أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

قوة التشبيك:

تصاعد الاتجاه العالمي للمنصات الصناعية الإلكترونية

27 أبريل، 2024


عرض: هبة محيي

مع الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا في النمو الاقتصادي والاستدامة الاقتصادية في الدول والمجتمعات، برزت ظاهرة إنشاء الأسواق الافتراضية المرتكزة بشكلٍ أساسي على المنصات الرقمية، كأحد أهم الفاعلين الرئيسين في هذه المنظومة الإلكترونية، وتعبر تلك المنصات في جوهرها عن قوة التشبيك والتنسيق الاقتصادي، وكيف يمكن أن تخلق قيمة مضافة في الاقتصاد العالمي؟

في هذا الإطار، نشر البروفيسور أولريش دولاتا، ورقة بحثية في معهد لايبنيز الألماني للعلوم الاجتماعية في يناير 2024 بعنوان: "المنصات الصناعية الإلكترونية: نسخة جديدة من التنسيق الاقتصادي"، يحلل فيها طبيعة تلك المنصات وخصائصها، وحدود الاختلاف بين المنصات الصناعية الرقمية والمنصات الموجهة نحو الاستهلاك أو الاتصالات. ويتطرق أيضاً إلى إمكانية استخلاص خريطة تصنيفية للتنسيقات والأنواع المختلفة لتلك المنصات والإسهامات المنوطة بكل منصة صناعية على حدة.

طبيعة المنصات وأنواعها:

تعتبر الورقة المنصات الإلكترونية مجالاً متداخلاً للبحث بين علوم الاجتماع والاقتصاد والتكنولوجيا، ولاسيما مع اعتماد تلك المنصات في تشغيلها بالأساس على الإنترنت والأتمتة. وعليه، يمكن تعريف المنصات الإلكترونية بأنها أنظمة معقدة قائمة على البرمجيات، ومنظمة بشكل خوارزمي، وذلك للإفادة من التقدم التكنولوجي الهائل في نواحٍ عديدة، كإنشاء أسواق افتراضية غير مقيدة بالعنصر المكاني.

يمتاز النظام التركيبي للمنصات بأنه هجين يتكون من مجموعة من العلاقات الهائلة بين أطرافه والتي تتراوح بين الهيراركية والتعاقدية؛ أي أنه نموذج مستحدث يجمع بين السمات الحاكمة للمؤسسات والسوق على حدٍ سواء. بالتالي، فمن المتوقع أن تُسهم المنصات في حدوث تغيرات مجتمعية وثقافية. ويمكن التدليل على الدور الاجتماعي المحوري للمنصات، ولاسيما المنصات الاجتماعية من خلال أثرها المستمر على العقل الجمعي والثقافة السائدة في المجتمعات، بل يصل الأمر أحياناً إلى إحداث تغييرات سياسية جوهرية ناتجة عن تبادل الآراء ووجهات النظر عبر تلك المنصات.

وتشير الورقة إلى أن التحليل الاقتصادي إلى يومنا هذا يتناول ظاهرة المنصات من وجهة نظر ضيقة مقتصرة فقط على العمليات الاقتصادية وعمليات خلق القيمة، وربما يرجع هذا الأمر إلى اعتبار هذه المنصات امتداداً طبيعياً تكنولوجياً متطوراً للسوق؛ ومن ثم، ليس من المتوقع أن يكون لها دور يُذكر من الناحية الاجتماعية، ويفسر هذا الأمر الطفرة الهائلة في العمليات الاقتصادية وعمليات خلق القيمة الناتجة عن استخدام المنصات الشبكية؛ وهو ما أدى إلى انصراف اهتمام جُل الباحثين الاقتصاديين لتفسير تلك الظاهرة ورصد العوامل المؤدية لتلك الطفرة؛ ومن ثم استخلاص تلك العوامل للإفادة من تلك التجربة، ولاسيما في المنصات الناشئة.

تقسم الورقة المنصات الإلكترونية إلى نوعين رئيسين، الأول، المنصات الإلكترونية الموجهة نحو الاستهلاك والاتصالات، أما الأخرى فهي المنصات الإلكترونية الصناعية. بالنسبة للمنصات الموجهة للاستهلاك والاتصالات، فإن طبيعتها تتحدد وفقاً للخدمات المقدمة؛ إذ تقدم مجموعة واسعة من الخدمات المتسقة، ولديها بنية تحتية تكنولوجية اجتماعية شبكية واسعة النطاق؛ إذ لا تقتصر خدمتها على الأفراد وإنما تمتد لتشمل الشركات والمؤسسات الحكومية، ومن أبرز الأمثلة لتلك المنصات: "ألفابت" (Alphabet)، و"أمازون" (Amazon)، و"ميتا" (Meta).  

على الجانب الآخر، يقتصر النوع الثاني على تقديم خدمات محددة ومتخصصة أيضاً، كخدمات نقل الركاب، وحجوزات السفر، وتأجير الغرف، وبوابات التسوق، التي تكون موجهة بشكل خاص للمستهلك، أو موجهة بشكل خاص للاتصالات مثل: منصات "تويتر" أو "تيك توك"، وتعمد المنصات، على اختلاف أنواعها، إلى مراقبة سلوكيات وتفاعلات المستخدمين؛ ثم القيام بتحليلها ومعالجتها لاستغلالها فيما بعد عند إطلاق حملاتها التسويقية المستقبلية.

أنواع المنصات الصناعية الرقمية:

يُطلق مصطلح المنصات الصناعية الرقمية على الأنظمة الرقمية المعقدة والمنظمة بشكل خوارزمي، والهادفة بشكلٍ أساسي لتوظيف التقدم التكنولوجي في خدمة العمليات المرتبطة بالقطاع الصناعي. وقد قسَمت الورقة المنصات الصناعية الرقمية إلى أربعة نماذج؛ وفقاً لإسهامات الفاعلين في تلك المنصات، على النحو الآتي:

- منصات البنية التحتية: يُطلق هذا المصطلح على مُزودي الخدمات السحابية بالأساس، والتي تُعنى بإنشاء وتوسيع البُنى التحتية الرقمية، عن طريق توفير العديد من الخدمات الرقمية المُصممة حسب طلب الشركات، وأدوات التحليل والتطوير المختلفة. وتؤدي هذه المنصات دوراً رئيساً في ازدهار وتدعيم المنصات الصناعية، وذلك لعدم قدرة جميع المنصات على توفير البنية التحتية اللازمة لأنشطتها نتيجة للتكاليف الباهظة. بالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن يقتصر المجال على عدد محدود من الفاعلين، كـ "جوجل كلاود" و"مايكروسوفت أزور" في العالم الغربي، و"هواوي" و"علي بابا" في الصين.

- منصات إنترنت الأشياء للقطاع الصناعي (IIoT): يُشير مصطلح إنترنت الأشياء إلى عملية توصيل ودمج الأشياء مع الإنترنت، كالأجهزة المنزلية العادية والشاشات والسيارات الإلكترونية والأدوات الصناعية المعقدة والمدن الذكية وغيرها، وذلك بواسطة الحوسبة منخفضة التكلفة والرقائق الإلكترونية والتحليلات، ويؤدي إنترنت الأشياء دوراً حيوياً في المجال الصناعي، عن طريق إدماج الأدوات الصناعية المعقدة في العملية الإنتاجية، وما يترتب عليه من إمكانية تحقيق الاستخدام الأمثل للآلات الصناعية، بل والقدرة على التنبؤ بحدوث تعطل الآلات ومنعها (إجراءات وقائية) وتوفير السلامة المهنية للعاملين. ويندر الفاعلون في هذا المجال، بل تعرض العديد منهم إلى حتمية الإغلاق مثل: قيام "جوجل" بإيقاف خدماتها في ذلك المجال وإغلاق (IoT-Cloud) منتصف عام 2023، وتوصية عملائها بالتوجه إلى استخدام مزودي خدمات آخرين. وتملك الولايات المتحدة الأمريكية، العديد من الشركات الرائدة في هذا المجال، كشركة الحوسبة السحابية: "خدمات أمازون ويب". 

- المنصات المعنية بالتجارة بين الشركات (B2B): يُطلَق هذا المصطلح على عملية تداول مجموعات متنوعة من السلع والخدمات الصناعية بين الشركات وبعضها بعضاً عبر المنصات، ويُعَد هذا النوع من المنصات أكثر الأنواع انتشاراً وحضوراً على الساحة؛ إذ ظهر ذلك النوع في بداية الألفية الحالية، وحقق ازدهاراً ملحوظاً في مجالات عِدة، كالهندسة الميكانيكية، والصناعات الكيميائية، وصناعة السيارات، ويتميز هذا النوع من المنصات عن نظيره منصات التجزئة المعنية بتلبية طلبات المستهلكين من حيث إن المعاملات تتم حصراً بين الجهات الاعتبارية، وعدم وجود هيمنة أو احتكار لمنصات بعينها في هذا القطاع؛ إذ يُعد أكثر أنواع المنصات الصناعية تشظياً، ولا ينفي ذلك بالطبع وجود منصات عملاقة كـ "أمازون" (Amazon Business) و"ميركاتو" (Mercateo).

• المنصات الابتكارية (الداعمة للبحث والتطوير): يهدف هذا النوع من المنصات إلى استخدام عملية البحث للتوصل إلى استحداث أساليب إنتاجية أو خدمات أو تكنولوجيا مستحدثة تسهم في إثراء العملية الإنتاجية من حيث تقليل التكاليف أو زيادة الجودة، وتنتهج المنصات الابتكارية غالباً طرائق عِدة للوصول إلى أهدافها الابتكارية، كالتعاون والتنسيق غير الرسمي مع منصات ابتكارية أخرى وسط بيئة منفتحة داعمة للابتكار، أو القيام بشراء بحوث ودراسات متخصصة من شركات أخرى، وقد يصل الأمر إلى أن تعمد منصة إلى الاستحواذ على منصة أخرى، وذلك للإفادة من كل مواردها الابتكارية كالكفاءات المتوفرة لديها.

بيد أن التعاون القائم على العقود بين المنصات الكبيرة ونظائرها، وبينها وبين المنصات الناشئة أو بينها وبين الجهات الحكومية المتخصصة يُعد هو القوة الدافعة الأكبر في هذا القطاع، ومما يهدد ازدهار هذا القطاع هو عدم سهولة تحديد مدى الانفتاح المعلوماتي للمنصات الابتكارية؛ لكي تضمن الشركات بقاء ميزتها التنافسية في المجال؛ ولذلك يتم الاستناد إلى العقود كأفضل صِيغ التعاون مع المنصات؛ لما تضمنه من حفظ حقوق الملكية، وعدم اعتداء منصة على حقوق نظيراتها، ومن أهم المنصات الرائدة في ذلك المجال منصة "غيت هاب" (Github) ومنصة "سيمنز هيلثنيرز" (Siemens Healthineers).

سمات أساسية:

استخلصت الورقة البحثية مجموعة من السمات لظاهرة المنصات الصناعية الرقمية، تميزها عن المنصات الرقمية الموجهة نحو الاستهلاك أو الاتصالات، فكانت خلاصة نتائجها ما يلي:

- محدودية الانتشار: ما زالت المنصات الصناعية الرقمية بشكلٍ عام تخطو خطواتها الأولى في الانتشار؛ إذ لا تزال تمر بطوْر نمو تدريجي، ولاسيما عند مقارنتها مع المنصات الرقمية الموجهة نحو الاستهلاك التي أثبتت مكانتها وانتشارها منذ العقد الماضي، وإن كانت هنالك طفرة مصاحبة للمنصات المعنية بالتجارة بين الشركات (B2B)؛ إذ حققت الشركات المصنعة وتجارة الجملة التي تتم عبر متاجر على الإنترنت وبشكل متزايد عبر السوق الرقمي، في ألمانيا عام 2021 إيرادات بقيمة 352 مليار يورو.

- تعقيد العمليات والإجراءات: وذلك لتنوع المجالات التي تهدف المنصات إلى خدمتها؛ الأمر الذي يصل إلى التشظي في كثير من الأحيان؛ ومن ثم لا يمكن أن توجد إجراءات أو نموذج موحد يمكن اتباعه؛ لكي تصل تلك المنصات إلى أهدافها؛ الأمر الذي يؤدي تباعاً إلى تعقيد التفاعلات بين المنصات وعملائها، عند محاولتها لتسويق منتجاتها أو إقناع العملاء بشرائها، على النقيض من السهولة النسبية المتوفرة في مجال المنصات الموجهة نحو الاستهلاك والاتصالات.

- التوجه الاقتصادي الخالص: إذ يُعد الهدف الأوحد والرئيس هو الكفاءة الاقتصادية من حيث تحقيق الأرباح أو التوسع، على النقيض تماماً من النوع الثاني من المنصات والذي يؤثر ويتأثر بالنواحي الاجتماعية، بل وقد يعمل على تشكيل أفكار واتجاهات أجيال كاملة، ومثال ذلك التأثير الملموس لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا يقتصر أثرها فقط على الحياة الاقتصادية للشعوب، بل تنتج عنه تبعات اقتصادية وثقافية ملموسة.

- وجود عوائق تؤدي إلى صعوبة دخول فاعلين جدد: إذ تتمتع المنصات الصناعية بطبيعة انغلاقية أو حصرية؛ إذ لا يعتمد دخول فاعلين جدد في المجال على اختيارهم الذاتي، بل على العديد من القواعد التي قام بإرسائها الفاعلون الحاليون للحفاظ على مكانتهم، وللقواعد والأطر الحاكمة لهذا المجال، كالحفاظ على سلامة البيانات، وضمان حقوق الملكية، وجودة وموثوقية الشركاء المحتملين، وكذلك مخاطر تسرب المعرفة غير المراقبة أو الصراعات التنافسية؛ الأمر الذي يُعد تحدياً لتسهيل دخول فاعلين جدد.

ختاماً، يرى الباحث أنه لا مناص من التوجه إلى اقتحام حقل المنصات الصناعية الإلكترونية بالبحث والرصد والتفسير لطبيعتها، وذلك لضمان تحقيق التقدم المأمول في دور تلك المنصات في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في الدول والمجتمعات.

المصدر:

Leibniz-Institut für Sozialwissenschaften, Industrieplattformen: Eine neue Form der Handlungskoordination in der Wirtschaft, Dolata, Ulrich, January, 2024.