أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

انكشاف رئاسي:

كتاب "نار وغضب" يكشف فوضي حكم "ترامب"

15 يناير، 2018


عرض: رغدة البهي، مدرس العلوم السياسية المساعد، جامعة القاهرة

لم يكد السِجال الإعلامي بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وزعيم كوريا الشمالية "كيم جونج أون" بشأن مَنْ يمتلك الزر النووي الأكبر ينتهي حتى دار سجال آخر بين "ترامب" و"ستيف بانون" (كبير مستشاري الرئيس للشئون الاستراتيجية سابقًا) إلى حد وصف الأخير بالجنون، وفقدان العقل، ونشره معلوماتٍ كاذبة. كما شهدت الولايات المتحدة تنامي الجدل حول التعديل رقم 25 من الدستور الأمريكي، والمتصل بعزل الرئيس حال عجزه عن القيام بوظائفه.

يأتي ذلك على خلفية الكتاب المُعنون: "نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض" للكاتب "مايكل وولف" الصحفي والكاتب السابق بمجلتي "نيويورك" و"فاينتي فير". وتبرز أهميته من نفاد طبعته الأولى عقب أيامٍ من صدورها، كونه الأكثر مبيعًا على موقع أمازون، والذي يُعد توثيقًا وتقييمًا لأول تسعة أشهر من رئاسة "ترامب". وقد استعان الكاتب بعددٍ من الأدوات، منها: التسجيلات، والاقتباسات المباشرة، واللقاءات المتكررة مع مسئولي البيت الأبيض، والمحادثات التي استغرقت 18 شهرًا مع الرئيس وعددٍ من قياداته كان أبرزهم "ستيف بانون".

ومن خلال تلك الأدوات مجتمعةً، تمكن الكاتب من رصد دور "ترامب" في عدة قراراتٍ رئاسيةٍ هامة، والتعريف بحياته من خلال أعين المقربين منه. وقد أرجع الكاتب سبب تأليفه الكتاب إلى انخراط الولايات المتحدة في عدة "عواصف غير تقليدية" منذ تولي "ترامب" السلطة في 20 يناير 2017. ويُعد الكتاب أيضًا شهادةً ذاتيةً للمؤلف ومجموعة من الأشخاص التي كافحت -بطرقها الخاصة- للعمل تحت إمرة "ترامب".

مرشح لم يتوقع فوزه

رفض "ترامب" تمويل حملته الانتخابية ووصفها بالمُفلسة، وجلّ ما قدمه لها هو إقراضها 10 ملايين دولار شريطة استعادتها ما أن تتمكن الحملة من جمع أموالٍ أخرى. ووفقًا للكاتب، لم تكن "كيليان كونواي" مديرة حملة "ترامب" الانتخابية واثقةً من فوز "ترامب" بالرئاسة. 

وفي رؤيتها، واجهت تلك الحملة عدة تحدياتٍ كادت أن تعصف بها، ولعل أبرزها: نقص الموارد المتاحة، وأسوأ مرشح في التاريخ الحديث. ويشير المؤلف إلى أن "ستيف بانون" كان الشخص الوحيد الذي آمن بأن نتائج الانتخابات ستكون لصالح "ترامب"، أما أعضاء الحملة الآخرون فتأسست قناعتهم ليس فقط على عدم فوز "ترامب" بالرئاسة، بل عدم صلاحيته لتوليها أيضًا. 

ويُشير الكاتب إلى أن "ترامب" لم يكن يتوقع فوزه بالرئاسة؛ وهو ما دلل عليه بالحوار الذي أجراه الأخير مع "سام نانبرج" (مساعده)، وفيه أعرب "ترامب" عن إمكانية أن يصبح أشهر إنسان في العالم. وهو ما يشير إلى أن دوافع "ترامب" من وراء ترشحه تنحصر في: الشهرة، والصيت، والنجاح المادي. وفي بداية الحملة الانتخابية، وعندما سَأل "نانبرج" "ترامب" عن أسباب ترشحه للرئاسة لم يتلقَّ أي إجابة. وفي تحليل الكاتب، لم تكن تدعو الحاجة إلى إجابةٍ لأن "ترامب" لم يكن ليصبح الرئيس. 

وقال "ترامب" لـ"روجر أليس" (صديقه المقرب، والرئيس السابق لفوكس نيوز) قبل الانتخابات بأسبوع: "هذا أكبر مما حلمت به"! وفي الوقت الذي أنكر فيه "ترامب" احتمالات الفشل في الانتخابات، عدّد أسباب خسارته لها مسبقًا، متعللًا بفشل أعضاء الحملة الانتخابية الذين كانوا جاهزين للخسارة لا الربح.

رفض "ترامب" إضاعة الوقت في تخمين وحساب احتمالات الفوز والخسارة بالقول إنه "سوء حظ". وهو ما أرجعه الكاتب إلى يقين "ترامب" بعدم فوزه في الانتخابات. وقد أكد الأخير أنه سيخرج من السباق الرئاسي بأقوى اسم تجاري وعدة فرصٍ خيالية، وأن عائلته ستتحول من مجرد أثرياء إلى سفراء للعلامات التجارية الدولية مُحققين شهرةً عالمية.

صراعات البيت الأبيض

بُعيد إعلان فوز "دونالد ترامب" بالرئاسة، تحول الرئيس -وفقًا لبانون- من مرتبك إلى مذعور إلى مؤمن باستحقاقه منصب الرئيس. أما عن الأيام الأولى لرئاسته، يقول الكتاب إنّ "ترامب" كان راغبًا في تعيين صديقه "طوم باراك" (الملياردير والرئيس التنفيذي لشركة الأسهم الخاصة "كولوني كابيتال") رئيسًا لموظفي البيت الأبيض، وقد رفض الأخير تقلُّد ذلك المنصب مُتعللًا بثرائِه الفاحش، وعدم قدرته على فك الارتباط بين ممتلكاته ومصالحه، بما في ذلك استثمارته في الشرق الأوسط.

ويُشير الكاتب إلى انقسام البيت الأبيض بين "بانون" من ناحية، و"إيفانكا" (ابنة ترامب) و"جاريد كوشنر" (صهره وكبير مستشاريه) من ناحيةٍ أخرى، وهي المعركة التي وصفها "هنري كيسنجر" بحرب اليهود وغير اليهود. وجدير بالذكر أن "إيفانكا" كانت تخطط -جنبًا إلى جنب مع "كوشنر"- لكي تصبح أول "رئيسة" للولايات المتحدة بدلًا من "هيلاري كلينتون".

كما سلط الكاتب الضوء على غضب "ترامب" من مقاطعة كبار النجوم لحفل تنصيبه، وكيف وجد البيت الأبيض "مزعجًا ومخيفًا بعض الشيء"، وكيف يخشى على نفسه من إصابته بالتسمم؛ ولذا دأب على تناول طعامه من ماكدونالدز، وكيف أعطى أوامر بعدم مسّ متعلقاته الشخصية، وخصص مواعيد محددة لتنظيف غرفته.

وفي غضون الأسابيع الأولى من رئاسته، تأكد لأصدقائه أنه لا يتصرّف كرئيس، ولا يأخذ بعين الاعتبار منصبه الجديد، فلا يكف عن انتقاد طاقمه والسخرية منهم، ولا يضبط تغريداته الصباحية، ويرفض متابعة الملاحظات النصية، ولا توجد قواعد مهنية مؤسسية تضبط قراراته الرئاسية أو اختياراته لطاقمه؛ إذ يُعد "ترامب" الرئيس الأمريكي الوحيد الذي استقدم كل عائلته للبيت الأبيض، ولم يكتف بذلك، بل أسند إلى بعضهم وظائف للعمل كمستشاريه.

التحدي الصيني-الروسي

وعن موقف الولايات المتحدة من القوي الكبرى، أشار الكتاب إلى أن الصين  تُعد -وفقًا لبانون- "التحدي الأكبر" الذي تواجهه الولايات المتحدة، وإذا لم تُحسن الأخيرة التعاطي معه، فلن تنجح في شيء آخر. فقد عجزت الولايات المتحدة عن فهم الصين في عهد أوباما بفعل فشل الاستخبارات الأمريكية، رغم كونها "كل شيء" -على حد تعبيره- فلا يهم أي شيء آخر، مُشبّهًا الصين بألمانيا طوال الفترة من 1929 حتى عام 1930؛ فالصينيون -على شاكلة الألمان- هم أكثر الشعوب عقلانيةً في العالم، وذلك حتى تنتهج الصين نهج ألمانيا في حقبة الثلاثينيات، وتتأجج نزعاتها القومية، وإن حدث ذلك فلن يكون بمقدور الولايات المتحدة إرجاع الأمور إلى سابق عهدها. 

وقد وردت الإشارة إلى روسيا في أكثر من موضع في الكتاب، وصف أولها روسيا بالأشرار "فالعالم مليء بالأشرار!". أما ثانيها وهو الأهم، فقد ورد في خِضم إنكار "بانون" تورطه في أي من المزاعم المتعلقة بروسيا، واصفًا الاجتماع الذي ضمَّ "دونالد ترامب جونيور" (الابن الأكبر للرئيس) و"كوشنر" و"بول مانافورت" (المدير السابق لحملة دونالد ترامب) مع عملاء روس يزعمون أن لديهم معلومات بشأن "هيلاري كلينتون" والمحامية الروسية "ناتاليا فيسلنيتسكايا" ببرج "ترامب" في نيويورك بالخيانة. وأكد بانون أن "ترامب" كان على درايةٍ بالاجتماع، مشيرًا إلى احتمال لقائه مع الروس بنفسه، وأن قرار "ترامب" بإقالة "جيمس كومي" (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي) من منصبه، وتعيين "روبرت مولر" خلفًا له صدر بإيعازٍ من إيفانكا وكوشنر.

ونقل الكاتب أيضًا عن "بانون" قوله، إن التحقيق الذي يُجريه "روبرت مولر" بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، سيركز على قضايا تتصل بغسيل وتبييض الأموال. وعليه، أشار الكاتب إلى أن "ترامب" لم يفهم قط المشكلات التي ورَّطَ نفسه فيها بشأن روسيا، مجادلًا بأن تُهَم غسيل الأموال -التي نفاها "مانافورت"- هي ما ستزيد من سوء موقفه في التحقيق الذي قد يمتد ليشمل: إمبراطورية كوشنر من العقارات، ودويتشه بنك.

صفقة الكبرى

يُعد "كوشنر" -الذي سبق وأن اتهم "بانون" بمعاداة السامية- المسئول الأول في الإدارة الأمريكية عن ملف الشرق الأوسط، غير أن الكاتب أشار إلى أن "كوشنر" سبق وأن رفض في الماضي دعم المنظمات اليهودية التقليدية، وأن توليه منصب "الحامي" الأكبر لإسرائيل أصاب المنظمات اليهودية الأمريكية بالدهشة جرّاء صعوده المفاجئ إلى هذا المنصب.

ومنْح "ترامب" صهره "كوشنر" ملف إسرائيل كان "اختبارًا يهوديًّا"، اختص به كونه يهوديًّا، وإن هدف من وراء ذلك إلى مواجهة الاعتقاد النمطي في الإمكانات التفاوضية لليهود. فقد أشار "ترامب" مرارًا إلى وصف "هنري كيسنجر" لكوشنر بكونه "هنري كيسنجر الجديد"، في مزيجٍ بين الافتراء والإطراء. كما كان نتنياهو صديقًا قديمًا لعائلة كوشنر القديمة، ولكن عندما جاء نتنياهو إلى نيويورك للقاء "ترامب" و"كوشنر"، صرح بأنه قدم للبحث عن "بانون"، في إشارة من المؤلف للتحالف الوثيق بين الصهيونية من ناحية واليمين المتطرف من ناحيةٍ أخرى.

وقد دار موقف "بانون" من القضية الفلسطينية حول ما اصطلح عليه بـ"الصفقة الكبرى"، ومفادها الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية، وضم المستوطنات، وتكريس الهوية اليهودية للقدس، ونقل السفارة الأمريكية للقدس من اليوم الأول لتولي "ترامب" للرئاسة، وذلك على خلفية الدعم الذي تحظى به الولايات المتحدة من كلٍّ من "نتنياهو" و"شيلدون أدسون" أحد أغنى وأشد داعمي إسرائيل في الولايات المتحدة. وعندما سُئل "بانون" عن موقف "ترامب"، أشار إلى موافقته التامة، ليس فقط على ذلك، ولكن على صفقة القرن أيضًا.

وعلى الصعيد السوري، مثّل الهجوم الكيميائي على "خان شيخون" اختبارًا هامًّا لسياسة "ترامب" الخارجية. ووفقًا للكاتب لم يكن أحد يعلم مسبقًا رد فعل "ترامب"، ولم يعترض أحدٌ على إعمال الأداة العسكرية الأمريكية باستثناء "بانون" الذي علل موقفه بعدم تدخل الولايات المتحدة في أحداثٍ فاقت الهجوم على "خان شيخون" فظاعةً، وخلّفت مزيدًا من الخسائر البشرية، مُتسائلًا عن أسباب اهتمام "ترامب" بقتلى "خان شيخون" دون غيرهم، فالقتلى في كل مكان! ووفقًا له أيضًا، كان ذلك الهجوم مرآةً كاشفةً عن الصدع بين "بانون" من جهة، و" هربرت ماكماستر" (مستشار الأمن القومي خلفًا لمايكل فلين)، و"جاريد كوشنر"، و"إيفانكا ترامب" من جهةٍ أخرى.

وختامًا، يُعد ترامب -وفقًا لما ورد في الكتاب- غير مستقر، وعديم الخبرة بأمور المكتب البيضاوي، إذ يتخذ قراراته تبعًا لآراء آخر من يتحدث معه، ويصعب عليه فهم أساسيات الدستور الأمريكي، كما يصعب التنبؤ بأفعاله أو آرائه، ويتجاهل النصائح المتعلقة بالسياسة الخارجية، وتَعُم الفوضى إدارته، ولا يعرف مستشاروه ما إذا كان يميل إلى الانعزال أو إلى الحرب. وخلاصة ذلك أن ترامب غير مُهيأ للرئاسة الأمريكية، وأن البيت الأبيض يُعاني انكشافًا مؤسسيًا، مما يُثير تساؤلات عن احتمالات عزل الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين من منصبه.

المصدر:

Michael Wolff, Fire and Fury: inside the Trump White House (United States: Henry Holt and company, January 2018).