أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انعكاسات متعددة:

تداعيات التصعيد الروسي ضد تركيا في شمال سوريا

04 نوفمبر، 2020


تسعى روسيا في الوقت الحالي إلى رفع مستوى ضغوطها على تركيا في الساحة السورية، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى اعتبار التصعيد الحالي شبيه بالفترة التي شهدت إسقاط تركيا لطائرة سوخوي 24 الروسية في نوفمبر 2015، والتي اتجهت موسكو على إثرها إلى اتخاذ جملة من الإجراءات العقابية ضد أنقرة، وكادت تؤدي إلى منزلق خطير لولا اضطرار الأخيرة إلى احتواء الأزمة عبر خطوات مختلفة منها تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتذاراً للكرملين.

مؤشران رئيسيان: 

يمكن رصد مؤشرين رئيسيين للتصعيد الروسي ضد تركيا في الساحة السورية من خلال تكثيف موسكو من استهدافها لحلفاء تركيا في سوريا، وهما: 

1- الاستهداف الروسي لفصيل فيلق الشام: أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 26 أكتوبر الفائت، بمقتل 78 عنصراً وإصابة أكثر من مئة آخرين بجروح في صفوف فصيل فيلق الشام المقرب من تركيا في منطقة جبل الدويلة شمال غرب إدلب، نتيجة غارات روسية مكثفة على مقر تابع لهذا الفصيل. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، في تصريحات صحفية، أن "المقر كان قد تم تجهيزه حديثاً كمعسكر تدريب، وتم استهدافه فيما كان عشرات المقاتلين داخله يخضعون لدورة تدريبية".

2- الضربات الروسية المكثفة ضد هيئة تحرير الشام: شن سلاح الجو الروسي، في 14 أكتوبر الفائت، غارات على قرية حرش الحمامة بمنطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وهو ما أسفر عن سقوط 15 من عناصر هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقاً" بين قتيل وجريح.

تبعات سلبية:

يفرض التصعيد الروسي ضد تركيا في شمال سوريا مجموعة من التداعيات، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

1- الانتهاء العملي لتفاهمات موسكو وأنقرة في الشمال السوري: يعنى التصعيد الروسي الحالي ضد تركيا انتهاء هدنة وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا، والتي توصل إليها الطرفان في 5 مارس الماضي، خاصة أن بنود هذا الاتفاق لم تعد تُطبق من الأساس منذ قرابة الشهرين، حيث لم يعد هناك الممر الأمني الذي سبق وتم إنشاءه على طول الطريق الدولي M4 بامتداد 6 كم، كما توقفت الدوريات الروسية- التركية المشتركة على طول هذا الطريق بسبب الاستياء الروسي من عدم إقدام أنقرة على الوفاء بالتزاماتها من خلال منع الفصائل الموالية لها من شن هجمات على طول الطريق.

2-تصاعد الإجراءات العسكرية التركية المضادة: تجلى ذلك في الحشود العسكرية الضخمة التي يواصل الجيش التركي إرسالها في الشمال السوري، والتي كان آخرها الرتل العسكري التركي الذي دخل من معبر كفرلوسين الحدودي مع لواء اسكندرون شمال إدلب، والذي كان يضم نحو 75 آلية محملة بالمعدات اللوجستية والعسكرية. يُضاف لذلك تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، في 22 أكتوبر الماضي، والتي دعا خلالها جيش بلاده للتأهب استعداداً لأي طارئ قد يحدث في سوريا في الأيام المقبلة.

3- احتياطات أكبر لتحصين القوات التركية: من الواضح أن الجيش التركي بات أكثر احتياطاً في سوريا أكثر من ذي قبل، ويتجلى ذلك من خلال إخلاء تركيا نقطة المراقبة العسكرية التابعة لها في قرية شير مغار في جبل شحشبو بريف حماة الشمالي الغربي في 29 أكتوبر الفائت، وهي النقطة الثانية التي يتم إخلاؤها في المنطقة بعد نقطة مورك التي أخلتها تركيا في شمال حماة في 19 من الشهر نفسه. ونقل الجيش التركي الجنود والأسلحة والآليات الموجودة في نقطة شير مغار، التي تحمل الرقم 11 ضمن نقاط المراقبة في منطقة خفض التصعيد في شمال غرب سوريا التي أنُشئت في 14 يونيو 2018، بموجب تفاهمات الأستانة بين تركيا وروسيا وإيران، إلى القاعدة العسكرية الجديدة التي أنشأتها تركيا على تلة استراتيجية قرب قرية قوقفين جنوب إدلب.

4- تجميد مسار الأستانة لحل الأزمة السورية: سيؤثر التصعيد الحالي بين روسيا وتركيا بشكل سلبي على منصة الأستانة، التي تم تأسيسها نهاية عام 2016 بعد اتفاق حلب بين تركيا وروسيا والتحقت بها إيران بعد ذلك، حيث يعني ذلك تجميد هذه المنصة لحين وضوح الرؤية بالنسبة للمدى الذي قد تصل إليه حالة التصعيد الحالية، فمن الوارد أن يكون هذا التجميد مؤقتاً كما حدث من قبل في ضوء الخلافات الروسية- التركية السابقة في سوريا، ومن الوارد انتهاء هذا المسار بشكل نهائي حال استمر هذا التصعيد وبات سمة دائمة في التفاعلات بين موسكو وأنقرة في سوريا.

5- اتجاه الجيش السوري للتصعيد: ربما يتجه الجيش السوري إلى تكثيف عملياته العسكرية في الفترة المقبلة ضد الفصائل الموالية لتركيا في الشمال السوري في ضوء التصعيد الروسي الحالي ضد أنقرة. وقد كان لافتاً أنه في خضم التصعيد الروسي- التركي في سوريا، تزايد تنديد الحكومة السورية بالعدوان التركي في المحافل الدولية. ولعل آخر مؤشرات ذلك كانت تأكيدات مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، في 28 أكتوبر الفائت خلال جلسة لمجلس الأمن عبر الفيديو حول الوضع في سوريا، بأن "تركيا تواصل احتلال أجزاء واسعة من شمال سوريا وسرقة ونهب مقدرات الشعب السوري وثرواته وموارده الطبيعية وممارسة التهجير والتغيير الديمغرافي والتتريك"، مشدداً على أن "جرائم النظام التركي لن تغير من الواقع القانوني للأراضي السورية التي يحتلها أو تمس الحقوق السيادية لسوريا".

6- تأثر العلاقات الإيرانية- التركية بشكل سلبي: من المتوقع تأثر مسار العلاقات الإيرانية- التركية في سوريا بشكل سلبي في ضوء الخلافات الروسية- التركية، حيث يبدو أنه رغم الخلافات العالقة بين طهران وموسكو، إلا أنهما حريصتان على مواصلة التنسيق فيما بينهما، يُضاف لذلك أن إيران غير مقتنعة سوى بالحل العسكري لأزمة محافظة إدلب. جدير بالذكر أن بوادر التأثر السلبي لعلاقات إيران وتركيا في سوريا ظهرت عندما أشارت وكالة أنباء الأناضول التركية، في 22 أكتوبر الفائت في تقرير لها، إلى أن عدداً من عناصر الحرس الثوري الإيراني ومجموعات تابعة له انتقلوا إلى منطقة وقف التصعيد بمحافظة إدلب بعد دخولهم عبر العراق للقتال بجانب الجيش السوري. 

إن ما سبق في مجمله يوحي بأن التفاهمات التي توصلت إليها كل من روسيا وتركيا داخل سوريا خلال المرحلة الماضية كانت مؤقتة، بانتظار نضوج الخلافات العالقة بين الطرفين والتي لا تبدو هامشية أو يمكن الوصول إلى تسوية لها في المدى القريب.