أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تأثير مزدوج:

دلالات عودة الاهتمام بـ"الإعلام الحربي" في المنطقة

27 أكتوبر، 2016


في ظل تصاعد حدة الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات عديدة، تم استدعاء نموذج "الإعلام الحربي" مرة أخرى ليظهر في واجهة أنماط الإعلام المتنوعة في المنطقة، نظرًا لحاجة الأطراف الرئيسية في تلك الصراعات إلى تأكيد قوتها ونفوذها في مناطق الصراع، وحشد مؤيدين لمواقفها وسياساتها.

ويبدو أن هذا النمط من الإعلام بات يمارس دورًا واضحًا في توجيه مجريات الأحداث، من خلال التأثير على اتجاهات الرأي العام، ولعل النموذج الأقرب لهذا النمط من الإعلام هو أسلوب تناول الإعلام الأمريكي للحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق، والذي ساعد في خلق قاعدة عريضة مؤيدة لهذه الحرب على الرغم من الخسائر الكبيرة، المادية والبشرية، التي مُنِيت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن على الرغم من تزايد دور "الإعلام الحربي" في التأثير على الصراعات من خلال قدرته على توجيهها واستقطاب تأييد الرأي العام؛ إلا أنه ساهم، إلى حدٍّ كبير، في تفاقم حالة الانقسام التي تُعاني منها مجتمعات كثير من دول الإقليم، كونه في الأساس أحد أنواع الإعلام "الموجه" الذي غالبًا ما يتسم بالتحيز واتخاذ مواقف مسبقة، والدفاع عن أيديولوجيا معينة، فضلا عن أنه يُعد أحد أدوات الحروب النفسية، نظرًا للدور الذي يقوم به في حشد القوى المؤيدة، واستمالة الأطراف المحايدة، أو تلك التي لم تحسم ‏مواقفها بعد من أزمةٍ أو صراعٍ ما.

نماذج متعددة:

خلال الفترة الماضية تزايدت الاستعانة بما يُعرف بـ"الإعلام الحربي" من خلال إطلاق قنوات جديدة ومواقع إليكترونية وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحويل مسارات بعض القنوات العامة والخاصة لخدمة هذا الهدف.

وقد مثلت الأزمة السورية انطلاقة حقيقية لهذا النمط من الإعلام خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث أبدت أطراف الصراع فيها اهتمامًا بتخصيص مساحات واسعة من القنوات والمواقع الإليكترونية التي تُسيطر عليها للتركيز على ما تعتبره "نجاحات" في السيطرة على المزيد من المناطق، وإعلان البيانات الصادرة عنها.

وقد جند النظام السوري القنوات الرسمية في التليفزيون لهذا الهدف، وهو الأمر ذاته الذي انتهجته المعارضة الداخلية والخارجية من خلال الاستعانة بقنوات تليفزيونية مثل قناتي "سوريا الشعب" و"سوريا 18 آذار"، بالإضافة إلى المواقع الإليكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.

ولتحقيق الهدف ذاته، قام تنظيم "داعش" بتوظيف عدة مؤسسات إعلامية تقع في مناطق سيطرته في العراق وسوريا مثل "أجناد"، و"الفرقان"، و"الاعتصام"، و"قناة الحياة"، و"إذاعة البيان"، ومجلة وموقع "دابق"، وعدد كبير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويُلاحظ أن تجربة العراق مع "الإعلام الحربي" قد تبلورت مع ظهور ميليشيا "الحشد الشعبي" التي حرصت على الاستعانة بمنصات إعلامية موالية لإيران، وإطلاق أخرى، فاستخدمت قنوات مثل "الأنوار"، و"العهد"، وغيرها، إلى جانب مواقع إليكترونية مثل "كتائب الإعلام الحربي"، وصفحة "كتائب الإعلام الحربي الداعم لنداء المرجعية الدينية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وفي ليبيا، يلاحظ أن ثمة نشاطًا ملحوظًا لـ"الإعلام الحربي" الذي لا يقتصر فقط على وسائل الإعلام المرئية؛ حيث تبرز مجلة "المسلح" التي تتصدر المشهد الإعلامي العسكري الليبي، وتركز على التعريف بالمؤسسة العسكرية الليبية محليًّا ‏وعالميًّا، وكذلك مجلتا "الأفق" و"التدريب"، إلى جانب البرنامج الإذاعي ‏‏"نسور الجو"، فضلا عن عدد من المواقع ‏الإليكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.

وفي اليمن، تقوم القنوات التي يُسيطر عليها الحوثيون بالدور ذاته، لا سيما قناة "المسيرة"، إلى جانب مواقع إليكترونية كثيرة تعمل في هذا الإطار.

بينما يظل إعلام المنظمات الفلسطينية، بقنواتها التليفزيونية ومواقعها الإليكترونية وحساباتها على صفحات التواصل الاجتماعي، النموذج التقليدي الدائم لـ"الإعلام الحربي" الساعي إلى حشد الرأي العام وحضه على تبني مواقفها، على غرار موقع "الإعلام الحربي لسرايا القدس"، التي تمثل الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي".

خمسة مؤشرات:

تطور شكل وأسلوب "الإعلام الحربي" خلال السنوات الماضية بدرجة كبيرة، وهو ما يبدو جليًا في المؤشرات التالية:

1- آليات مختلفة: بدا أن ثمة تطورًا واضحًا في الأسلوب والآليات المستخدمة في إيصال رسائل الإعلام الحربي للمتلقي؛ إذ لم تعد تقتصر على تصوير العمليات العسكرية، والتركيز على الانتصارات وتضخيمها صغيرة كانت أم كبيرة. فعلى سبيل المثال، اعتمد "الإعلام الحربي" التقليدي فيما مضى على تقزيم العدو أو الطرف الآخر المنافس، حيث عادةً ما يتم التعتيم على العمليات الناجحة التي يقوم بها العدو، والتقليل من نجاحها، بينما يعتمد "الإعلام الحربي" الحالي، في شق منه، على حملات تشويه أو بالأحرى "تكريه" الرأي العام في ممارسات العدو العدوانية والشرسة، من خلال التركيز على العمليات التي يقوم بها.

ففي هذا السياق، ظهرت مقاطع الفيديو الخاصة بعمليات القتل التي يقوم بها تنظيم "داعش" في القنوات السورية الموالية للنظام، وكذلك في القنوات التابعة لميليشيا "الحشد الشعبي" في العراق، إلى جانب وسائل الإعلام الإيرانية. وبالطبع، فإن أحد الأهداف التي تسعى تلك الأطراف إلى تحقيقها من خلال ذلك هو تبرير انخراطها المستمر والمباشر في الصراعات المسلحة العابرة للحدود.

2- قضايا جديدة: امتد تناول "الإعلام الحربي" للحديث عن مهددات الأمن القومي للدول، وهو ما كان محظورًا في السابق أيضًا، حيث ظهرت العديد من البرامج الحوارية التي تناقش قضايا الأمن القومي وما يتعرض له من تهديدات لا سيما الإرهاب الذي لم يعد يتم التعتيم على عدد ضحاياه وقدرته على اختراق الداخل، بل إن الكشف عن ملابسات العمليات الإرهابية بات أحد أهداف هذا النمط من الإعلام، وذلك من أجل تهيئة الرأي العام لتأييد جهود محاربته، والمساهمة في تحجيم قدراته، اعتمادًا على فكرة مفادها أن استقرار الدول والشعوب يتوقف على مدى إدراك حجم المخاطر ‏والتهديدات التي تستهدفه أمنيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.

3- تكنولوجيا متطورة: استفاد "الإعلام الحربي" من التطور الذي شهده قطاع الاتصالات في العالم، فلم يعد يقتصر على تغطية أخبار الحرب في الصحف، والقنوات الفضائية، حيث انتشرت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بوسائل "الإعلام الحربي"، فنشطت صفحات مثل "فريق الإعلام الحربي" التابعة لميليشيا "الحشد الشعبي" على موقع "تويتر" والتي تحظى بمتابعة 104 آلاف متابع نشط، وكذلك "الإعلام الحربي للجيش اليمني واللجان الشعبية" على موقع "فيسبوك" والتي حملت شعار "معًا نحو ساحات التعبئة والجهاد" ويتابعها 44.499 متابع.

4- مجال واسع: على الرغم من أن وسائل "الإعلام الحربي" عادةً ما تكون تابعة إما لدولة أو طرف واحد، فإنه يُلاحظ أن بعض المواقع الإليكترونية قد تخصصت في تقديم نمط "الإعلام الحربي" بتوسع لا يقتصر على دولة واحدة، أو على مواجهة عدو واحد، وهو ما يبدو واضحًا في وسائل الإعلام والمواقع الإليكترونية التي تهتم بنشر أخبار وتقارير عن الصراعات المسلحة في دول الأزمات في المنطقة.

5- مهام عديدة: اتسعت مهام "الإعلام الحربي" لتشمل تعزيز "الأمن الثقافي" للمجتمعات من خلال نشر ثقافة الوعي بإجراءات السلامة والوقاية، ومحاولة إزالة ‏الرهبة من النفوس بالتهيئة والإعداد لاحتمالات الصراع المسلح، وهو ما ظهر جليًّا -على سبيل المثال- من خلال تغطية وسائل الإعلام الروسي بشكل مكثف لاحتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة؛ حيث نشرت قناة "روسيا 24" الإخبارية تقريرًا حول تحضير ملاجئ للحماية من ضربات نووية في موسكو وسان بطرسبرج، كما تناول موقع مجلة "فونتانكا" الروسية أخبارًا عن إمكانية قيام حاكم المدينة بتقنين الخبز استعدادًا لحرب مقبلة.
اتجاهات مضادة:

وفي النهاية، يُمكن القول إنه مثلما فرضت أحداث المنطقة استدعاء نمط "الإعلام الحربي"؛ فإن ذلك الأخير سيعمل على فرض قضايا بعينها على الساحة الإقليمية والدولية من شأنها التأثير على مجريات الأحداث وتطوراتها، لا سيما في ظل التحيز غير الخفي لوسائل الإعلام التي تعمل وفق هذا النمط الإعلامي، والذي ينتج عنه -في كثير من الأحيان- تضليل للرأي العام من خلال التركيز على قضايا بعينها، وإغفال أخرى، أو تعظيم أخطار وتقزيم أخرى، بما يخدم أهداف ومصالح الدول والأطراف التي تستعين بهذا النمط من الإعلام.