أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تنافس جيوسياسي:

أهداف جولة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس الإفريقية

27 مارس، 2023


بدأت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، في 25 مارس 2023، أول جولة لها إلى القارة الإفريقية  منذ وصول إدارة جو بايدن للسلطة في الولايات المتحدة مطلع 2021، حيث يفترض أن تستمر هذه الجولة لنحو أسبوع، وستتضمن 3 دول إفريقية هي غانا وتنزانيا وزامبيا، وهي جزء من تحركات واشنطن لإظهار الالتزام بتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية .

جولة هاريس الإفريقية 

تستمر الجولة الإفريقية الأولى لكامالا هاريس من 25 مارس الجاري وحتى 2 إبريل 2023، بغية تعزيز الشراكة مع الدول الإفريقية. وفي هذا السياق، يمكن عرض أبعاد هذه الجولة على النحو التالي:

1- لقاءات مطولة: بدأت هاريس جولتها الإفريقية من غانا، وستستمر زيارتها هناك حتى 29 مارس 2023، وستعقد خلالها لقاءات مكثفة مع الرئيس الغاني، نانا أكوفو أدو، وبقية المسؤولين في أكرا، على أن تتوجه لاحقاً إلى تنزانيا، لعقد اجتماعات مع رئيستها، سامية سولو حسن، ثم تختتم جولتها الإفريقية بزامبيا، حيث تُجري مشاورات مع الرئيس الزامبي، هاكايندي هيشيليما. ويفترض أن تتضمن جولة هاريس لقاءات مع القيادات الشبابية في الدول الثلاث، حيث يبلغ متوسط السن فيها حوالي 19 سنة. 

وستعقد هاريس عدداً من اللقاءات مع مسؤولي القطاع الخاص والمجتمع المدني كذلك، حيث تركز مناقشاتها على تعزيز العلاقات التجارية بين واشنطن والدول الإفريقية، ودعم النمو الاقتصادي طويل الأجل في هذه الدول، فضلاً عن بحث ملف تخفيف الديون على الدول الإفريقية، بالإضافة إلى مناقشة تداعيات الأزمة الأوكرانية وتغير المناخ على الأمن الغذائي للقارة.

2- حراك أمريكي مكثف: تأتي جولة هاريس لتشكل أحدث خطوات التحركات الأمريكية الراهنة لتحسين العلاقات بدول القارة، بعدما كانت هذه العلاقات تدهورت بشكل سيئ خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والذي لم يقم بأي جولة إلى إفريقيا.

وفي إطار عودة الاهتمام بإفريقيا، عقدت القمة الأمريكية الإفريقية التي استضافتها واشنطن في ديسمبر 2022، حيث أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلالها عن دعم بلاده لفكرة انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.

وبعد أسابيع قليلة من هذه القمة، قامت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، بجولة إفريقية، في يناير 2023، شملت السنغال وزامبيا وجنوب إفريقيا، أعقبتها جولة أخرى قامت بها زوجة الرئيس بايدن، جيل بايدن، في فبراير الماضي، تضمنت ناميبيا وكينيا، قبل أن يقوم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، منتصف مارس الجاري، بزيارة إلى النيجر وإثيوبيا. ومن المتوقع أن يختتم الرئيس الأمريكي هذه الجهود بجولة إفريقية خلال العام الجاري.

دوافع متعددة

يمكن عرض أبرز دوافع الجولة الإفريقية الحالية لنائبة الرئيس الأمريكي على النحو التالي:

1- مواجهة النفوذ الصيني والروسي: تستهدف الجهود الأمريكية تحسين العلاقات مع الأفارقة لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، خاصة وأن بكين باتت الشريك التجاري الأكبر لإفريقيا. ومن المتوقع أن يصل إجمالي حجم التجارة بين الجانبين خلال العام الجاري إلى أكثر من 260 مليار دولار، فضلاً عن إقراض بكين مليارات الدولارات للدول الإفريقية في إطار مبادرة الحزام والطريق. 

وتوصلت غانا أخيراً إلى اتفاق بقيمة 2 مليار دولار مع شركة صينية بهدف تطوير الطرق، بالإضافة لمشروعات أخرى، وذلك مقابل الحصول على حق استغلال معدن الألمنيوم. وتستهدف واشنطن تقديم نفسها كشريك اقتصادي أفضل من الصين.

ومن ناحية أخرى، وافق مجلس النواب الأمريكي، في مايو 2022، على قانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في إفريقيا، والذي يمهد الطريق أمام واشنطن لمعاقبة دول القارة التي تحتفظ بعلاقات وثيقة بموسكو، حيث بات هذا النفوذ المتنامي يشكل مصدر قلق رئيس بالنسبة لواشنطن وحلفائها الغربيين.

2- تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية: يشكل الاقتصاد أبرز محاور جولة هاريس الحالية، حيث تستهدف تعزيز التعاون التجاري مع الدول الثلاث، وإيجاد تسوية لأزمة الديون التي يعاني منها بعضها، ومنها غانا وزامبيا، حيث تعد الأخيرة هي الدولة الإفريقية الأولى التي تتخلف رسمياً عن سداد ديونها السيادية، وتعمل حالياً على التوصل إلى اتفاق لهيكلة ديونها المستحقة مع دائنيها، وفي مقدمتهم الصين، حيث تمتلك بكين نحو 6 مليارات دولار من إجمالي حجم الديون الخارجية لزامبيا، والتي تقدر بـ17 مليار دولار.

وعلى المنوال ذاته، تمر غانا حالياً بأصعب أزمة مالية منذ عقود، وتسعى لإعادة هيكلة ديونها الخارجية، ولاسيما مع الصين، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، والتي تجاوزت حاجز الـ50%، وكان وزير المالية الغاني، كين أوفوري أتا، قد قام أخيراً بزيارة إلى بكين للتفاوض بشأن ملف الديون. وليس من الواضح طبيعة المساعدة التي يمكن أن تقدمها واشنطن لأكرا لتسوية أزمتها المالية.

وأشارت تقارير أمريكية إلى أن جولة هاريس تستهدف الكشف عن استثمارات أمريكية، وإطلاق عدد من المشروعات الاقتصادية في الدول الثلاث التي تشملها جولتها الحالية، مع العمل على تحفيز استثمارات إضافية من قبل القطاع الخاص، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة هيمنتها على التجارة العالمية، بعدما تغيرت المعادلة وباتت الدول الآسيوية، ولاسيما الصين، في المقدمة. 

وكان بايدن، قد تعهد خلال القمة الإفريقية الأمريكية الأخيرة بتخصيص 55 مليار دولار كاستثمارات فورية من الولايات المتحدة في دول القارة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك في إطار مبادرة تستهدف كذلك زيادة حجم التجارة بين الجانبين، ومساعدة واشنطن للدول الإفريقية في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الرعاية الصحية، فضلاً عن دعم مشروعات الطاقة المتجددة والتطور التكنولوجي والأمن الغذائي في القارة.

3- توظيف ملف الدفاع عن الديمقراطية: اختارت هاريس الدول الثلاث، غانا وتنزانيا وزامبيا، باعتبارها أحد النماذج الإفريقية التي تسعى للحفاظ على القيم الديمقراطية، وهو ما يتسق مع ملف الدفاع عن الديمقراطية الذي توليه إدارة بايدن أهمية خاصة، خاصة مع تأكيده وجود معركة راهنة يشهدها النظام الدولي بين الديمقراطيات والنظم الاستبدادية، وذلك في إطار تأطير واشنطن لمعركتها مع موسكو وبكين.

4- التحضير للانتخابات المقبلة: تأتي جولة هاريس إلى القارة الإفريقية بالتزامن مع إشارة تقارير أمريكية إلى وجود توتر في علاقتها ببايدن، أرجعته تلك التقارير إلى تراجع ثقة الأخير في قدرة نائبته على القيام بالأدوار المنوطة بها، ومن ثم تخوفه من تداعيات هذا الأمر على فرصه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبالتالي رأت هذه التقارير أن هاريس تسعى من خلال هذه الجولة أيضاً إلى تعزيز دورها في السياسة الخارجية استعداداً للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، في محاولة لضمان احتفاظ بايدن بها كنائبة له خلال الانتخابات القادمة.

انعكاسات محتملة 

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تفرزها الجولة الإفريقية الحالية لنائبة الرئيس الأمريكي، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تحوّل الاستراتيجية الأمريكية: قام مسؤولون أمريكيون خلال الأشهر الأخيرة بزيارات مكثفة إلى القارة الإفريقية، كما أطلقت واشنطن استراتيجيتها الخاصة بإفريقيا، في أغسطس 2022، وهو ما يعكس تحولاً ملحوظاً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه القارة، فبعدما ركزت واشنطن سابقاً على ملف مكافحة الإرهاب، عمدت الولايات المتحدة إلى تبني مقاربة شاملة لتحركاتها الإفريقية، تستهدف من خلالها مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتنامي.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على تأكيد استمرارية الدور الأمريكي القيادي في القارة، مع تعزيز التعاون مع دولها في مختلف المجالات، والترويج لموثوقية الدور الأمريكي بخلاف بقية الفواعل الدولية الأخرى. ولعل هذا ما تجسد في تعمد الولايات المتحدة الكشف عن مشاركتها لمعلومات استخباراتية مع تشاد بشأن وجود تحركات تجريها عناصر فاغنر الروسية للإطاحة بنظام ديبي الابن هناك.

2- حرب باردة جديدة: تتجه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتصعيد تحركاتها في القارة الإفريقية، ومن المرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الحراك الأمريكي في محاولة لإعادة بناء نفوذ واشنطن هناك، بعدما خسرت الولايات المتحدة زمام المبادرة في إفريقيا لصالح منافسيها الرئيسيين، الصين وروسيا، فيما يشبه الحرب الباردة الجديدة هناك. وفي هذا الإطار، يتوقع أن تزداد حدة التنافس الدولي في إفريقيا، وذلك ليشمل السباق لتأمين المعادن الضرورية للطاقة الخضراء، حيث تمتلك القارة أحد أكبر الإمدادات في العالم من هذه المعادن.

وفي الختام، تعهدت الولايات المتحدة سابقاً بتعزيز تعاونها مع الدول الإفريقية، بيد أن هذه التعهدات ظلت رهينة الخطابات الدبلوماسية ولم تجد تطبيقاً حقيقياً. وعلى الرغم من أن تطلعات واشنطن الحالية تبدو أكثر جدية، لكون دوافعها الحالية ترتبط بمنافستها الحادة مع الصين وروسيا، غير أن الأمور باتت أكثر صعوبة بالنسبة لواشنطن، لأن تحركاتها الراهنة تأتي في ظل خطوات متقدمة اتخذتها بكين وموسكو بالفعل لتعزيز نفوذهما في إفريقيا، كما أن الضغوط الأمريكية على دول القارة لتقليص علاقاتها بهما قد تؤدي إلى انتكاسة جهود واشنطن لاستعادة نفوذها، نظراً لتفضيل غالبية الدول الإفريقية عدم الانحياز لأي من القوى الدولية الرئيسة على حساب الأخرى.