أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الشروق:

فوز أردوغان.. عوامل الحسم والأولويات القادمة

07 يونيو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب مهاب عادل، يعرض فيه عوامل فوز أردوغان بالرغم من الضغوط الداخلية والخارجية التى واجهها خلال الانتخابات التى أجريت مؤخرا، كما تناول بعض ملامح سياسته الداخلية خلال السنوات الخمس المقبلة وأثر انتصاره الانتخابى على سياسات تركيا الخارجية.. نعرض من المقال ما يلى.

بادئ ذى بدء، يشير كاتب المقال إلى تمكن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، من حسم جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التى أُجريت فى 28 مايو 2023، لصالحه بنسبة فوز بلغت نحو 52.1% فى مقابل 9.47% لمرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو. وعلى الرغم من تعقد معطيات السياق الانتخابى الرئاسى الذى شهد لأول مرة جولة إعادة، فقد جاءت نتائج الجولات الانتخابية كاشفة عن بعض التحولات التى شهدتها الخريطة الانتخابية التركية، من ناحية تعزز حضور المعارضة، خاصة فى المدن الكبرى، الذى جاء انعكاسا لتراجع الأوضاع الاقتصادية، ورغبة قطاع كبير من الرأى العام، ولاسيما شريحة شباب الناخبين، فى التغيير السياسى.

على الرغم من تعقد السياق الانتخابى بالنسبة للرئيس أردوغان، ارتباطا بمتغيرات الواقع السياسى والاقتصادى المأزوم الذى تشهده تركيا فى الوقت الراهن، فإنه تمكن من حسم المعركة الانتخابية لصالحه، وساعده فى ذلك جملة من العوامل التى يمكن توضيحها على النحو التالى:

1ــ الخبرة السياسية لأردوغان مقارنة بمرشح المعارضة: كان لخبرة أردوغان السياسية، سواءً تلك المرتبطة بالحكم أو إدارة الحملات الانتخابية، دور بارز فى ترجيح أصوات الناخبين له خلال جولتى الانتخابات التى انتهت بفوزه. وبرز ذلك بشكل واضح فى قدرة أردوغان على استقطاب أصوات المعارضين له فى المناطق المنكوبة بالزلزال، والتى كانت قد ذهبت للتصويت لمنافسه، على غرار ولاية هاتاى التى تمكن من تغيير موقفها التصويتى لصالحه خلال جولة الإعادة.

2ــ السيطرة الإعلامية للحملة الانتخابية لأردوغان: وفقا لتقارير دولية، تمتع أردوغان وحملته الانتخابية بقبضة شبه كاملة على وسائل الإعلام التركية، من خلال فخر الدين ألتون، مسئول الإعلام والاتصال فى القصر الرئاسى.

3ــ تقديم أردوغان الحوافز المالية للناخبين: نجح أردوغان خلال حملته الانتخابية فى «الهروب للأمام» وتحويل التركيز بعيدا عن أزمة غلاء المعيشة، عبر الحوافز المالية التى قدمها للمواطنين فى صورة معاشات تقاعدية ورواتب مرتفعة، وتوفير خصومات على فواتير الطاقة المنزلية.

4ــ حشد التيارين القومى والدينى المحافظ: يُجيد أردوغان المناورات السياسية فى الحملات الانتخابية، وهو ما مكّنه من الاستمرار فى الحكم طيلة هذه العقود. وخلال هذه الانتخابات، ناور أردوغان خصومه فى المعارضة من خلال توظيف حالة الاستقطاب المجتمعى، وتمكن من حشد التيار القومى والتيار الدينى المحافظ، عبر نقل النقاش إلى قضايا مثل الأمن وقيم الأسرة. وهو ما كان له صدى فى صفوف الناخبين القوميين والمحافظين، مستغلا فى ذلك معاناة السكان المتدينين فى تركيا من الاضطهاد باسم «العلمانية»؛ من ناحية منع النساء المسلمات من ارتداء غطاء الرأس فى المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة، وإبعاد الدين عن الحياة العامة والسياسة لعقود.

وقبيل جولة الانتخابات الثانية، وفى إطار مناورة كليجدار أوغلو لتفتيت كتلة الأصوات القومية فى «تحالف الأجداد» (ATA) الذى يقوده سنان أوغان، خاصة فى أعقاب إعلان الأخير دعمه لأردوغان، اتجه كليجدار أوغلو للتحالف مع زعيم حزب «النصر»، أوميت أوزداغ، أحد الأحزاب الرئيسة فى «تحالف الأجداد»، والمعروف عنه تطرفه القومى تجاه اللاجئين، وكذلك حزب العمال الكردستانى والأحزاب الداعمة له على غرار حزب «الشعوب الديمقراطى». وقد كان لهذا التحالف تأثيره السلبى فى تماسك تحالف المعارضة، حيث حدثت عدة استقالات احتجاجية فى حزب «المستقبل»، واعتراض من جانب رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، والقيادات الوسطى فى الأحزاب المحافظة المتحالفة مع «الشعب الجمهورى». علاوة على تأثيره السلبى فى الناخبين الأكراد الداعمين لحزب «الشعوب الديمقراطى»، خاصة فى ضوء موقف الحزب الذى اجتمع لتقييم الاتفاق، قبيل ساعات من يوم الاقتراع. وبالتالى، كان لهذه التوترات تأثيرها السلبى فى تفتيت الكتلة التصويتية الكردية الداعمة لتحالف المعارضة بدرجة أو بأخرى.

وبشكل عام، كان لهذه التباينات والانقسامات فى صفوف المعارضة، تأثيرها السلبى فى تراجع ثقة الناخبين فى التحالف وعدم اليقين بقدرته على إدارة الأزمات التى تواجهها تركيا إذا ما جاء كليجدار أوغلو للحكم، وهو ما مثّل نقطة قوة لصالح تحالف أردوغان.

وأضاف كاتب المقال أن المعطيات الراهنة، وتأسيسا على البرنامج الانتخابى لتحالف أردوغان، وكذلك خطابه بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة، تشير إلى بعض ملامح سياسته الداخلية خلال السنوات الخمس المقبلة، على النحو التالى:

1ــ أولوية الأزمة الاقتصادية وخفض التضخم: هناك تحديات اقتصادية فى الداخل التركى، وخاصة على صعيد وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وتراجع قيمة العملة «الليرة التركية» التى خسرت أكثر من 90% من قيمتها على مدار العقد الماضى، حيث سجلت أدنى مستوى قياسى لها عند 20.06 ليرة مقابل الدولار الأمريكى الواحد، فى اليوم التالى لإعلان فوز أردوغان. ومن ثم، تدفع هذه المعطيات بأولوية الملف الاقتصادى فى سياسات أردوغان الداخلية خلال السنوات الأولى من ولايته الرئاسية الجديدة من أجل تحقيق التوازن والاستقرار.

2ــ الوفاء بالوعود الانتخابية تجاه متضررى الزلزال: يأتى هذا الملف على قائمة أولويات أردوغان، وفقا لما وعد به خلال حملته الانتخابية، وأكده فى «خطاب النصر»، بيد أن ذلك سيكون مرتبطا بالدرجة الأولى بنجاحه فى معالجة الاختلالات الاقتصادية، نظرا للفاتورة الاقتصادية الضخمة التى يحتاجها، والتى تُقدر بأكثر من 100 مليار دولار، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى.

3ــ ملف اللاجئين السوريين: احتل هذا الملف أهمية حيوية فى حملة أردوغان الانتخابية فى إطار توظيفى لاستقطاب كتلة أصوات القوميين، كما أنه حاز على مساحة فى «خطاب النصر». غير أن التعامل المتوقع من جانب أردوغان فى إعادة اللاجئين السوريين قد لا يرقى إلى طموحات القوميين بالعودة الفورية لكل اللاجئين، خاصة أن الرئيس التركى لا يزال فى حاجة إلى توظيف هذه الورقة فى مواجهة الضغوط الغربية. وبالتالى سيلجأ أردوغان إلى تعزيز العودة الطوعية من خلال التنسيق مع شركائه الإقليميين لتوفير الاحتياجات المالية اللازمة لبناء مساكن فى مناطق الشمال السورى.

ويؤكد كاتب المقال أن الانتصار الانتخابى لأردوغان عزز تمسكه بنهجه الاستقلالى فى سياسة تركيا الخارجية كقوة إقليمية لا تدور فى فلك السياسة الغربية، ومن ثم فإن ملامح السياسة الخارجية المتوقعة لولاية أردوغان الرئاسية الجديدة تتبلور فى الآتى:

1ــ مئوية تركيا وبناء أردوغان «إرث حكمه»: وفقا لما أكده أردوغان فى «خطاب النصر» من ناحية الاستمرار فى بناء «مئوية تركيا»، فإن ذلك يعكس رؤيته الطموحة لإعادة إحياء ما يُسمى بـ«الإمبراطورية التركية» أو «العثمانية الجديدة».

2ــ تطوير العلاقات والشراكات الاقتصادية مع دول الخليج: فى إطار حرص أردوغان على تجنب الاقتراض من المؤسسات النقدية الغربية ذات الفائدة العالية كصندوق النقد الدولى، فإنه سيشرع فى تسريع تطوير علاقاته مع دول الخليج، وتعميق شراكاته الاقتصادية معها.

3ــ الاستمرار فى السياسة المتوازنة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية: فى إطار سعى أردوغان لتعزيز مدار حركة السياسة الخارجية التركية فى إطار من الاستقلالية عن الغرب، فإنه من المتوقع استمراره فى تحسين علاقاته مع روسيا، التى يوازن من خلالها مصالحه مع الكتلة الغربية، فى إطار إجادته اللعب على التناقضات بين الطرفين لجنى المكاسب.

إجمالا، ستظل هذه الرؤية الطموحة لأردوغان فى استقلالية السياسة الخارجية التركية عن الكتلة الغربية، رهينة قدرته على تجاوز أزماته الداخلية والضغوط الاقتصادية الحالية، ونجاح رهانه على مسارات الحركة البديلة فى مساعدته على تجاوز هذه الأزمات خاصة فى بُعدها الاقتصادى، من خلال التقارب مع روسيا وتعزيز علاقاته مع دول الخليج، حيث إن فشل هذه التحركات سيمنح الولايات المتحدة وأوروبا مزيدا من الأوراق للضغط على أنقرة. كما أن فوز أردوغان فى الانتخابات لم يلغ حضور المعارضة فى الداخل التركى، والتى ستراقب مدى نجاح أردوغان وتحالفه الحاكم فى تنفيذ وعوده الانتخابية وحل الأزمات الداخلية ولاسيما الاقتصادية.

*لينك المقال في الشروق*