أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"بناء العلامة الإرهابية":

نظرة غربية على مراحل الدورة الإعلامية داخل "داعش"

20 يونيو، 2019


عرض: إسراء أحمد إسماعيل - خبير في الدراسات السياسية والأمنية

اعتمد تنظيم "داعش" على استراتيجية تميزت بالبراجماتية، قامت على المزج بين مختلف الأدوات العسكرية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا ما ميّزه عن غيره من التنظيمات الإرهابية. وكان من أبرز أدواته القنوات الدعائية والإعلامية عبر الإنترنت، الأمر الذي مكّنه من استقطاب أعداد كبيرة من الشباب، ودفع دول العالم المختلفة في سعيها لمكافحة الإرهاب إلى محاولة استكشاف كيفية عمل المنصات الإعلامية للتنظيم، التي تميزت بالقدرة على بث ونشر المواد الإعلامية المتطرفة بجودة ودقة عاليتين.

وفي هذا الإطار، أصدر مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت تقريرًا في شهر يونيو الجاري بعنوان: "من جبهة القتال إلى الفضاء السيبراني: إزالة الغموض عن آلة دعاية الدولة الإسلامية"، أعده الباحثان "أسعد المحمد" و"تشارلي وينتر"، اللذان حاولا إلقاء الضوء على دورة العمل الإعلامي لتنظيم "داعش"، وتعقيداته الهيكلية، عبر تحليل مجموعة من السجلات والمقابلات الصوتية والمرئية التي تم جمعها في شرق سوريا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 قبل انهيار التنظيم. كما اعتمد المؤلفان على تقرير "دانيل ميلتون" المعنون "سحب الستائر: نظرة من الداخل على المنظمات الإعلامية للدولة الإسلامية" والذي صدر العام الماضي عن مركز مكافحة الإرهاب، والذي ساهم في الكشف عن بعض الإجراءات الداخلية للتنظيم.

التسلسل الهرمي الإداري

تناول التقرير النشاط الإعلامي لتنظيم "داعش" من منظورين، هما: الأمني، والفني الخاص بعملية الإعداد أو الإنتاج الإعلامي للتنظيم. وأوضح المؤلفان أن الهيكل الإداري الخاص بعمليات الإعداد الفني والتوزيع الإعلامي للتنظيم في شرق سوريا في عام 2018 تضمّن: مجلس الإعلام، واللجنة القضائية للإعلام، ومكتب الأمن الإعلامي، والوكالات والمكاتب الإعلامية (المنصات الإعلامية)، وبنك المعلومات.

أولًا- مجلس الإعلام: تأتي هذه الهيئة في قمة التسلسل الهرمي المعلوماتي لتنظيم "داعش"، وهي محاطة بسرية تامة، وكانت تُعد المكتب الإداري الأقدم في ديوان الإعلام المركزي. وأكد التقرير أن المجلس قد كُلِّف بالتمثيل والتحدث نيابة عن ديوان الإعلام. واعتبارًا من عام 2018، كان المجلس يتألف من سبعة أعضاء و"أمير"، مارسوا الإشراف على اللجنة القضائية للإعلام، وجميع الوكالات الإعلامية وبنك المعلومات. كما تم تكليفه بمراقبة جميع المخرجات الرسمية. مما يعني أنه كان له القول الفصل فيما يمكن نشره من مواد إعلامية داخليًّا وخارجيًّا.

ثانيًا- اللجنة القضائية للإعلام: وهي لجنة تابعة مباشرةً لمجلس الإعلام، وعلى المستوى التكتيكي كانت مكلفة بتحديد موضوعات المخرجات الإعلامية وتواريخ إصدارها، بالإضافة إلى طبيعتها، سواء تم نشرها كصور أو مقاطع فيديو أو نصوص أو مقطوعات صوتية. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تولت مهمة بلورة "الهدف العام" و"الفكرة الأيديولوجية" و"المبرر" لإنتاج المواد الإعلامية المختلفة. وتشكلت من ثمانية أعضاء، وأشرفت على جميع الوكالات الإعلامية، والأنشطة المتعلقة بالإعلام في بنك المعلومات.

ثالثًا- مكتب الأمن الإعلامي: تضمنت مهمته ضمان تنفيذ التعليمات الصادرة من قيادة التنظيم، وذلك بالتنسيق مع ديوان الأمن العام الذي قام من خلاله بمراقبة اتصالات النخبة، وتأمين قادة التنظيم من الاستهداف. وبهذه الطريقة تواصل مكتب الأمن الإعلامي عن كثب مع كلٍّ من السلطات الإدارية (أي لجنة القضاء الإعلامي والوكالات الإعلامية وبنك المعلومات)، والوحدات التشغيلية (أي المصورون وفرق النشر الداخلية والخارجية وفرق التحرير). كما تمثلت وظيفته في ضمان مشاركة جميع البيانات بشكل آمن.

رابعًا- المكاتب الإعلامية (الوكالات أو المنصات الإعلامية): تعمل بإشراف مباشر من اللجنة القضائية للإعلام ومكتب الأمن الإعلامي، وإشراف غير مباشر من مجلس الإعلام. وتم تنظيم شبكة للوكالات الإعلامية لتنظيم "داعش" في شرق سوريا وفقًا لمجموعة من المبادئ التوجيهية الصارمة، برئاسة أمير واحد، ولكل أمير فريق أمني وطاقم إداري، إلى جانب الفنيين من العاملين الميدانيين والمحررين، والوحدات الرقمية التقنية.

خامسًا- بنك المعلومات: وهو هيئة شديدة السرية، تقدم تقاريرها مباشرة إلى اللجنة القضائية للإعلام، تحت إشراف ديوان الأمن العام ومجلس الإعلام، وكان لديها ما لا يقل عن تسعة موظفين دائمين ومدير. وتمثلت مهامها في تخزين البيانات الخاصة بالتنظيم، وإدارة واسترجاع المعلومات والبيانات المتعلقة بالعمليات التنظيمية. ولذا فإن القائمين على البنك كانوا على اتصال يومي مع مختلف الهيئات داخل التنظيم، وقد ركز البنك على أمرين: المصادقة، والتخزين. وقد تضمن الأمر الأول العمل على تلقي المحتوى الإعلامي في صورته الأولية، وتقييم مصداقيته وجودته قبل تقديمه للوكالات الإعلامية. وتضمّن الأمر الثاني العمل على تخزين محفوظات تتعلق بإدارات أو دواوين التنظيم، مثل: ديوان الحسبة والتعليم، إضافة إلى القيام بأرشفة المستندات القديمة.

ثلاث مراحل

وأوضح التقرير أن العمليات الإعلامية اليومية تضمنت ثلاث مراحل، هي على النحو التالي:

المرحلة الأولى- عملية الجمع: عندما ينتهي فريق الإعداد الفني من تغطية حدث ما، يتم نقل المواد الإعلامية الأولية أو الخام التي تم جمعها مباشرة إلى مسئول الأمن، الذي يقوم بدوره بنقلها إلى بنك المعلومات باستخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية HughesNet. 

المرحلة الثانية- التقييم: يطلب مسئولو بنك المعلومات أربعة تفاصيل أساسية من فرق عملية الإعداد الفني، هي: موقع المرسل ومصدر البيانات المنقولة عبر الإنترنت، والمبادئ التوجيهية الصادرة عن اللجنة القضائية الإعلامية فيما يتعلق بالحدث الإعلامي المعني، وأسماء وتفاصيل الأشخاص الذين جمعوا البيانات ونقلوها، وأخيرًا اسم الوكالة الإعلامية التي سيتم من خلالها نشر المنتج النهائي. وعند الاستلام يتم فحص المنتج الفني وتطهيره من المعلومات الحساسة التي قد تكشف عن هويات القادة أو مواقع القواعد، ثم يقوم البنك بعد ذلك بتخزين نسختين: النسخة الأولى سرية وآمنة وربما مشفرة من المادة الإعلامية الأصلية، والثانية نسخة منقحة والتي يتم تقييمها وفهرستها، وتم تفويض البنك برفض المواد الإعلامية التي لا تفي بمعايير الإنتاج الدنيا التي وضعتها اللجنة القضائية للإعلام. 

وبعد تلقّي الموافقة على المنتج الإعلامي، يتم إرساله إلى إحدى الوكالات الإعلامية التي يتم تحديدها بواسطة اللجنة القضائية للإعلام وبعد موافقة مكتب الأمن الإعلامي. وأشار التقرير إلى أن أنشطة العاملين في بنك المعلومات كانت مقيدة، حيث تم رصد تحركاتهم عن كثب من قِبل مسئولي ديوان الأمن العام، مع محاولتهم التأكد من عدم وجود تفاعلات غير ضرورية بين الموظفين الدائمين ببنك المعلومات وموظفي اتصال الوكالات الإعلامية، من أجل تقليص خطر تسريب المعلومات. وهذه الإجراءات الأمنية الصارمة لم يتم وضعها فقط للحماية من التهديدات الخارجية، ولكن أيضًا للحد من احتمال حدوث تسريبات داخلية، مع وجود توترات داخل التنظيم، وانشقاق عدد من الجماعات عنه.

وبناءً على وثيقةٍ سمحت وزارة الدفاع الأمريكية بنشرها في أغسطس عام 2018، يوجد نظام ذو ثلاثة مستويات لمراقبة الجودة ونشر المواد الدعائية للتنظيم، ويعتمد كل مستوى على غرف الدردشة المشفرة، حيث يتكون من ثلاث غرف للدردشة: واحدة للمراجعة السابقة على النشر، وأخرى للنشر، وواحدة للمناقشة.

المرحلة الثالثة- التأمين: بالنسبة للوكالات الإعلامية التابعة للتنظيم، فقد كان لكل وكالة مسئول أمني يعمل بالتوازي مع القيادة الإدارية، وشملت مهامه تعزيز السرية وأمن المعلومات، والحد من التفاعلات الشخصية بين فرق الوكالات الإعلامية المختلفة، وضمان أمن الوكالة الإعلامية، والموافقة على أوامر الشراء وتسليمها، وفحص وحفظ السجلات الخاصة بالمعدات والمواد الإعلامية، وتسليم المعدات وتخصيص الموظفين المعينين لتغطية الأحداث المعنية.

وبالإضافة إلى مسئول الأمن، كان هناك أيضًا ما يُعرف باسم "الإدارة الداخلية للأمن العام"، والتي يقوم المسئول بها بتقديم تقريره لمكتب الأمن الإعلامي، بهدف تخفيف مخاطر الأمن الداخلي. وشملت مهامه تقييم أداء ضباط الأمن، وتلقي وتقييم تقارير الأداء الخاصة بفريق الإعداد الفني الخاص بكل وكالة إعلامية، وضمان تسليم المواد الإعلامية إلى المسئولين الإعلاميين في ديوان الأمن العام. وبالتالي تم عزل الوكالات الإعلامية عن العالم الخارجي عن طريق نظام مزدوج للرقابة الاستخباراتية، مما سمح بدرجة عالية من التعتيم الإعلامي.

دورة الإنتاج الإعلامي

 قسّم المؤلفان دورة الإنتاج الإعلامي إلى خمس مراحل: ما قبل الإعداد، مرحلة الإعداد، التقييم والموافقة، التحرير، وأخيرًا مرحلة النشر. كما يتضح في الآتي:

أولًا- مرحلة ما قبل الإعداد: تضم هذه المرحلة كل شيء يسبق إرسال فريق الإعداد الفني في مهمة، وتجدر الإشارة إلى وجود نوعين من فرق الإعداد الفني، الأول: موجود في الوكالات الإعلامية، يديره أمير الوكالة، في حين أن الثاني تابع لدواوين التنظيم، واقتصرت أنشطتهم على إنتاج المواد الفنية المتعلقة بأداء دواوينهم. وقد تولت اللجنة القضائية للإعلام وضع جميع المبادئ التوجيهية لمرحلة ما قبل الإعداد الفني، وسُمح فقط لأعضاء الوكالات الإعلامية بالتفاوض على هذه الإرشادات التي تضمنت توجيهات بخصوص النطاق العام للتغطية، وطبيعة الأحداث المراد تغطيتها (مثل عمليات الإعدام، الحياة اليومية)، وتحديد شكل الوثائق (مثل النص، والصوت، والصور، ومقاطع الفيديو). 

كما أشار التقرير إلى أنه لم يكن هناك اتصال مباشر بين المجلس والوكالات الإعلامية التي لديه سلطة عليها، وإذا كان يريد تغطية قضية محددة بطريقة محددة، فكان يقوم بتكوين لجان خاصة من خلال مكتب الأمن الإعلامي الذي كان أحيانًا يعد بمثابة سلطة تنفيذية للمجلس.

ثانيًا- عملية الإعداد الفني: تبدأ المرحلة التالية من الدورة الإعلامية بناءً على أمر مجلس الإعلام، حيث يقدم المجلس للجنة القضائية للإعلام تعليمات محددة فيما يتعلق بالجداول الزمنية والمسئوليات، ويتم بعد ذلك نقل هذه التعليمات عبر مكتب الأمن الإعلامي إلى الوكالات الإعلامية التي تم اختيارها للمهمة المعنية. ويتم تكليف المسئولين الإعلاميين بديوان الأمن العام بمقابلة فريق الإعداد الفني، ثم بعد ذلك يتم نقل المخرجات الإعلامية إلى بنك المعلومات.

ثالثًا- التقييم والموافقة: في بنك المعلومات يقوم فريق من المحررين بمراجعة المحتوى والجودة كما سبقت الإشارة آنفًا، وبعد ذلك يقوم فريق منفصل بإجراء عمليات التحرير والأرشفة، وفي الوقت نفسه إخطار اللجنة القضائية للإعلام باستلام المواد الإعلامية.

رابعًا- التحرير: يتم تقديم المنتجات الفنية التي تمت الموافقة عليها إلى فرق التصميم والمونتاج والطباعة الخاصة بالوكالة الإعلامية، مع التعليقات والتعليمات الخاصة باللجنة القضائية للإعلام، إلى جانب أي تعليقات إضافية قدمها المسئولون في بنك المعلومات، وذلك تحت إشراف أمير الوكالة الإعلامية المعنية، وبمجرد الانتهاء من التعديلات، يقوم بإعطاء الموافقة المبدئية عليها، بعد ذلك يقدم منسق لجنة الاتصال بالوكالة المنتج الفني إلى اللجنة القضائية للإعلام التي تقرر ما إذا كان المحتوى الإعلامي جاهزًا للنشر أو بحاجة إلى مزيد من التحرير أو التعديل، وفي حال موافقة اللجنة يتم نقل المحتوى إلى مجلس الإعلام، الذي يملك القول الفصل بشأن النشر أو الرفض أو المراجعة. 

خامسًا- النشر: أوضح التقرير أنه في إطار هذه المرحلة تولى فريق أشارت إليه الوثائق باسم "فريق الإعلام الخارجي" إدارة الحسابات الإلكترونية المرتبطة بنشر الدعاية الإعلامية عبر الإنترنت، ونظرًا لأنه تم منع الوكالات الإعلامية من استخدام الإنترنت لأسباب تتعلق بأمن المعلومات، فقد كانت هذه الفرق الرقمية الخارجية تعمل من مواقع منفصلة، وتمت مراقبتها عن كثب من قِبل مكتب الأمن الإعلامي، ويتم النشر من خلال شبكة من القنوات السرية على تطبيق تليجرام، والتي تحمل جميعها اسم وكالة "أخبار ناشر". 

وختامًا، أكد التقرير أن التحولات والتطورات المتسارعة تؤثر في شكل وطريقة عمل التنظيمات المتمردة، مما ينعكس بدوره على آليات مواجهتها والأدوات التي تتبناها أجهزة الاستخبارات وقوات مكافحة الإرهاب. وبالتالي، من خلال فهم هذه التحولات يمكن التكهن بمزيد من الدقة حول مستقبل هذه التنظيمات وسبل مواجهتها. 

ويتضح من خلال المتابعة الدقيقة تبني تنظيم "داعش" مجموعةً من القواعد والقيود والمواصفات الفنية الصارمة للعمليات والمنتجات الفنية، مما عزز ظهورها الإعلامي، ومن ثمّ يوفر فهم كيفية إدارة التنظيم لديوان الإعلام المركزي خلال عام 2018 رؤى مهمة لكيفية تشكيل هيكلها التشغيلي المستقبلي داخل سوريا وخارجها على السواء.

المصدر: 

Asaad Almohammad and Charlie Winter, “From Battlefront to Cyberspace: Demystifying the Islamic State’s Propaganda Machine”, West Point United States Military Academy, Combating Terrorism Center, June 2019.