أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

التعبئة المحلية:

متى تنجح اقتصادات الدول في تقليص المساعدات الخارجية؟

17 يوليو، 2019


عرض: فردوس محمد - باحثة اقتصادية

ترتبط التنمية داخل الدولة بمدى قدرتها على تعبئة مواردها المحلية، التي تُشير إلى مجموعة الموارد المالية التي يمكن أن تستخدمها الحكومات محليًّا لتمويل عملياتها، بما في ذلك الضرائب والإيرادات الأخرى، والاقتراض من أسواق رأس المال المحلية. وتشمل عملية تعبئة الموارد المحلية، توسيع القواعد الضريبية، وتقليل التهرب الضريبي، وإيجاد مصادر جديدة للدخل من خلال استغلال ثرواتها من الموارد الطبيعية، وتمويل الديون المحلية، والإيداع الإلكتروني. 

وفي الوقت الراهن، تواجه العديد من الدول تحديات تتعلق بسياستها الضريبية؛ تشمل: الامتثال الضريبي المنخفض، ومستويات مرتفعة من الاقتصاد غير الرسمي، وعدم تكافؤ تدفقات الإيرادات، والفساد. ويمكن لإصلاحات منظومة تعبئة الموارد المحلية زيادة الموارد المتاحة على المستوى الوطني، وتعزيز ملكية الدولة لأولويات التنمية، وتعزيز الحكم الرشيد. 

وفي هذا الصدد، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في أبريل الماضي تقريرًا ضمن مشروعه "الازدهار والتنمية" الذي يرأسه "دانيل روندي" بعنوان "إعادة النظر في الضرائب والتنمية: دمج اعتبارات الاقتصاد السياسي في استراتيجيات تعبئة الموارد المحلية". وفيه يحاول كل من "كريستوفر ميتزجر" و"كونور سافوي" و"إرول يايبوكي" تحديد كيفية دمج السياسة في استراتيجيات تعبئة الموارد المحلية، وكيفية تحسين التحصيل والإنفاق بشكل أكثر كفاءة. ويدرس التقرير حالة أوغندا وليبيريا في تعبئة مواردهما المحلية. 

اهتمام متزايد

في بداية التقرير أشار الباحثون إلى أن استراتيجية تعبئة الموارد المحلية أضحت مكونًا رئيسيًّا في العديد من مؤتمرات التنمية الدولية على مدار العقد الماضي، حيث سعى المؤتمر الدولي الأول لتمويل التنمية المنعقد في مونتيري بالمكسيك في عام 2002، إلى معالجة القضايا المتعلقة بتمويل التنمية. كما أبرز الحاجة إلى قيام الدول النامية بتعبئة مواردها المحلية. وبالمثل، لفت الاجتماع الثاني رفيع المستوى للشراكة العالمية من أجل التعاون الإنمائي الفعال، الانتباه إلى أهمية تهيئة بيئة مواتية وسياسات اقتصادية كلية سليمة لتعزيز تعبئة الموارد المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، التزمت الدول الشريكة بتعبئة مواردها المحلية وتعزيز قدرات الإدارة المالية في إعلان باريس لعام 2005 بشأن فعالية المعونة وزيادة ملكية الدولة لمشروعات تعبئة الموارد المحلية في برنامج عمل أكرا لعام 2008.

وتحدث التقرير عن أنه تم تعزيز هذه الجهود في المؤتمر الثاني لتمويل التنمية المنعقد في الدوحة في عام 2008. وقد تم تسريعها كجزء من المؤتمر الثالث المنعقد في أديس أبابا في عام 2015. وقد أصدر المؤتمر ما يسمى بخطة عمل أديس أبابا، وهو إطار استراتيجي أقر بأن تمويل التنمية متغير، وسوف يتطلب تريليونات -وليس مليارات- الدولارات لمواجهة تحديات التنمية العالمية. 

وذكر الباحثون في تقريرهم أن دراسات الحالة الناجحة تُظهر أن إصلاحات تعبئة الموارد المحلية يمكن أن تزيد نسب الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي، ودعم تحرير التجارة، وزيادة التمويل من أجل التنمية، وبناء القدرات المحلية، والاستدامة، والرصد والتقييم. ويُضيفون أن الاتحاد الإفريقي قد أبرز الحاجة إلى تعزيز تعبئة الموارد المحلية من أجل بناء أسواق رأس المال، والحد من الاعتماد على المعونة الخارجية، وتعزيز المدخرات المحلية في جدول أعماله لعام 2063. ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن الفساد والقاعدة المحدودة للضرائب، وضعف القدرات المؤسسية؛ تعد حواجز مهمة أمام إصلاح النظام الضريبي. لذا، يجب أن يصاحب إصلاح تعبئة الموارد المحلية إدارة قوية للنفقات العامة من أجل ضمان إنفاق الموارد المالية بكفاءة وشفافية. وتحتاج جميع هذه الإصلاحات أيضًا إلى مراعاة ظروف الاقتصاد السياسي اللازمة لإصلاحات تعبئة الموارد المحلية.

دمج السياسة

أشار الباحثون في تقريرهم إلى أن تحسين الدول النامية لأنظمة تعبئة الموارد المحلية يعد خطوة هامة على طريق الاعتماد على الذات، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. فالدولة التي يمكنها زيادة إيراداتها الخاصة، واستخدام هذه الأموال من أجل الإنفاق بكفاءة على السلع العامة (التعليم، والصحة، والبنية التحتية)، ستستطيع أن تعزز الروابط المجتمعية القائمة بين الحكومة ومواطنيها. 

ويؤكد التقرير أن دمج جوانب الاقتصاد السياسي في تعبئة الموارد المحلية يساعد وكالات التنمية في تحديد المستوى المناسب من الإصلاحات ونقاط الدخول المناسبة. وفي البيئات التي لا توجد بها إرادة سياسية للتغيير الانتقالي، تتيح عدسة الاقتصاد السياسي للفرد أن ينظر في إصلاحات تعبئة الموارد المحلية المُمكِنة. ويمكن أن تبدأ تلك الجهود بالإصلاحات الإدارية، وبناء المؤسسات، وتعزيز إنفاذ السياسات القائمة. حتى في حالة غياب الإرادة السياسية، يجب أن تحدث إصلاحات تعبئة الموارد المحلية لبناء أسس تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق إذا ظهرت نافذة سياسية من الفرص. 

تحسين التحصيل والإنفاق

أشار التقرير إلى أن العديد من برامج إصلاح تعبئة الموارد المحلية ركزت على زيادة إيرادات الضرائب، ولم تكرس اهتمامًا كافيًا لمساعدة الدول على إنفاق أموالها الضريبية بشكل أكثر فعالية، على الرغم من ارتباط جوانب التعبئة والإنفاق ارتباطًا وثيقًا. ويتطلب كلاهما مستويات متشابهة من الإرادة السياسية. لذا، هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية في عمليات تحصيل الضرائب في الدول النامية. 

وأوضح التقرير أنه في معظم الدول النامية، تمثل ضريبة القيمة المضافة أو الضريبة على السلع والخدمات أكبر قدر من الإيرادات المُحصَّلة. ولا تمثل ضرائب الدخل الشخصي سوى حوالي 1% - 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية. بينما تبلغ النسبة في الدول المتقدمة حوالي 9%-11% من إجمالي الناتج المحلي. وفي المقابل، شكلت ضرائب دخل الشركات حوالي 17% من إيرادات الضرائب في الدول النامية و10% فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في حين تمثل الضرائب العقارية 6,7% من إجمالي إيراداتها مقارنةً بـ2,4% في الدول النامية. 

وبناءً على ذلك، يجب أن يكون تحليل الإنفاق والطريقة التي من خلالها يمكن للدول تعظيم التأثير جزءًا من برمجة تعبئة الموارد المحلية، حيث تنفق الدول إيرادات الضرائب عادةً على الرواتب الحكومية والتعليم والرعاية الصحية والإعانات الزراعية وشبكات الأمان الاجتماعي. ومع ذلك، فإن إضافة الشفافية إلى الإنفاق الحكومي أمر مهم. ولذا، ينبغي أن تكون الحكومات في الدول النامية أكثر شفافية بشأن كيفية تحديد ميزانيات الإنفاق الحكومي وكيفية إعداد تقديرات الإيرادات الضريبية. 

أوغندا.. الحالة التحذيرية

يشير التقرير إلى أن الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" سعى إلى استخدام الضرائب من أجل استهداف شرائح معينة، مثل "ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي" التي تستهدف مستخدمي 58 خدمة من خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الواتساب والفيسبوك وتويتر وأوبر وإنستجرام وغيرها. وتُفرَض ضريبة بقيمة 0,05 دولار يوميًّا على المستخدمين من أجل الوصول إلى حساباتهم. وقد برر "موسيفيني" الضرائب كوسيلة لإنهاء "الشائعات" و"الأخبار المزيفة"، ووصف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "ترف". 

وإلى جانب ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي، فرضت الحكومة أيضًا ضريبة نسبتها 1% على جميع معاملات الأموال عبر الهاتف المحمول. وقد أثارت تلك الضرائب التي لم تحظ بشعبية مظاهرات في كمبالا في يوليو 2018. وفي النهاية، تمت إعادة ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي إلى البرلمان لمراجعتها، لكنها لا تزال سارية. كما تم تعديل ضريبة الأموال على الهواتف المحمولة إلى 0,5% على المعاملات. وادعى "موسيفيني" في وقت لاحق أنه لم يسبق له أن طالب بفرض ضريبة قدرها 1% لكن البرلمان "يسيء تفسير" ما يريد.

ويذكر الباحثون أنه حتى وقت قريب، كان لدى أوغندا نظام إيرادات جيدًا نسبيًا، حيث يُنظَر إلى هيئة الإيرادات الأوغندية كمثال على أنها مؤسسة حكومية محترفة وغير فاسدة نسبيًّا، حيث أُنشئت في عام 1991 لإضفاء الطابع الاحترافي على الجهود الشاملة لتحصيل الضرائب وتحسينها. وقد ساعد ذلك في رفع نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدولة إلى حوالي 12,5% بحلول أوائل عام 2000، ولكن ظلت هذه النسبة ضعيفة، ولكنها وصلت الآن إلى 14,7%. ويتفق معظم الخبراء على أنه إذا عالجت أوغندا الإعفاءات الحالية، وأغلقت بعض الثغرات، فقد ترتفع إلى 20%.

ويضيف الباحثون أنه على الرغم من الجهود الحالية، هناك تحديات سياسية واقتصادية متأصلة في أوغندا تمنع برامج وجهود تعبئة الموارد المحلية من النجاح. وفي الوقت الراهن يركز المانحون طاقاتهم على برامج المساعدة الفنية للمشاركة في بناء قدرات هيئة الإيرادات الأوغندية ووزارة المالية. ومع أن هذه المشروعات يمكن أن تساعد في مواجهة العديد من هذه التحديات، لكن بدون بذل جهود مستمرة تهدف إلى معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية على وجه التحديد، فمن غير المرجح أن يحقق دعم المانحين نتائج دائمة. 

ليبيريا.. "نافذة الفرص"

أوضح التقرير أن دولة ليبيريا عانت العديد من الصدمات. فبعد عقود طويلة من الحرب الأهلية المستمرة، تعرضت لأزمة الإيبولا في عام 2014. ونتيجة لذلك، ركزت الدولة في عهد الرئيسة "إلين جونسون سيرليف" بشكل أساسي على الاستقرار والسلام. ويشير التقرير إلى أن اقتصاد الدولة بعد تقلصه خلال عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦ فإنه تحسن مرة أخرى في العام التالي (2017) بارتفاع نسبته 2,45%. كما انخفض صافي المساعدة الإنمائية الرسمية المُقدَّمة إلى ليبيريا بمقدار 279,4 مليون دولار من عام 2015 إلى عام 2016. لذا، سوف يتعين عليها معالجة بعض التحديات الأساسية من أجل أن تصبح أكثر اكتفاء ذاتيًّا وأقل اعتمادًا على المساعدات الأجنبية.

وفي هذا السياق، يدعو التقرير إلى ضرورة أن تتطلع ليبيريا إلى توسيع قاعدتها الضريبية، والحد من التهرب الضريبي، وزيادة عدد دافعي الضرائب، وأن تتطلع هيئة الإيرادات الليبيرية إلى إزالة الامتيازات أو التنازلات للأفراد أو الشركات. ويرى الباحثون أن هناك طريقة أخرى لزيادة القاعدة الضريبية تتمثل في تعزيز الضرائب غير المباشرة التي تستهدف منتجات معينة، مثل التبغ. كما أن تطبيق قواعد تسعير التحويل والانتقال إلى ضريبة القيمة المضافة من شأنه أن يولد المزيد من الإيرادات لليبيريا.

وفي الختام، يرى الباحثون أنه يجب على القادة المحليين الذين دافعوا عن دعم المانحين لتعبئة الموارد المحلية أن يلتزموا في النهاية بتمويل خطط التنمية الخاصة بهم. كما يمكن تحقيق الكثير من خلال البرامج الفنية لتعبئة الموارد المحلية، لكن إذا لم تعالج الدول والوكالات المانحة المشكلات الاقتصادية والسياسية، فلن تنجح الدول النامية في الاعتماد على ذاتها.

المصدر: 

Christopher Metzger, Conor Savoy and Erol Yayboke, “Rethinking Taxes and Development: Incorporating Political Economy Considerations in DRM Strategies”, Center for Strategic and International Studies, April 2019.