أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

سيناريوهات متعددة:

إلى أين يتجه الصراع التكنولوجي بين الصين والهند؟

14 يوليو، 2020


جنبًا إلى جنب مع الصراع الحدودي الصيني-الهندي، تشهد الدولتان صراعًا تكنولوجيًّا لا يقل احتدامًا عن مثيله الحدودي. وبينما تتجه الأنظار إلى جبال الهيمالايا، فإن هناك معركة أخرى تدور في مجالٍ آخر. وهو ما دفع بعض المحللين للقول إن الصراع المسلح -على الرغم من أهميته- لن يحسم الصراع الحدودي بين الدولتين، بل قد يحسمه الصراع التكنولوجي.

صراع تكنولوجي:

تَتعدد المؤشرات الدالة على الصراع التكنولوجي الصيني-الهندي، وهي المؤشرات التي يُمكن إجمالها على النحو التالي:

1- حظر التطبيقات الصينية: شجعت وكالات الاستخبارات الهندية المواطنين على حظر 52 تطبيقًا صينيًّا، وهي التطبيقات التي حظرتها الحكومة الهندية بالفعل في أعقاب اشتباكٍ حدوديٍ أسفر عن مقتل أكثر من 20 جنديًّا هنديًّا. وبَرّرت الهند ذلك بحماية أمنها القومي، والدفاع عن سلامتها وسيادتها، وحماية بيانات المواطنين وخصوصيتهم. ومن بين التطبيقات الصينية، حَظي كلٌ من "وي تشات" (WeChat) و"تيك توك" ((TikTok بالاهتمام الأكبر، بعد أن قام المواطنون بإلغاء تثبيت الأخير بشكلٍ جماعيٍ، ذلك أن الهند تُعدّ واحدةً من أكبر أسواقه الخارجية؛ حيث بَلغت أرباح التطبيق في الهند وحدها 25 مليون دولار أمريكي. 

وبالنظر إلى التطبيقات الهندية الأكثر شيوعًا، يَشيع استخدام 44 تطبيقًا صينيًا من بين المائة الأكثر استخدامًا. ومن بين التطبيقات العشرة الأوائل، تتصدر خمسة تطبيقاتٍ صينيةٍ، بما في ذلك تطبيق "تيك توك" الذي يتمتع بشعبيةٍ كبرى. وفي الوقت نفسه، يُستخدم متصفح (Alibaba UC) على نطاقٍ واسعٍ فيما يزيد على نصف الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل "أندرويد".

2- مقترح بمنع الشركات الصينية: تدرس الحكومة الهندية حظر "هواوي" (Huawei)  بجانب "زي تي إي" (ZTE) من عطاءات شبكة الجيل الخامس (5G). كما تواصلت دائرة الاتصالات السلكية واللا سلكية الهندية الحكومية مع اثنتين من شركات الاتصالات المملوكة للدولة: (Bharat Sanchar Nigam Ltd) و(Mahanagar Telephone Nigam Limited) لعدم استخدام معدات "هواوي" أو "زي تي إي" في ترقيات شبكة الجيل الخامس. وقد نشطت كلتاهما في معدات الشبكة الهندية على مدار الأشهر الماضية.

وتبرز أهمية ذلك بالنظر إلى أهمية شركة "هواوي" لدى كبرى الشركات التكنولوجية الهندية التي تعتبرها شريكًا موثوقًا؛ ومن بينها تعد شركاتٌ من قبيل: "تاتا للخدمات الاستشارية"(Tata Consultancy Services- TCS)، و"إنفوسيس" (Infosys)، و"ويبرو" ((Wipro أبرز مزودي شركة "هواوي" بالخدمة. وقد قام بعضها أيضًا بتكوين روابط استراتيجيةٍ مشتركةٍ، كتلك التي تَتجلى في حالة "إنفوسيس" التي تجمعها مع شركة "هواوي" شراكة في مجال تحليل البيانات بشكلٍ عامٍ، والبيانات السحابية بشكلٍ خاصٍ. 

3- حرب الشركات التكنولوجية: ألغت شركة "أوبو" (Oppo)، وهي إحدى أكبر الشركات الصينية المصنّعة للهواتف الذكية التي تعمل في الهند، إطلاق هاتف الإنترنت. وفي المقابل، تسعى الهند إلى وقف الاستثمارات الصينية في الشركات الهندية، بل ودفع مبادرة "صنع في الهند" (Make in India) في عددٍ من القطاعات الحيوية الرائدة. وتَبرز أهمية ذلك بالنظر إلى حجم الاستثمارات التكنولوجية الصينية في الهند؛ فقد تلقى ما يقرب من 118 شركةً هنديةً ناشئةً ما يقرب من 5.6 مليارات دولار في صورة استثماراتٍ صينيةٍ. 

وتَبرز أهمية ذلك بالنظر إلى حجم المبالغ الضخمة التي تحتاجها الشركات الهندية الناشئة لتحمل خسائر السنوات الأولى، والتي قدّرها البعض بما يقرب من 100 مليون دولار. وبعبارةٍ أخرى، استثمرت الشركات التكنولوجيا الصينية مليارات الدولارات في كبرى الشركات الهندية الناشئة، في الوقت الذي تُهيمن فيه عدة صناعاتٍ صينيةٍ على الأسواق الهندية، وفي مقدمتها صناعة الهواتف الذكية. فوفقًا لتقريرٍ نَشره المجلس الهندي للعلاقات العالمية (Gateway House)، احتلت الصين مكانةً متميزةً في قطاع التكنولوجيا الهندي على مدى السنوات الخمس الماضية من خلال إغراق السوق بهواتف ذكيةٍ رخيصةٍ وضخ الأموال في الشركات الهندية الناشئة.

4- تشديد قواعد الاستثمار الأجنبي: أسفر الخلاف الصيني- الهندي عن دعواتٍ لمقاطعة المنتجات والخدمات الصينية، في الوقت الذي يُمكن فيه لقواعد الاستثمار الأجنبي الجديدة أن تَحُدّ من قدرة الصين على التغول في الأسواق التكنولوجية الهندية؛ ففي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، لوّحت الهند بضرورة اتخاذ خطواتٍ جادةٍ للحد من نفوذ الصين المتنامي؛ وأعلنت في أبريل الماضي عن إخضاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الدول التي تشترك في حدودٍ بريةٍ معها لمزيدٍ من التدقيق. وقد دفع عددٌ من المحللين بأن الهند تستهدف الصين على وجه التحديد بذلك الإجراء. 

ويُرسل تشديد قواعد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الشركات الصينية رسالةً مفادها إمكانية تصدير البرامج والأجهزة إلى الهند دون السيطرة على بنية الإنترنت الأساسية أو تَمتّع الصين بحرية التشغيل في الأسواق الهندية. وقد قُوبلت سياسة الحكومة في البداية بالتشكيك من قبل الشركات التكنولوجية الهندية إلى أن اندلعت المناوشات عبر الحدود بين القوات الصينية والهندية في مايو الماضي.

5- التلويح بمقاطعة الهواتف الصينية: سبق وأن طالب البعض بمقاطعة البضائع الصينية خلال المناوشات الحدودية السابقة، وهي الدعوات التي تتكرر مع تجدد الصراع الحدودي؛ بيد أن تلك المطالبات لم تُؤثر سلفًا في مبيعات الهواتف الذكية الصينية. إذ يُعد ظهور الهند كأكبر سوقٍ خارجيٍ لشركات الهاتف المحمول الصينية أحد أهم التطورات في علاقة الدولتين على مدى السنوات الخمس الماضية. 

وفي العام الماضي فحسب، احتلت أربع شركاتٍ صينيةٍ -بجانب شركة سامسونج- المراكز الخمسة الأولى في مبيعات الهواتف الذكية في الهند. وتقوم شركة "شاومي" (Xiaomi) بتصنيع 95% من الهواتف التي تبيعها في الهند. كما بلغت مبيعات الهند من الهواتف الذكية الصينية 16 مليار دولار في عام 2019. وهو ما يعني على أرض الواقع أن خفض المبيعات لا بد وأن يطال المصانع والوظائف الهندية؛ فلن يتخلى الهنود عن هواتفهم الذكية الصينية الرخيصة بسهولةٍ.

أبرز الدلالات:

تتعدد دلالات المؤشرات السابقة، وهي الدلالات التي يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:

1- تغير الحسابات: تغيرت موازين القوى جذريًّا منذ عقد السبعينيات حين اشتبكت الهند والصين في المرة الأخيرة، واليوم يمكن القول إن الأرض هي الزناد، والتكنولوجيا هي المعركة الحقيقية؛ إذ تُدشن الأخيرة حقبةً جديدةً من القوة الجيوسياسية، وهو ما يَعني أن تجدد الصراع الحدودي بين الدولتين بات أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى، ويُمكن للطرفين اتخاذ خطواتٍ ناجعةٍ تُقوّض الشركات التكنولوجية. وبعبارةٍ أخرى، قد تربط جبال الهيمالايا بين الهند والصين عن طريق البر، ولكن تظل التكنولوجيا الرابط الأكبر لاقتصاديهما.

2- التحالف الأمريكي- الهندي: يتشابه حظر التطبيقات الصينية إلى حدٍّ بعيدٍ مع سياسات الحظر التي تتبعها الولايات المتحدة ضد الصين في إطار الحرب الباردة الرقمية بين كلتيهما؛ فقد حظرت الولايات المتحدة شركة "هواوي". كما ضغطت على حلفائها لمنعها من المشاركة في إنشاء شبكات الجيل الخامس، بل وفتحت أيضًا تحقيقًا ضد شركة (ByteDance) المالكة لتطبيق "تيك توك" بدعوى الأمن القومي.

وهو ما يعني امتداد تكتيكات الحرب الأمريكية-الصينية التجارية إلى الصراع الهندي-الصيني. ويمكن القول إن مساهمة المستخدمين الهنود في معظم الإيرادات الإجمالية للتطبيقات الصينية ليست بالضخمة أو الكبيرة، بيد أن حظرها يَحول دون وصولها إلى أحد أكبر الأسواق في العالم، ويضر بمصالح الصين الاقتصادية. ولذا، توقع البعض أن تُؤدي هذه الخطوة إلى الانتقام الاقتصادي والتصعيد من كلا الجانبين.

3- حظر "هواوي": يَصعب على الهند تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الصين بالنظر إلى الظروف الراهنة؛ إذ تعتمد سلاسل التوريد العالمية بشكلٍ كبيرٍ على الصين، ولم يُسفر فيروس كورونا عن نزوحٍ كبيرٍ للإنتاج بعيدًا عن الصين كما كان متوقعًا في البداية. ولذا، على الرغم من الاشتباك الحدودي بين الهند والصين، يصعب للغاية كسر الروابط التقنية، وبخاصةٍ في ظل الدعم المالي للشركات الهندية الناشئة كما سلف القول.

فلم تُقرر الحكومة الهندية حظر "هواوي" حتى الآن من المشاركة في شبكة الجيل الخامس الهندية التي حصلت على إذنٍ للمشاركة فيها. ويمكن القول إن الهند بحاجة إلى الصين، والعكس بالعكس، وهو ما يرجع إلى انخفاض سعر المعدات الصينية مقارنة بأسعار منافسيها، وهو فرقٌ حاسمٌ لقطاع الاتصالات الهندي المتعثر. وتُخطّط الصين حاليًّا لاستثمار ما لا يقل عن 26 مليار دولار في الهند.

4- ساحة بديلة للصراع الاقتصادي: وفقًا لوزارة التجارة الهندية، يُصل إجمالي الاستثمارات الصينية الحالية والمخططة في الهند إلى 26 مليار دولار. وقد تجاوز حجم التجارة بين البلدين أكثر من 87 مليار دولار في السنة المالية 2018-2019. وقد كانت الصين ثاني أكبر شريكٍ تجاريٍ للهند في ذلك العام بعد الولايات المتحدة مباشرةً، ولا شك في خلل الميزان التجاري بين الصين والهند لصالح الأولى، وهو ما يَعني في مجمله استحالة اندلاع حربٍ تجاريةٍ أو اقتصاديةٍ بين الجانبين، مما يَعني بدوره أن الصراع التكنولوجي بات وكيلًا للصراع الاقتصادي إن جاز التعبير.

عوضًا عن استهداف التطبيقات الصينية، كان بمقدور الهند استهداف كبرى الشركات التكنولوجية الصينية (على شاكلة: "أوبو"، وفيفو"، و"شاومي"، و"هاير") التي تُشكل بصمة بكين العالمية الجديدة، وتُدشن "القوة التقنية الصينية". وهو ما يُمكن تفسيره في ضوء حسابات المكسب والخسارة؛ فقد رغبت الهند في الانتقام لمقتل جنودها في الاشتباك الحدودي، لكنها لم ترغب في بدء حربٍ اقتصاديةٍ شاملةٍ مع الصين. فتلك الحرب قد تُسفر عن حظر تصدير المواد الدوائية أو قطع غيار السيارات، ما قد يؤدي بدوره إلى تحطيم الصناعات الدوائية وصناعة السيارات الهندية.

5- صعود "القومية التكنولوجية": دفعت صحيفة "جلوبال تايمز" بأن تحرك الهند لتشديد قواعد الاستثمار الأجنبي المباشر يُوضّح "كيف هيمنت التوجهات المضادة للصين على الحكومة الهندية". ووفقًا لها، إذا سمحت الهند بسيطرة القومية الضيقة على مجال العلوم والتكنولوجيا، فإن ذلك سيضر بالتأكيد بمصالحها القومية. 

بطبيعة الحال، يَصعب الحدّ التام من اعتماد الهند على الصين؛ إذ تعتمد الأولى على الأخيرة في كل شيء، بدءًا من الآلات الثقيلة، مرورًا بمعدات الاتصالات والطاقة، وانتهاءً بالمكونات الدوائية. ولم يَهدف تشديد قواعد الاستثمار الأجنبي المباشر في الآونة الأخيرة إلى وقف الاستثمار الصيني في الهند، بل إلى "إعادة توجيه" الاستثمارات الصينية إلى المجالات الهندية ذات القيمة المضافة، بما يخلق مرافق تصنيعية، ويولد فرص عمل. 

السيناريوهات المحتملة:

بالنظر إلى مؤشرات الصراع السالفة وأبرز دلالاتها، يمكن الدفع بجملةٍ من السيناريوهات المحتملة للصراع التكنولوجي بين الجانبين الصيني-الهندي، وهي السيناريوهات التي يمكن الوقوف عليها فيما يلي:

1- تغليب التعاون على الصراع: في المدن الهندية، تعمل "هواوي" مع المطورين لإنشاء بديلٍ لخدمات "جوجل". وقد تكون هذه الخدمات جزءًا من مشروع "هواوي" الأكبر "هارموني" (HarmonyOS) لاستحداث نظام تشغيلٍ يُنافس نظام التشغيل "أندرويد". فلا شك أن المواهب الهندية هي إحدى الركائز الجديدة للقوة الصينية. 

وفي الوقت نفسه، يعتمد النظام البيئي التكنولوجي في الهند بشكلٍ كبيرٍ على الصين. فعلى سبيل المثال، تُعد شركة "باي تي إم" Paytm)) للمدفوعات إحدى أبرز وأنجح الشركات الهندية الناشئة، وهي الشركة التي تَحظى بدعمٍ من ((Ant Financial، وهي إحدى الشركات التابعة لشركة "علي بابا" (Alibaba). كما جمعت ((Ola Cabs المنافس الهندي المحلي لشركة "أوبر" أموالًا من شركة "ديدي" (Didi). وأصبحت "تينسنت" Tencent)) أكبر مستثمرٍ استراتيجيٍ صينيٍ في السوق الهندية. ولتلك الاعتبارات كافَّةً قد تحرص الدولتان على دفع أواصر التعاون التكنولوجي، وتغليبها على مصادر الصراع.

2- الانفصال التكنولوجي: قد تتخذ الحكومتان إجراءاتٍ حاسمة للانفصال عن بعضهما بعضًا تكنولوجيًّا. فتُصدر الصين تعليماتها لبنوكها وشركاتها التكنولوجية وهيئاتها الحكومية لتصفية حصصها الهندية. وفي المقابل، تَحظر الهند أي استثماراتٍ صينيةٍ مستقبليةٍ في صناعاتها التكنولوجية القومية أو تُشجّع الشركات الهندية على تَولّي الاستثمارات الصينية. وفي كلتا الحالتين، قد تُصاب بعض الشركات الصينية الشهيرة بالشلل، وقد يتراجع الاقتصاد الهندي بدرجةٍ أو بأخرى.

ومن شأن هذا الانفصال أن يُعظّم التوتر بين الهند والصين. وإن حدث، فقد تَنجذب الهند نحو الولايات المتحدة واليابان وإسرائيل والمملكة المتحدة وأستراليا، وقد يبدأ الغرب في إمدادها بالتكنولوجيا. وإن حدث هذا بدوره، فقد تتخذ الصين مزيدًا من الإجراءات العدوانية، وقد تُكثّف الهند استثماراتها في صناعة أشباه الموصلات وصناعة البرمجيات المحلية الخاصة. ولا شك أن هذا السيناريو مستبعدٌ إلى حدٍّ كبيرٍ. 

3- التصعيد الصيني: قد تَتجه الصين إلى التصعيد مع الهند، وبخاصةٍ بعد حظر التطبيقات الصينية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا. وقد يأخذ هذا التصعيد أشكالًا عدةً؛ فقد تستهدف الصين الشركات التكنولوجية الهندية التي تستثمر فيها إما بوقف نشاطها وإما بالقبض على كبار التنفيذيين الذين يعيشون فيها. وقد تُوقف الصين أيضًا تمويلها للمواهب الهندية بأن تطلب من الشركات الاستثمارية الضغط على الشركات الناشئة التي استثمرت فيها. وبذلك، تتحول المواهب النادرة إلى بيادق في الصراع بين الجانبين، وتتحول حرب التكنولوجيا إلى حرب مواهب. وقد تنصرف الحرب التكنولوجية إلى حربٍ سيبرانيّةٍ عمادها الفيروسات الخاملة التي قد تُنشّطها الصين في أجهزة الكمبيوتر الهندية، وبذلك تتعطل الأجهزة، وتتوقف عن العمل، وتبرز قوة الاختراق، وتتسبب في تعطيل المرافق العامة (مثل: الكهرباء، والمياه، وحركة المرور).

وقد يصل هذا التصعيد بحسب بعض التحليلات الأجنبية إلى حدّ استخدام الهندسة الجغرافية لتغيير مناخ الهند على سبيل المثال. فقد عملت الصين بالفعل على مشروعٍ ضخمٍ في التبت (المصدر الرئيسي للمياه الهندية) لزيادة هطول الأمطار. ومن خلال الهندسة الجيولوجية، يمكن السيطرة على الموارد المائية الهندية. وفي الوقت نفسه، تتحكم الصين في سوق السيارات الكهربائية من خلال إنتاج الليثيوم (المكون الرئيسي في صناعة البطاريات). وبينما تتجه الهند للاعتماد على الكهرباء لتسيير مختلف السيارات والشاحنات، وقد ترفض الصين بيع بطارياتها لشركات السيارات الهندية، كما قد تعارض تصدير بطارياتها إلى أي شركة سياراتٍ تبيع منتجاتها إلى الهند (بما في ذلك: فولفو، وهيونداي، وتسلا، وغيرها).

ختامًا، قد يتم تحديد نتيجة الصراع بين العملاقين الآسيويين من خلال التكنولوجيا لا القوات العسكرية على الرغم من أهميتها. وفي ساحة المعركة التقنية، يُمكن القول إن الحرب بين الهند والصين قد بدأت بالفعل. فلم تتأجج الحرب العسكرية بين القوات الهندية والصينية في جبال الهيمالايا بعد، ولكن في المجالات التكنولوجية تختلف الأمور بشكلٍ جذريٍ، بعد أن أُطلقت الطلقات، وتَعالت دعوات المقاطعة، وفُرض الحظر، واستُهدفت الشركات التكنولوجية. وبالتالي، يستمر الصراع بين الدولتين على جبهتي الجغرافيا والتكنولوجيا معًا.