أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

رسائل هوليود:

الدلالات السياسية لحفل جوائز الأوسكار 2020

16 فبراير، 2020


هيمنت القضايا السياسية على فعاليات حفل توزيع جوائز الأوسكار 2020، حيث عكست كلمات المشاركين والأفلام المرشحة للفوز بجوائز مضامين سياسية متعددة، ترتبط بقضايا: التعصب، وثقافة الكراهية، والتمييز ضد المرأة والأقليات، وعدم المساواة المجتمعية، وهو ما أضحى أحد الأركان الثابتة التي تُميِّز هذه الفعالية السنوية التي تجتذب متابعة الملايين حول العالم.

انتقادات هوليود:

كثيرًا ما يدور سجال في الأكاديميا وفي المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها حول تعريف السياسة، ومتى يجب أن نربط بين ظاهرة بعينها وبين السياسة، ومتى يجب أن نمنع أنفسنا عن هذا الربط. فعلى سبيل المثال، ترفض أغلب الساحات العملية والترفيهية والرياضية أن يتم الربط بينها وبين أي موضوع يحمل طابعًا سياسيًّا، ولكن على النقيض من ذلك فإن السينما لا تخضع لكل هذا القدر من الحساسية والخوف من الوصم بصفة السياسي، ولذا فإن موسم الجوائز السينمائية في هوليود يعد فرصة هامة لمراجعة ما قدمته هوليود من رسائل سياسية خلال العام المنصرم، بالإضافة إلى أن حفلات توزيع الجوائز لا تخلو من لمساتها السياسية، خاصة حفل توزيع جوائز الأوسكار.

وكما هو متوقع فقد شهد حفل هذا العام إلقاء الفائزين بجوائز الأوسكار خطابات تحمل طابعًا سياسيًّا، وذلك ابتداءً بــ"خواكين فينيكس" الفائز بجائزة أفضل ممثل رئيسي، والذي أعلن رفضه التام لكل أشكال التمييز والاستغلال، سواء كان هذا التمييز يتم ممارسته ضد البشر وبعضهم بعضًا أو ضد البيئة والكائنات الحية الأخرى، وصولًا إلى "براد بيت" الحاصل على جائزة أفضل ممثل مساعد الذي عبّر عن استيائه من واقعة رفض مجلس الشيوخ الأمريكي استدعاء شهود خلال محاكمة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" خلال مطلع هذا الشهر بقوله: "لقد أخبروني أني أمتلك 45 ثانية فقط لإلقاء خطابي، وهي مدة أطول بخمسة وأربعين ثانية من الوقت الذي تم منحه لجيمس بولتن".

وقد تخلل الحفل أيضًا بعض الكلمات التي تناصر الأقليات من السكان الأصليين والطبقات العاملة، بالإضافة إلى النساء؛ حيث ظهر عدد من التعليقات التي تنتقد حصر ترشيحات جائزة أفضل فيلم على المخرجين الذكور، وذلك في ظل استمرار تجاهل الأكاديمية للمخرجات النساء على غرار جائزة الجولدن جلوب.

الرسائل السياسية:

على صعيد آخر، تناولت العديد من الأفلام المرشَّحة للأوسكار قضايا ذات طابع سياسي تحاكي بدورها متغيرات الحقبة التي نعيش فيها حاليًّا، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 

1- تبرير السلوك الإجرامي: عالج كلٌّ من فيلمي "الجوكر" و"طفيلي" (Parasite) ظاهرة الفقر التي انتشرت في المجتمعات الرأسمالية، وما يترتب عليها من صراعات داخلية بين مكونات المجتمع المختلفة، مما يؤدي لانتشار السلوك الإجرامي باعتباره يمثل ضرورة للبقاء. ولكن من الإنصاف القول إن المخرج "بونج جون هو" نجح في إظهار الفيلم بصورة الراصد والمعالج لظاهرة متفشية في المجتمع على خلاف المخرج "تود فيلبس" الذي تعرض فيلمه لعدد من الانتقادات والإجراءات الاحترازية أثناء عرضه في دور السينما خوفًا من تداعياته على الجمهور، باعتباره يبرر السلوك الإجرامي إلى درجة التطبيع (Normalization of the criminal mindset).


2- النوستالجيا ودروس الماضي: اعتمد عدد من الأفلام مثل فيلم "جودي" (Judy) و"الأيرلندي" The Irish man، على استعادة بعض الأحداث التاريخية التي شهدها النظام السياسي الأمريكي والمجتمع الدولي للكشف عن تأثيرها على الأحداث الحالية في العالم، والمطالبة بإعادة قراءة التاريخ من منظور مختلف لنبذ الممارسات الخاطئة التي يُعاد توطينها في الدول الحديثة بواسطة النظم القومية المتشددة والإعلام المضلل.


3- الأسرة أولًا: تبنّت الأفلام الموجودة في قائمة الترشيحات هذا العام نهجًا واقعيًّا بعيدًا كل البعد عن المثالية في عرضه لقضايا النوع الاجتماعي، مثل فيلم: "نساء صغيرات" (Little Women)، و"قصة زواج" (Marriage story)، وهو الفيلم الذي تميز بواقعيته ومناقشته للتحديات التي تواجه الترابط الأسري، والتي يأتي في مقدمتها غياب التواصل الفعال في عصر تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال.

4- مناصرة الفئات المهمّشة: كان لأفلام الأنيميشين المرشحة هذا العام دور في الدفاع عن قضايا الأقليات واحترام الاختلاف والتنوع داخل الأقليات، ففيلم Hair Love، الذي حقق جائزة أفضل فيلم أنيميشين قصير، تمكن من عرض جانب هام من حياة الأفراد الذين يمتلكون شعرًا إفريقي والتمييز الذي يتعرضون له بسبب مظهرهم الخارجي، ومخالفتهم معايير ومقاييس الموضة العالمية التي تتحيز بشكل كبير للجمال الأوروبي.

5- إصلاح البيت من الداخل: ما يميز فيلم "ذات مرة في هوليود" (once upon a time in Hollywood) ليس فقط وجود ممثلين من عمالقة هوليود يؤدون الأدوار الرئيسية بالفيلم، وإنما أيضًا محاكاته لأهم المشاكل والقضايا التي ترتبط بصناعة السينما بشكل عام وصناعة السينما في هوليود بشكل خاص، حيث أشار للحاجة إلى "الوساطة" لأداء الأدوار، وضعف النصوص التي تقدم للممثلين، بالإضافة إلى ارتباط السينما بعالم الجريمة، حيث عَرَضَ الفيلم جزءًا من حياة الممثلة "شارون تيت" التي تعرضت للقتل هي وتسعة آخرون على يد أعضاء من جماعة مانسون فاميلي، التي كان لقائدها "تشارلز مانسون" علاقات وطيدة بعددٍ من أبرز المغنين والعاملين في هوليود. 

6- شبكات الفساد والجريمة: ركزت الأفلام أيضًا على أسلوب سياسي يعتمد عليه المتورطون في شبكات الفساد والجريمة من أجل التأثير على النظم السياسية وضمان تحقيق أهدافهم. وتركن هذه الجماعات إلى نمطين من السلوك من أجل البقاء وتحقيق الذات: الحيلة والتلاعب بقوانين النظم والمجتمعات، أو محاولة التعاون مع الأنظمة القائمة للقيام بأعمالهم، وهو ما تناوله فيلم "الأيرلندي" (The Irish man) و(Uncut Gems).

7- تفاهة الشر: تعرضت "حنا أرندت" لعدة انتقادات بعد طرحها هذا المفهوم، حيث أشارت إلى أن "أيخمان" الذي كانت تجري محاكمته في القدس كان يهدف للترقي ونيل رضا رؤسائه، حيث ذكرت: "لم يدرك أيخمان أبدًا أفعاله نتيجةً لعدم قدرته على التفكير من منظور شخص آخر، وبسبب افتقاره لهذه القدرة المعرفية الخاصة، فإنه ارتكب جرائم في ظروف استحالت عليه في أعقابها أن يعرف أو يشعر بأنه كان يقوم بفعل شرير"، ويبدو أنه نفس المنظور الذي تبنّاه فيلم "جوجو رابيت" (Jojo Rabbit) الذي يسعى لتصوير النازيين على أنهم حفنة من الأشخاص غير الواعين وغير الناضجين، وأن الأيديولوجيا النازية سطحية وليست عميقة، وقد تعرّض هذا الفيلم لبعض الانتقادات بسبب عرضه لهتلر والنازيين بشكل كوميدي مما قد يدفع البعض للتعاطف معهم.


ختامًا، تكشف خريطة "أوسكار 2020" عن عدم قدرة أكاديمية السينما الأمريكية على الفصل بين السياسة والسينما، إذ ظلت السياسة مهيمنة بشكل ضمني على ترشيحات الأفلام وكلمات المشاركين في الحفل.