أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"ضغوطات انتخابية":

تصاعد الصراع بين الحرس الثوري وروحاني

01 سبتمبر، 2016


يبدو أن الفترة المقبلة التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في مايو 2017، سوف تشهد مزيدًا من التصعيد بين الحرس الثوري وحكومة الرئيس حسن روحاني، في ظل الخلافات التي تتسع تدريجيًا بين الطرفين، والتي بدا لافتًا أنها لم تعد تنحصر فقط في الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" ولم يلق تجاوبًا ملحوظًا من جانب الحرس الذي وجه انتقادات قوية ضده، وإنما امتدت أيضًا إلى ملفات أخرى داخلية مثل الملف الاقتصادي وخارجية على غرار الملف السوري.

لكن ذلك لا يعني أن الحرس اتخذ قرارًا بالتحرك من أجل منع روحاني من تجديد ولايته الرئاسية، لا سيما أن خريطة المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة لم تتضح بعد حتى الآن، فضلا عن أن المرشد خامنئي ما زال حريصًا على عدم فتح ملف الانتخابات في هذا التوقيت في ظل الضغوط التي تتعرض لها إيران على الساحتين الإقليمية والدولية، بسبب تطورات الملف السوري والعقبات التي ما زالت تحول دون حصول إيران على امتيازات نوعية من الوصول للاتفاق النووي.

أزمة الرواتب

سارع الحرس الثوري إلى استغلال أزمة "الرواتب الفلكية" لبعض رؤساء ومسئولي عدد من المؤسسات والبنوك الرئيسية في إيران، مثل بنك "ملت" (الأمة) وصندوق التنمية الوطنية، من أجل توجيه مزيد من الانتقادات لحكومة الرئيس حسن روحاني، حيث أشار قائد الحرس الجنرال محمد علي جعفري إلى أن الحرس سوف يكون له دور في حملة مكافحة الفساد التي تشنها السلطات الإيرانية وطالت بعض المسئولين المقربين من الرئيس حسن روحاني، وألمحت بعض وسائل الإعلام التابعة للحرس إلى وجود شبهات حول علاقة بعض مسئولي مكتب روحاني بقضية "الرواتب الخيالية"، على غرار شقيقه حسين فريدون.

ومن دون شك، فإن الحرس الثوري لا يسعى فقط من خلال دعم حملة مكافحة الفساد التي تشنها السلطات الإيرانية في الفترة الحالية، إلى إضعاف القاعدة الشعبية لحكومة الرئيس روحاني قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، وإنما يهدف أيضًا إلى صرف الأنظار بعيدًا عن تلميحات بعض الاتجاهات إلى أن المؤسسة العسكرية نفسها كانت دائمًا طرفًا رئيسيًا في قضايا فساد متعددة، في ظل نفوذها الاقتصادي الواسع الذي اكتسبته من فرض العقوبات الدولية على إيران بسبب أزمة ملفها النووي.

استدعاء الصدام

ربما يمكن القول إن الحرس يسعى إلى تبني السياسة نفسها التي تعامل بها مع الرئيس السابق أحمدي نجاد، واستطاع من خلالها منعه من تنفيذ مخططه الذي كان يعتمد على تصعيد مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي إلى رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية السابقة، وفقًا لـ"النموذج الروسي"، حيث تعمد الحرس في تلك الفترة التركيز على قضايا الفساد التي طالت العديد من الشخصيات المقربة من الرئيس أحمدي نجاد ومنهم مشائي ذاته، وذلك للإطاحة بالأخير من الانتخابات ومنع أحمدي نجاد من تنفيذ مخططه.

وبعبارة أخرى، فإن الحرس يبدو حريصًا في الفترة الحالية على الاستناد إلى الآلية نفسها التي تعامل بها مع الرئيس أحمدي نجاد وفريقه الرئاسي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك من أجل فرض ضغوط قوية على الرئيس الحالي حسن روحاني وتوجيه تهديدات ضمنية له بأن احتفاظه بمنصبه لفترة رئاسية جديدة ربما يكون احتمالا غير مضمون، في حالة ما إذا استمر في تبني السياسة نفسها، التي تعتمد على اتخاذ مزيد من الخطوات في اتجاه تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بصفة عامة، مع التلميح في الوقت ذاته إلى إمكانية إجراء تغيير في السياسة الإيرانية تجاه الملف السوري تحديدًا بشكل يمكن أن يساعد في الوصول إلى توافق مشترك مع واشنطن لا سيما فيما يتعلق بالتركيز على الحل السياسي للأزمة السورية.

استهداف ظريف

تصاعد مخاوف الحرس من إمكانية اتجاه حكومة روحاني إلى الضغط من أجل توسيع نطاق صلاحياتها في الملف السوري تحديدًا، يعود إلى ظهور تقارير عديدة عن حوارات ثنائية أجراها وزير الخارجية محمد جواد ظريف مع بعض المسئولين الغربيين خلال مشاركته في منتدى أوسلو في يونيو 2016، وأشار فيها إلى اتساع نفوذ حكومته في الملف السوري تحديدًا بعد الإطاحة بحسين امير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية السابق للشئون العربية والأفريقية الذي كان يتولى هذا الملف في الوزارة، والمقرب من الحرس الثوري ومؤسسة المرشد، وتعيين حسين جابري انصاري المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية في المنصب.

ومن هنا ربما يمكن تفسير تصاعد حدة الانتقادات التي توجهها بعض وسائل الإعلام القريبة من الحرس لوزير الخارجية جواد ظريف، حيث أشارت إلى أن وجوده لفترة طويلة في نيويورك خاصة خلال فترة توليه منصب مندوب إيران في الأمم المتحدة أثرا على توجهاته السياسية وانعكس في أداء وزارته مع الملفات الخارجية المختلفة، وعلى رأسها الملفين النووي والسوري، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي رؤية اتجاهات عديدة داخل تيار المحافظين الأصوليين، فإن ظريف يعد أحد أعضاء الفريق الذي ينادي بعدم التعويل على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد طويلا في الحكم، باعتبار أن التطورات السياسية والميدانية في سوريا على المدي الطويل قد تفرض تغييرات عديدة في معادلة الصراع بشكل يمكن أن لا يتوافق مع مصالح إيران في حالة ما إذا أصرت على الالتزام بالخطوط العريضة لسياستها الحالية وفي مقدمتها الإصرار على التمسك ببقاء الأسد في السلطة.

وقد كان لافتًا أن الانتقادات التي ما زالت توجهها وسائل الإعلام وبعض الشخصيات التابعة لتيار المحافظين الأصوليين لظريف تزامنت مع حملة التشكيك التي تقوم بها ضد بعض أعضاء فريق التفاوض النووي الذي قاده ظريف، حيث وجهت اتهامات عديدة إلى عبد الرسول دري اصفهاني عضو وفد التفاوض الذي كان مسئولا عن الجانب البنكي والمصرفي في المفاوضات بالتجسس لصالح بريطانيا، والعمل على دعم جهود الدول الغربية لاختراق المجتمع الإيراني، وهى حملة يبدو أنها سوف تتصاعد خلال المرحلة القادمة، على ضوء اتساع نطاق الخلافات بين الحرس الثوري وحكومة روحاني.

سقف واضح

مع ذلك، لا يمكن القول إن العلاقة بين الحرس والرئيس حسن روحاني وصلت إلى طريق مسدود، إذ كان لافتا أن الحرس حريص حتى الآن على عدم إعلان دعمه لأي من المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية القادمة. ورغم أن ذلك لا يمثل سمة جديدة للصراعات السياسية داخل إيران، حيث لم تعتد المؤسسات النافذة على إعلان مواقفها بشكل مبكر، لا سيما أن الانتخابات سوف تجرى بعد حوالي 9 أشهر، إلا أنه ربما يشير إلى أن الحرس لم يقرر بعد تأييد أي من منافسي الرئيس روحاني.

كما كان لافتًا أن روحاني نفسه بدا حريصًا على عدم الدخول في صدام حاد مع الحرس، لا سيما بعد الوصول للاتفاق النووي، حيث لم يجدد دعوته التي أعلنها بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2013 لإبعاد الحرس عن الشئون السياسية، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن روحاني يسعى إلى تعزيز قدرته على الاحتفاظ بمنصبه لفترة رئاسية جديدة، وعدم تغيير القاعدة التي اعتادت عليها إيران منذ حوالي ثلاثة عقود والتي تعتمد على تولى رئيس الجمهورية منصبه لفترتين رئاسيتين، من خلال عدم الدخول في صدام حاد مع خصومه، خاصة في ظل سيطرتهم على رئاسة كثير من المؤسسات النافذة في الدولة، على غرار مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى والحرس الثوري.

ومن هنا حرص روحاني على توجيه رسائل عديدة بأنه لن يقف أمام حملة مكافحة الفساد التي طالت مقربين منه. كما أنه يبدو حذرًا من ردود فعل المرشد الأعلى للجمهورية تجاه قراراته، حيث يدرك جيدًا أن موقف المرشد سوف يكون متغيرًا رئيسيًا في تحديد فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة.

ومن دون شك، فإن هذا الحذر سوف يستمر خلال الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن خامنئي يتعمد دومًا عدم التدخل في الصراعات السياسية التي تسبق الانتخابات الرئاسية، إلا في حالات استثنائية، ربما انتظارًا لتطورات، داخلية أو خارجية، قد تحسم توازنات القوى لصالح أي من المرشحين المحتملين للانتخابات.

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا