أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

قلق الحلفاء:

هل تتغير سياسات اليابان بعد استقالة "شينزو آبي"؟

09 سبتمبر، 2020


أعلن "شينزو آبي"، في 28 أغسطس 2020، استقالته من منصبه كرئيس وزراء لليابان، وهو المنصب الذي تبوأه منذ عام 2012، حيث تُعد فترة تولي "آبي" رئاسة الوزراء الفترة الأطول في تاريخ اليابان لهذا المنصب. وكان من المقرر أن يُنهي ولايته في سبتمبر 2021، لذا أدت هذه الاستقالة المفاجئة إلى إرباك الوضع الداخلي في اليابان، ومن المتوقّع أن تكون لها تداعيات على المستوى الدولي أيضًا.

دوافع الاستقالة:

تجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن استقال "آبي" من منصبه كرئيس للوزراء في عام 2007، أي بعد سنة واحدة من توليه المنصب، ورغم أن بعض المحللين -في ذلك الوقت- رأوا أنه يتنحى لأسباب سياسية؛ إلا أنه أشارت تقارير إلى أن حالته الصحية كانت من ضمن العوامل التي دفعته للاستقالة. حيث يعاني "آبي" من التهاب القولون التقرحي، وهو مرض لازمه منذ أن كان مراهقًا. وعندما عاد "آبي" مرة أخرى كرئيس وزراء لليابان في ديسمبر 2012، أعلن أن حالته الصحية تحسنت بسبب استخدامه دواء جديدًا.

ولكنّ "آبي" أوضح في المؤتمر الصحفي الذي عقده للإعلان عن استقالته، في 28 أغسطس 2020، أن حالته الصحية قد تدهورت مرة أخرى بسبب المرض نفسه، وقال: "إن حالتي الصحية السيئة لا ينبغي أن تؤدي إلى قرارات سياسية خاطئة، لأنني لم أعد قادرًا على تلبية توقعات شعب اليابان".

ويرى بعض المحللين أن هناك أسبابًا سياسية قد ساعدت "آبي" على اتخاذ ذلك القرار، ويستدل على ذلك بما ذكره "آبي" في المؤتمر الصحفي من أنه يطلب من الشعب الياباني أن يغفر له تركه للمنصب دون تحقيق ثلاثة أهداف هي: (تعديل الدستور، وإعادة المواطنين اليابانيين الذين اختطفتهم كوريا الشمالية، والتوصل إلى معاهدة سلام مع روسيا لحل النزاع حول جزر الكوريل) .

المرشحين لخلافة "آبي":

تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات المزمع إجراؤها داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الياباني في سبتمبر سينتج عنها انتخاب رئيس للحزب، وسيلي ذلك قيام البرلمان الياباني بانتخاب رئيس وزراء جديد. وحيث إن الحزب يحظى بالأغلبية في مجلس النواب، فإن رئيس الحزب سيصبح هو رئيس وزراء اليابان المقبل.  وفي هذا السياق، طُرحت أسماء عدد من السياسيين اليابانيين لخلافة "آبي"، وفيما يلي عرض لأهم المرشحين المحتملين:

1- شيجيرو إيشيبا: هو وزير دفاع سابق ذو ميول محافظة، يبلغ من العمر 63 عامًا. ورغم انتمائه للحزب الديمقراطي الليبرالي، إلا أنه من معارضي سياسات "آبي". حيث انتقد معدلات الفائدة المنخفضة للغاية لبنك اليابان، وأوضح أنها تُلحق الضرر بالبنوك الإقليمية، ودعا إلى معالجة عدم المساواة الاقتصادية المتزايدة. 

يتصدر "إيشيبا" استطلاعات الرأي كأكثر المرشحين شعبية لخلافة "آبي". ورغم الدعم الشعبي، إلا أنه لا يتمتع بتأييد قوي داخل الحزب الياباني الحاكم، ولكنه أعلن عن نيته الرسمية خوضَ الانتخابات داخل الحزب.

2- فوميو كيشيدا: والذي شغل منصب وزير الخارجية من عام 2012 إلى 2017. وهو عضو مجلس النواب الياباني عن مدينة هيروشيما، ويبلغ من العمر 63 عامًا. ويُنظر إلى كيشيدا على أنه الخليفة المفضل لآبي، إلا أنه يحتل مرتبة متدنية في استطلاعات الرأي. وينتمي "كيشيدا" إلى فصيل الحمائم في الحزب، بمعنى أنه أقل حرصًا من "آبي" على مراجعة الدستور الذي أقرته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. 

3- تارو كونو: وهو وزير الدفاع الحالي البالغ من العمر 56 عامًا. وشغل سابقًا منصب وزير الخارجية ووزير الإصلاح الإداري. واشتهر بتأييد سياسات "آبي" الصارمة تجاه مطالب كوريا الجنوبية بقيام اليابان بدفع مزيد من التعويضات عن الانتهاكات التي وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية. 

4- يوشيهيدي سوجا: وهو سياسي عصامي من أشد المؤيدين المخلصين لآبي منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2007. وقام بحثّه على الترشح مرة أخرى عام 2012. وقام "آبي" بتعيين "سوجا" في منصب كبير أمناء مجلس الوزراء، وهو منصب محوري يتضمن العمل كمتحدث رسمي رفيع المستوى، وتنسيق السياسات على المستوى الوطني.

ورغم أنه أنكر حتى الآن رغبته في الترشح لمنصب رئيس الوزراء، إلا أن "سوجا" قام بتنظيم حملة دعائية في الأسبوع الذي سبق استقالة "آبي"، حيث أجرى مقابلات مع أربع مؤسسات إعلامية رئيسية على الأقل. إلا أن نفوذه قد تأثر بالفضائح التي أطاحت باثنين من الوزراء المقربين له في أكتوبر الماضي.

5- تارو آسو: وهو وزير المالية ويتولّى أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء، ويبلغ من العمر 79 عامًا. وحال غياب الإجماع حول المرشح الذي سيخلف "آبي"، فمن المرجح أن يقوم أعضاء الحزب الحاكم بانتخابه كزعيم مؤقت.

ولكن ما قد يُقلل فرصه في الترشح، هو أنه في عام 2008، تم انتخاب "آسو" زعيمًا للحزب، وبالتالي رئيسًا للوزراء، على أمل أن يتمكن من إحياء تواجد الحزب على الساحة السياسية. إلا أنه تمت الإطاحة بالحزب في هزيمة تاريخية في الانتخابات عام 2009، وظل الحزب في صفوف المعارضة حتى عام 2012.

6- شينجيرو كويزومي: وزير البيئة الحالي ونجل رئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومي. وهو يتفق مع "آبي" في بعض وجهات النظر المحافظة، حيث قام بزيارة ضريح ياسوكوني لضحايا الحرب المثير للجدل في طوكيو. ولكن نظرًا لصغر سنه حيث يبلغ من العمر 39 عامًا فقط، فمن المرجح أنه لن يكون رئيس الوزراء القادم، إلا أن عددًا من المراقبين يرون أنه سيشغل ذلك المنصب يومًا ما.

7- توشيميتسو موتيجي: يشغل منصب وزير الخارجية الحالي، ويبلغ من العمر 64 عامًا. وقد شغل سابقًا منصب وزير الاقتصاد، كما شغل منصب وزير التجارة في عهد "آبي" عندما عاد الأخير إلى السلطة في عام 2012، وكان له دور بارز في المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ.

ومن بين المرشحين المحتملين لخلافة "آبي" كلٌّ من: "كاتسونوبو كاتو" وزير الصحة، و"ياسوتوشي نيشيمورا" وزير الاقتصاد، اللذين كان لهما دور محوري منذ تفشِّي فيروس كورونا. وهناك أيضًا "سيكو نودا" التي شغلت في السابق منصب وزيرة الشؤون الداخلية، وهي المرأة الوحيدة التي أبدت رغبتها في أن تصبح أول امرأة تشغل منصب رئاسة الوزراء.

ولكن يظل الأوفر حظًّا هو "إيشيبا" الذي حصل -وفقًا لاستطلاعات الرأي- على دعم 34% من المشمولين بهذه الاستطلاعات، في حين أن "سوجا" قد حصل على 14% فقط. وفي استطلاع رأي آخر أجراه تليفزيون طوكيو، حصل "إيشيبا" على تأييد 28٪، يليه "تارو كونو" بنسبة 15٪، في حين احتل "سوجا" المركز الرابع بنسبة 11٪. 

تداعيات دولية:

عبّر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن استيائه الشديد لترك "آبي" منصبه، ووصفه بالرجل النبيل والصديق العظيم . ويُعزَى ذلك إلى أن "آبي" ظل حليفًا قويًّا للولايات المتحدة منذ عام 2012. وبالتالي فإن خسارة تلك الشراكة في الوقت الذي تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين هو أمر مقلق لواشنطن.

فالولايات المتحدة تترقب اختيار خليفة "آبي" وذلك في ضوء تخوفها من انزلاق اليابان في حالة من الجمود السياسي أو عدم الاستقرار. علاوة على قلق واشنطن من توجهات الزعيم الياباني القادم فيما يخص السياسة الخارجية والدفاعية لليابان. 

أما بالنسبة للصين التي تعد الشريك التجاري الأكبر لليابان، فقد يبدو أن العلاقات بين اليابان والصين قد تحسنت على مدار العامين الماضيين. حيث قام رئيس مجلس الدولة الصيني بزيارة طوكيو في مايو 2018، وقام "آبي" بزيارة بكين في العام التالي كأول زعيم ياباني يزور الصين منذ ثماني سنوات. إلا أن عددًا كبيرًا من المراقبين يرون أن بكين قد تنفست الصعداء بعد استقالة "آبي"، الذي تزامنت عودته لحكم اليابان في عام 2012 مع تولي "شي جين بينغ" السلطة في الصين في العام ذاته. وطوال ثماني سنوات ظلت بكين تراقب بحذر طوكيو وهي توسع علاقاتها الاقتصادية والخارجية، لا سيما من خلال سياستها الخاصة بمساعدات التنمية الخارجية. 

كما شعرت الصين بقلق بالغ من اهتمام "آبي" بتخفيف بعض القيود التي فرضتها بلاده على نفسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. حيث قام في عام 2014 بتخفيف القيود الذاتية التي فرضتها اليابان حول تصدير الأسلحة، وبدأت اليابان في توقيع اتفاقيات لنقل المعدات والتكنولوجيا الدفاعية اليابانية إلى الخارج. وأثمرت جهود إدارة "آبي" عن توقيع عقد مع الفلبين في 28 أغسطس يتم بموجبه توريد رادارات للمراقبة الجوية من شركة ميتسوبيشي اليابانية بقيمة 103.5 ملايين دولار أمريكي. وتعد هذه الصفقة أكبر وأبرز الصادرات الدفاعية لليابان منذ عام 2014.

كما تجدر الإشارة إلى أنه في الآونة الأخيرة، دشن "آبي" صندوقًا لمرحلة ما بعد الوباء بهدف جذب الشركات اليابانية لعملياتها الخارجية التي تتخذ من الصين مقرًّا لها، مما يسرع من إعادة تشكيل العلاقات التجارية اليابانية والعالمية مع الصين.

وخلال فترة حكمه، لم يعترض "آبي" فقط على التوغل الصيني المستمر في المياه الإقليمية حول جزر سينكاكو -دياويو كما تطلق عليها الصين- المتنازع عليها بين اليابان والصين، بل قام أيضًا بتعميق التعاون الأمني لليابان مع أستراليا والهند، وحافظ على علاقة وثيقة مع تايوان، مما مثل تهديدًا مباشرًا للصين.

لذا تأمل الصين في ألا يتبنى خليفة "آبي" الرؤية الإقليمية ذاتها القائمة على توسيع وتعزيز الدور الياباني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والعالم. بيد أن تحقيق هذه الآمال يعد صعبًا للغاية، فطوكيو لن تعمل على تعزيز علاقتها ببكين على حساب علاقاتها بواشنطن.

بمعنى آخر، من غير المرجّح أن يقوم رئيس الوزراء الياباني القادم –أيًّا كان توجهه- بإجراء تغييرات جذرية في السياسة الخارجية تجاه الصين أو الولايات المتحدة، فالمرجّح أن التوازن الذي اعتمد عليه "آبي" خلال السنوات الماضية والذي يقضي بالحفاظ على علاقات متوازنة مع الصين في إطار التوافق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة سيستمر.

إلا أن بعض المحللين الآخرين يؤكدون أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستلعب دورًا محوريًّا في تشكيل نهج طوكيو تجاه القضايا الإقليمية، خاصة مع الصين. فإذا فاز "ترامب" بولاية ثانية واستمر في انتهاج سياسة عدوانية مع الصين، فإن العلاقات الصينية اليابانية ستتأثر بدون شك، وذلك لأن اليابان، في نهاية المطاف، هي حليف رئيسي للولايات المتحدة. أما في حال فوز "جو بايدن" الذي من المتوقع أن يتبنى سياسة "أقل تطرفًا" تجاه الصين، فإن ذلك سيعمل على دعم اليابان في الاستمرار في انتهاج سياسة متوازنة مع الصين، مما سينعكس بشكل إيجابي على استقرار الوضع الأمني، والحدّ من التوترات في القارة الآسيوية.

ختامًا، سيتعين على رئيس الوزراء الياباني الجديد مواجهة عدة تحديات، أبرزها مواجهة أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية. وكذلك سيواجه بيئة جيوسياسية إقليمية ودولية معقدة تتسم بالمنافسة المتزايدة بين أكبر شريك تجاري لليابان (الصين) وأقوى حليف أمني لها (الولايات المتحدة).