أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الإضعاف التدريجي:

هل يتراجع المركز المالي للدوحة بعد الأزمة القطرية ؟

14 أغسطس، 2017


أدت إجراءات دول الرباعية العربية لمواجهة التمويل القطري للإرهاب لتراجع ملحوظ في أداء الاقتصاد القطري وتذبذب قيمة العملة، حيث خفضت عدد من المؤسسات التصنيف الائتماني تقييمها للسندات القطرية عقب تراجع الودائع الخليجية لدى بعض البنوك القطرية بجانب تخارج تدفقات استثمارية من البورصة القطرية، مما اضطر مصرف قطر المركزي لسحب جزء من أصوله لدعم النظام المصرفي وسوق الأوراق المالية.

وتواجه الدوحة سيناريوهات أكثر خطورة تتمثل في اتجاه الدول العربية بالتعاون مع المجتمع الدولي اتخاذ مزيد من إجراءات التصعيدية ضد الاقتصاد القطري، وهو الأمر الذي سيزيد من الصعوبات الاقتصادية التي تتعرض لها قطر مثل انكماش السيولة لدى البنوك القطرية بالإضافة إلى تخارج مزيد من الاستثمارات خارج البلاد، وهو ما سيضطرها حتماً إما لتسييل مزيد من أصولها بالخارج أو التخلي عن سياسة دعم عملتها مقابل الدولار، وبما سيؤدي بالنهاية إلى ضعف المركز المالي بقطر ويضعف من آفاق نمو الاقتصاد القطري.

تصحيح التقديرات:

قبل اندلاع الأزمة القطرية الخليجية في 5 يونيو الماضي، تطابقت إلى حد كبير التقييمات الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية حول الأوضاع المالية والمصرفية القطرية، والتي أكدت في تقاريرها على الدوام تماسك مركزها المالي بالرغم من تراجع الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي منذ منتصف 2015. 

وقد بنيت هذه التقييمات انطلاقاً من احتياطياتها المالية الكبيرة التي كونتها عبر السنوات الماضية والتي بلغت قبل الأزمة قرابة 370 مليار دولار هي مجموع احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف قطر المركزي بجانب أصولها لدى جهاز قطر للاستثمار. والأرصدة السابقة جعلت المسئولين القطريين يشيرون إلى أن الاقتصاد القطري قادر على الصمود في مواجهة الضغوط الاقتصادية، وفي هذا الصدد أشار محافظ مصرف قطر المركزي في يوليو الماضي إلى أن الدوحة بإمكانها توظيف نحو 340 مليار دولار لمواجهة الأزمة. 

وفي المقابل تكشف مراجعة حجم وهيكل الاحتياطيات المالية القطرية عن صورة مغايرة، إذ أن المركز المالي لقطر ربما ليس بالقوة المطلوبة للصمود أمام التداعيات السلبية للأزمة القطرية الخليجية. وتشير عدد من التقييمات الاقتصادية العالمية إلى أن قطر قد لا تكون قادرة على استخدام إلا جزء من أصولها الداخلية أو الخارجية لأغراض دعم شركاتها الحكومية أو تنفيذ مشروعات كأس العالم 2022 أو الحفاظ على ربط عملتها بالدولار الأمريكي.

وفي واقع الأمر، فليس بإمكان قطر التعويل بشكل كامل على أصولها بالخارج لدعم موقفها المالي. وبحسب التقديرات الغربية، على الأرجح ستتمكن قطر من تسييل ما بين 45-55% من أصولها في الخارج بما يعادل 150-180 مليار دولار من إجمالي أصولها في الخارج البالغة 335 مليار دولار في يونيو 2016، مع العلم بأن الأصول العقارية والمالية قد يصعب تسييلها بسرعة كبيرة. ولدى جهاز قطر للاستثمار حصص في شركات أجنبية كبيرة مدرجة في بورصات لندن وباريس وهامبورج، يمكن بيعها بسهولة ولكن بخسارة محتملة.

ولن يكون بإمكان الدوحة أيضاً تسييل جزء كبير الأصول المحلية في ظل الأزمة الحالية، والتي رفعت من النظرة السلبية للاستثمار في السوق القطري علماً بأن قيمة محفظة أصولها الداخلية تتراوح بين 80 و105 مليار دولار وتضم شركات رئيسية مثل الديار القطرية للاستثمار العقاري والخطوط الجوية القطرية. 

ويبدو أن قطر ستكون مضطرة لاستخدام جزءاً كبيراً من هذه الاحتياطيات المالية لسداد التزاماتها الخارجية ولاسيما قصير الأجل منها. وبحسب وكالة التصنيف الائتماني موديز، فقد تسارعت وتيرة الدين العام القطري بشكل كبيراً في عام 2016 ليصل إلى ما يقارب 150% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع ما يقدر بنحو 111% في عام 2015. 

ضغوط متصاعدة:

بدت الأوضاع المالية والاقتصادية القطرية أقل استقراراً عقب مرور شهرين من اندلاع الأزمة والتي صاحبها إجراءات ضد قطر، إذ شهدت العملة والبورصة القطريتين أداء متذبذباً للغاية في الفترة الماضية، فيما أعادت عدد من المؤسسات التصنيف الائتماني تقييمها للسندات القطرية مثل ستاندرد آند بورز التي خفضت تقييم الديون القطرية لـ -AA مقارنة ب AA سابقاً. وتعليقاً على التخفيض، قالت الوكالة "نتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي ليس فقط من خلال تراجع التجارة الإقليمية بل أيضا تضرر ربحية الشركات بسبب توقف الطلب الإقليمي وتعرقل الاستثمارات وضعف الثقة في الاستثمار".

  وفي هذه الأثناء أيضاً، شهد النظام المصرفي القطري ضغوطاً تزايدت مع تناقص السيولة المتوافرة لديه، وذلك نتيجة انخفاض ودائع غير المقيمين لديها بنسبة 7.5% من نحو 184.5 مليار ريال في مايو 2017 إلى 170.6 مليار ريال خلال يونيو من نفس العام أي بانخفاض 13.9 مليار ريال (3.7 مليار دولار).  فيما تشير التقديرات القطرية نفسها أن هناك ستة مليارات دولار تخارجت من سوق المال القطري في شهر يوينو الماضي جراء ارتفاع وتيرة عمليات بيع الأسهم القطرية ولاسيما في الأسابيع الأولى لاندلاع الأزمة.

واضطر مصرف قطر المركزي -على إثر هذا الفاقد- لضخ سيولة كبيرة من النقد الأجنبي لدى البنوك القطرية وكذلك سوق الأوراق المالية، وهو ما انعكس على تراجع الاحتياطيات الأجنبية المتاحة لدى مصرف قطر المركزي بنحو 10.5 مليارات دولار لتصل إلى 24 مليار دولار في يونيو الماضي أي بما يعادل 30% من قيمتها السابقة لتصل إلى أدنى مستوى في خمسة أعوام على الأقل، وليبدو بذلك أن الحيز المالي المتاح لقطر يتناقص بفعل الأزمة التي لم يمر عليها سوى شهرين. 

 استنزاف مُحتمل:

يُرجح أن تواجه قطر صعوبات أكثر حدة في حالة استمرار الأزمة، إذ من المتوقع أن يكون هناك نزوح أكبر سواء لودائع العملاء غير المقيمين من البنوك القطرية أو رؤوس الأموال الأجنبية من السوق القطري. وفي هذا الصدد، تشير توقعات بنك أوف أمريكا إلى أنه لايزال هناك احتمالاً بخروج 35 مليار دولار من النظام المصرفي القطري خلال عام ما إذا سحبت دول عربية أخرى ودائع وقروض من السوق القطري.  

وستتعرض الأصول بحوزة صندوق الثروة السيادية القطرية أوالاحتياطيات لدى مصرف قطر المركزي لهبوط أكبر في الفترة المقبلة، وبما قد يدفعها للتخلي عن سياستها الحالية لدعم الريال القطري مقابل الدولار، خاصة في ظل احتمالية تزايد معدلات تخارج الاستثمارات الأجنبية من قطر ولاسيما قصيرة الأجل منها علاوة على سداد مستحقات الديون الخارجية.

وختاماً، من المُحتمل أن تتصاعد معدلات استنزاف الاحتياطيات وتتراجع قيمة الأصول القطرية في حال قيام دول الرباعية العربية بالتعاون مع المجتمع الدولي بفرض إجراءات ضاغطة ضد قطر لوقف تمويل الإرهاب، مما سيتسبب في تراجع الاستقرار الاقتصادي، وإضعاف المركز المالي للدوحة عالمياً.