أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الميليشيات المسلحة:

انتشار “القوات غير النظامية” بالمنطقة العربية

07 أكتوبر، 2014


** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الثاني، سبتمبر 2014.

ظهرت الميليشيات المسلحة في عصر ما قبل تشكل الدولة المركزية، حيث كانت تعنى بالدفاع عن القبيلة أو التجمع الديمغرافي المتجانس في إطار جغرافي معين، مثل عصر (الأسيجة) في أوروبا.

تراجع دور الميليشيات مع تشكل الدولة المركزية وإنشاء الجيوش، عدا حالة رئيسية، هي نشوب الخلاف بين الدولة المركزية وبعض القبائل أو الشرائح الديمغرافية لأسباب عرقية أو طائفية أو اقتصادية، بفعل أولويات الانتماء في كثير من دول العالم الثالث، خاصة الدول الأفريقية.

وإذا تم النظر إلى خريطة العالم، فإننا نجد تراجع عنف الميليشيات شرقاً، وبالتحديد في جنوب شرق آسيا بنهاية حقبة (الخمير الحمر) في كمبوديا، ولم يتبق إلا القليل لأسباب عرقية ودينية، كما في الفلبين وما حولها. وتراجع واستتب الموقف بنسبة كبيرة غرباً في أمريكا اللاتينية، بعد مرحلة الكفاح الوطني برموزه (شي جيفارا – وسيمون بوليفار)، وكذلك في أمريكا الوسطى بعد انتهاء العداء الأمريكي في كل من (نيكاراجوا وبنما) عدا اليسير نتيجة إمبراطوريات تجارة المخدرات في كل من كولومبيا والمكسيك والهجرات غير الشرعية من الأخيرة إلى الولايات المتحدة.

أما في العالم العربي ومحيطه الجغرافي، فتوجد الميليشيات بدرجات متفاوتة في بعض الدول، أما دول الجوار المباشر، فهي موجودة في كل من تركيا وإيران وإريتريا وجنوب السودان، وتوجد في دول الجوار غير المباشر، في أفغانستان وباكستان شرقاً، وفي نيجيريا ومالي والنيجر غرباً.

ويرجع أصل مصطلح (ميليشيا) في الأدبيات الاجتماعية إلى اللاتينية القديمة (Miles or milit)، والتي تعني "الرجل المسلح أو المحارب لقاء أجر". وطبقاً للمعجم اللاتيني الفرنسي لعام (1932) (Quicherater Daveluy)  فإنها تعني "عملية قتالية يقوم بها مرتزقة عبر حملة عسكرية"، لكن الأمور أصبحت أعقد بكثير مما تشير إليه التعريفات اللغوية السابقة.

ويمكن تناول أهم معالم تلك المسألة كالتالي:

أولاً: ظهور وانتشار الميليشيات المسلحة

في النصف الأول من القرن الماضي، تفشى الاستعمار التقليدي في معظم دول العالم الثالث، بهدف الحصول على المواد الخام الأولية والأيدي العاملة بسعر بخس، واستغلال تلك الدول أسواقاً لمنتجاتها، مما دفع تلك الدول إلى مقاومة المحتل، فنشطت الميليشيات الوطنية وقامت بأعمال عسكرية في إطار حرب العصابات ضد الجيوش النظامية لدولة الاحتلال. وكان مثال ذلك هو مقاومة الاحتلال الفرنسي في الجزائر على نطاق واسع، أو مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر في منطقة قناة السويس على نطاق أقل، أو حركات التحرر العابرة للحدود (شي جيفارا) في أمريكا اللاتينية، خاصة في بوليفيا وكوبا.

وحتى بداية الربع الأخير من القرن الماضي، لم تكن هناك حروب ميليشيات على نطاق واسع لأسباب دينية، إلا القليل، مثل بعض الصراعات الإسلامية بين السنة والشيعة، أو الصراعات المسيحية بين الكاثوليك والأرثوذكس ضد البروتوستانت، أو الإسلامية ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين إبان إعلان قيام دولة إسرائيل في (15 مايو 1948).

وارتبط ميلاد الميليشيات الدينية على نطاق واسع بعام (1979)، حيث الاحتلال الشيوعي (الكافر) لدولة مسلمة (سنية) هي أفغانستان، فقد كانت مقاومة الاحتلال السوفييتي، هي أحد أهم أسباب تشكل "السلفية الجهادية"، حيث تشكلت معسكرات "المجاهدين" في باكستان وأفغانستان، وتم استقبال العديد من المتطوعين في قاعدة معسكر (الأنصار) لتلقي تدريب "أمريكي" على حرب العصابات، فقد كانت واشنطن قد وعت الخسائر الكبيرة في فيتنام عند قتال العصابات الشيوعية بجيوش نظامية مهما كانت عالية الكفاءة، كما أن الرأي العام الأمريكي لن يقبل خسائر أخرى في صراع القوى العظمى ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، فكانت فكرة المحاربة بأيدي الآخرين كأحد أنواع الحرب بالوكالة (Proxy war).

وبنهاية الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، كانت تلك الميليشيات (القاعدة) اكتسبت خبرة قتالية كبيرة في حرب العصابات ضد جيش نظامي قوي وفي بيئة قتالية صعبة، وتحولت إلى فائض قوه قتالية، كما أن الولايات المتحدة توقفت عن الدعم المالي والعسكري باعتبار أن المهمة قد انتهت بانسحاب السوفييت من أفغانستان والابتعاد عن مصادر الطاقة، مما أدى إلى توجه فائض القوة ضد الغرب والولايات المتحدة ذاتها، حيث وصل مداه في أحداث 11 سبتمبر 2001، لينفجر بعدها ما سمي "الحرب على الإرهاب" في العالم بداية بأفغانستان ثم العراق.

في هذا الإطار، انتشرت الميليشيات المسلحة على نطاق واسع في المنطقة، استناداً إلى العوامل التالية:

1 ـ عودة العناصر المسلحة – خاصة الأفغان العرب – إلى الوطن الأم أو لدول الجوار، بعد انحسار وتراجع دورها في أفغانستان وباكستان، ربما مع تشجيع من بعض المؤسسات الأمنية الغربية، لإبعادها عن المسرح الأوروبي والأمريكي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وساعد ذلك صعود التيار الديني في معظم دول الإقليم.

2 ـ ظهور ملامح تفكك أو عدم سيطرة الدولة المركزية في بعض مناطق الإقليم، خاصة الجزائر بعد عام 1990، والعراق بعد عام 2003، ثم نتائج موجة الثورات العربية في سوريا وليبيا واليمن، مع انتظارنا ما يسفر عنه المستقبل في بلدان أخرى خاصة لبنان.

3 ـ زيادة التناحر القبلي والإثني والديني والطائفي، مع توسيع تلك النعرات من الخارج، وارتفاع صوت الفكر المتشدد لبعض الإسلاميين، بأعلى من صوت الفكر الوسطي المعتدل في بعض مناطق الإقليم، واستغلاله الميول الدينية للشباب، وتوجيهها نحو التكفير أو أوهام الخلافة.

4 ـ تداعي الحدود بين دول الإقليم (وسيولتها)، مع تمدد ظاهرة الميليشيات المسلحة العابرة للحدود، من جنسيات مختلفة، مما يصَّعِب من تعقب أفرادها وقياداتها، كما أدى ذلك إلى تزايد ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين يأتون إلى المنطقة لأسباب مختلفة.

5 ـ يساعد الدعم المالي والتسليحي والمادي من بعض دول الإقليم، إلى استمرار تصاعد العنف واستدامته.

6 ـ زيادة التمدد الإيراني داخل العراق ولبنان منذ عام 2007، وهو ما زاد لاحقاً بالتدخل الإيراني في سوريا واليمن.

7 ـ تعثر التيارات الإسلامية في تجربة الحكم، وسقوط بعضها، مما دعاها إلى دعم الأعمال الإرهابية تحت مسمى "الجهاد" ضد السلطة، بأعمال إرهابية (بدائية)، ولكنها قابلة للتطور مستقبلاً.

8 ـ زيادة الخلل في الشارع العربي، مع إمكانية دخول شرائح مجتمعية جديدة إلى دائرة الإرهاب والعنف مثل (الفئات المهمشة– دعاة الفوضى– الثوار المحترفين)، وهو ما بدأ بالتجمعات الاحتجاجية وتصاعدها، لتكون مؤهلة إلى الخطوة التالية في سلم العنف.

9 ـ تردد الموقف الأمريكي، كما بدا في الإعداد لعمل عسكري ضد سوريا على الرغم من الممارسات العنيفة لنظامها، ثم تراجعه، وأخيراً تجاه الميليشيات في العراق، ثم التراجع عن ذلك بشن الضربات الجوية ضد قوات (داعش) في العراق اعتباراً من 8 أغسطس 2014.

ثانياً: الأهداف المتغيرة للميليشيات المسلحة

كانت أهداف الماضي– كما تمت الإشارة– هي مقاومة المستعمر لإجلائه والحصول على الاستقلال، كحالة الجزائر، لكن حتى في تلك الحالة كانت شرعية الكفاح المقاوم أحياناً ما تخضع لقياسات غير دقيقة أو "مختلفة"، فيصنف هذا الكفاح على أنه نوع من الإرهاب، كما هي الحال تجاه المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، حتى بعد احتلال كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس عام 1967، حيث يفتقد القياس الوضوح بين الأبيض والأسود، لتكون هناك مساحة رمادية غير محددة، تخضع لرؤى وتقييمات تتعلق بالأهداف والوسائل.

كما كانت الميليشيات المقاومة لجيوش الاحتلال تنشط أثناء الحرب، وكان ذلك جلياً إبان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، حيث قاومت الميليشيات المسلحة لدول الحلفاء التي تم احتلالها أو اجتياحها بواسطة قوات المحور. وهنا المثال ما تم في بولندا، خاصة ضد خطوط الإمداد الألمانية المتجهة شرقاً إلى الاتحاد السوفييتي، والمثال الفرنسي سواء من داخل فرنسا الحرة بقيادة (ديجول) أو ضد الجزء المحتل من فرنسا بتواطؤ حكومة (فيشي) الموالية لألمانيا وقتها.

وفي الوقت الحالي، توجد ثلاث نقاط رئيسية يمكن الإشارة إليها:

1 ـ استمرار بعض الميليشيات التقليدية، إذ تشهد المنطقة العربية وجود قوات شبه عسكرية مثل "البيشمركة" في العراق، و"الجنجويد" في السودان، ويأتي المثال (المختلف عن النسق) في ميليشيات جيش جنوب السودان بقيادة "جون جارنج"، حيث بدأ الصراع باعتباره إرهابياً يقاتل ضد نظام الحكم في السودان، وانتهى إلى تحقيق هدف وطني للحصول على الاستقلال والانفصال عن الوطن الأم السودان، لأسباب عرقية وطائفية واقتصادية من وجهة نظر شعب جنوب السودان، ولقي ذلك تأييداً غربياً وأمريكياً واسعاً، انتهى بحق تقرير المصير والانفصال وتكوين دولة جديدة.

2 ـ سيطرة هدف السعي إلى السلطة، فقد ظهرت الميليشيات الجديدة بالتزامن مع الثورات العربية، حيث كان اقتتالاً لتحقيق أهداف سياسية، لصالح النظام الحاكم، في البداية، كما هي الحال بالنسبة (للشبيحة) وحزب الله في سوريا، أو الميليشيات الشيعية في العراق، لكن الأغلبية من الميليشيات كانت ضد النظام السياسي لإسقاطه والاستيلاء على السلطة، وقد تكون لأسباب قبلية أو مذهبية مثل (الحوثيين) في اليمن. وبظهور ميليشيات السلفية الجهادية بزعامة تنظيم القاعدة وروافده أو بدائله المتعددة، تمت إضافة هدف آخر، هو إقامة نظم حكم "شرعية" بديلة عن نظم الحكم "الكافرة" مع ضم بعض الدول المتجاورة أو أجزاء منها تحت مسميات جديدة، سواء (الدولة الإسلامية) أو (الخلافة الإسلامية)، مثل تنظيم  (داعش) أو الدولة الإسلامية في ليبيا.

3 ـ اتساع أهداف الميليشيات المسلحة، فقد تعددت توجهات تلك الميليشيات مؤخراً، حيث اختلفت الأيديولوجية بظهور قيادات أكثر راديكالية، واختلفت الجغرافيا، باحتلال أرض وأقاليم وإداراتها أو حكمها، واختلفت (البنيوية) باستخدام التنظيمات الجهادية، في مواجهة تنظيمات أخرى عالمية. وقد تتصارع الميليشيات فيما بينها لأسباب مختلفة، سواء سياسية أو أيديولوجية أو جغرافية، كما هي الحال في سوريا والعراق، بل إنها تتصارع كذلك لأسباب اقتصادية للسيطرة على موارد طبيعية كالمياه والمراعي أو مصادر الطاقة، كما هي الحال في جنوب السودان، أو كليهما معاً كما هي الحال في ليبيا.

وفي كل الأحوال، تتأثر وحدة الدولة المركزية بالسلب، نظراً للصراع بين قوات الدولة العسكرية والأمنية الشرطية من جهة، وبين الميليشيات من داخل الدولة نفسها من جهة أخرى. ويزداد الموقف تعقيداً عندما تكون تلك الميليشيات أو بعضها من خارج الدولة، كما هي الحال في سوريا والعراق، ويؤثر ذلك سلبياً على النسيج المجتمعي للدولة بين مؤيد وعارض، ويزداد هذا التأثر إلى درجة من التفسخ المجتمعي عندما تكون تلك الميليشيات أو بعضها من خارج الدولة، حيث تتعدد مصادر العداء والصراع، ويكون المجتمع  هو المتضرر الأكبر من تلك الصراعات. وعندما تكون مؤسسات الدولة مشكلة على أسس قبلية، ويحدث صراع، فإن هذا قد يؤدي لتصدع المؤسسات الأمنية بانشقاقها لقبائل متنافرة، خاصة عندما يطغى الانتماء للقبيلة على الانتماء للدولة في بعض البلدان، ومثال ذلك الحوثيون في اليمن، وما يحدث في ليبيا من انتقال عناصر سابقة بالجيش إلى تنظيم قبلي.

ثالثاً: الملامح العامة للميليشيات المسلحة

تتمثل الملامح العامة لتنظيم وتسليح وتكتيكات قتال وتدريب وتمويل الميليشيات القائمة في المنطقة العربية الآن، فيما يلي: ـ

1 ـ تنظيم وتسليح الميليشيات:

يخضع تنظيم الميليشيات إلى تكتيكات القتال السابق ذكرها، مع الاقتداء بالتنظيمات العسكرية للجيوش التقليدية، والتي تبدأ بالفرد، فالطاقم، فالجماعة (Section)، فالفصيلة (platoon)، فالسرية (Company)  فالكتيبة (Battalion) فاللواء (Brigade)  فالفرقة (Division) فالجيش أو الجيش الميداني  (Field army) ، ولكن تنظيم الميليشيات من أسفل إلى أعلى يتوقف عند مستوى (السرية) من دون التدرج إلى المستويات التنظيمية الأعلى، لتحقيق مبدأ خفة الحركة وإمكانية الانتشار على نطاق جغرافي واسع بقوات محدودة تعتمد على الأسلحة الخفيفة مثل (البندقية – المسدس – الرشاشات الخفيفة والمتوسطة (RPG).

وتفتقر الميليشيات إلى عناصر الدعم والإسناد الموجودة في الجيوش النظامية مثل (المدفعية– الدبابات– راجمات الصواريخ– الطائرات المقاتلة والمروحيات.. إلخ)، إلا أن ذلك تغير نسبياً بالحصول على عناصر دعم وإسناد، باستيلائها على بعض تلك الأسلحة من الجيوش النظامية أو مخازن الأسلحة والذخيرة الضخمة، كما في ليبيا، حيث انضمت إليها عناصر دعم مبتكرة، مثل تحميل الرشاشات الثقيلة على عربات لاستخدمها ضد الأفراد والعربات الخفيفة، وأيضاً ضد المروحيات، كما تم التحميل على عربات نصف نقل للهاونات وراجمات الصواريخ الخفيفة مثل (الجراد – والكاتيوشا)، واستخدمت تلك العربات للتحميل والدعم اللوجستي من الذخائر والمؤن والوقود لزيادة القدرة القتالية واستمرارها، كما تمكنت بعض الميليشيات التي تمتلك كوادر ماهرة فنياً، من تصنيع بعض الأسلحة والمعدات ومواد النسف البدائية والعمل على تطويرها.

يضاف إلى كل ذلك، أن التطور التكنولوجي أدى إلى تطوير قدرات الميليشيات والمنظمات الإرهابية، سواء في مجال الاتصالات حتى خارج مجال شبكات المحمول (الجوال) أو في تفجير العبوات الناسفة عن بعد، بدوائر كهربائية مبسطة، كما مكنها من القيام بأعمال القرصنة الإلكترونية باستخدام الفيروسات أو (الهاكر) وحل شيفرات البنوك لسرقتها وسرقة عملائها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى القوات المسلحة للجيوش النظامية، سواء لإرباك شبكات المعلومات، مثل أنظمة الدفاع الجوي، أو التداخل لسرقة معلومات حيوية.

2 ـ تكتيكات قتال الميليشيات:

تتحكم تكتيكات قتال الميليشيات، في أساليب وطرق تنظيمها وتسليحها، حيث تتبع تكتيكات حرب العصابات، والتي تعتمد على خفة الحركة والأسلحة والمعدات الخفيفة، مع كفاءة بدنية عالية لأفرادها، بهدف الظهور المفاجئ في الزمان والمكان غير المتوقعين للعدو، مع إمكانية العمل بشكل منفرد، والتعايش والقدرة على البقاء في بيئة صعبة لمدة طويلة، مثل منطقة (تورا بورا) الوعرة في أفغانستان، وتنفيذ مهامها بأعمال الإغارات (Raids)  والكمائن (Ambushes) واختطاف الأفراد، والتفاوض عليهم، وأعمال النسف والتدمير المباشرة أو عن بعد باستخدام التكنولوجيا. وبتغلغل الفكر الجهادي، ظهرت عمليات العربات المفخخة أو الأحزمة الناسفة في الأعمال الانتحارية ضد نظام أو شعب الدولة "الكافر" لقاء "الجنة" في الآخرة.

3 ـ تدريب الميليشيات:

يخضع التدريب العسكري للميليشيات المسلحة في أصله، إلى ما قامت به الولايات المتحدة لتدريب كوادر تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان عقب الاحتلال السوفييتي للأخيرة، وقام بذلك صفوة القوات المسلحة الأمريكية (من المارينز والصاعقة والمظلات والقوات الخاصة) للتدريب على تكتيكات قتال حرب العصابات والرماية النيرانية بالأسلحة المختلفة في بيئات مختلفة (صحراوية أو جبلية أو زراعية أو مناطق مبنية كثيفة السكان)، وهو ما ورثته هذه الميليشيات وتناقلته عبر أجيال كوادرها في مسارح الحرب الجديدة في الشرق الأوسط، حيث تلك البيئات المتباينة، مع استغلال المناطق النائية عديمة أو محدودة السكان، خاصة الموالين منهم لتلك الميليشيات.

4 ـ تمويل الميليشيات:

يعتمد على مصدرين رئيسين، الأول: تمويل خارجي يأتي من دول غنية داعمة لميليشيات معينة ذات توجه معين، فهناك من يمول الميليشيات السنية، أو من يمول الميليشيات الشيعية لتبعية طائفية أو دينية أو عرقية، ومن يمول لأسباب سياسية، كما أن هناك من يمول لأكثر من اتجاه لزيادة الاقتتال والتمزق والتشرذم والتفتت، لتشكيل كيانات جديدة على أسس جديدة في شرق أوسط جديد.

أما المصدر الثاني للتمويل، فهو تمويل ذاتي، تحصل عليه الميليشيات بمهاجمة البنوك والاستيلاء على ما بها من عملات مختلفة، وكذلك الاستيلاء على المعادن الثمينة مثل الذهب، سواء من البنوك أو متاجر بيعها، كما فعل تنظيم "داعش" عقب سيطرته على الموصل بالعراق في يونيو 2014.

في النهاية، إن وجود وانتشار الميليشيات المسلحة أصبح واحداً من الملامح الحادة لمنطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وهو ما يتوقع أن يظل مصدراً لتهديد أمن واستقرار دولها لفترة طويلة قادمة، إذ وضح أنه لا يمكن التخلص منها بسهولة، أو بثمن محدود.