أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الاقتصاد أولاً:

لماذا يمثل العراق رهاناً صينياً في الحرب التجارية الأمريكية؟

23 مايو، 2019


يصف بعض المراقبين الاهتمام الصيني المتزايد بالعراق بأنه يعد ضمن إجراءات بكين للرد على الحرب التجارية الأمريكية عليها، حيث تزايدت في الفترة الأخيرة الصفقات المبرمة بين الطرفين في مجال الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز التبادل التجاري بين الطرفين، لتصبح بغداد رابع أكبر شريك تجاري لبكين في المنطقة. من جانب آخر تسعى الصين لضم العراق إلى مشروع "الحزام والطريق"، وهو ما سيمثل ضغطًا إضافيًّا على واشنطن، وترى بعض التحليلات أن الصين تتخذ الاقتصاد مدخلًا للتأثير في السياسات العراقية مستقبلًا.

مؤشرات التقارب:

تُعد الصين من أكبر الشركاء التجاريين للعراق، وسعت بكين إلى زيادة التقارب مع بغداد مؤخرًا من خلال الدخول في شراكات تجارية ضخمة معها، فالعراق يمثل سوقًا ضخمة للبضائع والصناعات الصينية، حيث صرح السفير الصيني في العراق "تشانج تاو"، في مايو 2019، بأن حجم التبادل التجاري بين بكين وبغداد قد وصل إلى 30 مليار دولار في عام 2018، مشيرًا إلى أن الصين تُعتبر ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، كما تُصنف بغداد كثاني أكبر مورّد للنفط للصين، ورابع أكبر شريك تجاري لها في الشرق الأوسط.

وتشارك الصين في إعادة إعمار المناطق المتضررة من الإرهاب في العراق. فعلى سبيل المثال، قدمت بكين منحة لبغداد تبلغ قيمتها 11 مليار دينار عراقي، كما أبدت الصين استعدادها لدفع شركات بلادها للمشاركة في إعادة الإعمار، وتسعى بكين لضم العراق لمبادرة "الحزام والطريق"، حيث جرت محادثات بين وزارة المالية العراقية والسفير الصيني في أبريل 2019 لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتفعيل طريق الحرير.

وفي هذا السياق، تقوم الصين بتقديم الدعم للعراق في العديد من المجالات، ومنها التعليم، حيث أبرمت بكين في شهر مايو 2019 اتفاقًا مع وزارة التربية العراقية يقضي بإنشاء 3 آلاف مدرسة في بغداد والمحافظات الأخرى، كما تعهدت الصين بتقديم دورات تدريبية للمعلمين. 

وتجدر الإشارة -في هذا السياق- إلى أن العلاقات الصينية-العراقية قد بدأت في أغسطس 1958، وعندما تصاعد التوتر الأمريكي-العراقي في عام 2003 حاولت بكين إيجاد حلول سلمية للأزمة معلنة رفضها للتصعيد الأمريكي، وأكدت ضرورة إفساح المجال كاملًا للأمم المتحدة في العراق، بيد أن هذا الرفض قد تغير بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث أعلنت ترحيبها بتشكيل "مجلس حكم" للعراق، وتعهدت بتقديم 25 مليون دولار كمساعدة لإعادة بناء العراق وإعماره. ولم تترك الصين أي اجتماع أو محفل دولي يخص الشأن العراقي إلا وشاركت فيه، كما قدمت معونة مادية للعراق عام 2005 قدرها مليون دولار أمريكي من أجل دعم عملية التحول في العراق، والحفاظ على العلاقات المتميزة بين الصين والعراق، مؤكدة رغبتها في تعزيز التعاون في المجالات والمصالح الاقتصادية، ودفع التقارب بين البلدين في المجالات السياسية والثقافية، وتكثيف الاتصالات والتنسيق في الشئون الدولية والإقليمية.

دوافع الاهتمام الصيني:

تصاعد الاهتمام الصيني بالعراق يرجع إلى عدد من العوامل التي يمكن إيضاحها فيما يلي: 

1- الضغط على واشنطن: يرجع الاهتمام الصيني بتعزيز التبادل التجاري مع العراق إلى استهداف بكين توظيف علاقاتها مع العراق كورقة ضاغطة على واشنطن، خاصةً في ظل الوجود العسكري الأمريكي هناك، وهو ما جعلها ساحة مهيّأة للضغط على الولايات المتحدة من خلال تأسيس علاقات اقتصادية مع بغداد تسمح مستقبلًا بامتلاك نفوذ سياسي على النخب السياسية العراقية والترويج لخيارات تؤثر على العلاقات الأمريكية-العراقية.

2- مشروع "الحزام والطريق": تكمن أهمية العراق الاستراتيجية في موقعه الجغرافي الذي يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط التي تُعد منطقة اتصال والتقاء قارات العالم القديم، ويجعل هذا الموقع من العراق محور توجه واهتمام السياسة الصينية، فالتقسيم الذي تتبناه السياسة الصينية للدول يضع العراق في مكانة مهمة في أولوياتها السياسية والاستراتيجية لاعتبارات عديدة، منها: الموقع الجغرافي، وثروة العراق الهائلة، وموقعه الاستراتيجي في قارة آسيا، وإمكانية وجود دور عراقي مؤثر في السياسات الإقليمية مستقبلًا.

ولهذا تسعى الصين لضم العراق إلى مشروع "الحزام والطريق". وفي هذا الصدد، أعلنت الحكومة العراقية في مارس 2019 رغبتها في تسريع إجراءات انضمامها لبنك الاستثمار الآسيوي للبنى التحتية، وإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي. 

3- صادرات النفط: يعد العراق ثاني أكبر مورد للنفط إلى بكين، كما تسعى بكين لزيادة استثماراتها في مجال الطاقة في العراق، حيث أعلنت وزارة النفط العراقية في أبريل 2018 حصول شركة UGE الصينية على عقد تطوير رقعة السندباد الاستكشافية في البصرة. كما استحوذت شركة "جيو جيد" على عقدي تطوير نفط خانة والحويزة في محافظة ميسان. وفي سياق متصل، وقّع العراق في أبريل 2018 عقدًا مع شركتي "باور تشاينا" و"نورينكو إنترناشيونال" الصينيتين لبناء مصفاة نفطية بسعة إنتاج تبلغ 300 ألف برميل يوميًّا في ميناء الفاو المطل على الخليج.

ويُشير بعض المحللين إلى أن الصين تعتبر نفط العراق بديلًا للنفط الإيراني، كما تؤكد بعض التقديرات أن الصين تضخ ما يقدر بحوالي 2 مليار دولار سنويًّا في هذا القطاع، وتزداد فرص الشركات الصينية في الحصول على عقود نفطية في العراق وذلك نتيجة لاستعدادها للتفاوض المرن وإبرامها عقودًا بشروط ميسرة مقارنةً بغيرها مع شركة النفط العالمية.

4- سوق للمنتجات الصينية: تعد السوق العراقية قريبة من الصين مقارنةً بالأسواق الأوروبية والأمريكية، وقد تحول العراق إلى أحد أكبر مستوردي المنتجات الصينية بعد عام 2003، لا سيما مع تدهور القدرة الشرائية للمواطنين العراقيين، وعدم قدرتهم على الحصول على المنتجات المستوردة مرتفعة التكلفة. 

5- دعم مكانة الصين: تسعى بكين للتأثير في مختلف القضايا والأحداث الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى تأمين مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار نموها الاقتصادي، وهو ما يرتبط بتحقيق الاستقرار في دول مثل العراق. ولهذا يرى بعض المحللين أن بكين تتخذ الاقتصاد مدخلًا للتأثير المستقبلي في الأوضاع والتفاعلات السياسية في العراق. وتقوم الاستراتيجية الصينية تجاه بغداد على ضرورة تطوير العلاقات الاستراتيجية مع الدول المهمة إقليميًّا، ومنها العراق الذي من الممكن أن يؤدي دورًا إقليميًّا مستقبليًّا في الشرق الأوسط، انطلاقًا من سعيها لتولي مكانة مميزة في النظام الدولي، وكي تسهم في شكل فاعل في إعادة صياغة التوازنات الدولية.

تداعيات الحرب التجارية:

مع تصاعد التوتر في العلاقات الأمريكية-الصينية تزداد الاحتمالات بأن تتحول بغداد إلى ساحة محتملة للضغط الصيني على الولايات المتحدة، فصحيح أن بكين ركزت توجهاتها خلال الأعوام الماضية على الاقتصاد بشكل خاص؛ إلا أن دورها الاقتصادي المتصاعد في العراق يكفل لها الضغط على الحكومة العراقية التي تحاول الموازنة بين عدد كبير من القوى الخارجية ذات المصالح المتعارضة. 

ويُشير بعض المحللين إلى أن دول الشرق الأوسط بصفة عامة ستمثل بديلًا للمنتجات الصينية بعد تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، ويعتبر العراق من أكثر الدول المؤهلة لذلك، لا سيما وأن حجم التبادل التجاري بين الطرفين مرتفع أساسًا، كما أن الصين قد تلجأ لاستبدال شحنات النفط الخام والغاز المسال الأمريكي بعد رفع التعريفات الجمركية بمنتجات الطاقة لدول أخرى تمتلك فائضًا كبيرًا مثل العراق. وتؤكد بعض التحليلات المنشورة في مراكز التفكير الغربية أن الحرب التجارية قد تمثل فرصة لدول مثل العراق إذا قامت بتنويع اقتصادها.

ختامًا، يُمكن القول إن أهمية العراق بالنسبة للصين تعود إلى كونه من أكبر موردي النفط إليها، وهو ما يدفعها لتبني سياسات تهدف إلى استقراره بهدف الحفاظ على مصالحها، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي الذي يمكن أن يمثل دفعة قوية لمشروع "الحزام والطريق"، ومن جهة أخرى فإن بغداد تمثل ساحة محتملة للضغط الصيني على الولايات المتحدة.