً بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان. بمعنى أنه لم يعد يعبر فقط عن الرغبات والمطالب المحلية، بل بات في بعض منها معبراً عن الأطراف التي تقدم الدعم المادي الذي يرعى مصالحه.

ثانياً: السلطة

المحدد الثاني هو السلطة، وما حدث لها داخل هذه الدولة، خلال السنوات الأربع التي تلت "الربيع" العربي، فقد أفرزت الثورات موجات أو أنماط من السلوك تتعلق بالسلطة.

النمط الأول هو العنف، فالثورات كانت عنيفة على عكس ما يقول البعض بأنها كانت "سلمية"، ومن أمثلة هذا العنف اقتحام السجون والضغط على المؤسسات العامة؛ ومن ثم فإن ما حدث لم يكن أمراً سلمياً بل جرعات متفرقة من العنف.

النمط الثاني هو أن الثورات ترتبط بإرادة تحررية تقدمية، والمقصود بذلك توسيع الخيارات المطروحة أمام الناس من الحريات واختيارات، لكن ما حدث أن هذه الحرية أتت بالإخوان إلى الحكم، واعتبروا قمة جبل الثلج المكون من باقي التيارات الإسلامية المتشددة والأكثر رجعية. النمط الثالث هو أنه للحظات كثيرة، بدت القوة المنظمة الوحيدة - بالإضافة إلى قوة الإسلاميين - وهي الجيش القادر على استعادة النظام من الفوضى، مثلما حدث في مصر، وليبيا واليمن بشكل نسبي، بل إن الذي يجعل النظام السوري قوياً إلى الآن هو الجيش السوري، كما أن الجيش التونسي حافظ على قواعد اللعبة السياسية عبر تدخل ضمني.

النمط الرابع هو صمود الملكيات، ولا يعني ذلك أن بعض النظم الملكية في المنطقة العربية لم تتعرض لضغوط، فالسعودية وعمان والكويت والبحرين حدثت بها ضغوط ومطالب تمكنت أجهزة الدولة من استيعابها سريعاً، وكان واضحاً أن الملكيات لديها القدرة على إدارة هذه المطالب، سواء بالحزم أو بالإصلاح.

ثالثاً: توازن القوى

المحدد الثالث، كما يرى الدكتور عبدالمنعم سعيد، هو توازن القوى. ويذكر أن أبعاد التوازن في القوى متنوعة ومتعددة ويمكن قياسها، فلها العديد من المؤشرات منها المادي، مثل التوازن العسكري والاقتصادي وغيره، والتوازن المعنوي في قضايا مثل التعليم والصحة.

والقصد هنا، أن نتائج مرحلة ما بعد الثورات على صعيد الدولة والسلطة قد أحدثت تغيرات على توازن السلطات داخلياً وعلى توازن القوى إقليمياً. على مستوى الداخل،  حدث صراع بين الأفكار الموجودة ذاتها، لاسيما فكرة الثورة، حيث وضح الآن أن الرأي العام بات يفضل الاستقرار والبعد عن العنف بأي ثمن لأن استمرار الحالة الثورية بات أمراً صعباً، وأن فترة ما بعد الثورات أفرزت معسكرين، الأول هو الرافض لتداعيات الثورات، بل وفكرتها، وما يترتب عليها، والآخر يؤمن باستمرار الحالة الثورية.

وأكد المحاضر أن ما يحدث الآن على أرض الواقع جراء تصادم هذين المعسكرين هو تنازع شرعية الدولة وشرعية السلطة، مشيراً إلى أن التغيرات حادثة لا محالة، وأنه لا يمكن الرجوع إلى الماضي على المدى المتوسط، وإن كان الناس يفضلون في المدى الأقرب الحياة والبقاء، حيث تكون مسألة استقرار الحالة الثورية و"الفوران" صعبة جداً.

إقليمياً، يرى الدكتور سعيد أن الحالة العربية الآن تتطلب وجود أمر مشابه لما حدث بعد الثورة الفرنسية، حيث تكون معسكر محافظ من بروسيا وبريطانيا وروسيا، ثم انضمت له فرنسا، ليكونوا حينذاك ما عرف باسمconcert of Europe ، وعلى أساسه تم الاتفاق على مقاومة التغيرات الثورية، الأمر الذي حافظ على السلام في أوروبا لمدة مائة عام. ويؤكد أن لدينا الآن شيئاً جنينياً أشبه بذلك فيما يمكن أن طلق عليه concert of Arabia يعمل ضد التغيرات العنيفة بالمنطقة، ويتكون حالياً من دول الخليج ومصر والأردن وآخرين، وهو ما يشبه توازن السلطات في الداخل، حيث يتولد توازن قوى خلال السنوات المقبلة بين القوى الإقليمية التي تريد العيش في حالة "فوران" وبين القوى التي تريد الاستقرار.

رابعاً: أجندة قضايا المنطقة

يرى دكتور عبدالمنعم أن أمام المنطقة العربية نحو عقد كامل من الأحداث والتقلبات حتى تستقر على إطار جديد أكثر وضوحاً، وأن السنوات الخمس المقبلة سوف تشهد سيطرة لأربع قضايا أساسية، أولها استرداد الدولة لأن هناك ما يشبه الحنين إلى الدولة وسط الحرب الأهلية والفوضى. وليس المقصود هنا أن تعود الدولة العربية كما كانت، فالتاريخ لا يعود إلى الوراء، حيث استرداد الدولة يعني المزج بين ملامح القديم ومتغيرات الواقع الراهن، في خليط بين قوتين دافعتين هما قوة التوازن وقو المجتمع الذي يريد الاستقرار.

المسألة الثانية هي أن كل المنطقة تمر بإصلاحات دستورية وعمليات تغيير تشريعي جارية، كلها تتعلق بفكرة الدين والدولة، تلك القضية التي لم تُحسم بالمنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى، لكن ربما تفضي التطورات الراهنة إلى وضع جديد أكثر توازناً في المواجهة الأزلية بين الدين والدولة، لن تقود لنتائج في صالح الدين كما نعرفه بالمعنى السياسي لا العقائدي.

ويرتبط بما سبق مسألة ثالثة تتعلق بأجندة قديمة هي الإصلاحات السياسية والاقتصادية، إذ يتوقع أن تأخذ زخماً في الفترة المقبلة.

أما القضية الرابعة فهي العلاقات المدنية العسكرية، وهي قضية على المحك، فهناك حراك في وعي الناس حدد السقف في أدوات القمع وقدرتها على السيطرة، ومن ثم فهناك توازن جديد ما بين المواطن ومؤسسات الدولة الأمنية.

وفي الختام، ذكر الدكتور عبدالمنعم سعيد، أن هناك بعض الخلاصات يمكن التوصل إليها، من أبرزها أن ثمة تصاعداً واضحاً لاسترداد الدولة، ولكن في شكل جديد ومختلف عما الدولة العربية كما عرفناها منذ الاستقلال، وأن ثمة تغيراً يجري الآن فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، وبالعلاقات المدنية العسكرية، وبحسم قضايا الإصلاح.

أما على المستوى الإقليمي، تمثل معركة كوباني "عين العرب" لحظة تصادم القوى المتعارضة بشدة، ما بين تحالفات إقليمية تتكون من قوى الاستقرار وبين تحالف إقليمي جهادي متطرف.

ويبقى أخيراً سؤال المستقبل، والذي يدور حول هل وصلت المنطقة بما تمر به من أزمات وصراعات داخلية وإقليمية إلى نقطة التحول إلى الانفراج بعد تراجيديا ثقيلة، وهل نحن نقف على أعتاب إعادة ترتيب المنطقة وفق قواعد جديدة؟ لا شك أن الطريق لايزال مليئاً بالمواجهات والأشواك، والتي سوف تستمر خمس سنوات على أقل تقدير.