أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ماركة "القاعدة":

الاستخدام الاستراتيجي لتهمة الإرهاب بين روسيا ومقاتلي الشيشان

20 مارس، 2017


إعداد: صباح عبدالصبور عبدالحي، باحثة في العلوم السياسية 

كيف يمكن لأفكار التدمير والإرهاب أن تكون على درجة عالية من الجاذبية بالنسبة للبعض؟!. تدعي هذه الدراسة المعنونة "ماركة القاعدة: التوظيف الاستراتيجي للإرهاب" أن السبب يكمن في عملية "التأطير الفكري" (Framing) التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتسويق أفكارها. 

أعدت الدراسة "إيلينا بوكالوفا Elena Pokalova" الأستاذ في كلية الشئون الأمنية الدولية بواشنطن، ونُشرت في دورية "الإرهاب والعنف السياسي" في العام 2016. وسعت إلى عرض الأسس النظرية لمفهوم التأطير الفكري، واستكشاف كيفية استفادة "المنظمات الإرهابية" من هذا المفهوم لتحقيق أغراض استراتيجية، فضلا عن دوافع استعارة بعض المنظمات الإرهابية عددًا من مفردات خطابات تنظيم إرهابي آخر، مركزة في ذلك على حالة تنظيم القاعدة والمحاربين الشيشانيين في شمال القوقاز. 

وقامت الباحثة في هذا الإطار بتحليل خطابات وتصريحات قادة تنظيم القاعدة، وخطابات العديد من المحاربين الشيشانيين، و200 وثيقة حكومية روسية حول الموضوع.

مفهوم "التأطير الفكري":

يستند فهم الإنسان لما حوله على المعلومات التي يستقبلها، وبالتالي فإن الطريقة التي يتم بها تقديم تلك المعلومات يكون لها تأثير هام على استجابته وردود أفعاله. ويُعد "التأطير الفكري" آلية فعالة يستخدمها الفاعلون على اختلاف مستوياتهم لتشكيل الرأي العام، كما تستخدمها النخب السياسية للحصول على الدعم الجماهيري تجاه قضايا وسياسات بعينها. فعلى سبيل المثال، تكتسب الحكومات التأييد الشعبي من خلال نشر معتقداتها حول "من يستحق" و"من يمثل مصدرًا للتهديد".

فقد تستخدم الحكومات "التأطير الفكري" عند التعامل مع التهديدات الإرهابية لتعريف من هو العدو؟ وما هي الاستراتيجية الأمثل لمواجهته؟ مما يُساهم في تزايد الكراهية للفئة المتهمة بالإرهاب. وتشمل عملية التأطير تلك استخدام ألفاظ معينة في الخطاب، مثل: العدو، والشيطان، والدول المارقة. وإعادة تكرار هذه الكلمات يساهم في تعزيز الكراهية لهذه الفئة.

لا يقتصر استخدام ذلك على الحكومات، فقد تستخدم الجماعات الإرهابية ذلك التأطير لتحقيق مصالحهم الذاتية والاستراتيجية، ومن أشهر التنظيمات الإرهابية التي استطاعت القيام بتأطير فكري لصورة العدو البعيد تنظيم القاعدة، فيما استخدمته داعش بغرض الدعاية العالمية لأيديولوجيتها وتبرير العنف.

استراتيجية ـتسويق:

قام تنظيم القاعدة باعتبار عملياته في الشيشان جزءًا من استراتيجيته العالمية ضد ما زعمه " التحالف الصهيوني الصليبي"، وجهادًا عالميًّا لتحرير الأراضي الإسلامية من الدول الكافرة للوصول في النهاية للغاية الكبرى وهي استعادة الخلافة الإسلامية، بحسب مزاعمه. 

وأشار الظواهري في تسجيل له إلى "أننا أمة واحدة، نشن حربًا واحدة على جبهات متعددة"، واعتبر أن أرض الشيشان "أرض الجهاد". وأعاد قادة التنظيم ذكر الشيشان في خطاباتهم أكثر من مرة، حتى إن الظواهري كان يستشهد بالمجاهدين في الشيشان في إطار الحديث عن فروع التنظيم في العراق والمغرب العربي.

وفي عام 2007 عندما تم الإعلان عن إمارة القوقاز، فسرت القاعدة ذلك باعتبارها خطوة هامة نحو إرساء مشروع الخلافة العالمي، كما وصفت روسيا باعتبارها حليفًا للولايات المتحدة، ومن ثمّ اعتبرت الجهاد في الشيشان جزءًا من الجهاد ضد الأمريكيين. وهكذا استطاعت "القاعدة" عن طريق استخدام بعض المرادفات والمصطلحات والإصرار عليها خلق منهج فكري لجذب الأتباع.

مرونة الخطاب:

على غرار الدول تقوم الجماعات الإرهابية بتغيير "تأطيرها الفكري" بشكل مرن بما يتناسب مع السياق، بما قد يُعطي لأفكارها جذبا أكبر، وهو ما يُمكن توضيحه من خلال توضيح التغيير الذي اعترى الخطاب الذي تبنّاه تنظيم القاعدة على مدار سنوات طويلة، وذلك كما يلي:

1- المرحلة الأولى 1994-1996 (الخطابات العرقية): جاءت خلال الحرب الشيشانية الأولى، حيث لاقت أيديولوجيا القاعدة قبولا ضئيلا بين قيادات "الانفصاليين الشيشان"، وكان "الانفصاليون" يركزون على خطاب العرقية والقومية لتبرير محاولاتهم الانفصالية، واستخدامهم العنف باسم الاستقلال، واتبع المقاتلون العرب والأجانب الذين انضموا إليهم نفس الخطاب، ومن ثم بدا الأمر وكأنه بمثابة استكمال لمسلسل الحرب ضد روسيا القائمة منذ قرون.

2- المرحلة الثانية 1999 (الخطاب الجهادي): بدأت مع الدخول في حرب الشيشان الثانية، وبعد شهرة تنظيم القاعدة بسبب نجاح التفجيرات التي قام بها ضد السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في العام 1998، حيث بدأ موقع قفقاس KAVCAZ CENTER، وهو الموقع الرئيسي "للانفصاليين" في الشيشان، في نشر اقتباسات من القرآن، وفتاوى لرجال الدين ورسائل للمسلمين حول حمل السلاح، وهذه الرسائل كانت تتقارب مع خطابات ورسائل تنظيم القاعدة المنشورة في مجلة INSPIRE.

وتبنى الانفصاليون الشيشانيون تأطير تنظيم القاعدة للاستفادة منه في الدعاية لهم، والحصول على الدعم المادي، ولزيادة أعداد المتطوعين. فوصف مجلس شورى المجاهدين الشيشانيين الحرب ضد روسيا باعتبارها جهادًا في سبيل الله، وأصبحت روسيا -وفقًا لهذا "الخطاب التسويقي"- دولة كافرة تشكل خطرًا على الهوية الإسلامية في القوقاز، وأصبح القتال واجبًا لحماية الدين الإسلامي.

إلا أنه كان هناك اختلاف واضح في الأهداف، حيث لم يكن هدف المجاهدين إقامة خلافة عالمية تتجاوز الأراضي الروسية، فحتى في تطلعاتهم الانفصالية كانوا يسعون لإقامة دولة إسلامية داخل الأراضي الروسية تتشابه مع دولة الإمام شامل في القرن الـ19، حتى إن إقامة (إمارة القوقاز) عام 2007 تشير إلى فكرتهم عن محلية الخلافة، ورفض دمجها بالمنظمات الإسلامية غير الروسية.

بصفة عامة نجح التأطير الفكري لتنظيم القاعدة في الشيشان تدريجيًّا، خاصة بعد 11 سبتمبر، وهو ما يدل على أن السياق قد يخدم نشر الفكرة، واعتمد المقاتلون بشكل متزايد على نفس مفردات خطابات القاعدة حول: الجهاد، والخلافة، والعدو الكافر، إلا أن رؤيتهم لهذه المفاهيم وهدفهم كان مختلفًا.

التوظيف الروسي:

استخدمت أيضا الحكومة الروسية التأطير الفكري لمواجهة الانفصاليين الشيشان، حيث صورت الصراع باعتباره عملية مكافحة للإرهاب، كما اعتمدت بشكل متزايد على الخطابات والسرديات التي تربط بين مسلحي الشيشان وشمال القوقاز من جهة، وبين تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن من جهة أخرى.

واستطاعت موسكو من خلال ذلك تقليل حدة الانتقادات الدولية بشأن طريقة تعاملها مع الصراع في الشيشان، وأثّر السياق أيضًا على طريقة تعامل روسيا مع الشيشان، ففي المرحلة الأولى للنزاع الأول (1994-1996) لم يكن من الواضح وجود صلة بين تنظيم القاعدة ومقاتلي الشيشان، على الرغم من وجود مقاتلين أجانب بينهم قادمون من أفغانستان على صلة بالتنظيم داخل صفوف المجاهدين الشيشانيين. 

وكانت روسيا تعتبر الأمر بمثابة شأن داخلي لا علاقة له بالإرهاب الدولي، وتتعامل خطاباتها مع الأمر باعتباره تهديدًا للأمن الداخلي الروسي. لكن الأمر تغير بعد النزاع الثاني عام 1999، ففي إطار صعود "القاعدة" بعد تفجيرات سفارتي الأمريكية في أفريقيا، سارعت إلى إطلاق صفة "الإرهاب الدولي" على أحداث الشيشان، على الرغم من عدم وجود أدلة كافية على الشراكة بين الطرفين إلا في الخطابات والمفردات. وكان ذلك لرغبة الحكومة الروسية في تبرير أساليبها في معالجة "التمرد" عسكريًّا، حيث أعلنت أنها تواجه تهديدًا من قوى إرهابية على صلة قوية بتنظيم القاعدة.

بل إن الكرملين وصفهم بأنهم "وكلاء القاعدة في شمال القوقاز"، واتهم المقاتلين بتلقي تمويل ضخم من أسامة بن لادن بهدف إقامة الخلافة العالمية، وبررت روسيا عملياتها العسكرية في الشيشان بكونها استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب، حتى إنها وسّعت من عملياتها اعتمادًا على قانون فيدرالي جديد للحرب على الإرهاب عام 2007. 

جاءت نتائج "التأطير الفكري" مذهلة لصالح الحكومة الروسية، ففي المرحلة الأولى لاقى العمل العسكري الروسي في الشيشان معارضة ضخمة محلية، واعتُبر آنذاك بمثابة سبب لعزل الرئيس بوريس يلتسن، بالإضافة إلى الانتقادات الدولية الحادة، حتى إنه تم وقف التصديق على اتفاقية الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

أما حين تبنت روسيا التأطير الفكري الذي يَستخدم مفردات تنظيم القاعدة و"الجهاد في الشيشان"، مستفيدة من حالة الغضب العالمي الرسمي والشعبي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، انخفضت حدة النقد بشكل كبير، ولاقى التدخل العسكري الروسي دعمًا واسعًا، محليًّا ودوليًّا.

بين القاعدة ومقاتلي الشيشان:

هل هناك بالفعل علاقة حقيقية بين القاعدة والانفصاليين الشيشانيين؟. قامت الدراسة بالإجابة على هذا التساؤل عبر عرض بعض آراء الباحثين الذين يشككون في تقرير وكالة الاستخبارات الروسية، يُضاف إلى هذا أن زعيم إمارة القوقاز "دوكو عمروف" حذر المقاتلين الشيشان من الانضمام للمنظمات الجهادية خارج روسيا، خاصة بعد ظهور مقاتلين شيشانيين في سوريا والعراق، وذلك خوفًا من تشتيت شمل قواته، ولاستمرار القتال ضد روسيا.

بالتالي، فالأدلة – حسب ما تذهب له الدراسة- تُشير إلى أن العلاقات بين الطرفين كانت تكتيكية وعملياتية في أفضل الأحوال، ولا يوجد دليل واحد على الاندماج بين الطرفين على المستوى الاستراتيجي أو أنهم يسعون لنفس الأهداف.

وفي ختامها، تَخْلُصُ الدراسة إلى أن التأطير الفكري أداة هامة في يد الجماعات الإرهابية في تشكيل الرأي العام ونشر أفكارها، كما تُظهر حالة القوقاز كيف أن الجماعات المسلحة تستغل اسم جماعة إرهابية شهيرة BRANDS، وتستخدم نفس مرادفاتها لاستكمال عملية تأطيرها الفكري، وحتى الحكومات قد تستفيد من هذا التأطير الفكري في تبرير سياستها العنيفة تحت عنوان "مكافحة الإرهاب".

المصدر:

Elena Pokalova, The Al Qaeda brand: The strategic use of the “terrorist” label, Terrorism and Political Violence Journal, 2016, Available on:

10.1080/09546553.2016.1169175