أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انفراط العقد:

دلالات استقالة عدد من أعضاء حكومة الدبيبة الليبية

19 مارس، 2022


أعلن بعض أعضاء حكومة الوحدة الوطنية المقالة من قبل البرلمان الليبي، في 10 مارس، عن استقالتهم من حكومة عبد الحميد الدبيبة، واحترام القرارات الصادرة عن مجلس النواب الليبي بتكليف حكومة جديدة، برئاسة فتحي باشاغا. 

فقد أعلن وزير الخدمة المدنية، عبد الفتاح الخوجة، ووزير الدولة لشؤون الهجرة، أجديد معتوق أجديد، ووزير الدولة لشؤون المهجرين وحقوق الإنسان، القائم أيضاً بأعمال وزير التربية والتعليم، أحمد فراج بوخزام، عن استقالتهم من حكومة الدبيبة، في خطوة ربما تؤدي إلى تصدع حكومة الوحدة الوطنية وانهيارها، خاصةً حال استمرت الاستقالات المتتالية لعناصر الحكومة.

سياق مأزوم: 

تشهد ليبيا تطورات متلاحقة فيما يتعلق بالصراع بين حكومتي الدبيبة وباشاغا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تصدعات داخلية: شهدت حكومة الوحدة الوطنية المقالة من قبل البرلمان الليبي جملة من الاستقالات المتتالية خلال الفترة الأخيرة، إذ لم يتوقف الأمر على عدد من الوزراء داخل حكومة الدبيبة، بل تطور الأمر ليشمل عدداً من وكلاء الوزارات، على غرار وكيل وزارة المالية لشؤون المؤسسات، على الطابوني، وكذا وكيل وزارة الحكم المحلي لشؤون التخطيط والتطوير، المهدي شعيب السعيطي، ووكيلة وزارة الاقتصاد والتجارة للشؤون التجارية، سهيلة بوشيحة، ووكيل وزارة العدل لشؤون حقوق الإنسان، خالد نجم، بالإضافة إلى وكيل وزارة الإسكان والتعمير، خالد محمد بريدان.

كما أعلن عدد من الوزراء الآخرين داخل حكومة الوحدة الوطنية عن استعدادهم للتخلي عن مناصبهم لصالح أعضاء الحكومة الجديدة، برئاسة فتحي باشاغا، لتجنب أي تصعيد محتمل، في خطوة تؤشر لاحتمالات تصدع حكومة الدبيبة، ومن ثم تراجع شرعيتها الداخلية والخارجية، ويرجح كفة باشاغا خلال الفترة المقبلة.

2- تجنب حرب أهلية وشيكة: عبرت البعثة الأممية في ليبيا، في 10 مارس الجاري، عن قلقها إزاء التقارير التي أشارت إلى تحرك قوافل كبيرة من العناصر المسلحة صوب العاصمة طرابلس، حيث ألمح عدد من التقارير إلى تحرك قوات عسكرية تابعة لرئيس الحكومة الجديدة، فتحي باشاغا، باتجاه العاصمة، من مدينتي مصراته والزاوية، للتمهيد لتسلم الحكومة مهامها بشكل رسمي. 

وأثار ذلك المخاوف من حدوث مواجهات مسلحة بين القوات التابعة لباشاغا وتلك التابعة للدبيبة. الأمر الذي كان يمكن أن يدفع ليبيا نحو حرب أهلية جديدة، غير أن القوات التابعة لباشاغا تراجعت في النهاية، وتجنبت المضي قدماً في طريقها نحو العاصمة، وذلك استجابة لمطالب بعض الفواعل الإقليمية والدولية.

3- تحركات أمريكية مكثفة: أعلن السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، أنه تواصل مع رئيس الحكومة الليبية الجديدة، فتحي باشاغا، وطلب منه تجنب إحداث أي تصعيد عسكري. وأشاد السفير الأمريكي بالدور الذي يقوم به باشاغا في تهدئة التوتر القائم، ومحاولة حلحلة الخلافات المتفاقمة عبر الحوار، كما عمد نورلاند إلى عقد مشاورات مع مختلف الأطراف الداخلية، في محاولة للتوصل إلى تهدئة للتوترات القائمة.

دلالات مهمة:

تشير المتغيرات التي يشهدها الملف الليبي إلى جملة من الدلالات المهمة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اعتراف ضمني بحكومة باشاغا: أشارت بعض التقارير الدولية إلى أن الخطوة التي أقدم عليها عدد من وزراء الدبيبة تعكس إدراكهم بأن موازين القوى في الداخل باتت تميل بقوة لصالح باشاغا، خاصةً أن الدعم الدولي والأممي لإجراء مباحثات مباشرة بين الدبيبة وباشاغا يعكس اعترافاً ضمنياً من قبل هذه الأطراف بحكومة الأخير، ما قد يؤشر إلى وجود ضغوطات دولية على الدبيبة لتسليم السلطة بشكل سلمي لباشاغا.

2- تفكيك تحالفات الدبيبة: يلاحظ أن هناك تحركات داخلية يقوم بها بعض الأطراف الليبية لخلخلة حكومة الدبيبة ذاتياً، وذلك من خلال التواصل مع أعضاء حكومة الوحدة الوطنية لإقناعهم بضرورة التنحي وتقديم الاستقالة بشكل طوعي، لتجنب الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. 

وتشير هذه التقديرات إلى أن الأبعاد القبلية والجهوية يمكن أن تسهم بشكل كبير في هذه التحركات، فضلاً عن شبكة العلاقات الواسعة التي يحظى بها باشاغا في غرب ليبيا. وفي هذا السياق، رجحت بعض التقارير أن الفترة المقبلة ربما تشهد عدداً جديداً من الاستقالات داخل حكومة الدبيبة، ومن المرشحين لذلك وزير الداخلية، بل أن بعض الميليشيات قد تتخلى عن دعمها للدبيبة، خاصةً في ظل بقاء المصالح هي المحدد الأهم في تحريك هذه الميليشيات.

3- وساطة إقليمية ودولية: هناك مساعٍ مكثفة من أجل عقد مشاورات مشتركة بين باشاغا والدبيبة خلال الفترة المقبلة، وبينما ألمحت بعض التقارير إلى أن الطرفين قد عقدا بالفعل اجتماعاً مشتركاً في أنقرة، في 13 مارس الجاري، بيد أن الدبيبة نفى هذا الأمر في وقت لاحق. 

وأشارت تقارير أخرى إلى أن الولايات المتحدة تستعد لتنظيم اجتماع مباشر بين الدبيبة وباشاغا خلال الأيام المقبلة في المغرب، وربما يشهد هذا الاجتماع حضور رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، غير أن ثمة تقديرات أخرى استبعدت هذا الأمر. وفي المقابل، أشار تقرير صادر عن وكالة "نوفا" الإيطالية، إلى أن اللقاء المباشر الذي كان مزمعاً عقده بين باشاغا والدبيبة قد تأجل لمعارضة بعض القوى الإقليمية له.

ارتدادات محتملة:

ثمة انعكاسات محتملة يمكن أن تفرزها التطورات المتلاحقة التي يشهدها الملف الليبي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- رفض الدبيبة الوساطة التركية: باتت تركيا تواجه خيارات صعبة في ليبيا، في ظل استمرار حالة التشرذم والتصعيد الداخلية بين باشاغا والدبيبة، خاصة أن الرجلين مقربين منها، ويبدو أن أنقرة تخشى من أن انحيازها لأحد الطرفين، سوف ينتقص من نفوذها لدى القوى الداعمة له في غرب ليبيا.

ولتجنب أنقرة هذه المعضلة، عرضت الوساطة بين باشاغا والدبيبة، لإيجاد صيغة توافقية بينهما، وأشارت هذه التقارير إلى وجود موافقة مبدئية من قبل باشاغا على المقترح التركي للوساطة، بيد أن الدبيبة اعتبر هذه الوساطة التركية تعبر ضمنياً عن الاعتراف بحكومة باشاغا، وهو ما دفعه لرفضها والتلويح بإمكانية التصعيد العسكري لصد أي تحركات محتملة لباشاغا.

2- تدخل أمريكي أكثر حزماً: يبدو أن التحركات الميدانية التي قامت بها العناصر المسلحة التابعة لباشاغا أثارت قلق الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً فيما يتعلق باحتمالات تأثير ذلك على إمدادات النفط من ليبيا، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لتقليل الاعتماد الأوروبي على النفط والغاز الروسي، وهو ما دفعها إلى التحرك العاجل للتوصل إلى تسوية تسهم في تهدئة الأوضاع الداخلية، وهو ما عبر عنه السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، والذي أشار إلى أنه عقد مشاورات مع باشاغا والدبيبة، وأنهما عبرا عن استعدادهما لإجراء محادثات مشتركة من خلال وساطة الأمم المتحدة.

وتسعى الولايات المتحدة لطرح صيغة توافقية في ليبيا، لمحاولة تسوية الصراع الراهن، وعرضها على القوى الإقليمية الفاعلة في ليبيا، وربما يفسر هذا الزيارة التي يقوم بها السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى القاهرة في 14 مارس الجاري.

3- احتمالات رضوخ الدبيبة للضغوطات: أشارت بعض التقديرات إلى أن المعطيات الراهنة، ميدانياً وسياسياً، ربما تدفع الدبيبة للقبول بتسليم السلطة بشكل سلمي لحكومة باشاغا، بل أن بعض التقارير أشارت إلى أن الولايات المتحدة أبلغت الدبيبة بشكل مباشر بضعف موقفه وضرورة التنحي، غير أنه حتى الآن لا توجد تأكيدات تدعم هذه الإرهاصات. 

ونظراً للموقف الدولي والإقليمي الراغب في تجنب أي تصعيد محتمل، فضلاً عن تبني غالبية الفواعل السياسية والأمنية في الغرب الليبي للموقف ذاته، بما في ذلك مصراته وطرابلس، ربما يدفع الدبيبة لمحاولة تقليل حجم خسائره وقبول الخروج الآمن مع الحصول على ضمانات تمكنه من الترشح في الانتخابات المقبلة، وعدم ملاحقته قضائياً بسبب شبهات الفساد التي تواجهه، وربما يدعم هذا الطرح التصريحات الأخيرة التي أطلقها نوريلاند في 15 مارس، والتي أكد خلالها عدم وجود نية لدى واشنطن للتمديد لحكومة الدبيبة، مشيراً إلى أنه بمجرد تشكيل حكومة موحدة فإن الولايات المتحدة مستعدة لدعمها.

وفي الختام، يلاحظ أنه على الرغم من التراجع النسبي لسيناريو المواجهات المسلحة، فإن هذا لا يعني استحالة حدوث هذا الأمر بشكل تام، في ظل استمرار تمسك الدبيبة، حتى الآن، بالاستمرار في السلطة، لكن ربما تلعب التحركات الراهنة للولايات المتحدة دوراً رئيسياً في حلحلة الخلافات القائمة، خاصةً إذا ما نجح باشاغا في تقديم ضمانات تتعلق بالقلق الأمريكي من الدور الروسي المتنامي في ليبيا، وفي هذا الإطار يمكن أن تمثل ورقة الاستقالات المتتالية أحد الأدوات الهامة للضغط على الدبيبة من أجل قبول سيناريو الخروج الآمن.