أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

رهانات خاسرة:

فشل حركة النهضة التونسية في تعبئة الشارع لإعادة البرلمان المجمد

17 نوفمبر، 2021


تظاهر الآلاف من التونسيين بالقرب من مقر البرلمان بساحة "باردو" بالعاصمة في 14 نوفمبر 2021، وذلك استجابة لدعوات التظاهر التي أطلقتها حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، وأيضاً "المبادرة الديمقراطية ونواب برلمان النهضة ومحامون ضد الانقلاب''، ورفع المتظاهرون شعارات منددة بالإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو الماضي، وتمثلت أبرز مطالبهم في استعادة المسار الديمقراطي وإعادة البرلمان إلى العمل، والمطالبة باستقلال القضاء.

تظاهرات إخوانية:

جاءت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها العاصمة تونس، لتكشف عن استمرار محاولات الإخوان المسلمين للعودة إلى المشهد السياسي في تونس، وهو ما يتضح في التالي:

1- تحريك الإخوان للتظاهرات: يلاحظ أن مواطنين ضد الانقلاب تضم بعض الشخصيات التي ترتبط بشكل غير مباشر بحركة النهضة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين، وهناك عدد من المؤشرات على ذلك، يتمثل أبرزها في دعوة صفحات عديدة على شبكة التواصل الاجتماعي للاعتصام في ساحة باردو أمام البرلمان، وذلك من أجل الضغط لإعادة فتحه، وهي إعادة تكرار لمحاولات الغنوشي السابقة لاقتحام البرلمان بعد تهديده في 26 يوليو بالاعتصام، ودعوة أنصاره للنزول إلى الشارع لإعادة تفعيل البرلمان، وهي الدعوة التي لم تلق استجابة، مما دفع الغنوشي للرحيل. كما يلاحظ أن جميع صفحات التيار الإسلامي في تونس وضعت شعارات رابعة والإخوان قبل انطلاق التظاهرة، وهو ما يؤشر على ارتباط المتظاهرين بالإخوان المسلمين.

ومن جهة أخرى، فإن الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، المقرب من الإخوان، كان من أبرز الداعين للتجاوب مع تظاهرات 14 نوفمبر من أجل "إسقاط الانقلاب"، على حد قوله. كما أن الاصطفاف الإخواني خلف هذه التظاهرات اتضح كذلك من دعم توكل كرمان، القيادية في التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن، للمرزوقي، والتي وصفته قبل دعوته الأخيرة للتظاهرات بأنه "فخر تونس" و"أيقونة الربيع العربي"، وهو ما يؤشر إلى وجود دعم من إخوان الإقليم لهذه الاحتجاجات. 

2- مشاركة نواب النهضة: شارك في هذه التظاهرات عدد من نواب البرلمان المجمد عن حركة النهضة رافعين لافتات مكتوب عليها "نواب ضد الانقلاب"، كما أصدرت الحركة بياناً عبرت فيه عن دعمها وتأييدها للتحركات القانونية والسلمية التي نظمها وشارك فيها بعض أعضاء البرلمان و"محامون ضد الإنقلاب"، وذلك في محاولة من الحركة للظهور باعتبارها من القوى المنظمة للتظاهرات، وليس القوى الرئيسية، في محاولة للإيحاء بتوسع حركة الاحتجاجات ضد الرئيس التونسي. 

كما أدانت الحركة في بيانها استخدام القوة الأمنية المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وذلك في إطار محاولات الحركة لتأليب الرأي العام الداخلي ضد القوات الأمنية، وذلك في تجاهل واضح لقيام بعض المحتجين بالاعتداء على العناصر الأمنية، فضلاً عن حيازتهم الأسلحة.

أهداف التظاهرات:

يلاحظ أن تصعيد حزب النهضة في هذا التوقيت، ومحاولته تعبئة أنصاره للنزول إلى الشارع يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف، والتي يمكن توضيحها في التالي:

1- إعادة البرلمان المجمد: يسعى الإخوان المسلمون للضغط بكل قوة لإعادة البرلمان المجمد للمشهد السياسي من جديد، وذلك إدراكاً من النهضة أن السير لأي انتخابات برلمانية جديدة في هذا التوقيت، سوف يترتب عليه تراجع وزنها في البرلمان، خاصة في ضوء تراجع شعبية النهضة في الشارع التونسي، إلى جانب تراجع الأحزاب المرتبطة بالإخوان المسلمين في المنطقة العربية، والتي كان آخرها حزب العدالة والتنمية المغربي، والذي شهد انهياراً واضحاً في شعبيته في انتخابات سبتمبر 2021 البرلمانية، حيث تراجع عدد مقاعده من 125 مقعداً إلى 13 مقعداً فقط.

ومن جهة ثانية، تسعى النهضة إلى محاولة إعادة البرلمان من أجل ضمان أن تصبح طرف رئيسي في صياغة المرحلة الانتقالية على نحو يكفل لها تحقيق مصالحها، وضمان عدم تغيير النظام السياسي للبلاد، من النظام المختلط إلى النظام الرئاسي، حتى لا يتراجع تأثير الإخوان على الحكومات التونسية مستقبلاً. 

2- التأكيد على اضطراب الأوضاع الداخلية: يسعى الإخوان المسلمين من تحريك تظاهرات الشارع إلى محاولة تصدير صورة للإعلام الغربي بأن البلاد تعاني عدم استقرار سياسي حاد، على نحو ينعكس سلباً على مفاوضات الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي. كما أنه من جهة ثانية، تسعى النهضة للتسبب في مصادمات حادة بين القوات الأمنية والمتظاهرين، حتى تتهم قيس سعيد بالاستبداد، وتوجد مناخاً مواتياً للتدخل الدولي في الشؤون الداخلية.

3- استثمار استياء الاتحاد العام: يبدي الاتحاد العام التونسي للشغل استياءً متصاعداً تجاه كيفية إدارة الرئيس التونسي قيس سعيد للمرحلة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق باستبعاده تماماً من مناقشة خريطة الطريق التونسية، حيث رفض شكل الحوار الوطني الذي اقترح الرئيس قيس سعيد أن يتم عبر استطلاع رأي الشباب والمجتمع التونسي، مع استبعاد كامل للأطراف الفاعلة والمنظمة.

ويطالب الاتحاد الرئيس سعيد بوضع خريطة طريق بآجال زمنية محددة لإنهاء الإجراءات الاستثنائية مع إشراك الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية كافة في ذلك الأمر، كما دعا الاتحاد سعيد إلى ضرورة القيام بإجراءات إيجابية لتحقيق الاستقرار السياسي في الداخل، وغلق الأبواب أمام بعض الجهات الداخلية للاستقواء بالدول الأجنبية، وذلك منعاً للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.

كما دعا الاتحاد العام التونسي للشغل في 9 نوفمبر، إلى إضراب عام في مدينة عقارب بولاية صفاقس عقب احتجاجات عنيفة ضد التدهور البيئي تسببت، وفق اتهامات نفتها الشرطة، بوفاة شاب بالغاز المسيل للدموع.

انتكاسات متتالية:

لم ينجح الإخوان المسلمون في تنفيذ أي من أهدافهم السابقة، وهو ما يتضح من مراجعة العوامل التالية: 

1- فشل الإخوان في تعبئة الشارع: سعى الإخوان إلى تعبئة المتظاهرين بأعداد كبيرة، في ساحة باردو بالقرب من البرلمان التونسي، فضلاً عن تنفيذ اعتصام دائم لإثبات مدى قوتهم الشعبية أمام ضعف شعبية الرئيس التونسي قيس سعيد، غير أنهم لم ينجحوا في ذلك.

وسعى الإخوان المسلمون إلى محاولة تبرير محدودية المتظاهرين بالزعم أن هناك متظاهرين آخرين لم ينجحوا في الوصول إلى ساحة باردو بسبب منع الشرطة لهم. كما لم تنجح محاولاتهم لافتعال مصادمات مع القوات الشرطية، في محاولة لاستحداث أزمة يتم من خلالها الاستنجاد بالخارج، خاصة الولايات المتحدة للتدخل. 

2- رفض الاتحاد العام عودة البرلمان: أكد الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في 14 نوفمبر أنه لا رجوع إلى ما قبل 25 يوليو الماضي، في إشارة إلى تاريخ القرارات الاستثنائية، التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد، والتي تضمنت تجميد البرلمان.

كما أن المتحدث باسم الاتحاد، سامي الطاهري، أعلن في وقت سابق أنه لا عودة للمجلس النيابي المجمد، معتبراً أن التونسيين عانوا منه. ونظراً للشعبية التي يتمتع بها الاتحاد في الشارع التونسي، فإن هذا الموقف قد سبب انكشافاً لموقف النهضة، وأكد أن محاولة إرجاع البرلمان المجمد هي مطلب إخواني، وليس شعبياً، كما تسعى النهضة أن تسوق له داخلياً وخارجياً. 

3- استقطاب قيس سعيد للاتحاد: تواصل نور الدين الطبطوبي بالرئيس التونسي قيس سعيد في 14 نوفمبر، أي في نفس يوم التظاهرات، حيث أكد الطبطوبي أنه "بادر بمهاتفة رئيس الجمهورية" وكشف أنه "وجد منه إصغاء وانفتاحاً لإيجاد حل للأزمة"، كما أكد الطبوبي على ضرورة مراجعة القانون الانتخابي لإجراء انتخابات تشريعية في أقرب الآجال، من خلال حوار هادئ، وهو ما يكشف عن إمكانية تبلور تفاهمات بين سعيد والاتحاد تقضي بتسريع إجراء الانتخابات البرلمانية، والاتفاق على قانون لها. 

وفي الختام، تكشف تحركات الإخوان الأخيرة عن حرصهم لإثارة أزمة في الشارع التونسي من أجل دفع الدول الأجنبية، خاصة الولايات المتحدة، للتدخل والضغط على الحكومة التونسية، سواء بشكل مباشر، أو من خلال صندوق النقد الدولي، على نحو يكفل للإخوان العودة إلى المشهد السياسي مجدداً، غير أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، ورفضه لإعادة البرلمان المجمد، ودعمه للرئيس سعيد في وضع خارطة طريق لإقامة انتخابات برلمانية جديدة، فضلاً عن إخفاق النهضة في تحريك الشارع، كلها عوامل ساهمت في إحباط أهداف إخوان تونس.