أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تأثيرات بالغة:

هل تتوقف طفرة النفط الصخري الأمريكية مع تدهور الأسعار؟

03 مايو، 2020


تتعرض صناعة النفط الصخري الأمريكي لمصاعب تشغيلية ومالية قوية بسبب تدني مستويات أسعار خام غرب تكساس الأمريكي في الفترة الأخيرة، الناجمة عن تدهور الطلب على الخام مع استمرار غلق النشاط الاقتصادي نتيجة تفشي فيروس كورونا. ومن المرجح أن تدفع التطورات الأخيرة العديد من منتجي النفط الصخري لخفض الإنتاج، أو الخروج من السوق نهائيًّا، ولا سيما ذوي الملاءة المالية الضعيفة، وبما سيقود بنهاية المطاف إلى خروج مليوني برميل يوميًّا من السوق حتى 2021، وهو أمر سيساهم بشكل غير مقصود في تقليص تخمة المعروض النفطي في العالم، واستعادة توازن سوق النفط في المستقبل القريب.

مستوى صادم:

لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع هبوط أسعار خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى نطاق سلبي في جلسة يوم 20 إبريل، وذلك عند مستوى سالب 37.6 دولارًا للبرميل، وذلك لأول مرة في التاريخ، الأمر الذي سبب صدمة واسعة داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية على حد سواء. وبالتأكيد، كان ذلك تحذيرًا بأن أسعار النفط تقع تحت ضغوط غير مسبوقة مع استمرار تفشي فيروس كورونا، بما سيبقيها عند مستويات متدنية لعدة شهور. 

وبمرور أسبوع من الجلسة التاريخية لسقوط الأسعار، لم يتمكن الخام الأمريكي من استرداد عافيته مجددًا، وظل يتحرك في نطاق أقل من 15 دولارًا، وهبطت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس في جلسة 28 إبريل 24.6% لتبلغ عند التسوية 12.78 دولارًا للبرميل. 

وحاليًّا، تبدو أساسيات سوق النفط ضعيفة للغاية، حيث انحدر الطلب العالمي على الخام بشكل غير مسبوق نتيجة إغلاق النشاط الاقتصادي، وتقييد حركة السفر مع تفشي فيروس كورونا. وفي شهر إبريل، من المحتمل أن ينخفض الطلب العالمي على النفط بنحو 29 مليون برميل يوميًّا بحسب الوكالة الدولية للطاقة، وهو مستوى لو استمر فلن تستوعبه تخفيضات تحالف "أوبك+" لمستويات الإنتاج البالغة 9.7 ملايين برميل يوميًّا.

وعلاوة على ما سبق، ففي ضوء تدهور الطلب العالمي على النفط، قاربت خزانات النفط البحرية والبرية في أنحاء العالم على الامتلاء قريبًا، وبحسب شركة "كبلر" لبيانات الطاقة، فإن طاقة التخزين البري في جميع أنحاء العالم بلغت 85% تقريبا حاليًّا.

كما كشفت بيانات شركة "فورتيكس" أن كمية المنتجات النفطية الرئيسية المحتفظ بها حاليًّا في مخزونات عائمة في أنحاء العالم زادت لأكثر من الضعفين في شهر مارس الماضي إلى نحو 68 مليون برميل. وبنهاية الأسابيع الأربعة أو الخمسة المقبلة، قد تمتلئ مواقع التخزين على آخرها بحسب التوقعات، مما قد يُجبر المنتجين على غلق حقول النفط.

مصاعب النفط الصخري:

لا شك أن المستويات المتدنية لأسعار النفط أحد التهديدات الحيوية لمنتجي النفط الصخري الأمريكي، فأغلب الشركات الأمريكية تعمل بربحية عند مستوى أسعار يتراوح بين 40-50 دولارًا للبرميل، وهناك أقل من 16 شركة أمريكية فقط تستطيع الصمود ماليًّا عند مستوى 35 دولارًا للبرميل أو أقل ومن بينها شركة "شيفرون". 

وبمقدور الشركات النفطية الكبرى، ذات السيولة العالية، التكيف مع تدني الأسعار من خلال ترشيد النفقات، سواء بتقليص النفقات الاستثمارية أو تسريح العمالة، بينما الطامة الكبرى بالنسبة للشركات الصغيرة ذات الملاءة المالية الضعيفة، فهي أكثر عرضة للإفلاس، خاصة أن الكثير منها لديه مستويات متراكمة من الديون، ومعظمها واجب السداد في العامين المقبلين. 

وعند مستوى 20 دولارًا للبرميل، هناك 533 شركة نفط عرضة للإفلاس في عامي 2020 و2021، بينما عند 10 دولارات للبرميل، سترتفع حالات إفلاس الشركات إلى 1167 حالة في نفس العامين، وذلك طبقًا لشركة ريستاد إنيرجي النرويجية. وليس بعيدًا عن التوقعات السابقة أن بدأ بالفعل عدد من شركات النفط الأمريكية -في شهر إبريل الجاري- في إشهار إفلاسها، ولعل أبرزها "وايتينيج بتروليوم" و"دايموند أوفشور للحفر".

شكل: حالات إفلاس شركات النفط الأمريكية طبقًا لسيناريوهات أسعار النفط (دولار للبرميل)


المصدر: ريستاد إنيرجي 

ويمكن أن يقدم الوضع الحالي فرصًا مغرية لكبار لاعبي سوق النفط في السوق الأمريكية، مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون"، بالاستحواذ على الشركات المتعثرة، لكن رغم ذلك فإنه حتى الشركات الكبرى في الصناعة ستتحاشى البحث عن فرص استثمارية أو إبرام صفقات في الوقت الراهن، وستحرص أكثر على الدفاع عن استقرارها المالي. 

وبحكم المعطيات الأخيرة، ليس هناك بُد أمام شركات النفط الأمريكية من خفض إنتاجها أو غلق الحقول نهائيًّا، مما سيقود إلى خفض تلقائي للإنتاج الأمريكي من النفط في الفترة المقبلة. ومنذ مارس الماضي، انخفض إنتاج الشركات الأمريكية بنحو 800 ألف برميل يوميًّا، ليصل في الأسبوع المنتهي -17 إبريل- إلى نحو 12.2 مليون برميل يوميًّا. 

وكان الإنتاج الأمريكي شهد نموًّا ملموسًا في الأشهر الماضية إلى أن وصل إلى ذروته في أواخر فبراير 2020 عند مستوى 13.1 مليون برميل يوميًّا، لكن يبدو أن التطورات الأخيرة ستوقف طفرة النفط الصخري الأمريكي التي كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يُعوّل عليها في تحقيق ما أسماه باستقلال الطاقة للولايات المتحدة.

ومن المرجّح أن يستمر تراجع إنتاج النفط الأمريكي في الأشهر المقبلة، فاقدًا -بحسب التقديرات الأولية- أكثر من مليوني برميل يوميًّا حتى 2021. إلا أنه إذا استمر غلق النشاط الاقتصادي، فإن وتيرة الانخفاض ستتضاعف بطبيعة الحال. وربما سيساهم ذلك بشكل غير مقصود في تقليص تخمة النفط العالمية، ويدعم استعادة توازن أسواق النفط في المستقبل القريب. 

فعالية الخيارات:

يبحث الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وإدارته بشتى الطرق مساندة صناعة النفط الصخري، التي يعتبرها "ترامب" عنصرًا رئيسيًّا لتحقيق مساعيهم نحو استقلال الطاقة للولايات المتحدة. وفي أوائل مارس، طرح "ترامب" فكرة ملء الخزانات الاستراتيجية للبلاد كأحد الخيارات القائمة لإنعاش الطلب على الخام الأمريكي.

 وبمقدور خزانات النفط الاستراتيجية استيعاب ما يصل إلى 77 مليون برميل إضافية من النفط، ولكنها كمية غير كافية بأية حال لتعويض انخفاض الطلب بالسوق الأمريكي. ولذلك، اقترح مسؤولو الإدارة الأمريكية بالأيام الأخيرة حلولًا أكثر واقعية، مثل: الاستحواذ على حصص بشركات النفط الأمريكية النفطية، أو تقديم قروض لها لإنقاذها ماليًّا.

وعلى الرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه الحلول السابقة -إذا ما نُفذت- في إنقاذ صناعة النفط الصخري قدر الإمكان من الانهيار المالي؛ إلا أنها لن تكون فاعلة بشكل كافٍ لحماية كافة الشركات طالما استمر تدهور الطلب المحلي مع إغلاق النشاط الاقتصادي. وعلى هذا النحو، ربما أول خطوة ستسارع الإدارة الأمريكية لاتخاذها هي إعادة فتح تدريجي للاقتصاد، ليس من أجل دعم صناعة النفط الصخري فقط، وإنما كافة الصناعات والأنشطة الخدمية.