أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الثقافة البصرية:

الدور السياسي للإعلام الجديد في العالم العربي

02 مارس، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

شكلت وسائل الإعلام الجديدة أداة هامة من أدوات التغيير في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث فتحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال للمواطن العربي كي يكون فاعلاً مؤثراً في العملية الاتصالية، وبات هناك ما يعرف بـ "صحافة المواطن"، وهكذا أصبح الإعلام الجديد بمثابة منصات هامة من أجل تمرير المعلومات بعيداً عن سلطة الدولة وقيودها.

ونظراً لإسهامات مواقع "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" في إشعال الثورات العربية، يبدو من المهم الحديث عن مدى تأثير تلك المواقع على الأوضاع السياسية والاجتماعية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يتناوله كتاب (أُسس غير شائعة.. وسائل الإعلام الجديدة والممارسات الهامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، والذي ساهم في إعداده مجموعة من الأكاديميين والكتَّاب والفنانين والناشطين وكذلك صُنَّاع السينما، وحرّره "أنطوني داوني" Anthony Downey الكاتب والأكاديمي في "معهد سوثبي" للفن بلندن، ورئيس تحرير "Ibraaz" وهو منتدى رائد متخصص في الثقافات البصرية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يحاول استكشاف شعبية كل من موقع "تويتر" وموقع "فيسبوك" في وسائل الإعلام الرئيسية، ومدى تداخل الفنانين مع المحيط السياسي والاجتماعي من خلال وسائل الإعلام الجديدة. ويركز أيضاً على فكرة "الثقافة البصرية"  visual culture(يُقصد بها "القدرة على قراءة وتفسير وفهم المعلومات المعروضة في شكل صور أو مواد مرئية)، وتأثيرها على الحراك السياسي في الشرق الأوسط، وكذلك على الحركات الاجتماعية في العالم العربي، حيث يسلط الكتاب الضوء على الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الجديدة في تفكيك الأنظمة المستبدة في ظل الثورات العربية، ومدى استمرارية هذا الدور في المستقبل.

الإعلام الجديد كمجال للتفاعل والتأثير

يبدأ الكاتب "Downey" بالحديث عن استخدام وسائل الإعلام الجديدة في الممارسات الفنية المعاصرة ليس فقط في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولكن أيضاً على الصعيد العالمي، ويرى أنها لم تخرج من فراغ، بل هي متأثرة بالسوابق التاريخية الإقليمية والدولية، وأن الفن دائماً هو استجابة وانعكاس للواقع، والفنانون عليهم أن يبقوا في حالة تأهب لكيفية نشر خطابهم، وانخراطهم في الثورات والانتفاضات والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، سواء بالإدانة أو بالتأييد.

أما الكاتب "Berardi Franco" فيرى أن الإنترنت لم يعد مجرد أداة، وإنما أضحى بمثابة بيئة واسعة للتواصل والتفاعل، وتعد هذه البيئة مجالاً للتأثر والتأثير، مؤكداً أنه يمكن النظر بنوع من الريبة والشك لدور وسائل الإعلام الجديدة بالرغم من مساهمتها الإيجابية في الثورات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك دورها الملحوظ في تعزيز مساحة حرية الرأي والتعبير والتنظيم وحتى الاحتجاج، لأنه أدت من ناحية أخرى إلى تُمكّن العديد من أنظمة الحكم من عملية المراقبة الرقمية.

على جانب آخر، يرى الكاتب أن الفن بات متواجداً بشكل متزايد في مساحة متداخلة مع ما هو سياسي أو ثوري، ومن المحتمل أن يكون لذلك تأثيراته على تشكيل الرأي العام وكذلك على فكرة المشاركة الجماعية والعمل الجماعي، فقد فتحت وسائل الإعلام الجديدة المجال للتواصل الفعَّال بين الفنانين والجمهور حول المجال العام والمجتمع المدني في مصر وفي تونس وغيرهما من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في ذات السياق، تشير الكاتبة "Matar Dina" إلى أن وسائل الإعلام الجديدة شكلت منصات لإنتاج وسائط مرئية اجتماعية بديلة، وصار لها دورُ كبيرُ في المشاركة السياسية، وترى أنه لا يمكن النظر إلى العلاقة بين وسائل الإعلام الجديدة والمجال السياسي إلا في ظل السياق التاريخي والسياسي.

كما يمكن لوسائل الإعلام الجديدة إعادة تشكيل الممارسات الفنية من خلال تفاعل الفنانين مع المجالات الاجتماعية المختلفة، وهو ما تؤكده الكاتبة "Farhat Maymanah" من حلال دراستها لمجموعة مختارة من الأعمال الفنية ومدى تأثيرها كصور على الحرب على الإرهاب، ومدى قدرة الإعلام الجديد على أن يكون مجالاً للعروض التفاعلية ومنصات للفنانين من أجل الانخراط السياسي والاجتماعي والتعبير عن أفكارهم دون تقييد وبارتياحية شديدة.

"صحافة المواطن" بين الشعبوية والمهنية

يشترك مجموعة من الكُتَّاب والباحثين في كتابة فصل بعنوان: "صحافة المواطن والذاكرة الجماعية"، يتناولون من خلاله ارتفاع شعبية "صحافة المواطن" مؤخراً في ظل عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الصحافة وبين وسائل الإعلام الاجتماعية، ومدى مهنية ذلك، بمعنى إلى أي درجة يمكن أن تكون وسائل الإعلام الجديدة ذات شفافية ومهنية بعيداً عن التسييس الذي يتسم به الإعلام الرسمي.

ويؤكد الخبراء أن وسائل الإعلام الجديدة بمثابة محاولة للحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعوب بعيداً عن التلفيق والتزييف، ومن هنا تأتي "صحافة المواطن" ووسائل الإعلام الجديدة كمحاولة للتأريخ. وفي هذا الصدد، تشير الكاتبة "Derya Yucel" إلى أن الأحداث التاريخية لها تأثير كبير على الممارسات المعاصرة لشبكات التواصل الاجتماعي في تركيا على سبيل المثال، وأن تلك المواقع باتت بمثابة منصات للفنانين من أجل المشاركة السياسية والتواصل مع الجمهور.

نماذج للدور السياسي للإعلام الجديد

يتناول الكتاب في فصل مستقل منه حركة "مُصِرّين" المصرية؛ وهي وسيلة إعلامية شعبية غير هادفة للربح تأسست في وسط القاهرة، وظهرت منذ بداية الثورة المصرية في عام 2011، وأظهرت الدور الكبير للإعلام الشعبي في نقل الأحدث، حيث فتحت المجال لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو من أجل خلق خطاب إعلامي شعبي أكثر مصداقية بعيداً عن الإعلام الرسمي، وبات لها دور هام في دعم الثورة إعلامياً وثقافياً عن طريق خلق أرشيف بصري وصوتي للأحداث السياسية المصرية وكذلك إنتاج أفلام تعبر عن الثورة ومطالبها، وتقديم الدعم لكل صانع أفلام داعم للثورة سواء كان محترفاً أو هاوياً، وبالتالي هي تسعى لدعم صحافة المواطن عن طريق تسجيل أي انتهاكات وتوثيق كافة الاحتجاجات.

أما في تونس، فيرى الكاتب "Timo Kaabi-Linke" أن الثورة التونسية تأثرت كثيراً بالإعلام الجديد، من خلال تغطية المواطنين للأحداث عبر رفع الصور والفيديوهات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنها موقع "اليوتيوب"، وهو ما دفع وكالات الأنباء العالمية للانتباه إلى الانتفاضة التونسية في مهدها، فلولا تلك المواقع وما تم مشاركته من صور وفيديوهات وأخبار من خلالها لما كان للثورة التونسية أن تنجح في إسقاط النظام المستبد.

كذلك كانت دول مثل مصر والبحرين واليمن تتابع الأمر عن كثب وتحاول إعادة إنتاج الثورة في بلدانها من خلال الاطلاع على المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولذا يمكن تسمية الثورة التونسية بثورة "فيسبوك وتويتر". وبالتالي، أصبح الإنترنت أداة للتغيير ووسيلة للمواطن من أجل أن يشارك في صناعة الحدث.

ختاماً، فإن الكتاب يحاول تبيان مدى قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على التأثير في الأحداث السياسية والاجتماعية، وأنه لولا تلك المواقع لما كانت الثورات العربية أن تنطلق، وذلك مع عدم الجزم بأن ثمة علاقة تلقائية أو حتمية بين وسائل الإعلام الجديدة - ومن ضمنها شبكات التواصل الاجتماعي - وبين المشاركة السياسية والتغيير السياسي، إذ إن هذه الوسائل تنطوي على احتمالية استخدامها بشكل إيجابي أو سلبي على حد سواء. ففي دول مثل مصر وسوريا كانت الأنظمة قادرة على منع مواطنيها من الوصول إلى قنوات إخبارية دولية من أجل عدم الحصول على المعلومات، وهو ما بات من الماضي البعيد في ظل استحالة سيطرة الأنظمة على المعلومات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الصحافة التي أصبح المواطن جزء فاعل منها، عن طريقة صناعة الخبر والمشاركة فيه إما برفع الصور أو الفيديوهات. ولكن على جانب آخر، أضحت الأنظمة قادرة على حجب تلك المواقع أو استخدامها في التجسس أو مراقبة المواطنين.

ويؤكد الكتاب على دور الثقافة البصرية كوسيلة لاستكشاف وفهم الأحداث، ويخلص إلى أن ثمة تداخل مستمر بين الفن وتأثيره من جانب، وبين وسائل الإعلام الجديدة ووتأثيرها من جانب آخر، وهي علاقة مستمرة تتسم بالتداخل، وقد تنتج تغيرات في بلدان عديدة.

* عرض مُوجز لكتاب "أُسس غير شائعة.. وسائل الإعلام الجديدة والممارسات الهامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، والمنشور عن مؤسسة "I.B.Tauris" في ديسمبر 2014.

المصدر:

 Anthony Downey (editor), Uncommon Grounds: New Media and Critical Practices in North Africa and the Middle East (London, I.B.Tauris, December 2014) pp 256.