أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ما وراء عجز مجلس الأمن

19 مايو، 2020


مازال مجلس الأمن، حتى كتابة هذه السطور، عاجزاً عن تمرير مشروع قرار يدعو، استجابةً لنداء أمين عام الأمم المتحدة، إلى وقف إطلاق نار في الصراعات المشتعلة في جميع أنحاء العالم، لإعطاء الفرصة لجهود الإغاثة الإنسانية التي باتت بالفعل، وليس من قبيل المبالغة اللفظية، «مسألة حياة أو موت». وقد تعودنا العجز من مجلس الأمن في القضايا الكبرى التي تنطوي على استقطاب سياسي حاد، كما كان الحال في كافة قضايا الحرب الباردة. لكن الجديد والمحزن هذه المرة، أن الاستقطاب يطول قضية إنسانية تتضمن تهديداً لأرواح ملايين، إن لم تكن عشرات الملايين من البشر، وتبدأ القصة بالنداء الذي أطلقه الأمين العام في 23 مارس الماضي، من أجل وقف إطلاق نار يشمل الصراعات الراهنة، حتى تتوفر الظروف الملائمة لجهود الإغاثة الإنسانية، وكان هذا النداء ينسجم مع الأحلام المثالية، التي راودت البعض بأن تكون جائحة كورونا بداية لفكر رشيد يُعلي الاعتبارات الإنسانية، ولو مؤقتاً، على المصالح الأنانية للدول. وقد تلقفت فرنسا (العضو الدائم في مجلس الأمن) وتونس (العضو الممثل للمجموعة العربية في الأمم المتحدة) هذه الفكرة، وصاغتاها في مشروع قرار عكس الموقفان الأميركي والصيني منه طبيعة الحرب الباردة الراهنة بينهما. فقد أصرت الولايات المتحدة على عدم الإشارة في القرار إلى منظمة الصحة العالمية التي كان المشروع الأصلي يطالب بدعمها، بينما يتهمها ترامب بالفشل والانحياز للصين في إدارة الأزمة، وكذلك شددت على ضرورة تضمين مبدأي الشفافية والمساءلة في القرار، اتساقاً مع اتهاماتها للصين بعدم الشفافية وضرورة مساءلتها عن انتشار الوباء، بينما تصر الصين على ضرورة النص على دعم المنظمة وعدم الإشارة لمبدأي الشفافية والمساءلة.

وكما هي العادة في هذه المواقف، فإن رعاة مشروع القرار يقومون بجهود للتوفيق بين وجهات النظر المتضاربة، وقد كان، وذكرت تقارير يوم 8 مايو الجاري أن الاتفاق تم على صيغة مقبولة من الجميع، أُرسلت للأعضاء لإبداء ملاحظاتهم قبل عرض المشروع للتصويت، وكان جوهر التعديل هو عدم الإشارة في المشروع إلى منظمة الصحة العالمية تحديداً، والتأكيد على «الحاجة الملحة لدعم كافة البلدان والكيانات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك الوكالات الصحية المتخصصة، والمنظمات الأخرى الدولية والإقليمية، والإقليمية الفرعية ذات الصلة، بما يتسق ونطاق اختصاصها لتعزيز التنسيق والمساعدة في مواجهة كورونا». أما الإشارة لمبدأي الشفافية والمساءلة في المشروع، فقد استُبدلت بـ«الترحيب بكافة الجهود والإجراءات التي اقترحها الأمين العام لمواجهة تأثيرات الجائحة على بلدان الصراعات، وبالذات دعوته لوقف إطلاق نار عالمي». وكان جوتيريش قد دعا في تصريحاته للشفافية، وكان مفهوماً أن الجميع قد وافق على هذه الصيغة، وعند التصويت وافق الجميع، عدا الولايات المتحدة، وسقط المشروع بحكم حق الاعتراض الذي تحتكره الدول دائمة العضوية، في إشارة لإصرار الولايات المتحدة على وجهة نظرها بالكامل، وعلى اعتبار أن المشروع يدعم روايات الصين حول نجاحها في مواجهة الفيروس. وقد حاولت ألمانيا وإستونيا (الرئيس الحالي للمجلس) تقديم مشروع بديل، يتفق مع سابقه في الوقف العام والفوري لإطلاق النار في الصراعات الدائرة، عدا مواجهة الإرهاب، لتسهيل جهود الإغاثة الإنسانية، ولا يذكر منظمة الصحة، وهو ما تعترض عليه الصين. وهكذا يهدد الاستقطاب الأميركي الصيني الجديد الجهود العالمية لمواجهة الجائحة، ناهيك عن الشك في مدى الالتزام بالقرار، لو كان قد صدر، على ضوء عربدة بعض القوى الإقليمية. وتزيح «الواقعية» الحالية الآمال في فاعلية حقيقية للجهود المشتركة لمواجهة خطر داهم يهدد البشرية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد