أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

حرب موازية:

آليات توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في الصراع السوداني

27 أبريل، 2023


بينما يشهد السودان مواجهات عسكرية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، نشبت حرب موازية بين الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي، سواءً عبر المنصات الرسمية لكليهما أو عبر حسابات المستخدمين الذين دخلوا في سجال رقمي لم يخل من انتشار مقاطع فيديو كاذبة وأخبار مزيفة. وبالتالي شن طرفا الصراع حرباً نفسية ودعاية عسكرية عبر هذه المنصات الإلكترونية التي تم استخدامها لتصدير معلومات بعينها للداخل السوداني والمجتمع الدولي، ما جعل الأخبار المتداولة متناقضة ومتضاربة بين الجانبين. وقد تفاقمت هذه المشكلة في ظل صعوبة العمل الإعلامي الميداني بمناطق الصراع، الأمر الذي فرض حالة من الضبابية ربما كشفت عن الوجه القبيح للاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات ومخاطبة الرأي العام، ولاسيما خلال أزمة محتدمة تخلق بيئة استقطابية أكثر قابلية لإنتاج ونشر الأكاذيب والدعاية الموجهة.

حرب التغريدات:

على الرغم من وجود العديد من الصفحات والحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم المسميات الرسمية للقوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع، فإن الطرفين يحددان لنفسيهما عدداً من المنصات النشطة التي يعلنانها كحسابات رسمية ينشران من خلالها البيانات والفيديوهات والصور وغيرها من المواد الإعلامية ذات الصلة بالأحداث الراهنة.

وتمتلك القوات المسلحة السودانية صفحة على "فيسبوك" يتابعها 1.4 مليون شخص ويبلغ حجم التفاعل عليها 359 ألفاً، فضلاً عن حساب على "تويتر" يتابعه ألفان فقط إلا إنه غير نشط وتعود آخر تغريدة عليه إلى 10 مارس 2023، ليصبح حساب الإعلام العسكري التابع للناطق باسم القوات المسلحة هو المنصة الأكثر نشاطاً عبر "تويتر"، والتي تعيد نشر البيانات والمواد المصورة التي يتم مشاركتها عبر "فيسبوك"، وهو حساب يتابعه 57 ألف شخص تقريباً وعليه 182 تغريدة فقط، ولم يكن نشطاً بالمرة من قبل، حيث تعود آخر تغريدة عليه قبل الصراع الأخير إلى 10 يوليو 2021 ليعاود النشر بكثافة عقب اندلاع الاشتباكات في منتصف إبريل 2023.

على الجانب الآخر، تمتلك قوات الدعم السريع حسابات أكثر نشاطاً وتفاعلية، حيث يتابع حسابها على "تويتر" 93 ألف شخص وعليه 4860 تغريدة، فيما يتابع صفحتها الرسمية على "فيسبوك" 965 ألفاً ويتفاعل عليها 214 ألفاً، وهو ما يُعد معدلاً مرتفعاً للتفاعل، أخذاً في الاعتبار أنه لا يعكس بالضرورة التأييد أو المعارضة وإنما يبين حجم النقاش بشأن منشورات الصفحة، كما تمتلك هذه القوات حساباً على "إنستغرام" أقل نشاطاً يتابعه 17 ألف مستخدم وعليه أكثر من 2800 مادة مصورة. 

وخلال الفترة من 15 إلى 24 إبريل 2023، يمكن ملاحظة الاستخدام المكثف لتلك الحسابات لنشر أخبار تدعم انتصارات كل طرف مع توجيه الاتهامات للطرف الآخر، وتم خلال ذلك توظيف تقنيات النص والصورة والفيديو، ويمكننا تقديم نظرة أكثر عمقاً لذلك من خلال رصد التغريدات المنشورة على حساب الإعلام العسكري للقوات السودانية وحساب قوات الدعم السريع على "تويتر".

فخلال تلك الفترة المذكورة، نشر حساب الإعلام العسكري للقوات المسلحة السودانية 119 تغريدة تضمنت 11 مقطع فيديو وكان عليها 17081 إعجاباً و3792 رداً، تضمنت 1883 كلمة، وبالتحليل التكراري لتلك الكلمات يظهر استفاضة الجيش السوداني في استخدام صفات تنزع الشرعية القانونية عن قوات الدعم السريع، حيث تكرر استخدام أوصاف "المتمردة" و"متمردون" و"تمرد" بإجمالي 56 مرة، فضلاً عن أوصاف "المليشيا" 19 مرة و"العدو" 5 مرات، وبالمقابل عمد إلى ذكر المدنيين ومخاطبة الشعب السوداني بنحو 38 مرة، لتأكيد رغبته في حماية الشعب من اعتداءات "الطرف المضاد". ويُلاحظ غياب أي إشارة لقوى التغيير أو الألفاظ المتصلة بالديمقراطية في تغريدات القوات المسلحة باستثناء تأكيد عابر في بداية الصراع يوم 17 إبريل أنه "لا تراجع ولا نكوص عن تنفيذ المسار السياسي الذي التزمت به".

فيما نشر حساب قوات الدعم السريع على "تويتر" 179 تغريدة، عليها 74037 إعجاباً، و10532 رداً، وهو ما يعكس حجماً أكبر من النقاش والسجال الرقمي، زاد منه استخدام المواد المصورة، حيث بلغ عدد الفيديوهات المتضمنة 57 فيديو. وبالتحليل التكراري لكلمات تلك التغريدات والبالغ عددها 2277 كلمة، يتضح استخدام أوصاف "الانقلاب" و"الانقلابيين" ضد الجيش السوداني بنحو 23 مرة، والاتهامات بتحالفه مع فلول النظام السابق باستخدام أوصاف "البائد" و"الفلول" بنحو 11 مرة، مع الإشارات المتكررة للمدنيين والمواطنين بإجمالي 21 مرة، وتوجيه الخطاب المباشر للشعب 26 مرة.

وعلى عكس القوات المسلحة، تضمنت تغريدات قوات الدعم السريع إشارات متكررة للمسار السياسي ووصف نفسها بهاشتاغ #حراس_الثورة_المجيدة، ووصف القتال بأنه #معركة_الديمقراطية، مع تأكيد أن القتال هو "معركة الكرامة من أجل استرداد حقوق شعبنا في الحرية والعدل والديمقراطية"، وأن "قوى المجتمع المدني صدحت بصوت الحق ضد الظلم والطغيان".


فوضى التزييف:

بمراجعة التصحيحات المنشورة على مراصد الأخبار الكاذبة في مواقع "فتبينوا"، و"مسبار"، و"تفنيد"، وكذلك خدمة التحقق بوكالة الأنباء الفرنسية والتصحيحات المنشورة على هيئة الإذاعة البريطانية وقناة الجزيرة وبوابة العين، يبلغ عدد قطع المحتوى المُضلل التي رصدتها تلك الخدمات 37 ما بين فيديوهات وصور وتصريحات، وهو ما يقل بالتأكيد عن حجم التزييف المتداول، ولاسيما بالنظر للشهادات الفردية التي يصعب التحقق منها، إلا أنها تمثل أكثر قطع المحتوى انتشاراً ومشاهدة، والتي اتصل أغلبها بنشر مقاطع مصورة قديمة أو من أحداث في بلدان أخرى مثل ليبيا والعراق ونسبتها إلى أحداث السودان، وهو ما يدخل ضمن نطاق تزييف السياق، بخلاف المحتوى المزيف بشكل كامل ولا أساس له من الصحة مثل وفاة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أو هروب وزير الدفاع الفريق الركن ياسين إبراهيم، أو اشتعال حريق في خطوط أنابيب بورتسودان.

والملاحظ أن أغلب الأكاذيب اتصلت بالاشتباكات وإحراز التقدم العسكري على الأرض، فيما استهدف بعضها دولاً أخرى وفي مقدمتها مصر، والتي تسببت أزمة احتجاز جنودها في اشتعال الشائعات بشأن رد الفعل المصري أو مصير الجنود أو مكان وجودهم واتفاقات الإفراج عنهم وغيرها من أنماط التزييف.

وعلى جانب آخر، أظهرت الأزمة أخطار إجراءات تسليع علامة التوثيق الزرقاء في "تويتر" نظير الدفع وليس نظير صحة الهوية، حيث قام حساب يستخدم اسم قوات الدعم السريع ويحمل العلامة الزرقاء بنشر خبر مزيف يوم 21 إبريل حول وفاة حميدتي متأثراً بجراحه، وهو ما تبين كذبه بالرغم من نيل التغريدة انتشاراً وتفاعلاً من المستخدمين. 

كما لم تخل فوضى التزييف من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً عن انتشار أعداد كبيرة من تغريدات تروج لمعلومات مزيفة مصحوبة بكلمة "شات جي بي تي" وكلمات عشوائية أخرى لها علاقة بالسودان، كنوع من التضليل عند البحث عما يجري في الأزمة السودانية.

ولعل انتشار تلك الأخبار المزيفة يزيد من حالة السجال على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل مرآة عاكسة للأوضاع السودانية المضطربة وعاملاً يعزز ذلك الاضطراب أيضاً بإتاحة ساحة للتراشق وتعزيز الاستقطاب فضلاً عن نشر التضليل، الأمر الذي فاقم منه صعوبة ممارسة المراسلين والصحفيين عملهم الميداني بسبب الاشتباكات، وأصدر بشأنه الاتحاد الدولي للصحفيين بياناً يوم 21 إبريل 2023 حذر فيه من استهداف الإعلاميين، ما يؤكد استحالة استبدال المنصات الاجتماعية بالعمل الإعلامي الاحترافي، وأهمية الدفاع عن استقلاله.

سردية الحرب:

بالنظر للمحتوى المنشور عبر حسابات الأطراف المتنازعة في السودان، يمكن تحديد مجموعة من السمات الرئيسية لإدارة تلك "الحرب الموازية" وأهدافها، تتضمن الآتي:

1- نزع المشروعية: أكد خطاب كل طرف مشروعية التحركات العسكرية التي يقوم بها ضد الآخر، في خطاب يسوده الطابع الرسمي عبر لغة بيانات الحرب وإرفاق الشعار والظهور بالزي العسكري، والتأكيد على ثلاثة مرتكزات رئيسية؛ الطرف البادئ بالصراع وتبادل الاتهامات بشأن سبب اندلاع الأزمة من الأساس، والطرف الأحق بالتعبير عن الإرادة الشعبية والرامي لتسليم السلطة للمدنيين، والطرف الأجدر بالثقة الدولية وتنفيذ الاتفاقات، وهو ما ساده استخدام أوصاف "المتمردين" و"المليشيا" و"التطرف" و"الانقلاب" و"الشلة" و"الزمرة" ضد الطرف الآخر لانتزاع مشروعيته التي يكتسبها باعتباره جزءاً من السلطة الانتقالية.

2- آلة الدعاية: استخدم كل طرف المنصات الاجتماعية لاستعراض انتصاراته وممارسته الضغوط على الطرف الآخر، ومحاولة إظهار سيطرته على المواقع الاستراتيجية، ولاسيما في الأيام الأولى من الصراع المسلح، فضلاً عن الإسراع في نفي الانتصارات التي ينسبها الطرف الآخر لنفسه وملاحقته بالاتهامات ونشر فيديوهات انضمام عناصره إليه وتصويرهم وهم يدعون زملاءهم للعدول عن أفعالهم والانضمام لـ"صف الحق". ويعكس ذلك في مجمله توظيف منصات التواصل الاجتماعي ضمن آلة "الدعاية العسكرية" لكل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي لم تخل من نشر الأخبار المضللة، الأمر الذي وصل لحد نشر الجيش السوداني مقطعاً من لعبة إلكترونية على صفحته الرسمية في "فيسبوك" باعتبارها جانباً من عمليات نوعية ضد الهاربين بالولاية الشمالية، وكذلك نشر قوات الدعم السريع فيديو استيلائها على مقر الاستخبارات العسكرية بالقيادة العامة وهو ما اتضح زيفه وكون المبنى المذكور تابعاً للمخابرات العامة، وفق ما نشرته قناة الجزيرة الإخبارية.

3- حرب الصورة: اتساقاً مع تلك الدعاية، مثّلت المواد المصورة من صور وفيديوهات عنصراً أساسياً في الصراع السوداني، ليس فقط من خلال المضمون المُضلل، وإنما أيضاً باستخدام تقنيات التأطير بوضع الصور في إطار معين كاستخدام أوصاف "الملاحقة" و"المطاردة" مع مشاهد الاشتباكات، وأوصاف "الشهداء" مع القتلى من المسلحين، فضلاً عن استعراض القوة العسكرية وتأكيد أطروحات حماية المدنيين والجاليات الأجنبية بنشر مقاطع عمليات الإجلاء.

4- الغطاء الديني: لم تخل بيانات الطرفين من توظيف الآيات الدينية للنصر ومقاتلة الآخر، ما وصل إلى استخدام مصطلح "الغنائم" لوصف المعدات التي يستولي عليها كل طرف، وهو ما يتصل بـ"الحرب النفسية" ومغازلة البعد العاطفي لدى الرأي العام السوداني وإضفاء الشرعية الدينية التي قد لا تقل أهمية عن القانونية في الخطابات الاستقطابية.

5- مخاطبة المجتمع الدولي: وهو ما يظهر بشكل واضح على حسابات قوات الدعم السريع التي تقدم بعض منشوراتها باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى حساب قائدها محمد حمدان دقلو على "تويتر" الذي نشر خلال فترة الرصد 22 تغريدة منها ثلاث فقط باللغة العربية، تضمن أغلبها معلومات عن اتصالات بأطراف خارجية وتأكيداته الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وحماية المدنيين.

وفي مقابل سردية الصراع تلك، التزمت القوى المدنية الحياد، ولم تكن هي الأخرى بعيدة عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي، إذ استخدمت قوى الحرية والتغيير صفحتها على "فيسبوك" لنشر البيانات الرسمية للقوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، والتي اتسمت بالحياد، والدعوة لوقف إطلاق النار، والالتزام بالمسار السياسي السلمي، واتهام "التيار الأصولي الشمولي للحركة الإسلامية" بإشعال الحرب ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط لإيقافها. فيما نشرت حسابات أخرى غير موثقة مثل صفحة منسوبة للحزب الاتحادي الديمقراطي على "فيسبوك" منشورات أقل رسمية إلا إنها أكدت المضمون ذاته، واتهمت بشكل مباشر حزب المؤتمر بشن الاعتداءات والاغتيالات ضد البعثات الدبلوماسية ومعارضي الحرب. وثمة أطراف مدنية أخرى مثل لجنة أطباء السودان المركزية، والهلال الأحمر، استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الاستغاثات واستعراض الجهود الإغاثية، وقد اتسمت هي الأخرى بالحياد والتأكيد على الجوانب الإنسانية وحماية المدنيين في هذا الصراع.