أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

احتمال مُستبعد:

فرص نجاح واشنطن في تأجيج العلاقات بين بكين ومانيلا

25 أبريل، 2023


قام وزير الخارجية الصيني، تشين جانج، بزيارة إلى الفلبين، في الفترة من 21 إلى 23 إبريل 2023، التقى خلالها بالرئيس، فرديناند روموالديز ماركوس الابن، ونظيره إنريكي مانالو، بهدف بحث قضايا الأمن الإقليمي ذات الاهتمام المُشترك وإدارة الخلافات بين البلدين بشأن بحر الصين الجنوبي، إلى جانب تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

محاولات أمريكية لتوتير العلاقات

جاءت الزيارة في ظل أجواء من التوتر المتصاعد في منطقة جنوب شرق آسيا، على خلفية تحركات أمريكية تجاه الفلبين، الجار الاستراتيجي لبكين، قوبلت بانتقادات حادة من قبل الأخيرة لكونها تزعزع الأمن والاستقرار الإقليميين، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- تعزيز التحالف الأمريكي الفلبيني: تزايدت في الفترة الأخيرة وتيرة التعاون العسكري بين واشنطن ومانيلا، ومن أبرز مؤشرات ذلك؛ إجراء أكبر مناورات عسكرية مُشتركة بين الدولتين في الفترة من 11 إلى 28 إبريل 2023، بمشاركة نحو 18 ألف جندي، وتضمنت للمرة الأولى إطلاق ذخيرة حيّة على أهداف في مياه بحر الصين الجنوبي.

كما أعلنت الدولتان، مطلع فبراير 2023، التوصل إلى اتفاق يسمح للجيش الأمريكي باستعمال أربع قواعد عسكرية إضافية في الفلبين، بالإضافة إلى القواعد الخمس السابقة، وتخزين معدات وإمدادات عسكرية ودفاعية في تلك القواعد، وذلك بموجب معاهدة التعاون الدفاعي المعزز الموقعة بينهما عام 2014، وذلك خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى مانيلا. 

هذا إلى جانب انعقاد الحوار الوزاري الثالث بين الولايات المتحدة الأمريكية والفلبين في إطار صيغة (2+2)، بواشنطن في 12 إبريل 2023، بمشاركة وزيري دفاع ووزيري خارجيتي البلدين، حيث اتفقت الدولتان على استكمال التفاوض بشأن المساعدة العسكرية الأمريكية لمانيلا على مدى الخمس إلى العشر سنوات المقبلة. 

وتُشير هذه التطورات إلى توجه واشنطن نحو تعزيز وجودها العسكري في الفلبين، وبالتالي الاقتراب أكثر من الأراضي الصينية، خاصة وأن القواعد الجديدة تُعد قريبة نسبياً من جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي، كما أنها جاءت رداً على تزايد الوجود العسكري الصيني في المنطقة.

2- توسيع التحالفات الأمريكية في مواجهة بكين: تهدف واشنطن إلى استقطاب الفلبين للتحالفات الإقليمية التي دشنتها واشنطن لمواجهة الصين، سواءً مع اليابان أو كوريا الجنوبية. وليس أدل على ذلك من أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي لمانيلا، مطلع فبراير 2023، جاءت عقب زيارة أجراها إلى كوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي من شأنه إثارة التوتر مع الصين وتهديد الاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا، إذا ما نجحت الجهود الأمريكية.

3- دعوة الرئيس الفلبيني لزيارة واشنطن: عملت واشنطن على تفعيل اتصالاتها مع الحكومة الفلبينية الجديدة منذ تولي ماركوس الابن السلطة في يونيو 2022، حيث زار العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين العاصمة الفلبينية مانيلا، ومنهم وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، كما التقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الفلبيني على هامش اجتماعات الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر 2022. 

ومن المقرر أن يقوم الأخير بزيارة واشنطن في 1 مايو 2023، للقاء الرئيس بايدن في البيت الأبيض، بهدف التباحث حول الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين وفقاً لما أعلنته الحكومة الفلبينية. وتشير هذه الاتصالات رفيعة المستوى إلى التزام الولايات المتحدة القوي بدعم مانيلا، وتقوية موقف مانيلا في مواجهة الصين.


تعاون قوي رغم الخلافات

على الرغم مما شاب العلاقات بين الصين والفلبين في الفترة الأخيرة من خلافات، فإن التقارب والتعاون يُعد السمة الغالبة على هذه العلاقات، ويمكن تفصيل أبعاد التعاون والخلاف على النحو التالي: 

1- اتصالات رفيعة المستوى: تبادلت الصين والفلبين خلال الفترة الماضية العديد من الاتصالات السياسية رفيعة المستوى. ففي أوائل يناير 2023، قام ماركوس الابن بزيارة الصين، والتقى نظيره شي جين بينغ. وسبق للرئيسين الالتقاء على هامش القمة الـ 29 للزعماء الاقتصاديين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في تايلاند يومي 18 و19 نوفمبر 2022، حيث اتفقا على تعزيز المشاورات الودية بين بلديهما، وخاصة بشأن النزاعات الإقليمية والنزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي. 

وفي 24 مارس 2023، التقى نائب وزير الخارجية الصيني، سون وي دونج، وزير الخارجية الفلبيني، إنريكي مانالو، في مانيلا، في إطار جهود البلدين لحل الخلافات البحرية بينهما. كذلك، التقى وانج يي، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وعضو المكتب السياسي للحزب في 3 إبريل 2023، الرئيسة الفلبينية السابقة والنائبة الأولى لرئيس مجلس النواب الفلبيني جلوريا ماكاباجال أرويو ببكين.

2- مصالح اقتصادية قوية: هناك تعاون اقتصادي وتجاري قوي بين الصين والفلبين، حيث تُعد الصين شريكاً تجارياً رئيسياً للفلبين، ولاسيما في مجالات التجارة الزراعية والآلات والطاقة ومصايد الأسماك البحرية. وتُعد الصين أكبر شريك تجاري للفلبين وأكبر مصدر للواردات وثاني أكبر سوق تصدير. 

ففي عام 2022، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 87.72 مليار دولار. وخلال زيارة ماركوس الابن لبكين في يناير 2023، وقع الجانبان 14 اتفاقية تعاون في مجالات الزراعة والبنية التحتية والأمن البحري والسياحة. 

3- استمرار النزاعات البحرية: يمثل الصراع بين مانيلا وبكين على السيادة على عدة جزر في بحر الصين الجنوبي أحد الملفات الخلافية بين الجانبين، كما تتهم الفلبين الصين بإرسال سفنها البحرية إلى عدة مواقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين. 

ففي فبراير 2023، اتهمت مانيلا سفينة تابعة لخفر السواحل الصينية بتوجيه أشعة الليزر الأخضر "العسكري" إلى إحدى سفنها، ما أدى إلى إصابة بعض أفراد طاقهما بالعمى مؤقتاً ما أسفر عن تعطيل مهمة إمداد في جزر سبراتلي المتنازع عليها بين الجانبين، وهي الجزر المعروفة في الصين باسم جزر نانشا.

4- تهديد واشنطن للمصالح الصينية: يلاحظ أن تنامي التحالف العسكري بين الفلبين والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة يُثير مخاوف الصين نظراً لكونه يستهدف التأثير في مصالحها الاستراتيجية، سواءً في إطار العلاقات مع الفلبين، أو في الإطار الإقليمي الأشمل في بحر الصين الجنوبي ومسألة تايوان، وهو ما يفسر رفض بكين الشديد للخطوات والإجراءات التي اتخذتها مانيلا في سياق تحالفها العسكري مع واشنطن، باعتبارها ستؤدي إلى تعريض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر، متهمة الولايات المتحدة باستغلال القواعد للتدخل في الوضع عبر مضيق تايوان لخدمة "أهدافها الجيوسياسية".

فقد صرّح السفير الصيني لدى الفلبين هوانغ شيليان، في 14 إبريل 2023، بأن قرار الفلبين بتوسيع الوصول العسكري الأمريكي من خلال القواعد العسكرية القريبة من مضيق تايوان أثار قلق الشعب الصيني، ونصح السفير الفلبين بـ "معارضة استقلال تايوان بشكل واضح"، مندداً بوجود حوالي 150 ألف فلبيني يعملون في جزيرة تايوان، ومؤكداً حق بكين في استخدام القوة للحماية من التدخل الخارجي، وجميع الأنشطة الانفصالية بشأن تايوان.

5- مساعي مانيلا لتعزيز العلاقات مع واشنطن: يتبنى الرئيس ماركوس الابن مقاربة مختلفة عن سلفه رودريجو دوتيرتي بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث يسعى إلى تفعيل علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وتقوية التحالف معها، لزيادة نفوذه في إدارة العلاقات مع الصين، بعدما ركز دوتيرتي على التعاون مع الصين، بهدف الحصول على مزايا اقتصادية ومشاريع بنى تحتية.

أبرز التوافقات خلال الزيارة

باستقراء تصريحات الجانبين الصيني والفلبيني خلال الزيارة، يمكن الوقوف على أبرز ما تم التوافق بشأنه خلال الزيارة على النحو التالي:

1- تأكيد مواصلة التعاون: أكد الرئيس الفلبيني ماركوس الابن، خلال لقائه وزير الخارجية الصيني، استعداد بلاده تعزيز الاتصالات مع الجانب الصيني، ومنع تسبب النزاعات البحرية في تعكير صفو العلاقات بين البلدين، فضلاً عن تأكيده تمسك الفلبين بسياسة "صين واحدة"، هذا إلى جانب تأكيد وزير الخارجية الفلبيني تنوع العلاقات بين البلدين وأن الخلافات في بحر الصين الجنوبي جزء من هذه العلاقات، فيما أكد وزير الخارجية الصيني استعداد بكين للتعاون مع مانيلا للتوصل إلى توافق وحل الخلافات بينهما. 

2- التزام الفلبين بالاستقلال الاستراتيجي: أكد الرئيس الفلبيني، خلال الاجتماع مع تشين جانج، تمسك بلاده بسياسة الاستقلال الاستراتيجي وعدم الانحياز إلى أي طرف، وهو ما يُشير إلى حرص الفلبين على إحداث توازن في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين، وعدم تأثر هذه العلاقات بالتنافس والصراع الجاري بين واشنطن وبكين. هذا إلى جانب ما سبق وصرّح به ماركوس الابن، في 10 إبريل 2023، بأن بلاده لن تسمح باستخدام منشآتها العسكرية في أي عمل هجومي، وأن القواعد التي تم منحها للقوات الأمريكية، تهدف فقط إلى تقديم المساعدة للبلاد أثناء الكوارث الطبيعية. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من التقارب الملحوظ في العلاقات بين الصين والفلبين، كما وضح في الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى والتعاون الاقتصادي والتجاري، فإن دخول الولايات المتحدة على خط العلاقات الصينية الفلبينية يُعد عاملاً رئيسياً في التوتر الذي يشوب هذه العلاقات بين فترة وأخرى، في ضوء التنافس والصراع بين واشنطن وبكين ومحاولات واشنطن تطويق واحتواء الصين في آسيا. ومع إدراك الصين والفلبين لأهمية تحييد التأثير الأمريكي في علاقاتهما، يظل احتمال أن تنجح واشنطن في التأثير في العلاقات بين بكين ومانيلا احتمالاً مستبعداً إلى حد كبير.