أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

اقتصادات الموبايل:

صعود الدور الاقتصادي والتنموي لقطاع الموبايل

16 أكتوبر، 2014


إعداد: باسم راشد

تتيح أجهزة الموبايل للأفراد والشركات إمكانية التواصل على مدار الساعة، حيث طوَّرت تلك الأجهزة أشكالاً جديدة من التعليم، والرعاية الصحية، والتنمية الاقتصادية، وأساليب الحكم. وساهمت هذه التكنولوجيا في نمو صناعات جديدة، وتحسين بعض الخدمات على مستوى العالم، لتوفر الطفرة الناتجة عن ذلك الأمر فرصاً اقتصادية لملايين الناس، ما أدى إلى نمو هذا الاقتصاد بشكل كبير.

وفي دراسته المعنونة: "دولة اقتصاد الموبايل 2014: تأثيره ومستقبله"، يشير الكاتب "داريل ويست Darrell M. West"، وهو نائب الرئيس ومدير دراسات الحكم ومؤسس مركز الابتكار التكنولوجي في معهد بروكينجز، إلى أنه طبقاً للتقديرات الأخيرة، فإن قيمة الاقتصاد العالمي للهاتف المحمول قد بلغت 1.6 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات الإجمالية للشركات التي تقدم خدمات وتطبيقات للمواطنين من خلال الموبايل إلى تريليوني دولار بحلول عام 2017، حيث يشكل اقتصاد الموبايل الآن حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقد ساهمت التطورات التكنولوجية والعلمية في جذب مليارات الدولارات التي يتم استثمارها في البحث والتنمية، في ظهور هذا النوع من الاقتصاد.

مساهمة قطاع الموبايل في النمو الاقتصادي

يؤكد "ويست" أن أحد أهم الأسباب التي تدفع الدول إلى الاستثمار في البنية التحتية لهذا القطاع ويجعلها تشجع استخدامه، هو مساهمته في النمو الاقتصادي؛ إذ تشير التحليلات في 192 دولة خلال الفترة (1990 ـ 2007) إلى تزايد عائدات هذه الدول فيما يتعلق بالإنتاجية والنمو القائم على استخدام أجهزة الموبايل؛ ففي الدول ذات الدخل المرتفع أضافت تكنولوجيا الموبايل نسبة 0.20% سنوياً للناتج المحلي الإجمالي، في حين أضافت نسبة 0.11% في الدول ذات الدخل المنخفض، كما ساهم الاستثمار في البنية التحتية المرتبطة بهذه التكنولوجيا في زيادة الناتج الإجمالي المحلي للدول ذات الدخل المرتفع بنسبة 0.39% مقارنة بنسبة 0.19% في الدول ذات الدخول المنخفضة.

وقد اهتمت العديد من الدراسات ببحث التأثير الاقتصادي للموبايل في دول معينة، ووجدت بالفعل علاقة قوية. فعلى سبيل المثال قامت شركة LECG الاستشارية بعمل تحليل لهذه الصلة على دولة الهند، ووجدت أن "استثمار 20 مليار دولار في شبكات الجيل الثالث 3G خلال السنوات الخمس القادمة، سيفيد الاقتصاد الهندي بأكثر من 70 مليار دولار، وسيوفر ما يقرب من 14 مليون وظيفة". وفي الصين، يرجح أن تتجاوز المنافع الحالية والمستقبلية 110 مليارات دولار من الاستثمارات الصينية الحالية والبالغة 59 مليار دولار.

أما في إطار تحليل السوق الأوروبية بشكل عام، فقد وجدت مؤسسة GSM أن الاستثمارات في قطاع الموبايل هي المفتاح للنمو الاقتصادي؛ حيث إنه سيساهم في توليد ما يقرب من 60 إلى 120 مليار دولار سنوياً في عام 2015، وهو ما يساوي نسبة تتراوح بين 0.5% إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي الولايات المتحدة، أشار تحليل مؤسسة "ديلويت" إلى أنه "من المتوقع استثمار ما بين 25 إلى 53 مليار دولار في تكنولوجيا الشبكات النقالة الجيل الرابع 4G، بهدف تحقيق نمو في الناتج القومي الإجمالي تتراوح قيمته بين 73 و151 مليار دولار، ويوفر ما بين 371 و771 ألف وظيفة جديدة".

تحديث قطاعي الرعاية الصحية والتعليم

إن بنية الاتصالات ليست مهمة فقط للاقتصاد، بل أيضاً للرعاية الصحية والتعليم؛ فهذان القطاعان المهمان يحتاجان عمالة كثيفة وتكلفة عالية، فضلاً عن حاجتهما الدائمة للتحديث من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة، ويظهر هذا جلياً في دول العالم الثالث لما تعانيه من مركزية الرعاية الصحية والتعليم.

ويواجه مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم بعض المشكلات مثل القدرة على تحمل التكاليف، ونوعية الخدمة المقدمة، وعدم تلقي أعداد كبيرة من الأفراد الخدمات الصحية التي يحتاجونها، ومن ثمَّ يرى "ويست" أن تكنولوجيا الموبايل تقدم طرقاً مختلفة لمواجهة تلك التحديات، من خلال تطبيقات الموبايل الصحية، وأجهزة الاستشعار، والأجهزة الطبية، وما يعرف بمنتجات "مراقبة المرضى عن بُعد".. فكلها سُبل يمكن من خلالها تحسين الخدمات الصحية المقدمة، فضلاً عن أن تكنولوجيا الموبايل تساهم في تخفيض التكلفة عن طريق تسهيل عملية التواصل بين المواطنين وبين مصادر رعايتهم الصحية، حيث تُمكِّن تطبيقات الهاتف المحمول كلاً من المرضى ومزودي الخدمة من الوصول إلى البيانات المرجعية ونتائج الفحوصات والتسجيلات الطبية باستخدام أجهزة الموبايل.

وعلى سبيل المثال، فإن ما يقرب من 80% من الأطباء الأمريكيين يستخدمون أجهزة الموبايل في ممارساتهم الطبية، فطبقاً لبحث أعده "أندريه داونينج"، يعتمد الأطباء على هواتفهم الذكية "للبحث عن المواد المرجعية للأدوية، ويتعرفون من خلالها على الأبحاث الجديدة، وتشخيص الأمراض وتعليم المرضى"، كما أن سهولة الوصول إلى المعلومات جعلت الأطباء أكثر كفاءة وفعالية في عملهم.

وفي مجال التعليم، يشير الكاتب إلى ما أوردته منظمة اليونسكو في تقرير حديث صادر لها من أن "استثمار دولار واحد في التعليم يجلب من 10- 15 دولاراً في النمو الاقتصادي". فإذا استطاع الطلاب ذوو الدخل المنخفض تطوير مهارات القراءة الأساسية، فإن حوالي 171 مليون شخص سيخرجون من دائرة الفقر؛ حيث سينخفض الفقر بنسبة 12%؛ أي أن كل سنة في التعليم لكل شخص تؤدي إلى تحسين الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.37%.

وفي هذا الصدد يُقدم الموبايل، من خلال تطبيقاته التعليمية، فائدة عظيمة؛ إذ يعرض طرقاً جديدة لربط الأساتذة والطلاب عن طريق استخدام الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا الجديدة بهدف مشاركة المعلومات والمعرفة، كما أنه يزود العملية التعليمية بتطبيقات جديدة تمكنهم من الوصول إلى ملايين الأطفال والمراهقين غير الملتحقين بالمدارس. وقد قدَّر الباحثون أن خدمات الموبايل ستُمكن 180 مليون طالب من الدول النامية من مواصلة تعليمهم في السنوات الخمس القادمة.

خدمات الموبايل تُعزز الشفافية وتقلل الفساد

يشير الكاتب إلى أن الأداء الحكومي الضعيف يعد مشكلة رئيسية في العديد من دول العالم، خصوصاً في ظل تضخم وبيروقراطية القطاع الحكومي من ناحية، وتعطيل مصالح المواطنين من ناحية أخرى. فالفساد في هذا القطاع يعد من أكبر المشكلات التي تواجه العديد من الدول لأنه يفرض ضريبة غير مرئية على الأفراد والشركات من أجل الحصول على الخدمات الحكومية أو العقود المختلفة.

ويساهم استخدام تكنولوجيا الموبايل في رفع كفاءة القطاع الحكومي لما يقوم به من تقليل معدلات الفساد وتعزيز الشفافية والمحاسبة، حيث أضحت العديد من الدول تعتمد الآن على تلك التطبيقات من أجل محاربة الفساد في القطاعات الحكومية، بل وتشجع المواطنين على المشاركة الفعَّالة في هذا الأمر.

إن هناك العديد من برامج مكافحة الفساد حول العالم تستخدم تكنولوجيا الموبايل، ومنها على سبيل المثال The Technology for Transparency Network، والتي تعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي لمحاربة الفساد. وطبقاً للبيانات الواردة في موقعها الإلكتروني، فقد تمت الإشارة إلى أنه "في كينيا تسعى شركة الموبايل (مزاليندو) إلى تسهيل تدفق والوصول إلى المعلومات بشكل أكبر من خلال الإجراءات البرلمانية، وفي الأردن تهدف شركة الموبايل (إشكي) إلى إشراك المواطنين في تطوير حلول للمشكلات التي تواجههم في القطاعات المدنية".

وفي المملكة المتحدة، يوجد تطبيق اسمه "Politics Direct" يتم من خلاله تحديد الموقع الجغرافي لمستخدم الموبايل من أجل تحديد نوابه المحليين، ومستشاري مقاطعته، والمعلومات المتعلقة بهم كسجلهم التصويتي ونفقاتهم، وذلك بهدف تفعيل الرقابة على المسؤولين الرسميين ومحاسبتهم وتحسين مستوى تفاعلهم واستجاباتهم في إطار النظام السياسي.

وبالإضافة إلى تحسين الأداء الحكومي، فإن تكنولوجيا الهاتف المحمول تعد بالغة الأهمية مع ظهور ما يسمى "إنترنت الأشياء "Internet of Things، وهو المصطلح الذي صيغ على يد الكاتب "كيفن أشتون"، ويقصد به ارتباط شبكة الإنترنت بالأشياء المادية الموجودة حولنا، بحيث يمكن معرفة حالتها ومعلوماتها الدقيقة. وعلى سبيال المثال, فإن السيارات أصبحت مجهزة الآن بنظم GPS، كما تساعد السيارات الذكية مستخدميها على توقع أي حوادث محتملة من خلال نظم الإنذار المبكر.

خاتمة وتوصيات

تكمن خلاصة ما توصل إليه "ويست" من خلال هذه الدراسة إلى أن تكنولوجيا الموبايل تضيف بشكل كبير للنمو الاقتصادي سنوياً، ويتضاعف تأثير الاستثمار في البنية التحتية للهاتف المحمول في الدول الصاعدة ودول العالم الثالث، وتساهم الابتكارات الخاصة بتكنولوجيا الموبايل في توفير فرص كبيرة في العديد من القطاعات المختلفة، فضلاً عن كونها ساعدت المساهمين الصغار على المشاركة في الاقتصاد العالمي، وهو ما يعد مفيداً، بشكل خاص، للنساء والأقليات خارج الإطار الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى الرغم من فوائد تكنولوجيا الهاتف المحمول، فإن ثمة عقبات أمام الابتكار، فالناس والشركات في مختلف البلدان تختلف بشكل كبير فيما يتعلق بحجم الإنفاق على البحوث والتطوير، واستثماراتهم في البنية التحتية للموبايل، وكذلك حوافز الاختراع وحماية أصحاب براءات الاختراع.

ولذا يقدم "ويست" عدة توصيات في هذا الشأن، ومنها حاجة الدول إلى التفكير بجدية في توفير الحوافز للاختراع والابتكار، فهؤلاء الذين يطورون منتجات وخدمات جديدة يجب أن تكون لديهم القدرة على الاستفادة من إبداعاتهم.

وفي هذا الصدد تُظهر الاستطلاعات أن الرأي العام العالمي يؤمن بأن الاختراع والابتكار يعد أمراً حيوياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويدعو الكاتب مختلف الدول إلى ضرورة الاستثمار في مجال تكنولوجيا الموبايل، وفي توفير البنية التحتية لنموه، لما يحققه من فائدة كبيرة للأفراد والشركات والدولة ككل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

* عرض موجز لدراسة بعنوان: "The State of the Mobile Economy 2014: Its Impact and Future"، المنشورة في سبتمبر 2014 عن مركز الابتكار التكنولوجي بمعهد بروكينجز الأمريكي.

المصدر:

Darrell M. West, The State of the Mobile Economy, 2014: Its Impact and Future (Washington: Center for Technology Innovation at Brookings,  September 2014)