أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

انعكاسات الأزمة:

لماذا تفاقم الخلاف مجدداً بين المؤسسات الرئيسية في إيران؟

19 أبريل، 2020


رغم أن التصعيد بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وكل من الحرس الثوري والسلطة القضائية وتيار المحافظين الأصوليين بشكل عام ليس جديداً، حيث أنه مثل عنواناً بارزاً في التفاعلات السياسية الإيرانية منذ وصوله إلى منصب الرئيس في عام 2013، إلا أن الجديد في الأمر هو توقيت تجدده مرة أخرى، حيث جاء في وقت كان من المتوقع فيه أن تتقلص مساحة الخلافات بين المؤسسات والقوى السياسية الرئيسية في الدولة على خلفية تفاقم تداعيات العقوبات الأمريكية وانتشار فيروس "كورونا". وهنا، يمكن القول إن ثمة دوافع عديدة كان لها دور في تجدد هذا التصعيد في هذا التوقيت تحديداً، يتعلق أبرزها بمحاولة الترويج للدور الذي يقوم به "الباسدران" في مكافحة الفيروس مقابل تهميش دور الحكومة، مع تحميلها المسئولية عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في الدولة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي وإعادة فرضها عقوبات عليها.

تصاعدت حدة التوتر مرة أخرى على الساحة السياسية الإيرانية بعد التقرير الذي أعدته هيئة الرقابة المالية وقرأ رئيس ديوان المحاسبة عادل آذر أبرز بنوده في جلسة علنية بمجلس الشورى في 14 إبريل الجاري. إذ أشار التقرير إلى أن 4.8 مليار دولار من الأموال التي كانت مخصصة لاستيراد السلع الأساسية من الخارج (31 مليار دولار) ما زالت مفقودة، وكشف أن أحد الأسباب التي يمكن أن تفسر ذلك يكمن في تخصيص هذا المبلغ بسعر حكومي منخفض لتجار لم يستوردوا أى شئ بل استحوذوا عليه، أو تجار قاموا باستيراد سلع أخرى مثل السيارات بدلاً من السلع الأساسية.

وهنا، كان لافتاً أن الرئيس روحاني حرص على الانخراط سريعاً في هذا الجدل، حيث اتهم هيئة الرقابة المالية باتباع "سياسة انتقائية"، في إشارة إلى تغاضيها عن مراقبة الحسابات المالية للحرس الثوري والسلطة القضائية والمؤسسات الثورية، التي تعمل في إطار هيئات خيرية اجتماعية وتخضع لإشراف المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة. 

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير اتساع نطاق الخلاف حول هذا الملف في هذا التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- اقتراب موعد الانتخابات: يقترب تدريجياً موعد الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في منتصف عام 2021، ويتوقع أن يسعى تيار المحافظون الأصوليين من خلالها إلى استعادة السيطرة على موقع الرئيس، بعد أن فقدوه على مدار ثماني أعوام تمثل فترتى الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي سبق أن فاز على بعض أبرز قياداتهم في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عامى 2013 و2017. 

وفي هذا السياق، يرى الرئيس روحاني، وتيار المعتدلين، أن الهدف الأساسي من تصعيد هذا الملف في هذا التوقيت يتمثل في تمهيد الأجواء أمام وصول مرشح تيار المحافظين الأصوليين إلى منصب الرئيس، مع تقليص القاعدة التي تدعم تيار المعتدلين بشكل عام، باعتبار أن السيطرة على هذا المنصب تعد استكمالاً لنجاح الأصوليين في الحصول على أغلبية مقاعد مجلس الشورى في الانتخابات التي أجريت في 21 فبراير الماضي، بعد أن تدخل مجلس صيانة الدستور، الذي ينتمي قياداته إلى هذا التيار، من أجل منع عدد كبير من مرشحي تيار المعتدلين من المنافسة فيها.

2- تهميش دور الحكومة: لا يمكن فصل هذا التصعيد عن الجدل حول الأداء العام للمؤسسات الرئيسية في الدولة في التعامل مع انتشار فيروس "كورونا"، حيث كان لافتاً أنه بالتوازي مع توجيه انتقادات مستمرة للإجراءات التي تتخذها الحكومة سواء في التعامل مع انتشار الفيروس أو مع العقوبات الأمريكية، تم شن حملة واسعة للترويج للأدوار التي تقوم بها المؤسسة العسكرية، ممثلة في الحرس الثوري والجيش، في مكافحة انتشار الفيروس، بل إن بعض وكالات الأنباء القريبة من "الباسدران" بدأت في الإشارة إلى أن بعض التنظيمات الموالية لإيران، مثل حركة "النجباء" العراقية، تشارك في جهود مكافحة الفيروس في محافظة قم تحديداً، في إطار توجه يتبناه الحرس الثوري ويقوم على استخدام رصيد إيران في الخارج سواء لتعزيز موقعها في مواجهة العقوبات الأمريكية أو لدعم قدرتها على احتواء تداعيات تمدد "كورونا" في الداخل. 

3- دعم القضاء لـ"الباسدران": يمثل التوتر سمة رئيسية للعلاقات بين السلطتين التنفيذية والقضائية، لاسيما مع وصول إبراهيم رئيسي المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والمقرب من المرشد علي خامنئي إلى منصب رئيس السلطة القضائية، حيث بدأ القضاء في تبني مواقف داعمة للإجراءات التي يقوم بها الحرس الثوري في مكافحة الفيروس، كما سارع رئيسي، فور الإعلان عن تقرير هيئة الرقابة المالية، إلى تشكيل لجنة للتحقيق في ما جاء به من اتهامات لبعض مسئولي الحكومة بارتكاب أخطاء عديدة فيما يتعلق بـ"إدارة العملات" أدت إلى فقدان هذا القدر الكبير من الدولارات. 

وقد كان لافتاً أن رئيسي حرص، في 26 مارس الفائت، على الإشادة بالأدوار التي يقوم بها الحرس الثوري والجيش في مواجهة "كورونا"، بالتوازي مع تعمده توجيه انتقادات للرئيس روحاني، بعد ذلك بأربعة أيام، حيث قال أنه "كان من الممكن أن يتم احتواء فيروس كورونا بسرعة أكبر لم تم اعتماد رأى خبراء وزارة الصحة بتطبيق التباعد الاجتماعي في وقت مبكر". 

4- تصعيد المحافظين: لم تقتصر الحملة التي تعرض لها الرئيس روحاني وحكومته على قيادات السلطة القضائية وإنما امتدت أيضاً إلى بعض كوادر تيار المحافظين الأصوليين، على غرار محمد باقر قاليباف رئيس التكتل الرئيسي للتيار الذي فاز بأغلبية مقاعد مجلس الشورى في دورته الجديدة ويتوقع أن ينافس على منصب رئيس البرلمان لاسيما بعد عزوف رئيس الدورة الحالية علي لاريجاني عن الترشح من الأساس في الانتخابات بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح اتجاهه إلى المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث قال قاليباف أن "الحكومة تفاقم الأزمات ثم تطلب المساعدة وتلقي اللوم على الآخرين"، وهو ما دفع الرئيس روحاني إلى الرد بدعوته "الذين سيصبحون مسئولين في غضون شهرين أو ثلاثة" في إشارة إلى احتمال وصول قاليباف إلى منصب رئيس البرلمان، إلى المشاركة في جهود مكافحة الفيروس.

من هنا، ربما يمكن القول إن الخلاف حول تقرير هيئة الرقابة المالية قد لا يكون الأخير خلال الفترة المتبقية من رئاسة روحاني، حيث يبدو أن تيار المحافظين الأصوليين سوف يسعى إلى استغلال الأوضاع الحالية، سواء ما يتعلق بتداعيات العقوبات أو بتأثيرات انتشار "كورونا"، من أجل تعزيز قدرته على الوصول إلى منصب الرئيس والعودة من جديد إلى مرحلة ما قبل عام 2013.