أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

غلاة المحافظين:

دلالات التشكيل الحكومي الجديد للرئيس الإيراني

31 أغسطس، 2021


منح مجلس الشورى الإيراني، الأربعاء 25 أغسطس الجاري، الثقة لـ 18 من أصل 19 مرشحاً اقترحهم الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، باستثناء وزير التعليم، والذي رفضه لافتقاره الخبرة في المجال، ويلاحظ أن الحكومة تشكلت من غلاة المحافظين، إذ إن أغلب أعضائها قادة سابقين في الحرس الثوري الإيراني أو المؤسسات التابعة للمرشد أو المقربين منهما.

حكومة إيرانية متطرفة:

بمراجعة أسماء أبرز الوزراء والمسؤولين في حكومة رئيسي، يمكن الوقوف على عدد من السمات والملامح، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1-  تقاسم السلطة بين المرشد والحرس: يتضح من خلال مراجعة أسماء من تولوا المناصب الوزارية التي قدمها الرئيس إبراهيم رئيسي، ووافق عليها البرلمان الإيراني، أنها قد طغت عليها أسماء محسوبة على تيار المحافظين والمتشددين في إيران، حيث كانت حصة الأسد في تلك الوزارة لعناصر تنتمي للحرس الثوري الإيراني، وممن خدموا في المؤسسات التابعة لخامنئي، أي أن حكومة الظل الإيرانية، والتي كانت تدير الدولة الإيرانية من خلف الستار، باتت هي الحكومة الرسمية.

ويتضح ذلك من تولي عزت الله ضرغامي، القيادي السابق بالحرس الثوري الإيراني، وزارة السياحة، بالإضافة إلى اختيار الجنرال رستم قاسمي لوزارة الطرق والمواصلات، وهو نائب الشؤون الاقتصادية والمالية في فيلق القدس، كما سبق أن تولى منصب وزير النفط في زمن الرئيس المتشدد أحمدي نجاد.

ومن جهة أخرى، فإن محسن رضائي، الذي تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، كان قائداً لقوات الحرس الثوري لمدة 16 عاماً، فضلاً عن توليه منصب الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام منذ عام 1997 حتى الآن.

كما تم اختيار محمد مهدي إسماعيلي لوزارة الثقافة والإعلام والذي يحمل في سجله مناصب أمنية كثيرة، بالإضافة إلى تولية رئاسة مؤسسة "آستان قدس رضوي"، وتعني بالعربية "مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة" في 2016، وهي المسؤولة عن إدارة شؤون المزارات الدينية، كما أنها تموّل جماعات، مثل حزب الله اللبناني.

2- تولي المتشدد عبداللهيان وزارة الخارجية: تم اختيار القائد السابق بالحرس الثوري الإيراني أمير عبد اللهيان، لمنصب وزير الخارجية، والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع حلفاء إيران في المنطقة، مثل سوريا وحزب الله اللبناني والفصائل الشيعية العراقية. كما يتمتع الوزير بخبرة بالشؤون الخليجية، إذ سبق له العمل كسفير لبلاده في البحرين والعراق. 

وتولى عبد اللهيان، منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية بين عامي 2011 – 2016، وهو ما مكنه من متابعة شؤون الدول العربية سالفة الذكر، غير أن وزير الخارجية السابق، جواد ظريف قام بتنحيته عن منصبه، لتجنب توتر علاقة إيران بالولايات المتحدة.

ولاقت هذه الخطوة استياءً من قاسم سليماني، الرئيس السابق لفيلق القدس، والذي قام بتذكية عبداللهيان، لتولي منصب مساعد رئيس البرلمان للشؤون الدولية، سواء في عهد علي لاريجاني، أو محمد باقر قاليباف، لتستمر تصريحاته العدائية ضد واشنطن، في رسالة من الحرس لظريف بأن الأول سوف يواصل سياساته التدخلية في الإقليم بغض النظر عن موقف الخارجية الإيرانية. كما يتولي عبداللهيان لجنة متابعة ملف مقتل سليماني على الصعيدين القضائي والدعائي. 

3- سيطرة الحرس الثوري على الوزارات الأمنية: تولى أحمد وحيدي منصب وزير الداخلية، وهو قائد سابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن إدارة تدخلات إيران العسكرية في مناطق الصراعات، وهو ما يؤشر على رغبة الحرس الثوري الإيراني في إحكام السيطرة على الوضع الداخلي في إيران منعاً لأي اضطرابات داخلية محتملة.

كما تم اختيار رجل الدين، إسماعيل خطيب، لحقيبة وزارة الأمن والاستخبارات، وكان رئيساً لقسم الأمن في هيئة "آستان قدس رضوي"، أكبر الهيئات الوقفية التابعة لمكتب المرشد الأعلى خامنئي، التي ترأسها رئيسي قبل توليه رئاسة القضاء.

4- الخضوع لعقوبات أمريكية وأوروبية: يخضع عدد من الوزراء في الحكومة الإيرانية الجديدة لعقوبات أمريكية وأوروبية، لأسباب تتعلق بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران، أو لانتهاكات حقوق الإنسان وغير ذلك.

فالنائب الأول لرئيسي محمد مخبر، يخضع لعقوبات وزارة الخزانة الأمريكية وعقوبات أخرى ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك المؤسسة التي يترأسها "لجنة تنفيذ أمر الإمام" أو "ستاد إمام"، والتي تشكل إلى جانب "آستان رضوي" و"بنياد" الإمبراطورية المالية الخاضعة لمكتب المرشد على خامنئي. ويخضع غلام إسماعيلي، رئيس مكتب الرئاسة لعقوبات أمريكية وأوروبية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان.

كما أن وزير السياحة، عزت الله ضرغامي، مُدرج على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبية والعقوبات الأمريكية منذ 2012، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، في حين أن وزير الطرق والمواصلات الجنرال رستم قاسمي يخضع لعقوبات أمريكية.

5- تورط وحيدي في تفجير معبد يهودي: أدانت الحكومة الأرجنتينية، في بيان لها 11 أغسطس الجاري، ترشيح أحمد وحيدي في منصب وزير الداخلية، على أساس أنه أحد المتهمين في تنفيذ اعتداء إرهابي ضد المركز اليهودي في بوينوس آيرس في عام 1994، والذي أوقع 85 قتيلاً، وقد أصدرت شرطة الإنتربول الدولي ضده مذكرة توقيف دولية، ولم تقم إيران بتسليمه.

تطرف داخلي وخارجي:

تُشير تركيبة الحكومة الإيرانية الجديدة إلى عدد من الدلالات، فيما يتعلق بتوجهات الحكومة الإيرانية الجديدة، داخلياً وخارجياً، والتي يمكن إجمالها في الآتي:

1- تبني الاقتصاد المقاوم: يلاحظ أن فريق رئيسي الاقتصادي، سواء كان مخبر أم رضائي، يتبنى عدداً من السياسات، وهي: رفض لوائح "مجموعة العمل المالي"، والتي تحارب تمويل الإرهاب، فضلاً عن التأكيد على الإنتاج الداخلي، ودعم الاقتصاد المقاوم. 

ويلاحظ أن هذه السياسة سبق وأن أطلقها المرشد الأعلى الإيراني لمواجهة العقوبات الأمريكية، وهو مؤشر على أن إيران، قد لا تكون في عجلة من أمرها فيما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، كما أن هذه السياسة تصب في صالح المؤسسات الاقتصادية التابعة للمرشد والحرس الثوري، والتي تسعى للهيمنة على الاقتصاد الإيراني.

2- قمع أي احتجاجات محتملة: كان اختيار وحيدي لوزارة الداخلية أمراً طبيعياً، في ضوء خبرته العسكرية والأمنية، ورغبة رئيسي وخامنئي في إحكام السيطرة على الملف الأمني، ومنع أي تهديدات، سواء نابعة من الاحتجاجات الداخلية، أو العمليات التخريبية لإسرائيل. 

ويدرك المرشد جيداً أن تبني طهران سياسات متطرفة سوف تعني إرجاء رفع العقوبات الأمريكية عنها، وهو ما يعني ضرورة التركيز على الوضع الداخلي لمنع وقوع أي اضطرابات داخلية، كما أن تبني سياسات تصعيدية سوف يعرض منشآت إيران الاستراتيجية والنووية لعمليات تخريبية محتملة، وهو ما تسعى إيران لتجنبه. 

3- التأكيد على النهج المتشدد للنظام: لا شك أن اختيار تشكيلة حكومية يغلب على أعضائها الطابع المحافظ المتشدد، وتولي وزراء الحقائب المهمة عناصر وقيادات سابقة بالحرس الثوري الإيراني، سينهي الازدواجية الحكومية، التي شهدتها إيران في ظل الرئيس السابق روحاني.

فقد كان روحاني، وحكومته بالتبعية، منتخبين من الشعب، في حين أن حكومة الظل، بقيادة المؤسسات التابعة للمرشد والحرس الثوري، تمثل حكومة موازية، قادرة على تجاوز الحكومة المنتخبة. 

وباختيار رئيسي أغلب أعضاء حكومته من التيار المتشدد، فإنه سوف تكون هناك حالة من التماهي في السياسات بين أركان النظام الإيراني، بداية من المرشد الأعلى حتى الرئيس والوزراء وأجهزة الدولة التنفيذية، مما يجعل النظام معبراً بشكل أكثر وضوحاً عن النهج المتشدد، وهو ما سينطبق على التعامل مع مختلف القضايا والملفات في الداخل والخارج.

4- توظيف الدبلوماسية لخدمة الميدان: أكد وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان على هذا النهج، عند عرضه لاستراتيجية إدارته للجهاز الدبلوماسي أمام مجلس الشورى الإيراني، إذ أكد أنه سيتقدم بـ"الدبلوماسية والميدان"، على حد سواء وأن القوة الميدانية ستكون سنداً قوياً للدبلوماسية.

ويعني ذلك تبني إيران سياسات متشددة، في ملفات السياسة الخارجية كافة، سواء تعلق الأمر بملف برنامج إيران النووي والصاروخي، أو ملف تدخلاتها الإقليمية، وهو ما يعني أن فرص تقديم إيران أي تنازلات سوف تكون محدودة، أو منعدمة. كما أن فيلق القدس والميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، ستكون هي أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية خلال الفترة المقبلة.

5- الاهتمام بتعزيز النفوذ الإقليمي لإيران: إن اختيار عبداللهيان لوزارة الخارجية، والذي يتمتع بخبرة واسعة في الشؤون العربية، خاصة بلدان الصراعات، يعني أن طهران سوف تتبنى سياسات متشددة، ترتكز على دعم الميليشيات المسلحة، وترفض تقديم أي تنازلات للوصول لتسوية سلمية لصراعات المنطقة. 

ووضح ذلك في أول جولة إقليمية للهيان، والتي زار خلالها بغداد في 28 أغسطس، ثم دمشق، في 29 أغسطس، وأطلق من الأخيرة تصريحات أكد على محورية علاقات بلاده بسوريا والعراق، وأن إيران وسوريا سوف تتخذان خطوات لمحاربة الإرهاب الاقتصادي.

وفي الختام، فإن حكومة رئيسي تستعد لإبداء تشدد في أغلب ملفات السياسة الخارجية، سواء فيما يتعلق بملف تدخلاتها الإقليمية، أو في برنامجها النووي، ولن يختلف الأمر كثيراً فيما يتعلق بالوضع الداخلي، إذ إنها سوف تتجه إلى توظيف أقصى درجات القمع في مواجهة أي احتجاجات داخلية.