أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

استحقاق مفصلي:

خريطة القوى الحزبية في الانتخابات التشريعية الجزائرية

04 مايو، 2017


تُبيّن الانتخابات التشريعية الجزائرية (التي تُجرَى يوم الخميس الموافق 4 مايو الجاري) أن البلاد تسير في تجربتها المتراكمة نحو تحقيق مزيدٍ من الممارسة الديمقراطية، بغض النظر عن الشكوك التي صاحبت الحملة الانتخابية، والدعوة إلى المقاطعة، والترويج للعزوف.

وفي المقابل، يري بعض المراقبين داخل الجزائر وخارجها، عكس ذلك، وحجتهم أن محاولة "مَأْسَسَة" العمل السياسي في الجزائر تمدّدَت كمًّا، وتقلَّصت نوعًا، وأن ماضيها أعمق من حاضرها، وأنه لا يعول عليها لتغيير هرم السلطة، خاصة مؤسسة الرئاسة، بعد التطويع الحاصل لكل الأحزاب المعارضة والموالية.

ثلاث تجارب:

مرت الانتخابات البرلمانية الجزائرية بثلاث تجارب سابقة متعلّقة بالتأسيس للعمل الديمقراطي التعددي، هي:

التجربة الأولى: أخذت شرعيتها من دستور 23 فبراير 1989، الذي أقر التعددية، مُنْهِيًا حقبة نظام الحزب الواحد التي دامت 27 عامًا، وقد انتهت بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991. وقد عُلّقت تلك النتائج باستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، ودخلت بعدها البلاد في سنوات من العنف والإرهاب دامت عشر سنوات، عرفت باسم العشرية الحمراء (السوداء في بعض الكتابات).

التجربة الثانية: أخذت شرعيتها بعد انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (ابريل 1999)، وتعمّقت أكثر حين طُوِّعت الأحزاب الكبرى القوية لصالح برنامج الرئيس، وحدث تحالف من قوى وطنية وإسلامية، وفي فترات لاحقة انضمت لهم قوى يساريَّة، وزالت الحواجز بين التيارات، وأصبح المجلس الشعبي الوطني مُركِّزًا على كيفية سن قوانين تخدم تصور الرئيس. ويبدي معظم أعضائه موافقة على كل برامج الحكومات المتعاقبة، بما فيها تلك المرفوضة من بعض القوى في المجتمع.

التجربة الثالثة: هي التي نعيشها اليوم، وهي نتاج التعديل الدستوري الذي اعتمد في 7 فبراير 2016، وتتميز بإنشاء الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات المحدثة بالمادة 194 من الدستور المعدل، والتي تحيل إلى قانون عضوي لتحديد كيفيات تطبيقها. وقد صدر هذا القانون رقم 16-15 في 25 أغسطس 2016، ونصَّ على تشكيل الهيئة من 410 أعضاء بشكل متساوٍ من قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، ويعينهم رئيس الجمهورية، و"كفاءات مستقلة" يتم اختيارها من المجتمع المدني، يعينها رئيس الجمهورية. 

اهتمام حزبي:

تنبع أهمية الانتخابات التشريعية الحالية من ثلاثة أسباب: أولها: أنها تُجْرَى لأول مرة بعد تعديل الدستور وإنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وثانيها: أنها تتم بمشاركة أحزاب قوية وفاعلة، وأخرى عادت للمشاركة بعد مقاطعات في الانتخابات السابقة، بما فيها الأخيرة في 2012. وثالثها: أنها تأتي في ظل وضع اقتصادي صعب تعيشه الجزائر بعد انخفاض أسعار النفط. 

وتُولِي الأحزاب المشاركة في تلك الانتخابات اهتمامًا خاصًّا بها؛ لأن نتائجها ستحدد دورها، ومستقبلها، وموقعها في خريطة العمل السياسي، بل ومشاركتها في تشكيل الحكومة من خلال الحقائب التي ستحصل عليها.

الأحزاب المشاركة:

يشارك في هذه الانتخابات 57 حزبًا، بينما يفوق عدد المترشحين 12 ألفًا يتنافسون على 462 مقعدًا، تتوزع بين أحزاب كبيرة وفاعلة، وأخرى صغيرة وغير مؤثرة، يمكن تقسيمها على النحو التالي:

أولا- التيار الوطني:

يتكون من حزبين رئيسيين، تناوبا خلال الفترة السابقة على رئاسة وتشكيل الحكومة، والتنافس بينهما شديد إلى درجة الإقصاء، هما:

1- جبهة التحرير الوطني: يترأسه عبدالعزيز بوتفليقة، ويتولَّى أمانته العامة جمال ولد عباس، ويعدُّ أكبر الأحزاب السياسية الجزائرية، وهو وريث جبهة التحرير الوطني التي فجرت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وظل من عام 1962 إلى عام 1989 الحزب الوحيد الحاكم في الجزائر منذ استقلالها. وقد حصل على أغلبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2012 بحصوله على 220 مقعدًا.

2- التجمع الوطني الديمقراطي: بقيادة أمينه العام أحمد أويحيى، وقد تمّ تأسيسه في فبراير 1997، قبل الانتخابات التشريعية التي أجريت في ذلك العام، ويعدّ القوة السياسية الثانية في البلاد. ويؤكد في قانونه الأساسي أنه "مؤسس على مبادئ وأهداف بيان الفاتح من نوفمبر 1954"، وأن مرجعيته الفكرية هي الرصيد التاريخي للحركة الوطنية للأمة، وهو حزب شريك في الحكومة، وحل في المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية لعام 2012 بحصوله على 68 مقعدًا.

ثانيًا- التيَّار الإسلامي:

تتميَّز الانتخابات التشريعية الحالية بمشاركة الأحزاب الإسلامية من خلال قطبين كبيرين، بعد الخلافات والانشقاقات والصراع من أجل قيادة تلك الأحزاب، وذلك بهدف تحقيق انتصار قد يسمح لها بدخول البرلمان، والمشاركة في تشكيل الحكومة. ومن الجدير بالذكر أن أحزاب التيار الإسلامي حصدت مجتمعة في انتخابات عام 2012 ستين مقعدًا من أصل 462 هي إجمالي مقاعد المجلس الشعبي الوطني.

يضم القطب الأول ثلاثة أحزاب فاعلة في شكل التحالف، هي: حركة النهضة، وحركة البناء الوطني، وجبهة العدالة والتنمية. وقد وقّعت أحزابه الثلاثة على وثيقة "التَّحَالف الاستراتيجي" في يناير الماضي، لخوض الانتخابات التشريعية التي تُجرَى في الرابع من مايو الجاري. 

ويهدف هذا التحالف -بحسب نص الوثيقة- إلى تحقيق 14 هدفًا، أهمها: "المحافظة على السيادة، وحماية الوحدة الوطنية، والدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والجماعية"، وتحقيق "التقارب مع كافة التشكيلات السياسيَّة بما يخدم المصلحة الوطنية، وتنمية ثقافة العمل المؤسساتي".

ويضمُّ القطب الثاني حركة مجتمع السلم (حمس) وجبهة التغيير، وقد أعلنتا وحدة اندماجية بين الحزبين الإسلاميين، وذلك في يناير 2017، ويمثلان "الإخوان المسلمين". وقد أسست (حمس)، في عام 1991 بعد إقرار التعددية في الجزائر، وكانت تسمَّى حركة المجتمع الإسلامي (حماس)، ثم غيَّرت اسمها بعد أن رفضت السلطات إقامة أحزاب على أساس ديني أو عرقي أو جهوي، لتحمل بعد ذلك اسم (حمس)، أما جبهة التغيير فقد تأسَّست في مطلع عام 2012 بعد انشقاق قيادات من حركة حمس إثر أزمة داخلية.

ثالثًا- التيَّار اليساري:

 يتكوَّن هذا التيار من جبهة القوى الاشتراكية، وهو حزب يساري يوصف بأنه أقدم حزب معارض في الجزائر، تأسس عام 1963، وتزعمه عند تأسيسه الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد، لكنه استقال منه في مايو 2013. ويتمتع الحزب بشعبية كبيرة في منطقة القبائل، وقد سبق له مقاطعة الانتخابات التشريعية التي أجريت عامي 2002 و2007، لكنه شارك في انتخابات عام 2012، وحلَّ في المرتبة الرابعة بـ 26 مقعدًا.

كما يضمُّ هذا التيار حزب العمال، وهو حزب اشتراكي تأسس عام 1990، يتبنَّى الأفكار التروتسكية، وتتزعَّمه مُرشَّحة الرئاسة السابقة لويزة حنون منذ تأسيسه، وهو من أهم الأحزاب في الساحة السياسية، وخامس قوة سياسية في البرلمان السابق بـ24 مقعدًا.

 ويحسب ضمن هذا التيار أيضًا "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وهو حزب علماني معارض، تأسَّس في فبراير 1989، ويتركَّز ثقله السياسي في منطقة القبائل، وقد شارك في الحكومة عام 1999 إثر وصول عبدالعزيز بوتفليقة إلى السلطة، قبل أن يخرج منها عام 2001، كما قاطع الانتخابات التشريعيَّة التي أجريت في مايو 2012.

رابعًا- أحزاب صغيرة:

يُشارك في الانتخابات التشريعية الحالية عدة أحزاب مُتفرِّقة تجاوزت الأربعين حزبًا متعددة المشارب والتوجهات، تحقق أهدافًا لأفرادها وللأجهزة الأمنية، وفي الغالب أنْشئت بهدف شقّ صفوف أحزاب أخرى أو إنهاء زعامة بعض القادة السياسيين، ومن قادتها هناك من ترشَّح للرئاسيات، ومنها من تقلَّد حقيبة وزارية، ومنها من لا يزال مجهولا إلى الآن، لأنه لا يملك تاريخًا نضاليًّا، كما أن من قادتها من هو في المستوى الأدنى من التعليم.

 ومن أهمِّ هذه الأحزاب: الاتحاد من أجل الديمقراطية والجمهورية، وحركة المواطنين الأحرار، وحزب جيل جديد، وجبهة الجزائر الجديدة، والجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية، وجبهة المستقبل، وحزب الشباب، وحزب الكرامة، والجبهة الوطنية للحريات، والحزب الوطني الجزائري، وحزب الشباب الديمقراطي، وحزب الفجر الجديد، واتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية، وجبهة الحكم الراشد. 

ومع إعلان 57 حزبا مشاركته في تلك الانتخابات، هناك أحزاب مقاطعة لهذه الانتخابات، منها بوجه خاص حزب "طلائع الحريات" الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، و"جيل جديد" برئاسة جيلالي سفيان، إضافة إلى الناطق باسم "الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي" (قيد التأسيس) كريم طابو، وعلي بن واري عن حزب "نداء الوطن" (قيد التأسيس). وبحسب التوقعات فإنها لن تؤثر على السير العام للانتخابات.

في الختام، هناك توقعات بأن تكتل التيار الإسلامي في قطبين لن يجعله يحقق نتائج أكثر من تلك التي حققها في الانتخابات الماضية، مع توقع خسارة أحزاب كبيرة، وتراجع أخرى. ولهذا فإن نتائج تلك الانتخابات، بصرف النظر عن نسبة المشاركة فيها، ستحدد مصير الأحزاب الجزائرية، ودورها في المرحلة القادمة من مستقبل الجزائر السياسي.