أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صحيفة الشروق:

دلالات المحاولة الانقلابية الفاشلة في السودان

03 أكتوبر، 2021


نشر مركز المستقبل لأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن يعرض فيه الأسباب التى أدت إلى محاولة الانقلاب الفاشلة فى السودان هذا الشهر، ويرى أن من أهم أسباب حدوث الانقلابات فى إفريقيا هو تقاسم العسكريين والمدنيين الحكم... نعرض منه ما يلى:

فى ظل أزمة السودان المركبة والمعقدة المرتبطة بتجربة الانتقال المتعثر وإقليم الجوار المضطرب فى القرن الإفريقى، شهدت البلاد محاولة انقلابية فاشلة فجر يوم 21 سبتمبر 2021. وطبقا للرواية الرسمية، تم اعتقال جميع المتورطين بزعامة اللواء الركن عبدالباقى بكراوى المقرب من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويتم الآن التحقيق معهم، حيث قد استهدف مدبرو الانقلاب السيطرة على الإذاعة والتلفزيون الرسميين فى أم درمان، ثم اعتقال أعضاء مجلس السيادة برئاسة عبدالفتاح البرهان، وأعضاء حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

يكرر هذا المشهد السيناريو الانقلابى المرجعى نفسه فى إفريقيا منذ أعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وهو ما يجعله عبثيا ويعبر عن حالة الهشاشة التى تعانيها المرحلة الانتقالية فى السودان. ولعل ذلك كله يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة المحاولة الانقلابية ودوافعها وأزمة الدياركية الحاكمة فى السودان ومعالم المستقبل القريب.

عوامل الدفع

الدياركية الهشة: عندما عانت إفريقيا أزمة الانقلابات العسكرية فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى تم اقتراح «الدياركية»، كطريقة برجماتية لحل إشكالية عدم الاستقرار السياسى المزمن فى العديد من الدول الإفريقية، مثل نيجيريا والسودان. إنها صيغة يتقاسم بموجبها المدنيون والعسكريون حكم البلاد على قدم المساواة. لذلك يتم إدخال الجيش فى الإدارة السياسية للبلاد على أساس دائم. على أمل فى أنه من خلال هذه المشاركة، قد يتم التخلص من الطموحات السياسية للجيش.

بعد أكثر من عامين من توقيع اتفاق تقاسم السلطة فى السودان، بات من الواضح أن دور القادة المدنيين يتراجع بينما يظل الجيش مهيمنا، حيث أطاح الجيش السودانى بالرئيس عمر البشير. وقد وقع جنرالات الجيش وفصائل المجتمع المدنى الرئيسية اتفاقا لتأسيس حكومة مدنية ومجلس تشريعى لقيادة الفترة الانتقالية فى مرحلة ما بعد البشير. لكن المجلس التشريعى لم يتم تشكيله بعد، كما ازدادت الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير، وتضاءل دعم حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الانتقالية، ويرجع ذلك فى جزء كبير منه إلى الإصلاحات الاقتصادية التى ألحقت خسائر فادحة بالعديد من الأسر السودانية. كما أن المكون العسكرى فى الحكم يعانى هو الآخر الضعف والانقسام بسبب وجود قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة وتباطؤ الجيش فى تحقيق الإصلاحات الأمنية. وعليه فإننا أمام دياركية هشة وضعيفة فى الحالة السودانية.

معضلة الإصلاح الأمنى: لايزال القادة المدنيون والفصائل المتمردة السابقة يضغطون من أجل إصلاحات حاسمة تشمل دمج الجماعات شبه العسكرية والجماعات المسلحة فى القوات المسلحة النظامية. إلا أن القادة العسكريين لا يزالون غير متحمسين للتدخل المدنى فى الشئون العسكرية باعتبار أن ذلك يمثل مسألة حساسة للغاية.

تبعات قرار تخفيف الديون: بعد الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، أصبح السودان الآن مؤهلا لتخفيف أعباء الديون فى إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى. وربما يمثل ذلك من المنظور الاقتصادى البحت تطورا إيجابيا فى مسيرة العملية الانتقالية فى السودان. ومع ذلك يستمر التضخم فى دفع الزيادات فى أسعار السلع الأساسية، مما يجعلها تفوق طاقة الفئات السكانية الضعيفة اقتصاديا، كما أثار التضخم أيضا احتجاجات على مستوى البلاد، أدت إلى إعلان سبع ولايات حالة الطوارئ. ومن جهة أخرى يتعرض السودان بشكل كبير للمخاطر الطبيعية. حيث تؤدى الكوارث بطيئة الحدوث، مثل الجفاف، إلى تدهور شديد فى الظروف الزراعية وزيادة انعدام الأمن الغذائى فى جميع أنحاء البلاد. كما أن السودان عرضة للكوارث المفاجئة، مثل الفيضانات. ففى عام 2020، تضرر ما يقرب من 900 ألف شخص فى أسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ 100 عام. وفوق ذلك كله نزح نحو 418 ألف شخص هذا العام فى أعقاب القتال والهجمات المسلحة، لا سيما فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق. كما يستضيف السودان أيضا أكثر من 1.1 مليون لاجئ، بما فى ذلك 763 ألف لاجئ من جنوب السودان وأكثر من 61 ألف لاجئ إثيوبى، ويعمل كدولة عبور رئيسية للمهاجرين من القرن الإفريقى المتجهين إلى أوروبا.

عوامل الجذب

نظرية العدوى الانقلابية: منذ أول انقلاب ناجح فى توجو عام 1960، شهدت إفريقيا أكثر من 200 محاولة انقلاب، وحقق نصفها تقريبا نجاحا. كان للسودان نصيب الأسد بحصة تفوق أكثر من 15محاولة نجحت خمسة من بينها. وتعد محاولة الانقلاب الأخيرة فى السودان أحدث تحرك من قبل العسكريين للسيطرة على السلطة فى إفريقيا. ولا شك أن نجاح الانقلابات التى وقعت فى مالى وتشاد وغينيا أخيرا تمثل دافعا لضباط الجيش من أجل التدخل والسيطرة على السلطة بحجة تنظيف البيت من الفساد وتحقيق طموحات الجماهير.

دعم فلول النظام السابق: لم تكن تلك المحاولة الانقلابية الأولى التى تعرض لها النظام الانتقالى فى الخرطوم على الرغم من أنها الأخطر، ودائما ما يلقى باللوم على أنصار النظام البائد. فثمة مخاوف من إمكانية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما قد يؤدى إلى سقوط قادة آخرين وفقا لنظرية الدومينوز. وهذا يعنى أن هناك أطرافا كثيرة نافذة فى جهاز الدولة العميقة يكون من مصلحتها تغيير الوضع القائم أو على الأقل وضع العراقيل أمام عملية الانتقال الديمقراطى فى البلاد.

استغلال حالة السيولة والفوضى الإقليمية والدولية: لا شك أن منطقة القرن الإفريقى تمر بمرحلة من عدم الاستقرار والعنف التى قد تهدد أمن المنطقة وما حولها. فثمة حرب أهلية فى كل من إثيوبيا وجنوب السودان، ونقاط حدودية ملتهبة على طول المنطقة، وتذمر شعبى واسع النطاق بسبب الصراعات العنيفة من جهة وتبعات جائحة كوفيد ــ 19 من جهة أخرى. ولعل ذلك كله يمثل فرصة سانحة للعناصر التى تسعى إلى تغيير الأوضاع وتحقيق مآرب شخصية بالتحرك والاستيلاء على السلطة بينما الجميع مشغولون بقضايا أكثر أهمية ربما تكون متمثلة فى النزعة الغربية نحو الانسحاب من إفريقيا على غرار الحالة الأفغانية أو إحياء الحلف الأنجلوفونى بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

مساوئ الدياركية فى الخبرة الأفريقية

الدياركية هى ببساطة مجرد ترتيب نفعى لصالح الأطراف المشاركة فيه، على عكس ما يتوقعه أنصاره بأنه سوف يمثل حلا سحريا لأزمة الاستقرار المستعصية فى الدولة الإفريقية فى مرحلة ما بعد الاستقلال، ويمنح الشعوب الإفريقية متنفسا للمضى قدما. ولكن من واقع التجربة، هل وفر هذا الترتيب الخاص بثنائية السلطة حلا دائما للأزمة السياسية فى الدول التى أخذت به من قبل مثل نيجيريا؟ الدياركية، فى أحسن الأحوال، مسكن وليس حلا. إذا كان الجيش كمؤسسة يتم إشراكه فى الحكم باعتباره حقا مكتسبا بقوة السلاح، فلماذا لا يتم إدخال المؤسسات أو المهن الأخرى؟ لقد أظهرت التجربة السودانية أن الدياركية قد خلقت مشاكل أكثر مما تحل. فعلى الجندى المهتم بالسياسة الحزبية أن يتخلى عن منصبه ويدخل فى السياسة مثل أى مواطن آخر.

جانب سلبى آخر فى الدياركية، هو أن وجود بعض العسكريين فى الحكومة لن يمنع آخرين خارجها، من محاولة تحقيق طموحاتهم السياسة بالانقلاب على السلطة الحاكمة. وقد شهدت إفريقيا انقلابات ضد الحكومات العسكرية. ولعل محاولة الانقلاب الأخيرة فى السودان تؤكد ما نقول. فى واقع الأمر، عادة ما تكون مثل هذه الانقلابات الفئوية التى تعكس مصالح بعض قيادات الجيش أكثر دموية من الثورات ضد الحكومات المدنية. إن الرغبة فى الاستحواذ على السلطة والثروة والمناصب تدفع العسكريين إلى الاستيلاء على السلطة بكل الوسائل. ومن الواضح أن المكون العسكرى والمدنى فى الحكم يعكس مركبا غريبا ومتناقضا. هناك اختلاف أساسى فى الثقافة والتوجه بين الحكام العسكريين والمدنيين. الجيش بحكم تكوينه المهنى والاحترافى، يتجه نحو فرض النظام والقيادة وتبنى نهج غير سياسى للمشاكل. أما المدنيون فهم مستعدون للمساومة والتوفيق فى المواقف المتضاربة، وعليه قد لا يعمل النظام الدياركى بشكل فعال ومتناغم.

على الرغم من تعثر عملية الانتقال الديمقراطى فى العديد من المجتمعات الإفريقية، فإن أفضل طريقة هى محاولة إنجاح التجربة، والتعلم من الأخطاء والاخفاقات. إنها ثقافة تتطور بالتجربة والخطأ. النظام الدياركى بأى شكل من الأشكال لن يؤدى إلا إلى حرمان الناس من فوائد عملية التعلم. فقد لا تكون التجربة الديمقراطية مثالية، لكن النظام الدياركى بالتأكيد ليس بديلا لها.

إن نجاح عملية الانتقال السياسى فى السودان والقضاء على الظواهر الانقلابية يتوقف على دعم عمليات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، والمساعدة فى بناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون فى دارفور وكل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، ودعم حشد المساعدة الاقتصادية والإنمائية وتنسيق المساعدات الإنسانية. ولا شك أن ذلك كله يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية والإقليمية، لاسيما فى مواجهة تحديات الانتقال من العملية المختلطة للاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة فى دارفور إلى يونيتامس. ومن ناحية أخرى، فثمة حاجة ملحة لتنسيق الجهود مع السودان فى حالة تدهور الوضع الأمنى فى دارفور، أو حدوث فوضى فى المناطق المهمشة.

*لينك المقال في صحيفة الشروق