أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ضغوط متزايدة:

هل تواجه صادرات الغاز الجزائرية تراجعاً في التنافسية؟

18 أغسطس، 2020


تواجه القدرة التصديرية للغاز، الطبيعي والمسال، الجزائري تحديات غير مسبوقة في الفترة الأخيرة تتمثل في نمو الاستهلاك المحلي مع زيادة السكان ونمو الصناعات الكثيفة للطاقة، وضعف الاستثمارات ونقص تطوير حقول الإنتاج، بالإضافة إلى تصاعد حدة المنافسة بين منتجي الغاز المسال للاستحواذ على حصص إضافية داخل الأسواق الأوروبية والآسيوية. ويقتضي التغلب على هذه التحديات من الحكومة الجزائرية الإسراع في إجراء تحديثات في البنية التحتية لصناعة الغاز الطبيعي، بجانب تطوير عقود تصدير الغاز لكى تتلائم مع المتغيرات الدولية الجديدة، فضلاً عن تنويع أسواق التصدير.   

انخفاض ملحوظ:

على مدار العقدين الماضيين، أثبتت الجزائر نفسها كأحد أهم موردي الغاز الطبيعي للأسواق العالمية ولاسيما الأوروبية. وتمتلك البلاد احتياطيات كبيرة من الغاز تقدر بنحو 4.3 تريليون متر مكعب من الغاز، وهى الثانية حجماً في القارة الأفريقية، وبما مكنها من تحقيق زيادة كبيرة في الإنتاج وتوفير فوائض في المعروض يمكن تصريفها بالأسواق الخارجية. 

ووفق أحدث البيانات، حقق الإنتاج الجزائري من الغاز الطبيعي نمواً في الفترة من 2010 إلى 2019 بنسبة 11.3% بالغاً 86.2 مليار متر مكعب في العام الماضي. غير أنه من الملاحظ أن مستوى إنتاج العام الماضي تقلص بنسبة 8.1% من 93.8 مليار متر مكعب في 2018، الأمر الذي قد يعود إلى تقادم الحقول ونقص الاستثمارات، فضلاً عن التغييرات السياسية بالبلاد المؤثرة على قطاع الهيدروكربونات. 

وتقع الجزائر ضمن أكبر خمس موردين للغاز بصفته الغازية أو السائلة إلى أوروبا، إلى جانب روسيا والنرويج وغيرها من الدول. وفي العام الماضي، صدّرت الجزائر إلى أوروبا نحو 21.4 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب، بالإضافة إلى 15.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال وبمجموع قدره 36.6 مليار متر مكعب، أو ما يوازي 6% من واردات أوروبا من الغاز. 

وعلى الدوام كانت الأسواق الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، إلى جانب تركيا، المحطات الرئيسية لصادرات الغاز الجزائرية وبنسبة تقارب 85% من إجمالي صادرات الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب أو المسال. ويذكر أن الغاز الجزائري يتم نقله إلى أوروبا عبر خطين رئيسيين هما خط أنابيب "ميدغاز" وخط أنابيب غاز "المغرب العربي-أوروبا".  

ولكن في ضوء عوامل مختلفة، باتت الجزائر على وشك خسارة موقعها في الأسواق العالمية ولاسيما الأوروبية. وعلى هذا النحو، أوضح وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار أن صادرات الغاز قد تصل إلى 26 مليار متر مكعب سنوياً في 2025، بعد أن بلغت ذروتها في 2005 عند 64 مليار متر مكعب وفق التقديرات.

ويأتي هذا على الرغم من نجاح شركة "سوناطراك" الجزائرية خلال الأشهر الماضية في تجديد عقود تصدير الغاز الطبيعي القديمة مع عملائها في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، بجانب إبرام صفقات جديدة مع عملاء جدد في البرتغال وتركيا لتوريد الغاز الطبيعي المسال في الأمد الطويل. إلا هذا لا يوفر ضماناً كافياً لاستمرار تدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا بنفس المستويات في العقد الماضي. ومن اللافت أن عدداً من الهيئات التنظيمية لشبكات الغاز في أوروبا بدأت تميل لاستيراد الغاز المسال على حساب الغاز الطبيعي. 

 تحديات قائمة:

تعاني القدرة التصديرية للغاز الجزائرية من تحديات في إطار البيئة الداخلية والدولية المتغيرة: يتعلق أولها، بالنمو السريع للاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي مدفوعاً بزيادة السكان، والتوسع في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. فقد تضاعف استهلاك الغاز في الجزائر بأكثر من مرة ونصف خلال العقد الماضي ليصل إلى 45.2 مليار متر مكعب في 2019. 

وينصرف ثانيها، إلى نقص الاستثمارات اللازمة لتطوير الإنتاج، وتدشين البنية التحتية اللازمة لتطوير صناعة الغاز الطبيعي بشكل عام بما في ذلك محطات تسييل الغاز، ويأتي ذلك وسط تباطؤ الحكومات المتعاقبة في إقرار المشاريع والاتفاق مع الشركاء الأجانب بشأنها. وتسعى الجزائر لتطبيق نماذج جديدة لعقود الاستثمار في قطاع النفط والغاز لتشجيع المستثمرين من خلال قانون المحروقات الجديد لعام 2019، غير أن اللائحة التنفيذية للقانون لم يجرى إقرارها بعد. 

ويتمثل ثالثها، في أن تسويق الغاز الجزائري في الأسواق التقليدية (مثل أوروبا) بات أكثر صعوبة من ذي قبل مع نمو إمدادات الغاز المسال الروسية والأمريكية إلى الأسواق الأوروبية وبأسعار أرخص نسبياً من الغاز المُورَّد من الجزائر. وحالياً، تعد الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في أوروبا، بجانب روسيا ودول أخرى. ووفق شركة "وود ماكينزي"، فإن أسعار الغاز الجزائري المنقولة عبر خطوط الأنابيب أعلى بنحو 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من الأسعار القياسية لمنطقة شمال غرب أوروبا.

استراتيجية جديدة:

يمكن للحكومة الجزائرية التحرك على عدة مستويات للتعامل مع التحديات التي تواجه صادرات الغاز، على غرار الإسراع في إقرار قانون المحروقات ولوائحه التنفيذية من أجل تشجيع المستثمرين الأجانب للمشاركة في مشاريع تطوير حقول الغاز، وتطوير البنية التحتية للغاز مثل خطوط الأنابيب ومحطات التسييل، وبما يمكن الحكومة من زيادة الإنتاج من أجل تلبية احتياجات السوق المحلية، وخلق فوائض إضافية للتصدير.  

كما يكتسب إضفاء عنصر المرونة في التسعير بشأن عقود توريد الغاز طويلة الأجل للأسواق الأوروبية أهمية خاصة، حيث أن ذلك سيزيد من جاذبية الغاز الجزائري لدى العملاء أو المشترين الأوروبيين الذين يتجهون الآن للشحنات الفورية التي انخفضت أسعارها بشدة منذ نهاية العام الماضي.

ويتوازى مع ذلك التوجه نحو تطوير صناعة الغاز المسال وزيادة الطاقة الإنتاجية للبلاد، بما يمكن الجزائر من بيع الإمدادات في الأسواق دون التقيد بتعقيدات عقود التصدير طويلة الأجل، فضلاً عن إمكانية توصيل الإمدادات لأسواق بعيدة.

فضلاً عن ذلك، تسمح زيادة الطاقة الإنتاحية بإمكانية تنويع أسواق التصدير، حيث يمكن بيع صادرات الغاز المسال إلى أسواق جديدة مثل الأسواق الآسيوية، بما في ذلك الصين والهند واليابان، والتي تشهد نمواً متسارعاً في الطلب على السائل وسط برامجها لخفض الانبعاثات الكربونية. 

وختاماً، يمكن القول إن على الجزائر إجراء تغييرات تشريعية وتنظيمية سريعاً لكى تحافظ على موقعها كأحد أهم موردي الغاز الطبيعي وسط احتدام المنافسة مع المنتجين الآخرين.