أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

فاعلية محدودة:

دور المساعدات الأمريكية الصلبة في ظل الأزمات

22 نوفمبر، 2015


إعداد: عبدالغفار الديواني


 تحاول الولايات المتحدة، في ظل انتشار الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، العودة مرة أخرى إلى وسيلة المساعدات الخارجية كآلية تساهم في تحقيق أهدافها، وذلك من خلال التركيز على ما يُعرف باسم "المساعدات الصلبة" التي تتعلق بأهداف وتحديات سياسية وأمنية تختلف عن برامج المساعدات التقليدية الإنسانية والتنموية.

في هذا الإطار، تأتي الدراسة المُعنونة: "المساعدات الصلبة.. دور المساعدات الخارجية في تحقيق أهداف أمنية وسياسية قصيرة الأجل"، والتي أعدها Nathaniel Myers الباحث الزائر في برنامج الديمقراطية وحكم القانون بمؤسسة كارنيجي، وزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

وقد تناول الكاتب دور المساعدات في السياسة الخارجية الأمريكية، موضحاً ماهية المساعدات التنموية والصلبة، والتحديات والقصور في تنفيذ هذه المساعدات، مع عرض بعض التوصيات لضمان مزيد من الفاعلية للمساعدات الصلبة.

تطور دور المساعدات الأمريكية

تم اقتراح إنشاء "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" USAID في عام 1961، ثم أراد الرئيس الأمريكي "جون كينيدي" أن تكون أجندة المساعدات مدفوعة ليس فقط بالاعتبارات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية، ولكن أيضاً من خلال التأكيد على أن أمن وازدهار واشنطن سيتعرض للخطر، بسبب استمرار الفقر وعدم الاستقرار على نطاق واسع. وكان ذلك بمثابة إطار للعلاقة بين المساعدات الخارجية والأمن القومي الأمريكي بصورة أساسية على المدى الطويل. وبالفعل تم توظيف المساعدات الخارجية في مواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي، وجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً وازدهاراً.

وفي الوقت نفسه، سعت واشنطن أيضاً منذ فترة طويلة إلى توظيف مساعداتها الخارجية لأغراض سريعة ومباشرة، بمعنى آخر وظفتها كأداة ضغط في السياسة الخارجية من خلال التحكم في سلوك الحكومات الأجنبية. ومثال على ذلك، المساعدات المقدمة لمصر وإسرائيل، والتي تلزمهما بالامتثال لمعاهدة "كامب ديفيد".

وعلى عكس المساعدات التنموية التقليدية التي يتطلب تحقيق أهدافها عشرات السنين، تشير الدراسة إلى أنه تم تدشين مبادرات جديدة لتحقيق الأهداف الأمنية والسياسية المُلحة من خلال ما يعرف بـ"المساعدات الصلبة"، وظهر ذلك خلال الحرب في فيتنام عندما عمل الآلاف من الموظفين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى جانب نظرائهم العسكريين.

ومع مرور الوقت، ورغم بقاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فقد تقلص دورها، وبالتالي قل حجم المساعدات التي تقدمها، كما تم إغلاق عدد كبير من مكاتبها.

ومع تصاعد موجة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2011، اضطرت إدارة "جورج دبليو بوش" إلى تقديم معونات لأفغانستان، وسعى الرئيس الأمريكي حينها جاهداً لإحياء دور هذه الوكالة من جديد، والتوسع في المساعدات التي تقدمها حول العالم من أجل مصالح قصيرة وطويلة الأجل. كما قامت وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت "كوندوليزا رايس" بضم صلاحيات وضع ميزانية هذه المساعدات إلى وزارة الخارجية، وهو ما كان بمثابة تحول بيروقراطي وضع "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" تحت السيطرة المباشرة لوزارة الخارجية الأمريكية.

ومع تولي الرئيس الأمريكي الحالي "باراك أوباما"، بدأ في حزمة إصلاحات من خلال ترشيح مسؤول جديد للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وإصدار توجيهات رئاسية باعتبار التنمية أمراً حيوياً للأمن القومي الأمريكي.

وأرجع الكاتب الاهتمام المتزايد من إدارة "أوباما" بالمساعدات الخارجية إلى التحديات والتهديدات الدولية الراهنة من قِبل فاعلين دوليين وآخرين من غير الدول، خاصةً بعد ثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى مواجهة الضغط الداخلي والخارجي لإظهار الالتزام الأمريكي بمواقف محددة تجاه القضايا المختلفة.

انتشار المساعدات الصلبة في إدارة الأزمات

يوضح الكاتب أن المساعدات الصلبة تشترك في الكثير من القواسم مع نظيرتها التنموية التقليدية، حيث تُدار من قِبل نفس الجهات وباستخدام ذات الأساليب. ولكن ما يُميز برامج المساعدات الصلبة هو التركيز على نتائج سريعة وتحديد الأولويات فيما يتعلق بالأهداف السياسية والأمنية.

وتنتشر المساعدات الصلبة الأمريكية عبر دول العالم، ويضرب الكاتب أمثلة عديدة في هذا الصدد، منها الأزمات في سوريا واليمن وليبيا، وخارج منطقة الشرق الأوسط في أفغانستان وباكستان. وفي أوكرانيا كذلك، تعد المساعدات جزءاً من استراتيجية واشنطن لدعم حكومة "كييف" ضد ما تصفه بالتدخل الروسي.

وفي أكتوبر 2014، تم الإعلان عن حزمة مساعدات جديدة لنيجيريا من أجل مواجهة تنظيم "بوكو حرام". ومنذ منتصف عام 2015، تم توجيه اهتمام المساعدات الصلبة الأمريكية إلى مناطق في أوروبا الشرقية، وأفريقيا جنوب الصحراء.

ويشير الكاتب إلى أنه رغم اعتماد صُنَّاع السياسة الأمريكية على "المساعدات الصلبة" على نحو متزايد كأداة استراتيجية في تلك الأزمات، لم يكن ثمة اعتراف بذلك، وهذا مرده ثلاثة عوامل، هي:

1- يمثل عودة ظهور المساعدات الصلبة حقيقة غير مرغوب فيها بالنسبة لكثير من صُناع القرار، بسبب رغبتهم في اللجوء إلى المساعدات التنموية فقط، بالإضافة إلى وجود بعض قيادات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعتبرون هذا النوع من المساعدات غير مناسب على المستوى السياسي أو الأمني.

2- يظل التمويل المُخصص للمساعدات الصلبة متواضع نسبياً بالمقارنة مع بقية ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

3- صعوبة تمييز هذا النوع من المساعدات الصلبة عن المساعدات التقليدية، بسبب الاشتراك في المصادر والمكاتب المسؤولة.

تحديات المساعدات الصلبة الأمريكية

يرى الكاتب أن التحديات التي تواجه المساعدات الصلبة الأمريكية تختلف من نموذج لآخر، ولكن ثمة تحديات متكررة ومهمة تتضح في النموذجين السوري واليمني، وذلك على النحو التالي:ـ

1- الحالة السورية: تمثل الحالة الأبرز لبرامج المساعدات الصلبة في عهد "أوباما"، نظراً لارتفاع تكلفتها، وتعدد مكاتبها التي تعمل بشكل منفصل عن البرامج التنموية التقليدية التي تكاد تكون غير موجودة في سوريا. وثمة تحديات أخرى ترتبط بعدم كفاية أدوات هذه المساعدات، والقيود الإدارية، والتنافس والارتباك البيروقراطي، بالإضافة إلى تشابك أطراف الأزمة السورية.

2- الحالة اليمنية: توجد برامج مساعدات تنموية في اليمن، لكنها تعاني كثيراً من المشكلات، حيث تغيب الحدود الفاصلة بين برامج المساعدات المختلفة مع تصاعد الضغوط للتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية قصيرة الأجل.

وإن كان الوضع كذلك، فلماذا الاهتمام بالمساعدات الصلبة؟..

يجيب الكاتب قائلاً: "الأهداف الاستراتيجية لإدارة الرئيس "أوباما في هذه الدول تتمثل في أمله في بناء ديمقراطيات جديدة، والتخلص من نظام الأسد، والتصدي لتهديدات جماعة "الحوثيين" وتنظيم "القاعدة"، وإلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش"، وتجنب العنف الطائفي".

وعلى الرغم من عدم تحقق هذه الأهداف حتى الآن في ظل انتشار الفوضى والعنف في تلك الدول، فإن هذا لا يعني فشل برامج المساعدات الأمريكية، ولكنه يعد بمثابة تحديد للعقبات التي تعيق عمل هذه المساعدات.

أوجه القصور في النهج الحالي

يوضح الكاتب أوجه القصور التي تنتاب النهج الحالي في تطبيق المساعدات الصلبة الأمريكية، والتي تحد من تأثيرها وفعاليتها، ويوجزها في ثلاثة عناصر:ـ

1- الحد من فعَّالية المساعدات الصلبة نتيجة الخلط بينها وبين البرامج التنموية التقليدية، وينتج ذلك من اضطرار موظفي برامج المساعدات إلى الاعتماد على الأدوات التقليدية، والتي لا تناسب المساعدات الصلبة، كما أن هذا يغذي التنافس على الموارد والهيمنة داخل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبينها وبين وزارة الخارجية، رغم محدودية هذه الموارد.

2- عدم الإجابة على تساؤلات استراتيجية، حيث إن الفشل في الاعتراف بطبيعة ودور المساعدات الصلبة، يعني أن كبار صُناع السياسات يتجنبون الإجابة على بعض التساؤلات الهامة والاستراتيجية. وبدلاً من ذلك، فقد تركوا صغار الموظفين للتعامل مع هذه التساؤلات قدر استطاعتهم، أو التغاضي عنها.

وتتمثل أهم التساؤلات في الآتي: هل هناك أهداف استراتيجية واضحة وقابلة للتحقيق؟ أم أن هذه المساعدات رمزية فقط؟ وهل ثمة ما يكفي من موارد لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية الواضحة؟. وهنا يظهر تأثير وضوح الهدف كي يتم تحديد الموارد المطلوبة بناءً على ذلك، وبصفة خاصة التمويل.

3- يقوض هذا النهج جهود التنمية على المدى الطويل في الولايات المتحدة، خاصةً في ظل ندرة الموارد والتمويل، وما يمثله الموظفون والمسؤولون عن برامج المساعدات من عبءِ، ومن ثم تكون الإدارة الأمريكية أمام مهمة تحديد أولوية الأهداف والأزمات المُلحة. كما أن هذا النهج يؤثر في النظرة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تتغير المفاهيم والنوايا بالنسبة للمصالح الأمريكية في الخارج، وهذا يكون له تداعيات تؤثر بالسلب خارجياً على العلاقة بين الحكومات المحلية ومواطنيها، وداخلياً على العلاقة بين المُشرعين ودافعي الضرائب من خلال تناول المنطق الاستراتيجي من وراء تقديم تلك المساعدات.

تعظيم فعَّالية المساعدات الصلبة

تحدد الدراسة بعض النقاط الهامة للوصول لفعَّالية أفضل للمساعدات الصلبة، ويستعرضها الكاتب فيما يلي:

1- المسؤول عن المساعدات الصلبة: قد يتصور البعض أن نقل مسؤولية هذه المساعدات إلى مؤسسات أخرى في الدولة مثل وزارة الدفاع أو أجهزة الاستخبارات، قد يكون أفضل. ولكن الكاتب يرى أنه على الرغم من وجود عيوب وقصور في النهج الحالي، إلا أنه ينبغي الإبقاء على برامج المساعدات الصلبة في الإطار المدني، ويتم تحميل المسؤولية كاملة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، لأنها الأكثر خبرة وملائمة.

2- دور الكونجرس: يجب مناقشة واعتماد الإصلاحات التي طال انتظارها لقانون المساعدات الخارجية، وقد يطول ذلك مسألة التمويل، بما يمثل تحسناً في كل من برامج المساعدات التقليدية والصلبة.

3- دور السلطة التنفيذية: يشير الكاتب إلى بعض المبادئ التي يتعين أن ينطلق منها العمل التنفيذي لتحسين برامج المساعدات الصلبة، ومن هذه المبادئ ما يلي:ـ

أ- هناك نوع من الضبابية في الفصل بين المساعدات التقليدية والصلبة، ومن ثم يجب التمييز بين أهداف كل منهما، والاعتراف بأهمية النوعين من المساعدات في خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية.

ب- يجب توضيح الأدوار والمسؤوليات والقواعد المؤسسية لتحسين فاعلية المساعدات الصلبة.

ج- المساعدات الصلبة هي مجرد أداة تكتيكية، يجب وضعها ضمن استراتيجية شاملة تضع كل الخيارات أمام صانعي القرار.

د- ضرورة الاعتراف بأهمية مسألة التمويل في إطار من التخطيط الاستراتيجي، وذلك من خلال التأكيد على واقعية الأهداف والموارد المخصصة لها.

هـ - يجب أن يكون هناك مزيد من المرونة والإبداع في تحقيق الأهداف قصيرة الأجل، خاصةً في ظل البيئة الفوضوية والمتغيرة، كما يتعين التغلب على المعوقات الإدارية في سبيل تحقيق الإبداع.

و- يتعين ألا يكون تحقيق الأهداف قصيرة الأجل على حساب طويلة الأجل، وذلك بالتأكيد على أهمية البرامج التنموية خاصة في الدول التي تعاني من أزمات.


* عرض مُوجز لدراسة: "المساعدات الصلبة.. دور المساعدات الخارجية في تحقيق أهداف أمنية وسياسية قصيرة الأجل"، والصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، سبتمبر 2015.

المصدر:

Nathaniel Myers, "Hard Aid: Foreign Aid in the Pursuit of Short-Term Security and Political Goals” (Washington: Carnegie Endowment for International Peace, September 2015)