أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الفاشية مدخلاً:

ماذا يفسر انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط؟

23 يونيو، 2015

الفاشية مدخلاً:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 14 يونيو 2015، الدكتور عبدالمنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في لقاء عام تحت عنوان "المداخل النظرية لتفسير انتشار الإرهاب والعنف في منطقة الشرق الأوسط".

وقد أكد الدكتور سعيد أن توصيف حالة إقليم الشرق الأوسط في الوقت الراهن تقوم على عدة مدارس، يمكن تصنيفها إلى مدرستين أساسيتين، الأولى هي المدرسة الأمريكية، والثانية هي المدرسة العربية.

أولاً: مدرسة الأسباب الجذرية والبنيوية

ترجع المدرسة الأمريكية ما يمر به الشرق الأوسط من تحولات دراماتيكية منذ الثورات العربية، لاسيما ما يتعلق بتلك الموجة غير المسبوقة من العنف والتطرف والحرب الداخلية والإرهاب، إلى ما يعرف بالمشكلات الجذرية (Root Causes)، فثمة قناعة لدى أنصار هذه المدرسة، سواء من قبل اليمين أو اليسار، بأن هناك أسباباً بنوية في المجتمعات العربية والإسلامية تقود إلى تلك الحالة التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط اليوم.

وداخل هذه المدرسة يركز الاتجاه الليبرالي والمحافظ أيضاً، على البنية السياسية، من استبداد وإقصاء، ومقولات مثل لا مؤسسات ولا ديمقراطية، واختلال البنية الديموغرافية من حيث زيادة أعداد الشباب، وكلها عوامل تقود إلى تفجر الوضع كما يحدث منذ أربع سنوات.

أما الاتجاه اليساري فهو يتحدث أيضاً عن المشكلات الجرية والبنيوية، لكنه يعتمد على مدخل اقتصادي واجتماعي بالأساس، حيث يشير إلى قضايا الطبقية وعدم المساواة، وتركيز الثروات في فئة محددة، وضعف أو غياب مقومات التنمية البشرية والاجتماعية.

ويواجه كل من الاتجاهين السابقين مشاكل حقيقية في تفسير ما تمر به منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، كان لدى الصين مشكلات وأزمات أعمق، سياسياً واقتصادياً، من تلك التي تعرفها المنطقة العربية، ومع ذلك لم يحدث في الصين ما يحدث لدينا في العديد من دول المنطقة.

أما المثال الآخر فهو ما يتعلق بمقياس العدالة الاجتماعية، والذي يعتبره الاتجاه اليساري من المشكلات الجذرية، فيلاحظ أن مصر، على سبيل المثال، أكثر عدالة اجتماعية مقارنة بدول متقدمة مثل الولايات المتحدة ودول أخرى كالصين والهند وتركيا؛ فمصر تعتبر في منزلة وسط في هذا السلم وفق المؤشرات الدولية.

من جانب آخر، لا يمكن للقهر والإقصاء والتهميش أن تبرر هذا الكم الهائل من الانفجار الذي يحدث بمنطقة الشرق الأوسط، فهل المشكلة الجذرية في الدولة أم في نظام الحكم أم في التنظيم الاجتماعي والاقتصادي؟

من هنا، فإنه لا يمكن الأخذ بنظرية المشكلات الجذرية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لمحاولة تفسير ما يمر داخل دول الشرق الوسط وما ينتظرها من مستقبل.

ثانياً: مدرسة التآمر والإحباط

أما المدرسة العربية فهي تنحصر في معظم الأحوال في نظرية المؤامرة، والتي يعتقد أنصارها أن ما نحن فيه الآن ما هو إلا صورة منحرفة من صور المقاومة، فنحن مستهدفون منذ الحروب الصليبية، وفي العصر الحديث منذ عهد محمد علي باشا، وصولاً إلى حروب 1948 و1967، وصولاً لغزو العراق عام 2003 وما بعدها. ويشار اليوم إلى أن ثمة استهداف غرب يعمل على تدمير دولة أو مجموعة من الدولة وتدمير القوى العربية.

وإلى جانب ذلك، ثمة نظرية تاريخية أخرى تسعى لتفسير ما نمر به الآن، وهي تعتمد على مدخل الإحباط، حيث بلغ مبلغاً يجعل الأفراد يفعلون أي شيء غير منطقي كرد فعل على الأحداث.

لكن التاريخ لا يشير غالباً لذلك تحديداً، فالعنف كان يستخدم لمقاومة الاحتلال مثل حالة جيفارا، وكذلك اللاعنف كان يستخدم لذات الهدف كما في حالة غاندي؛ ما يدل على أن الإحباط ليس مبرراً أبداً لكافة أنواع العنف التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

وهناك شعوب في العالم قد تعرضت لدرجات أعلى كثيراً من الظلم والإحباط مما تعرضت له شعوب الشرق الأوسط، فاليابان مثلاً قد ضربت بالقنابل النووية، تراجعت عصوراً للوراء، لكنها لم تشهد مثل هذا العنف الجماعي لاحقاً.

ثالثاً: الفاشية كنموذج للتفسير

إن هذا العنف الجماعي وهذه القسوة الإنسانية قد يوضعان تحت رداء عام اسمه "الفاشية"، وهي نزعة عنصرية واضحة تأتي من ثقة خاطئة في الله ومن نظرة عنصرية لكل من ليس معك، ومن جنة موعودة في الدنيا والآخرة.

هنا يجب أن نعود لمولد الفكر السياسي الإسلامي بوجه عام، فقد ظهرت ثلاث مدارس فكرية كبرى بعد فترة وجيزة من وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي:

1 ـ المدرسة الأولى تقول إن السلطة تكون لأهل البيت، فهم لديهم علم خاص، وأفرزت خلافاً حول بني هاشم، وأخرجت المتشيعين فيما بعدـ وكأنها مدرسة أرادت أن تورث القدرة الإلهية التي حدثت مع الرسول محمد.

2 ـ المدرسة الثانية تعتبر مدرسة أهل السنة والجماعة، وقالت إن الحكم يكون في قريش كلها (بني هاشم، بني أمية....إلخ)، ووفقاً لما ذهب إليه ابن خلدون، فنحن هنا بصدد جماعة قادرة على الحكم، وخليفة قادر عليه بالسيف والعصبية؛ فالممالك توالت وتعاقبت بهذه الكيفية، أي من يستطيع الحكم فليحكم.

3 ـ المدرسة الثالثة كانت هي الخوارج، والذين على الرغم من أنهم بدوا عقلاء في بداية الفتنة الكبرى، حينما أشاروا إلى أنه لا يجب أن يحكم أحد من نسب الرسول لا يمتلك الجدارة، وكذلك لا يمكن أيضاً الاستناد على السيف والعصبية وحدهما لأن ذلك ليس من الحكمة؛ فإنهم أنتجوا ما يقال بأن الحكم تأتي من القرآن، فخرجوا بفكرة الحاكمية، وبفكرة الفرقة الناجية من النار، وهما فكرتان جعلتا الإقصاء يبلغ أقصى صوره في هذا الفكر الذي لم يختف منذ هذا الوقت وحتى اللحظة، فهو فكر يخبو أو يضعف في فترات تاريخية، لكنه يظهر ويصعد في فترات أخرى، ومنه ظهرت جماعات مختلفة مثل الحشاشين وقت الحروب الصليبية، فهم كانوا من الخوارج.

إن الشرق الأوسط عاش طويلاً على هذه الأفكار المتطرفة، والتي دعمت بشكل خبيث بأفكار أخرى قادت إلى تطور نظرية فاشية تظهر في سلوكيات "داعش" والقاعدة وأنصار بيت المقدس وبوكو حرام وغيرها، فهي مجموعات عالمية عنيفة أوجدت أشكالاً ومبررات فاشية للتطرف الذي يصل حد القتل.

هذه الأفكار الفاشية منها ما يعتمد على فكرة السيادة العالمية، ولهذا تغيب الدولة عن فكر هؤلاء جملة وتفصيلاً، فأرض الله هي الكرة الأرضية كلها بالنسبة لهم، ولا توجد الدولة ـ الأمة، ولكن الأمة ـ الدولة إن جاز التعبير. كما أن هؤلاء عنصريون لأنهم يقسمون الناس لمراتب مختلفة، فثمة مواطنون ورعايا وأتباع... إلخ، وهؤلاء إقصائيون، فلا يوجد فاشي دخل في تحالف لأنه إقصائي، ولكنه يقوم بعمليات التجنيد وتراكم الخبرة العسكرية والمجنية وسط هدف غامض بعض الشيء.

من هنا يعشق الفاشيون الشراسة الشديدة والفوضى اللامتناهية، ولهذا ليس لديهم أي استعداد للدخول في عملية سياسية أو تفاوضية حقيقية، وتكمن المشكلة هنا في أن الغرب يتعامل مع كل مكان به لحظة فاشية بمنطق منفرد، ولا يوجد إدراك لحقيقة ترابط هذه الجماعات الفاشية "الدينية" لوجستياً وفكرياً، بل لا يوجد إدراك أن انتشار الخطاب الديني الفاشي يعود إلى ذلك التنافس بين الجماعات والتنظيمات الجهادية والمتطرفة.

أخيراً، يشير الدكتور عبدالمنعم سعيد إلى أنه لا يمكن إغفال توجهات كل مدرسة من المدارس السابقة، لكن الفاشية كمدخل نظري للتفسير تبدو هي الأقرب لشرح وتفسير أكبر عدد من المواقف في منطقة الشرق الأوسط، وتلك وظيفة النظرية، موضحاً أن الفاشية تختلف عن الديكتاتورية، فليس كل ديكتاتور أو استبدادي يكون فاشياً بالضرورة، وذلك على نقيض التوتاليتارية، فهي مثل الفاشية، تقوم في الأساس على فكرة وجود "جنة موعودة".