أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تصعيد جديد:

تأثير الخلاف الروسي- الأمريكي على مسار التسوية السورية

11 ديسمبر، 2018


فرض التوتر الذي طرأ على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مؤخرًا بسبب التصعيد في الملف الأوكراني تداعيات مباشرة على مسار التسوية في سوريا. إذ أبدت واشنطن، التي لم تنخرط في المسار الروسي في آستانة وسوتشي، تلمحيات حول إمكانية تفعيل مسار مختلف، في مؤشر على عدم الاعتراف بمخرجات المسار الروسي، كان أبرزها تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا جميس جيفري، التي اتفقت مع تصريحات مماثلة للمبعوث الأممي ستيفان دى مستورا، الذي لم يبد بدوره تحمسًا لآخر جولة في مسار آستانة التي ركزت على الدستور، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن واشنطن قد تستخدم آليات جربتها في العراق، على غرار فرض مناطق حظر جوي في الشمال السوري.

وفي المقابل، فإن روسيا، الحاضرة في الساحة السورية بثقل عسكري- سياسي، اعتبرت أن المسار الأمريكي لا يقلص فقط أهمية مسارها السياسي– الأمنى الذي تعتبره بمثابة خريطة طريق لاستعادة الاستقرار في سوريا، بل إنه يهدف إلى تفعيل مشروع تقسيم سوريا، وهو ما حظى بتجاوب من جانب تركيا التي بدأت تنضم إلى جبهة موسكو في تصعيد حدة الانتقادات للسياسة الأمريكية، خاصة في ظل إصرار واشنطن على مواصلة تقديم الدعم للميليشيات الكردية، لا سيما "قوات سوريا الديمقراطية".

مؤشرات مختلفة:

بدأ التصيعد الأمريكي ضد المسار الروسي الخاص بالتسوية السورية خلال زيارتى جيمس جيفري إلى كل من تركيا والأردن، واللتين أدلى فيهما بتصريحات تضمنت تهديدًا واضحًا بنسف مسار آستانة باعتباره مسارًا غير منتج ويجب عدم المضى فيه، لكنه وضع سقفًا زمنيًا، منتصف الشهر الجاري، للحصول على نتائج، وهى المهلة التي تتزامن مع قيام المبعوث الأممي إلى سوريا بتقديم تقرير بشأن سوريا إلى مجلس الأمن. 

هذا التصعيد دفع وزارتى الدفاع والخارجية الروسيتين إلى الرد بتوجيه انتقادات قوية للولايات المتحدة الأمريكية. إذ اتهم رئيس الأركان الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، في لقاء مع الملحقين العسكريين الأجانب، في 5 ديسمبر الجاري، الأخيرة بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل عن دمشق في شمال سوريا، معتبرًا أنها تراهن في هذا السياق على الأكراد السوريين، حيث قامت بتنشيط تحركاتها لتشكيل حكومة ما يسمى بـ"فيدرالية شمال سوريا الديمقراطية".

وبالتوازي مع ذلك، أشارت البيانات الروسية والتصريحات الرسمية إلى أن موسكو بصدد تدشين حملة للتصدى لتلك التحركات، وهو ما أيدته تركيا، باعتبار أن السياسة الروسية تجاه هذا الملف تتقاطع مع موقفها من التطورات الميدانية والسياسية التي طرأت على الشمال السوري، خاصة وأن الأخيرة لا تزال ترى أن واشنطن توفر دعمًا للأكراد الساعين إلى تكريس نفوذهم في شرق الفرات دون أن تضع في اعتبارها مصالحها وحساباتها، بعد أن دخلت في صراع مسلح مع "حزب العمال الكردستاني" ودعمت أطرافًا مناوئة لأكراد سوريا من أجل منعهم من استثمار دورهم في الحرب ضد تنظيم "داعش" للحصول على مكاسب استراتيجية.

تداعيات محتملة:

على ما يبدو، فإن الطرفين الذين حرصا على تبادل الانتقادات حول السياسات والتكتيكات الميدانية في سوريا على طول مسار الأزمة، ما زالا مصرين على استكمال المسار ذاته في خط مستقيم قد يمتد حتى منتصف الشهر الجاري، حيث سيتم نقل الخلاف إلى ساحة مجلس الأمن، وتحديدًا خلال الجلسة المرتقبة التي سيعرض فيها دى ميستورا تقريره، وسيسعى كل طرف إلى استقطاب تأييد القوى الدولية والإقليمية المعنية بتطورات الصراع في سوريا لسياسته.

لكن ذلك لا ينفي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تجد نفسها أمام مأزق عدم طرح بديل لخريطة الطريق الروسية على نحو سوف يفرض ضغوطًا حتى على الأطراف المؤيدة لها خاصة داخل سوريا، في حين أن روسيا سوف تواجه بدورها مشكلة مختلفة تكمن في تعثر المسار ذاته على خلفية عدم التوصل إلى تسوية بعد عقد 11 جولة في آستانة، على نحو بدا جليًا في الجولة الأخيرة تحديدًا، التي عقدت يومى 28 و29 نوفمبر الفائت، ولم تتوصل فيها الأطراف المشاركة إلى توافق حول تشكيل لجنة الدستور وفقًا للتركيبة المقترحة أمميًا بثلاث حصص قوام كل منها 50 ممثلاً، موزعين بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني.

مستقبل غامض:

ومن دون شك، فإن ما يضع مزيدًا من العقبات أمام مسار التسوية في سوريا هو التصعيد الأخير في الملف الأوكراني، بعد أن قامت القوات البحرية الروسية، في 25 نوفمبر الفائت، باحتجاز ثلاثة سفن أوكرانية و24 بحارًا في بحر آزوف، في أول مواجهة بين الطرفين منذ قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.

 وهنا، لا يمكن فصل التصعيد الروسي- الأمريكي في سوريا عن تلك التطورات، وقد بدت مؤشرات الترابط بين الملفين جلية في إلغاء اللقاء الذي كان مزمعًا عقده بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فيلاديمير بوتين، على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الأرجنتين يومى 30 نوفمبر و1 ديسمبر 2018، على نحو قد يدفع الطرفين إلى رفع مستوى هذا التصعيد في الفترة القادمة.

لكن يبدو أن واشنطن، التي بدأت تلوح بورقة ضغط جديدة تتمثل في السعى للحصول على اعتراف دولي بفشل المسار الروسي في الملف السوري دون طرح مسارها الخاص، ربما تتجه إلى تفضيل الاستمرار على هذا المنوال الخاص بإرباك أى مسار روسي بغض النظر عن محصلته النهائية، وهو ما سوف تحاول موسكو احتواء تداعياته من خلال رفع مستوى التنسيق مع كل من طهران وأنقرة، خاصة خلال الجولات القادمة لمحادثات آستانة، ومحاولة تقليص فجوة الخلافات بين الأطراف المعنية حول تشكيل لجنة الدستور.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن موسكو وواشنطن تواجهان خيارات محدودة للتعامل مع تطورات الصراع السوري، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي طرأت على الملف الأوكراني، بشكل يشير إلى أن الأزمة السورية سوف تواجه استحقاقات صعبة خلال المرحلة القادمة.