أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

سياسة حذرة:

أبعاد الموقف الروسي من الحرب ضد داعش

22 أكتوبر، 2014


لا يمنع توافر الأسباب الداعية إلى ضرورة تأييد روسيا وإقدامها علي المشاركة في الحرب ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، خاصة بعدما وجه "داعش" تهديداً مباشراً للرئيس فلاديمير بوتين، متوعداً إياه بـ "تحرير" شمال القوقاز" حسب ما جاء في شريط مصور نشره التنظيم عبر شبكة الانترنت في 3 سبتمبر الماضي، من أن ثمة أبعاد ومحددات و"هواجس" عديدة دعت موسكو إلي "الإحجام والحذر"، بل "انتقاد ومعارضة" هذه الحرب، إذ وجهت روسيا انتقادات للضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي في العراق وسوريا، واصفة إياها بأنها "أعمال أمريكية"، تفتقد إلى الشرعية الدولية.

كما أبدت روسيا اعتراضها على المطالب التركية بإقامة منطقة عازلة بينها وبين سوريا، وترى أن خطوة كهذه بحاجة إلى تفويض من مجلس الأمن الدولي؛ فموسكو حليف وثيق للأسد، وهي مصدر السلاح الأول لنظامه، ولم تدخر وسعاً في دعمه سياسياً ودبلوماسياً على الساحة الدولية، في حين ظلت علاقتها مع المعارضة السورية متوترة ولم تنجح أبداً في استمالتها.

الموقف الروسي الرسمي

خلال اجتماع باريس في 15 سبتمبر الماضي، الذي بحثت فيه قوى دولية وإقليمية عديدة سبل مواجهة "داعش" بعد حالات إعدام وذبح بحق بعض الرهائن الغربيين، صرح وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف أن ضرب مواقع "داعش" في سوريا دون التشاور مع دمشق سيكون انتهاكاً للقانون الدولي، داعياً المجتمع الدولي إلى "التكاتف ضد خطر الإرهاب الدولي، ومواجهته بثبات ومن دون معايير مزدوجة"، مؤكداً على أنه "لا يتعين وجود معايير مزدوجة في التعامل مع الإرهاب، أكان اسمه ‏‏"النصرة"، أو "داعش"، أو أي شيء آخر".

واللافت أن حديث لافروف ذكر صراحة أن "سوريا وإيران حليفتان ‏طبيعيتان في الحرب ضد "داعش"، ومشاركتهما يمكن أن تغذي أعمالنا". وهاجم لافروف الولايات المتحدة من دون ‏أن يسميها بقوله: "لا أحد يستطيع الادعاء أكثر من غيره أنه يصرف أي نوع من الاستراتيجيات يتعين اختياره، وتحتاج ‏إليه المنطقة"، مشيرًا إلى ضرورة أن يأتي العمل ضد الإرهاب على الأسس القوية التي تقوم عليها الأمم المتحدة، ‏وعلى أدواتها وآلياتها، فضلا عن "أننا نواجه الأعداء أنفسهم في العراق وسوريا وأماكن أخرى، ولذا فلا مجال لتغيير ‏المعايير‎".

تصريحات لافروف هذه أكدتها موسكو قاطعة على لسان اناطق باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش الذي قال: "إن روسيا لن تنضم في كل الأحوال إلى تحالفات دولية لمكافحة الإرهاب.. وأن لديها وسائلها الخاصة لدعم الحكومات التي تتعرض للإرهاب مثل العراق أو سوريا التي قدمنا ومازلنا نقدم لها مساعدات فنية وتقنية وعسكرية ومعلوماتية".

وفي 20 أكتوبر الجاري، وفي محاضرة ألقاها في موسكو، حول السياسة الخارجية الروسية، أعلن لافروف، أن بلاده لم تنضم إلى التحالف ضد تنظيم "داعش" الإرهابي "لأنه يعمل دون تفويض مجلس الأمن"، مشيراً إلى أن واشنطن "لم تقدم توضيحات بشأن عمليتها في سوريا، وأنها تقوم بالتوازي مع ضرب "داعش" بدعم المعارضة المسلحة، التي تعتبرها معتدلة ومقبولة، وذلك لتعزيز قدراتها لتتمكن من إسقاط نظام الأسد".

ودعا لافروف إلى "تشكيل تحالف حقيقي ضد المتطرفين على أسس استراتيجية مشتركة وقرار دولي"، مشيراً إلى أن "مكافحة الإرهاب وفق خطة جيو- سياسية ترمي لمعاقبة هذا النظام أو ذاك سبيل خاطئ ولا أخلاقي ويؤدي إلى تفاقم الفوضى".

وفي اليوم التالي، وخلال لقائه مع المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو، أعلن لافروف أنه من الضروري لنجاح المفاوضات حول تسوية الأزمة السورية إشراك دول الجوار وضمان مشاركة وفد واسع التمثيل للمعارضة.

وبخصوص مضمون المفاوضات بشأن التسوية السورية، والتي تأمل موسكو في استئنافها، أشار لافروف إلى أن هناك أساساً جيداً، ألا وهو بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012، مضيفاً أن "المبدأ الرئيسي الذي سنصر عليه هو ضرورة تهيئة الظروف لتقوم الأطراف السورية وممثلو كافة الطوائف والقوى السياسية بتقرير مصير بلادهم بأنفسهم". وقال لافروف إن كثيرين كانوا يغضون أنظارهم عن خطر مسلحي "داعش"، لأنهم كانوا "يريدون استخدامهم لمواجهة الأسد، ولكن هدف هؤلاء الناس (مسلحي داعش) هو إقامة دولة خلافة في المنطقة بأسرها والتحكم في العالم الإسلامي، بينما كانت موسكو تحذر شركاءها الغربيين بشكل شبه يومي من تقسيم الإرهابيين إلى "طيبين" و"أشرار".

وعلاوة على ذلك، دخلت روسيا على خط إيران في تحذير رئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي، من التحالف الدولي، واعتبرته "خديعة جديدة في المنطقة"؛ إذ أوصلته رسالة صريحة تبلغه فيها أن تصريحات القادة الأمريكيين حول "داعش" وتضخيم حجمه وخطورته غير واقعية، والمدة التي حددتها طويلة وطبيعة الغارات الجوية التي تنفذها تشير إلى سعي لإطالة وقت مهمة التحالف في العراق مدة أطول من اللازم". وحذرت الرسالة الروسية من "موافقة العبادي على إقامة أية قواعد عسكرية أمريكية في البصرة أو الأنبار جنوب وغرب البلاد، لأن العراق سيكون مسلوب السيادة والإرادة السياسية"، وكشفت الرسالة عن استعداد موسكو "لمساعدة العراق في التخلص من التهديدات الإرهابية في أقل من عام وإعادة الهدوء إلى جميع أجزاء البلاد".

محددات الموقف الروسي

تقف وراء هذه السياسة الروسية "الحذرة" والمعارضة تجاه الحرب ضد (داعش) في الواقع عدة أبعاد ومحددات، من أبرزها:

أولاً: أن روسيا لم تكن مستعدة للتطورات الجديدة في الشرق الأوسط على خلفية المواجهة غير المسبوقة مع الغرب في أوكرانيا، والتي يبدو من الصعب حتى الآن التكهن بتطوراتها ومآلاتها، وترى موسكو  أنه مهما كانت مسارات تسوية الأزمة الأوكرانية، فإن المعركة الأكبر باتت تتعلق بمكانة روسيا في المنظومة الأوروبية اقتصادياً وأمنياً ونفوذها في الفضاء السوفيتي السابق، إضافة إلى مواجهة خطر توسع الناتو شرقاً.

ثانياً: أن روسيا ليست راغبة في المساهمة بدور في تحركات تقودها الولايات المتحدة ولا ينتج عنها في المحصلة "نجاح" للدبلوماسية الروسية، التي فشلت في التعامل بسرعة مع موضوع تهديدات "داعش"، وبشكل يوفر لروسيا فرصة تحقيق انتصار دبلوماسي شبيه بنجاحها في تسوية أزمة الملف الكيماوي السوري، بالاتفاق مع واشنطن، في نوفمبر 2013، والذي أسفر عن تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها.

ثالثاً: ترى موسكو أنها ليست قادرة على عرقلة تحركات واشنطن وحلفائها في سورية والعراق، لكنها تستطيع تعقيد مهماتهم عبر التلويح الدائم بأهمية العودة إلى مجلس الأمن حيث يمكنها فرض شروط لاستصدار أي قرار، وفي حال فشلت في ذلك ستواصل محاولات تعقيد المهمة، لأن عثرات واشنطن وحلفائها ستكون بدورها مدخلاً لكسب مزيد من النقاط في هذه المعركة المفتوحة.

ولعل هذا ما يفسر الغضب الروسي من "تسرع" دمشق في إعلان استعدادها للانخراط مع الجهد الدولي، وهو أمر سعت إلى معالجته عبر الاتصالات المباشرة (لقاء لافروف مع وليد المعلم في نيويورك) أو عبر إطلاق تحذيرات علنية كما فعل مندوب روسيا لدى مجلس الأمن فيتالي تشوركين عندما دعا دمشق إلى "عدم المراهنة على تعهدات واشنطن".

رابعاً: إن ما يُصعب من الموقف الروسي تجاه التحالف الأمريكي الدولي لمحاربة "داعش" يتمثل في موافقة دول المنطقة على المشاركة فيه، وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج، وإن كانت هناك بعض التحفظات والتباينات بشأنها مع واشنطن؛ وهو ما يزيد من حرج وضعف الموقف الروسي المعارض، فموقفها يبدو "ملكياً أكثر من الملك"، حتى لو كان هذا الموقف يحظى بدعم صيني وترحيب إيراني وسوري.

خامساً: ثمة اختلاف جذري بين موسكو وواشنطن في تعريف الإرهاب وسبل التعامل معه، فموسكو على رغم اعترافها بأن تنظيم "داعش" يمثل أحد أبشع أشكال الإرهاب، لكنها لا تنسى أن واشنطن لم تتعامل مع نشاط المتشددين الإسلاميين في روسيا (القوقاز وآسيا الوسطي) بالمعيار ذاته،  وأن كثيراً من التنظيمات التي اعتبرتها روسيا إرهابية لم تصنفها واشنطن كذلك.

مخاوف وهواجس روسية

تثير هذه المحددات المختلفة الأوجه عدة مخاوف وهواجس محتملة لدى روسيا، ربما تستعد موسكو لوضع أسس للتعامل معها في المدى المنظور، وتتمثل هذه المخاوف فيما يلي:

1 ـ تخشى روسيا من أن تستجيب الولايات المتحدة للمطالب الملحة من قبل المعارضة السورية المعتدلة وتركيا ودول الخليج للقيام بقصف ليس فقط مواقع "داعش"، وإنما أيضاً قوات الأسد. إذ لاحظت موسكو أن إدارة اوباما طلبت من الكونجرس تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم "المعارضة السورية المعتدلة"، فضلا عن موافقة السعودية على إقامة معسكرات تأهيل وتدريب لقوات المعارضة السورية في أراضيها.

2 ـ تتخوف روسيا أيضاً من أن يتمثل الهدف النهائي للاستراتيجية الأمريكية في "قلب" المعادلات الإقليمية القائمة في المنطقة، وتقسيم بعض دولها وإعادة هندستها على نحو يخدم المصالح الأمريكية، وبدرجة تخرج روسيا من المنطقة وتحصرها في إطار الصراع داخل أوروبا حول أوكرانيا، خصوصاً في ظل التضخيم الإعلامي المتعمد لقوة "داعش"، والحديث المتكرر عن الحرب "الطويلة" في المنطقة من جانب المسؤولين الأمريكيين، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين.

3 ـ احتمال "تبخر" ما كان يتردد داخل روسيا وخارجها عن "التحول/الانعطاف" الأمريكي من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا والباسيفيك (مبدأ أوباما)، لأن هذا "التحول" "المحتمل" أو "الافتراضي" يمثل فرصة لدول مثل روسيا والصين، لملء الفراغ في تلك المنطقة وتعزيز وجودهما فيها، في إطار معادلة الصراع والتنافس بين واشنطن وهذه الدول على المصالح السياسية والاقتصادية بالمنطقة.