أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

جنون طهران:

رؤى غربية لمسار التوتر السعودي – الإيراني

07 يناير، 2016


مع تفاقم حدة التوترات بين السعودية وإيران على خلفية الاعتداءات الهمجية الإيرانية على بعثتي الدبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد، عقب تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الإعدام في 47 إرهابياً من بينهم أربعة شيعة أحدهم الزعيم الشيعي  "نمر النمر"؛ بات الوضع مُلتهباً في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً مع تصاعد وتيرة الأحداث، ووجود ردود فعل إقليمية ودولية مُنددة بالتصرفات الإيرانية، ووصلت مواقف بعض الدول العربية إلى حد قطع علاقاتها الدبلوماسية وسحب سفرائها من طهران.

انطلاقاً مما سبق، يهدف هذا التقرير إلى عرض رؤية مراكز الفكر الغربية بشأن الأحداث الجارية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال التركيز على تفسيرها لرد الفعل الإيراني العنيف على الحكم بإعدام "النمر"، مروراً بتوضيح تأثير هذه التوترات بين الرياض وطهران على بقية الملفات في المنطقة، وتحديداً على الأزمتين السورية واليمنية، وتقييم الموقف الدولي وما يتعين فعله من الغرب للتعامل مع تبعات تلك الأحداث، وصولاً إلى استشراف مستقبل الصراع السعودي – الإيراني واحتمالات التصعيد بين الدولتين.

ما وراء رد الفعل الإيراني

فسرت "جين كينينمونت" Jane Kinninmont – كبير الباحثين في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"- رد فعل إيران على إعدام "النمر"، انطلاقاً من أن سياسات طهران لا تحظى بتأييد جميع المسلمين الشيعة في المنطقة، وهو ما يجعلها تحاول استخدام البُعد الطائفي فيما يقع من أحداث مثل إعدام "نمر"، لكي تظهر إيران في صورة المدافع الرئيسي عن حقوق الشيعة، ومن ثم يمكنها جذب قاعدة شعبية مؤيدة لسياساتها الإقليمية.

وتؤكد الباحثة أن غضب طهران من إعدام "النمر" يتناقض مع سياساتها في التعامل مع معارضيها في الداخل، حيث تعد إيران واحدة من بين أكبر ثلاث دول في العالم تستخدم عقوبة الإعدام ضد مواطنيها، والتي تزايدت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.

وتنتقد الكاتبة الدعم الإيراني للجماعات الشيعية في سوريا والعراق، مشيرةً إلى أن ذلك سمح لتنظيمات سنية أخرى متطرفة مثل "داعش" بالبقاء والتمدد في الدولتين، بسبب خوف المجتمعات السنية من استهدافهم لاعتبارات طائفية.

وفي ظل حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة، خاصةً بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه الغرب مع إيران في يوليو 2015، ترى "كينينمونت" أن الكثير من السعوديين ينظرون إلى التصريحات الحادة الصادرة عن إيران بعد إعدام "النمر" بأنها تأكيد لوجهة نظر المملكة حول ما تهدف إليه طهران من دعم المعارضين في دول أخرى من أجل زعزعة الاستقرار في هذه الدول.

تأثير الأزمة الراهنة على المنطقة

تناول "ميشيل ويليامز" Michael Williams – زميل في معهد "تشاتام هاوس"- تبعات الأزمة المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وما قد يترتب عليها من عواقب وخيمة ليس فقط على الدولتين، وإنما على منطقة الشرق الأوسط ككل؛ حيث يرى أن ما حدث قد يؤثر بصورة سلبية على احتمالات الوصول إلى تسوية بين القوتين (السنة والشيعة) بشأن عدد من الملفات في سوريا واليمن، مُوجزاً ذلك بالقول: "أي آمال في الوصول إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط في عام 2016 تبددت بسبب الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية".

وقد تبنت نفس وجهة النظر "آنا إيشاجو" Ana Echagüe - الباحثة بمؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي ومقرها مدريد (FRIDS)، حيث ترى أن التوتر المتصاعد بين طهران والرياض وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما يزيد من حدة الصراعات الطائفية في الإقليم، وهو ما سيُلقي بتبعاته السلبية على مسار المفاوضات بشأن أزمتي سوريا واليمن.

وفي السياق ذاته، يرى "والتر بوتش" Walter Posch – الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بأكاديمية الدفاع الوطني النمساوية - أن إيران تعاني على الصعيد الإقليمي من تراجع نفوذها في دول مثل البحرين واليمن والسودان، بالتزامن مع محاولاتها لزيادة تأثيرها في سوريا العراق، معتبراً أن الهجوم "الغوغائي" على السفارة السعودية في طهران وإدانته من قِبل مجلس الأمن الدولي يمكن أن يعيد قليلاً طهران إلى عزلتها الدولية بعد المكاسب التي حققتها بعد اتفاقها النووي مع مجموعة (5+1) ، وهو ما قد يضع السعودية في موقف أقوى للتفاوض حول عملية انتقال السلطة في سوريا.

من جهته، أشار "سيمون هندرسون" Simon Henderson – مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى - إلى أن خطر التصعيد الذي وصل إلى مرحلة العداء الصريح بين إيران والسعودية في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى تراجع دور الولايات المتحدة وتقويض عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" في المنطقة، بالإضافة إلى احتمالات إخفاق الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى العام الماضي.

إجمالاً في هذا الصدد، حذرت "دانييل بليتكا" Danielle Pletka- نائب رئيس دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز (AEI) – من أن الانقسام الطائفي بين السعودية وإيران سيكون له عدة تبعات على المنطقة، منها تزايد النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، ومزيد من "حروب الوكالة" عبر الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، ونمو التأثير الروسي في المنطقة، فضلاً عن الانتشار النووي.

الموقف الدولي تجاه التوترات السعودية - الإيرانية

اعتبر "باتريك كلاوسون" Patrick Clawson - مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى - أن الولايات المتحدة في موقف حرج إزاء الأزمة الراهنة، خاصةً بعد تسريبات صحفية تشير إلى تراجع إدارة الرئيس "باراك أوباما" الأيام الماضية عن عقوبات كان مقرر فرضها على إيران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية.

وحسب رؤية "كلاوسون"، فإنه في حالة قيام الإدارة الأمريكية بالضغط على المملكة العربية السعودية في قضية إعدام "النمر" وغيرها من القضايا، بالتزامن مع الموقف السلبي لواشنطن من الممارسات الاستفزازية لطهران في الشرق الأوسط، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعزيز مخاوف الرياض من احتمالات اتخاذ الولايات المتحدة لإيران حليفاً رئيسياً لها في المنطقة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى اتجاه السعودية للعمل منفردة بعيداً عن الولايات المتحدة، كما حدث في اليمن.

ويؤكد "كلاوسون" أن رد الفعل الأمثل الذي يتعين أن تتبناه الولايات المتحدة تجاه ما يحدث حالياً، هو مبادرة إدارة "أوباما" بإظهار رفضها للممارسات الإيرانية في الشرق الأوسط، وبما يضمن استمرار التعاون بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي.

ومن وجهة نظر "كورنيليوس أديباهر" Cornelius Adebahr - باحث مشارك في مركز كارنيجي، فإن الخيار الأمثل للغرب هو التعامل بحيادية تامة مع التوترات السعودية – الإيرانية، دون الانحياز لأي طرف، مع الضغط على كافة الأطراف للتراجع عن التصعيد. كما اقترح الكاتب أن تقوم الولايات المتحدة وأوروبا بعقد صفقة كبرى مع الصين والهند وروسيا تحت مظلة الأمم المتحدة بهدف إيجاد آلية للمساعدة في تحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.

حدود التصعيد

ركز عدد من الباحثين والخبراء في إطار تناولهم للمسارات المحتملة للتصعيد الحالي بين المملكة العربية السعودية وإيران، على الإجابة على تساؤل رئيسي مفاده: هل ستنشب حرب عسكرية مباشرة بين الرياض وطهران؟

وقد استبعد "كينيث بولاك" Kenneth M. Pollack – كبير الباحثين في مركز بروكينجز- نشوب صدام عسكري مباشر بين السعودية وإيران على أقل تقدير في الوقت الراهن، وإن كان هذا لا يقلل من خطورة الوضع الحالي، والذي غالباً ما سيترتب عليه استمرار إجراءات التصعيد بين الدولتين بسبب الحادث الأخير، خاصةً في ظل تمادي إيران في سياساتها التوسعية الإقليمية والتي تشكل جزءاً كبيراً من الحروب الأهلية التي تعاني منها العديد من دول المنطقة.

وفي ذات الاتجاه، رجحت "ريم كورتيويج" Rem Korteweg – الباحثة بمركز الإصلاح الأوروبي ومقره لندن – عدم حدوث اشتباكات عسكرية بين القوات السعودية والإيرانية، لأن طهران والرياض على دراية تماماً بتداعيات أي حرب بينهما، والتي لن تصب في صالح أي من الجانبين، ولكنها أكدت أن العلاقات السعودية – الإيرانية ستصبح أكثر توتراً وعدائية في الفترة القادمة.

وثمة عوامل تقوض من احتمالات لجوء إيران إلى مزيد من التصعيد مع السعودية، حيث حدد "ماثيو مكلنيس" Matthew McInnis – الخبير في معهد أمريكان إنتربرايز (AEI) – هذه العوامل في اعتراف طهران أن الهجمات على السفارة السعودية كانت خطأً فادحاً، ورغبة إيران في تجنب المزيد من الضغوط على مواقفها السياسية والعسكرية في سوريا واليمن، فضلاً عن أن إعدام "النمر" لا يمثل تهديداً أمنياً مباشراً لإيران، وأخيراً لا تعلم إيران إلى أي مدى ستصعد السعودية من موقفها.

ختاماً، يرى "كويرت ديبوف" Koert Debeuf - من المعهد الدولي للديمقراطية ومساعدات الانتخابات ومقره في ستوكهولم– أنه على الرغم من خوض السعودية وإيران حروبا صغيرة في سوريا واليمن، فإنهما يدركان أن الدخول في حرب حقيقية ومباشرة سيمثل كارثة على طموحات البلدين، وسيؤدي إلى إغراق الإقليم في فوضى عارمة، مُذكراً بالنتائج الكارثية للحرب المدمرة بين العراق وإيران خلال الفترة من عام 1980 إلى 1988، وما ترتب عليها من خسائر للطرفين.


المصادر:

Cornelius Adebahr and others, Will Iran and Saudi Arabia Go to War? (Belgium: Carnegie Europe, January 6, 2016).

Danielle Pletka, Six consequences of the Saudi-Iran rift (Washington: the American Enterprise Institute, January 5, 2016).

J. Matthew McInnis, Iran backs down after Saudi embassy attack (Washington: The Washington Institute for Near East Policy, January 6, 2016).

Kinninmont, Middle East's Sectarian Divide Threatens to Overwhelm a Generation. (London: The Royal Institute of International Affairs "Chatham House", January 6, 2016).

Kenneth M. Pollack, Perils of prediction: Why it’s so hard to guess the fallout of the Saudi-Iran split (Washington: Brookings Institution,  January 5, 2016).

Michael Williams, Iran-Saudi Tensions Serious Trouble for the Middle East (London: The Royal Institute of International Affairs "Chatham House", January 6, 2016).

Patrick Clawson, Riyadh's Message Is to Washington as Well as Tehran. (Washington: The Washington Institute for Near East Policy, January 4, 2016).

Simon Henderson, Saudi-Iranian Diplomatic Crisis Threatens U.S. Policy (Washington: The Washington Institute for Near East Policy, January 4, 2016).