أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

خيارات محدودة:

الدور الإسرائيلي في شرق أوسط متغير

13 فبراير، 2015


إعداد: أحمد عاطف

شهدت منطقة الشرق الأوسط مع بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة متغيرات رئيسية، بعد اندلاع الثورات العربية، التي أثبتت أن منظومة التفاعلات في المنطقة أصبحت أكثر مرونة، كما كانت لها تداعيات بالغة التعقيد على شعوب هذه المنطقة، ومن بينها تراجع دور الدولة الوطنية في مقابل انتشار الفاعلين من غير الدول والتنظيمات المسلحة، ولعل "داعش" أبرز مثال على ذلك، مما نتج عنه مرحلة من الفوضى الأمنية مازال يعاني منها الإقليم حالياً.

وسعياً نحو التعرف على وضع إسرائيل في ظل هذه المتغيرات الإقليمية، نشر معهد بروكينجر الأمريكي دراسة بعنوان: "إسرائيل والشرق الأوسط المتغير"، أعدها Itamar Rabinovich، زميل في مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز، حيث تناول خلالها ملامح تغير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتداعيات الثورات العربية، والتحديات التي تواجهها إسرائيل، والخيارات المتاحة أمامها بشأن علاقاتها مع بعض دول الإقليم، وتحديد مدى قدرة تل أبيب على التأثير في مجريات الأحداث في المنطقة.

تغير النظام الإقليمي وظهور أربعة محاور

بدايةً، تشير الدراسة إلى أن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط في حالة تغير مستمرة، فهذه المنطقة لم تتسم بالاستقرار نتيجة الاضطرابات الداخلية والنزاعات بين دولها، والتنافس بين القوى العظمى. وقد شهدت أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وتحديداً مع اندلاع "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979، تحول إيران فجأة من دولة هامشية إلى لاعب مركزي في الساحة السياسية بالشرق الأوسط. وحدث ذلك بالمثل مع وصول أردوغان إلى السلطة، وتحول تركيا لاحقاً من التوجه الأوروبي لسياسة خارجية أكثر تركيزاً على جوارها المباشر إلى الجنوب والشرق، وكونها أضحت لاعباً سياسياً بارزاً في المنطقة خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين.

ومن ثم كان دخول هاتين القوتين (طهران وأنقرة) إلى الساحة الإقليمية، له تأثير عميق على المعادلات السياسية في المنطقة. فإيران وتركيا دولتان مسلمتان، وكبيرتان من حيث عدد السكان، وتسعيان لنشر نموذجهما من "الديمقراطية الإسلامية" في العالم العربي.

وخلال تسعينيات القرن الماضي، وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، ونجاحها في حرب الخليج الأولى، وكراع لعملية السلام العربية – الإسرائيلية؛ حظيت الولايات المتحدة بتأثير غير مسبوق في الشرق الأوسط. ومع ذلك، ومنذ بدايات الألفية الجديدة تغير وضع واشنطن وتقلص دورها في الشرق الأوسط، ورؤيتها لهذه المنطقة، وذلك من خلال سلسلة من التطورات: (الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان، وفشل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تشجيع أو فرض الديمقراطية في العالم العربي، والانهيار أو الفشل في إحياء عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، وتناقص أهمية نفط الشرق الأوسط بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، والفشل في التعامل مع الحرب الأهلية السورية).

وغني عن القول، أن أحداث السنوات الخمس الماضية في الشرق الأوسط كان لها تأثير عميق على النظام السياسي الإقليمي. وبشكل عام، فإنه عند محاولة تحديد النموذج الحالي في الشرق الأوسط، تشير الدراسة إلى أربعة محاور إقليمية:

1- إيران وتابعيها، وهم النظام العراقي (بدرجة محدودة)، ونظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان.

2- تركيا وقطر، والفاعلون من غير الدول مثل جماعة الإخوان المسلمين، و"حماس" في قطاع غزة.

3- الدول المعتدلة والمحافظة، وتشمل دول الخليج (على الرغم مما بينها من بعض الخلافات الراهنة)، ومصر تحت رئاسة عبدالفتاح السيسي، والأردن، والمغرب، والجزائر.

4- محور التنظيمات الجهادية، والمكون من "داعش"، وتنظيم "القاعدة"، والجماعات التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة.

بيئة استراتيجية جديدة

على مدى العقود الخمسة الأولى من وجودها، كان مصدر القلق الرئيسي للأمن القومي الإسرائيلي هو الحروب التقليدية، بمعنى كيفية الردع وكسب الحروب التقليدية. ولكن في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور، فإن إسرائيل لا تواجه تهديداً عسكرياً تقليدياً، فهي في سلام مع مصر والأردن، كما أن الجيوش السورية والعراقية دُمرت بسبب التطورات الداخلية والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

ومن ثم، يرى الكاتب أن التهديدات التقليدية قد حلت محلها تحديات جديدة، يتعلق أحدها ببناء إيران ترسانة نووية، ويعد ذلك تحدياً صعباً، ويختلف عن نجاح إسرائيل في إجهاض التجربة العراقية عام 1981، والسورية عام 2007.

وقد كان تهديد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران يلوح في الأفق بشكل كبير عامي 2012 و2013، بيد أن هذا التوجه تراجع منذ ذلك الحين بعد الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه إيران ومجوعة (5+1) التي تضم (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا). ويحذر الكاتب من أنه في حال الانهيار التام لهذه المفاوضات أو التوصل إلى اتفاق نهائي غير مرض لإسرائيل، فإن ذلك قد يدفع الأخيرة لإحياء خيار التهديد العسكري، خاصة إذا أسفرت انتخابات مارس 2015 عن تشكيل حكومة يمينية بحتة.

وثمة تحد آخر بالنسبة لإسرائيل، وهو تبني بعض دول الجوار وخصومها ترسانات صواريخ وقذائف، حيث إن إيران لديها ترسانة كبيرة من الصواريخ متوسطة المدى، وكذلك سوريا التي تقلصت ترساناتها وإن لم يتم القضاء عليها تماماً بسبب الحرب الأهلية.

واستناداً إلى صراعاتها الماضية وكذلك المستقبلية المحتملة مع كل من "حزب الله" و"حماس"، يرى الكاتب أنه يتعين على إسرائيل التعامل مع هذا البُعد الجديد، فحزب الله وحماس يعززان الطموحات الإقليمية الإيرانية، ويمكن أن يعتمدا على ترساناتهما من الصواريخ والقذائف من أجل ردع إسرائيل، أو إجبار تل أبيب - في حالة الحرب - على تصعيد عملياتها إلى حد استعداء الرأي العام العالمي، ومن ثم تآكل شرعيتها.

ويتوقع الكاتب ثلاثة سيناريوهات للنزاع المسلح لإسرائيل عام 2015، وهي (جولة أخرى من القتال مع حماس في غزة، وصدام جديد مع حزب الله، والانتقال من الدبلوماسية إلى الصراع العسكري مع السلطة الفلسطينية).

التحديات والفرص الإقليمية لإسرائيل

فيما يتعلق بصياغة السياسات الخارجية وتلك المتعلقة بالأمن القومي، تشير الدراسة إلى أن خيارات إسرائيل الحالية على المستوى الإقليمي محدودة وواضحة. فمن بين المحاور الأربعة الرئيسية في المنطقة، ثمة ثلاثة من المرجح أن تظل أعداء لتل أبيب، وفي مقدمتهم بالتأكيد إيران وحلفاؤها. ومن ناحية أخرى، لا يوجد أي احتمال لحدوث تحسن جوهري في العلاقات بين إسرائيل وتركيا، فأردوغان مهتم بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية والتجارية ولكن ليس تطبيع العلاقات الدبلوماسية. وفي ظل هذه الظروف، فإن هناك شكوكاً حول احتمالية تصدير الغاز الإسرائيلي عبر تركيا، كما يُتوقع أن تظل أنقرة من أكثر المنتقدين والمنافسين الإقليميين لإسرائيل.

أما بالنسبة لقطر، فمن المحتمل أن تواصل إسرائيل سياسة متأرجحة تجاهها، حيث إن تل أبيب قلقة من دعم الدوحة لحماس، ولكنها في القوت نفسه مهتمة بالحفاظ على جسور مفتوحة من العلاقات مع قطر كفاعل إقليمي مهم.

وهكذا، تستنتج الدراسة أن اختيار إسرائيل الواضح هو السعي لتطوير علاقاتها مع الدول المعتدلة والمحافظة: (دول الخليج، مصر، الأردن، المغرب، والجزائر). فإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي لديها مخاوف مشتركة من برنامج إيران النووي وسعيها للهيمنة الإقليمية، فضلاً عن القلق من صعود التيار الجهادي في المنطقة.

وفي الاتجاه ذاته، فإن إسرائيل ومصر لديهما مصالح مشتركة في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، وأيضاً لديهما وجهات نظر متشابهة في المنطقة ولسياسة الولايات المتحدة بها. كما أن إسرائيل تحافظ على التعاون الأمني مع الأردن، الذي قرر بدوره مؤخراً شراء الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وهو ما أثار انتقادات واسعة في عمان.

الثورات العربية وصعود "داعش"

تشير الدراسة إلى أن وتيرة وشدة التغيير السياسي في الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمس الماضية، كانت استثنائية، حيث تحولت آمال "الربيع" العربي في أواخر عام 2010 وعام 2011 إلى حقائق قاتمة من "التفكك الكبير"، في ظل اندلاع الحرب الأهلية السورية، وتفكك الدولة العراقية، وفشل الدولة اللبنانية، والفوضى في اليمن وليبيا، وصعود "داعش". وفي ضوء ذلك، كان رد الفعل الإسرائيلي محدوداً نوعاً ما، بل وسلبي.

وتسلط الدراسة الضوء على عدد من القضايا المختلفة التي تهم إسرائيل، وهي الموضوعات التي تفرضها الأحداث المتلاحقة حالياً في المنطقة:

1- الأزمة السورية:

يرى الكاتب أن أبرز معضلة تواجه إسرائيل هي كيفية التعامل مع الأزمة في سوريا، التي باتت ساحة للقتال والحرب بالوكالة بين القوى المتنافسة. ويحذر الكاتب من أن المصالح الإسرائيلية المهمة أصبحت على المحك، في ظل احتمالية تقسيم سوريا إلى دويلات، وخطر سيطرة الإسلاميين، وتداعيات هذه الأزمة على إيران وحزب الله في لبنان، ومصير أنظمة الأسلحة المتطورة وأسلحة الدمار الشامل في سوريا، وأخيراً احتمال فوز تحالف يتألف من روسيا وإيران ونظام الأسد وحزب الله.

وفي هذا الصدد، ظهرت مدرستان فكريتان حول كيفية مواجهة مثل هذه التحديات على خلفية الأزمة السورية. المدرسة الأولى ترى أنه على الرغم من كل أخطاء "بشار الأسد"، فإن بقاءه في السلطة هو الأفضل لإسرائيل، حيث إن البديل إما أن يكون الفوضى أو استيلاء الإسلاميين أو الجهاديين أو كليهما على الحكم. فيما تذهب المدرسة الأخرى إلى اعتبار بقاء "الأسد" سيترك إسرائيل في مواجهة تحالف خطير على حدودها الشمالية، يضم إيران وسوريا وحزب الله (ذكرى حرب 2006 في لبنان لا تزال حية في الأذهان الإسرائيلية)، في حين أن سقوط نظام "الأسد" يعني هزيمة السياسة والطموحات الإقليمية لإيران، وكذلك يعني خطوة أولى لتفكيك حزب الله في لبنان. ومهما كانت الحجج التي أثارها أنصار هاتين المدرستين، فإن رد فعل إسرائيل إزاء الأزمة السورية كان حذراً ومحدوداً.

2- احتمالية تكوين دولة كردية:

تؤكد الدراسة أن إسرائيل معنية بمستقبل الدولة العراقية واحتمالية تفككها، ولكن القضية ذات الأولوية بالنسبة لإسرائيل في السياق العراقي هي احتمالية الاستقلال الكردي. فقد استفاد أكراد العراق من التحول في الأحداث التي بدأت مع الغزو الأمريكي عام 2003 وبلغت ذروتها مع ظهور "داعش" في يونيو 2014، حيث أصبح أكراد العراق يسيطرون حالياً على مزيد من الأراضي والنفط، مما دعم موقفهم في مواجهة بغداد.

وعلى الرغم من المعارضة الأمريكية والتركية لإنشاء دولة كردية مستقلة، فإن الكاتب يرى أن لدى إسرائيل مصلحة واضحة في قيام دولة كردية في العراق، وربما في سوريا، حيث إن ذلك ستكون له آثار استراتيجية إيجابية بالنسبة لإسرائيل، لأن ثمة علاقة تاريخية بين إسرائيل والأكراد في العراق، كما أن الطرفين مازالا ينظران إلى بعضهما البعض كشركاء محتملين.

3- تهديدات الجماعات الجهادية:

تواجه إسرائيل تحديات راهنة من قِبل الجماعات الجهادية، وتبرز الدراسة في هذا الصدد جماعة "أنصار بيت المقدس" التي تنشط في شبه جزيرة سيناء؛ فعلى الرغم من أن هذه المجموعة معنية في المقام الأول بتنفيذ هجمات تستهدف النظام المصري الحالي، فإنها  تتعاون مع مجموعات داخل قطاع غزة، وأطلقت عدداً من الهجمات عبر الحدود المصرية - الإسرائيلية، وحاولت عدة مرات إطلاق صواريخ على مدينة إيلات الإسرائيلية.

وهناك أيضاً "جبهة النصرة" في سوريا، وهي فرع من تنظيم "القاعدة"، وتجنبت حتى الآن التعامل مع إسرائيل، مُفضلة التركيز على صراعها مع نظام "الأسد"، ولكن هذا التوجه قد يتغير مع مرور الوقت.

والأهم من ذلك، هو تنظيم "داعش" في شمال وشرق سوريا، والذي أصبح الجماعة الرئيسية التي تحارب ضد نظام "الأسد". وعلى الرغم من أن فاعليته تضاءلت إلى حد ما بعد الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، فإنه لا يمكن استبعاد قدرة "داعش" على توسيع نفوذه. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة في فرنسا وبلجيكا أن التنظيم يشن هجمات إرهابية ضد أهداف يهودية وإسرائيلية خارج منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرجح أن يتصاعد في الفترة المقبلة.

ختاماً، تؤكد الدراسة أن قدرة إسرائيل في التأثير على الأحداث والاتجاهات في الساحة الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط لاتزال محدودة، ومن الأرجح أن يكون للانتخابات الإسرائيلية في مارس 2015 تأثير حاسم على سياسات إسرائيل في المنطقة، وتحديداً تجاه القضية الفلسطينية والعالم العربي.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "إسرائيل والشرق الأوسط المتغير"، والمنشورة في يناير 2015 عن معهد بروكنجز.

المصدر:

Itamar Rabinovich, Israel and the Changing Middle East (Washington, The Brookings Institution, January 2015).