أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استدارة موسكو:

كيف تأثر الشرق الأوسط بالحرب الأوكرانية في عامها الثالث؟

11 مارس، 2024

استدارة موسكو:

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، تميل تكهنات المراقبين إلى أن تزايد فرص اتجاه الاحتواء أو تجميد الصراع يمهد لمسار المفاوضات، وهو ما قد يمكن روسيا من السيطرة على الدونباس، مقابل ضمان بقاء أوكرانيا كمنطقة عازلة ما بين الاتحاد الروسي وحلف "الناتو". ويدعم هذا الاتجاه العديد من المعطيات؛ يأتي في مقدمتها معطيات الميدان التي تميل لصالح روسيا. ومن ناحية أخرى، تشير العديد من التقديرات الغربية إلى أن استمرار الحرب الأوكرانية بالوتيرة الحالية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تطلع روسيا للسيطرة على كامل أوكرانيا، ووصولها إلى خط التماس المباشر مع "الناتو"؛ ما يعزز سيناريو الاحتكاك بين القوتين، وهو سيناريو خطر في ظل عدم جاهزية أوروبا له. وبالتالي، فإن سيناريو التفاوض على الدونباس قد يشكل مخرجاً من المأزق الحالي. 

وفي هذا الإطار، عقد مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، في أبوظبي، حلقة نقاش، يوم 5 مارس 2024، تناولت تقييم نتائج الحرب الروسية الأوكرانية بعد عامين على اندلاعها في 24 فبراير 2022، والسيناريوهات المحتملة لها في عامها الثالث، وتأثيراتها في منطقة الشرق الأوسط. واستضاف المركز كلاً من الدكتور مجاهد الزيات، مستشار المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والذي تناول تأثيرات الحرب الأوكرانية في الشرق الأوسط، والدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والتي ركزت على البعد الروسي، وكيف ترى موسكو المنطقة في ضوء هذه الحرب. وأدار النقاش أحمد عليبه، رئيس وحدة الدراسات الأمنية في المركز.

تقييم نتائج الحرب الأوكرانية:

هناك عدة مؤشرات يمكن من خلالها تقييم نتائج الحرب الأوكرانية التي تميل لصالح روسيا، طبقاً لرؤية الدكتورة نورهان الشيخ، ووفق العديد من المعطيات، منها الآتي:

1- معطيات ميدانية: تتمثل فيما يلي:

أ- السيطرة الروسية على الدونباس: فالقوات الروسية تقف على بعد خطوتين لإتمام السيطرة الكاملة على إقليم الدونباس؛ إذ تتقدم في الأولى باتجاه شرق خاركيف للسيطرة على لوغانسك، والثانية لتطويق شمال دونيتسك. في مقابل تراجع أوكرانيا، التي استهلت عامها الثالث في الحرب بالانسحاب من أفدييفكا جراء افتقارها لغطاء دفاعي.

ب- فشل الهجوم الأوكراني المضاد: فمع بداية العام الثالث للحرب، توارى الحديث تماماً عن سيناريو الهجوم الأوكراني المضاد مع حلول فصل الربيع، وباتت كييف مضطرة إلى تركيز جهدها العسكري بشكل رئيسي على استنزاف البنية التحتية الروسية بالطائرات المُسيّرة، وتعزيز الانتشار الدفاعي على خط الاشتباك الرئيسي على أطراف الدونباس.

ج- تحدي استمرار الإمدادات العسكرية: بالرغم من إبداء الحلفاء الغربيين الرغبة في استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، فإن الواقع كاشف عن صعوبة الوفاء بالتدفقات العسكرية بالوتيرة التي كانت عليها خلال العاميين الماضيين؛ خاصة في ضوء حسابات العائد والتكلفة، وأولويات الطلب الداخلي مع تقلص الاحتياطات، كما ضاعفت قضية التسريبات الألمانية في مطلع مارس الجاري من حدة الأزمة التي تقوض دعم أوكرانيا بصواريخ "توروس" الألمانية.  

2- الحرب في سياق دولي: من المتصور أن هناك مستجدات أيضاً تتعين قراءتها وتقييمها، خارج ميدان الحرب الأوكرانية؛ خاصة سياق المشهد الدولي، وذلك على النحو التالي:

أ- تجاوز روسيا للعقوبات: إذ تمكن الاقتصاد الروسي من تجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليه، وما زال قادراً على العمل بكفاءة، بل ومن اللافت، وفق وكالة الإحصاء الفدرالية الروسية "روستات"، قدرة الاقتصاد الروسي على التكيف مع سلسلة العقوبات الواسعة والمتواصلة التي فرضتها القوى الغربية على مختلف القطاعات. وربما يعود الفضل في ذلك إلى الانفتاح الروسي على آسيا، بالإضافة إلى حزمة السياسات الاقتصادية المحلية الناجحة، وتأكيد أهمية قطاع النفط والغاز الروسي رغم شموله بالعقوبات.

ب- إنهاك أوروبي: من المتصور أن القوى الأوروبية بدأت تتأثر باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية مع امتداد التأثير إلى العديد من القطاعات، منها قطاع الزراعة؛ ما أدى إلى تضرر المنتجين. وكانت هناك مظاهرات في العديد من الدول الأوروبية للمطالبة بالتراجع عن سياسات الدعم المفتوح في هذا القطاع.

ج- ارتباك أمريكي: يبدو الموقف الأمريكي مرتبكاً؛ خصوصاً في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية، وتصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب، في فبراير الماضي، وما انطوت عليه من موقف سلبي تجاه التزامات الولايات المتحدة، وحلف "الناتو" بالأمن الأوروبي.

د- جاذبية ورقة الردع النووي: تزايدات التصريحات المرتبطة بالتسليح النووي، ومدى جاهزية أطراف مختلفة للجوء للسلاح النووي. ففي أكتوبر 2023، أشرف بوتين على مناورات تخللها إطلاق صاروخ "يارس" البالستي العابر للقارات، من قاعدة "بليسيتسك" الفضائية شمال روسيا، وصاروخ "سينيفا" البالستي، الذي انطلق من غواصة في بحر "بارنتس". وفي فبراير الماضي، ظهر بوتين مستقلاً طائرة "البجعة البيضاء"، في إطار اختبار تطوير القاذفات النووية، وأبرزها القاذفة الاستراتيجية الروسية (Tu-160M)؛ لتأكيد فاعلية الثالوث النووي الروسي، إضافة إلى إعلان بوتين تحديث 95% من القوات النووية الاستراتيجية.

تأثيرات شرق أوسطية: 

تعكس المقارنة ما بين مشهدين، بداية الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، ووضعها مع دخولها عامها الثالث؛ منظوراً مختلفاً لتأثير الحرب في منطقة الشرق الأوسط. ففي بداية هذه الحرب؛ تشكلت مخاوف من انعكاساتها على ملفين لهما أهمية استراتيجية، أحدهما يتعلق بالأمن الغذائي، والآخر هو علاقات التعاون العسكري الإقليمي. 

1- مرحلة ما قبل الحرب الأوكرانية: اتسمت بالمؤشرات التالية:

أ‌- الانخراط في الأزمات الإقليمية: ولاسيما في سوريا وليبيا، وكان للوجود الروسي في سوريا نوع من الاستقلالية في التحركات، إضافة إلى التوسع في البنية التحتية العسكرية في إطار العلاقات مع النظام السوري، وشمل قاعدتي "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية في الساحل السوري، وأسهمت موسكو في دعم سوريا في عمليات مكافحة الإرهاب. وكان ذلك يحقق فوائد لروسيا بالعودة إلى المياه الدافئة، وفي نفس الوقت فائدة لسوريا في التوازنات الداخلية. 

ب‌- الاهتمام بالقضية الفلسطينية: وهو ما ظهر بوضوح في علاقات روسيا بالفصائل الفلسطينية، كما ساندت موسكو القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ولاسيما في مجلس الأمن، ولا يُعتقد أن هذا المسار تأثر بالحرب.

2- مرحلة ما بعد الحرب: يعتقد أن روسيا ركزت بشكل رئيسي على الجهد العسكري في الساحة الأوكرانية، وهو ما كان له تأثير نسبي في حضورها في الشرق الأوسط، وذلك وفق المؤشرات التالية:

أ- تقلص الانتشار العسكري: إذ سحبت روسيا عدداً من الأسلحة، منها منظومة "أس 300"، والقوة الرئيسية، ولاسيما من قاعدة "حميميم" الجوية، لتوجهيها نحو أوكرانيا، بينما أبقت على الوجود البحري في اللاذقية لاعتبارات استراتيجية، وإن حاولت خلال الفترة الأولى من الحرب تأكيد عدم تأثر وجودها في سوريا، بمظاهر مختلفة، منها إقامة مناورات مشتركة، لكن تقلص الوجود العسكري الروسي ربما أدى إلى تمدد نفوذ إيران أكثر مما كان عليه. وفي ليبيا، هناك استدارة من جانب موسكو إلى الاعتماد على العلاقات الدبلوماسية في المقام الأول، والانخراط السياسي في ملف الأزمة الليبية، وهو ما يرتبط أيضاً بتفاعلات المشهد الليبي الداخلي.

ب- تقارب روسي أكثر مع إيران وتركيا: تسبب احتياج روسيا إلى الطائرات المُسيّرة الإيرانية (منخفضة التكلفة) إلى تقارب روسي إيراني في إطار مقاربة الحرب الأوكرانية، وهو ما أدى إلى ترك روسيا مساحة نفوذ أكبر لإيران في سوريا، على نحو ما سلفت الإشارة. كما فرضت الحرب الأوكرانية اعترافاً ضمنياً من الجانب الروسي بالوجود التركي في شمال سوريا، بل ودفعت موسكو إلى مزيد من التفهم للموقف التركي اتجاه الأكراد.

ج- محدودية التأثير في النزاعات: إذ لم يتجاوز الدور الروسي منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، سقف الإدانة في مجلس الأمن، وأخيراً استضافة الفصائل الفلسطينية، وإصدار بيانات هدفها تسجيل المواقف من دون تأثير حقيقي، بالإضافة إلى غياب روسي في البحر الأحمر؛ إذ لم تظهر موسكو بمظهر المؤثر في أي من تطورات مسألة الأمن والملاحة بالبحر الأحمر.