أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

آمال معلقة:

الأبعاد الاستراتيجية لمحاولة فتح الطريق الساحلي في ليبيا

04 يوليو، 2021


في الوقت الذي يتطلع فيه العديد من الليبيين بتفاؤل إلى تطبيق مخرجات مؤتمر "برلين 2" لتحقيق الاستقرار في البلاد، يرى آخرون أن أولى خطوات هذا الاستقرار المنشود يجب أن تبدأ بحلحلة بعض القضايا التي تتطلب تحركاً سريعاً وحاسماً، ومن أبرزها فتح الطريق الساحلي بين مدينتي سرت ومصراتة.

وعلى الرغم من أن إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد دبيبة، يوم 20 يونيو 2021، أنه ستتم إعادة فتح الطريق الساحلي الرئيسي، بعد أشهر من المفاوضات، في إطار وقف إطلاق النار، قد أحيا الآمال لإمكانية عودة الطريق إلى العمل، بما يترتب على ذلك من منافع سياسية وأمنية واقتصادية مهمة على البلاد؛ لكن ما تداولته وسائل إعلام ليبية، في وقت لاحق في يونيو الماضي، بشأن أن اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، قررت تأجيل فتح الطريق، بدعوى أنه سيتم إصلاح الأضرار الموجودة فيه، قد أثار الضبابية من جديد بشأن الأمر.

وعادت اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" لتحسم هذا الأمر بإعلانها يوم 2 يوليو الجاري عن افتتاح الطريق الساحلي بين مدينتي سرت ومصراتة الأسبوع المقبل بعد الانتهاء من عمليات الصيانة. وأكد عضو اللجنة، اللواء فرج الصوصاع، أن الترتيبات جارية على قدم وساق لافتتاح هذا الطريق.

حيثيات الإغلاق:

يعود إغلاق الطريق الساحلي في ليبيا إلى شهر أبريل 2019، أي أكثر من سنتين حتى الآن، وذلك منذ انطلاق ما سُمي بـ "المعركة الحاسمة"، التي قام بها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لتحرير العاصمة طرابلس، وما ترتب على ذلك من قطع التواصل بين مدينتي سرت (وسط) البلاد ومصراتة (غرب)، وبالتالي تم منع أي تواصل بين غرب ليبيا وشرقها، بسبب تداعيات النزاع المسلح مع قوات طرابلس والميليشيات الموالية لها.

وقد نجم عن هذه الحالة نوع من تكريس انقسام ليبيا بين الشرق والغرب وفق واقع جديد أملته عدة مسائل، من أبرزها غياب الأمن، وانعدام الثقة، فضلاً عن وجود الخلافات والتمايزات التقليدية بين الشرق والغرب الليبي على أساس مناطقي واقتصادي وثقافي.

وأدى قطع الطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، إلى فرض واقع جديد انعكست نتائجه على حركة التجارة، ونقل البضائع بين مناطق ليبيا الثلاث (الشرق والغرب والجنوب)، كما توقف تنقل المسافرين عبر السيارات بين الجانبين، واضطر المسافرون في المقابل إلى استخدام طرق أخرى محفوفة بالكثير من المخاطر، وتعمها الفوضى. وبطبيعة الحال، كانت النتيجة واضحة على المستويين السياسي والدبلوماسي، حيث تعثرت العملية السياسية بين الشرق والغرب، وتعطلّ طريق الدبلوماسية بين الجانبين.

أما العواقب الاقتصادية المترتبة على إغلاق الطريق الساحلي منذ أكثر من عامين، فهي لم تقتصر فقط على ليبيا التي خسرت كثيراً جراء توقف استغلال هذا الطريق، وإنما امتدت أيضاً إلى دول جوار ليبيا. وبالتالي فإن استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم، بالنسبة لإغلاق هذا الطريق الرئيسي، قد يهدد بنسف ما توصل إليه المجتمعون مؤخراً في مؤتمر "برلين 2".

تداعيات التعثر:

في حالة تعثر الأطراف الليبية في إعادة فتح الطريق الساحلي خلال الأيام المقبلة، فإن ذلك سيثير الكثير من الضبابية بشأن مستقبل ليبيا عموماً، لاسيما أنه يشير إلى أنه سيكون من الصعب تجاوز المزيد من الانقسامات، كما سيصعب تصور تحقيق تقدم اقتصادي أو المُضي قُدماً نحو المصالحة الوطنية أو تنفيذ أي خريطة طريق سياسية، ومن ثم فشل الخطة الأممية والمجتمع الدولي في دفع الليبيين إلى تنظيم انتخابات في نهاية ديسمبر المقبل.

ويُضاف إلى ذلك أن العديد من الليبيين أصبح يربط بين فتح الطريق الساحلي وخروج المرتزقة وسحب سلاح الميليشيات، وهو ربط يحيل مباشرة إلى محاولة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، الدبيبة، في يونيو الماضي، فتح الطريق بالاتفاق مع ميليشيات الغرب الليبي، من دون التنسيق مع اللجنة العسكرية "5+5". وهذا ما دفع اللجنة - التي شكلتها الأمم المتحدة بهدف فتح الطريق الساحلي وحل الإشكاليات الأمنية العالقة - إلى اتهام الدبيبة بالقفز على صلاحياتها.

لكن الدبيبة سعى إلى استدراك الوضع، بإعلانه الاستعداد لفتح الطريق الساحلي، وتتويج ذلك بعقد اجتماع مجلس الوزراء في مدينة بنغازي خلال الأسابيع المقبلة، كخطوة أولى لتذليل العقبات التي تعترض مسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع تنظيمها في 24 ديسمبر المقبل.



شريان اقتصادي:

يعد الطريق الساحلي في ليبيا حيوياً ورئيسياً، فهو لا يربط بين شرق البلاد وغربها فقط، وإنما يربط أيضاً ليبيا بكل من تونس ومصر، إذ يعتبر ممراً رئيسياً للكثير من السلع القادمة من تونس ومصر، والتي يتم توزيعها في المدن الليبية، وهو دور جعل منه الشريان البري الرئيسي للشعب الليبي منذ اندلاع الأزمة قبل عدة سنوات.

ومن ثم فقد أدى إغلاق هذا الطريق أيضاً إلى عرقلة انسيابية الحركة التجارية من تونس إلى الغرب الليبي، ومن مصر إلى الشرق الليبي. وكان من نتيجة ذلك تراجع المنتجات التونسية والمصرية في السوق الليبية، خاصة المنتجات الاستهلاكية، مثل الأغذية والملابس والمواد الكهربائية والطبية.

ونظراً لكون الطريق الساحلي المحور الرئيسي الذي تنشط عليه أغلب عمليات التبادل التجاري بين المنطقتين الغربية والشرقية داخل ليبيا، فإن منطقة الجنوب الليبي تعتمد عليه هي الأخرى في الحصول على معظم ما تحتاجه من مؤن تجارية ومواد غذائية واحتياجاتها من الطاقة والسيولة النقدية. وأصبح إيصال السيولة النقدية لبعض المدن الليبية تحدياً كبيراً لمستحقيها من أصحاب الرواتب، فأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار البضائع بسبب تكلفة النقل وصعوبة تأمين نقلها، وارتفاع أسعار تذاكر الطيران بين المنطقتين الشرقية والغربية.

وبناءً على تلك الأهمية، يمكن تصور التداعيات الكبيرة التي سببها إغلاق الطريق الساحلي منذ عام 2019 على حياة آلاف السكان داخل المدن الليبية التي تتمير بكثافتها السكانية الكبيرة، ونشاطها التجاري الحيوي، مثل سرت ومصراتة وبنغازي وأوباري وغيرها. ففي هذه المدن، تأثرت حركة تنقل السكان، وتعثر التبادل التجاري والإمدادات بين الشرق والغرب، ما وضعها في ضيق شديد نتيجة نقص حاد في المواد الغذائية والمعدات الطبية والوقود طيلة السنتين الأخيرتين.

هذا من دون أن نتجاوز دور الطريق الساحلي في تسهيل حركة الليبيين في كل الاتجاهات، بما فيها السفر خارج ليبيا إلى الدول المجاورة. وإذا ما نظرنا إلى الفترة الزمنية الطبيعية للتنقل بين طرابلس وبنغازي في الظروف العادية، نلاحظ أن هذه الفترة زادت بمعدل 10 ساعات على الأقل، بعد إغلاق الطريق الساحلي بين الشرق والغرب. فالمواطن الليبي يضطر حالياً إلى عبور طرق صحراوية بديلة، صعبة وغير آمنة، تمتد على مسافة 1727 كم، لكي يصل إلى مدينة بنغازي، قادماً من طرابلس، وذلك في مدة تتجاوز أحياناً 21 ساعة. فيما كان يحتاج سابقاً إلى 11 ساعة، عبر الطريق الساحلي الذي يمتد على مسافة 1026 كم. 

وقد تسبّبت الطرق البديلة، التي تسيطر عليها الميليشيات المسلحة وعصابات الإجرام، في العديد من حوادث المرور، والتي تخلف بدورها عشرات القتلى، فضلاً عن تسجيل العديد من عمليات الاختطاف والنهب والجريمة المنظمة ضد الشاحنات المحملة بالوقود من مستودعات مدينة مصراتة باتجاه مستودعات مدينة سبها. 

كما تم تسجيل العديد من حالات السرقة تحت تهديد السلاح ضد شاحنات نقل الوقود والسلع التجارية، بل وضد الأشخاص العاديين، وهي خسائر فادحة بات يتكبدها قطاع النفط الليبي، خاصة المؤسسة الوطنية للنفط، وسكان الجنوب الليبي الذين أصبحوا يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على وسائل الطاقة، فأصبحوا مرغمين على التوجه إلى السوق السوداء للحصول على الوقود بأسعار مضاعفة، باعتبارها الملاذ الوحيد أمامهم، فيما شهدت هذه الأخيرة انتعاشاً ملحوظاً على حساب الاقتصاد الليبي.

عقبات قائمة:

إزاء حالة الإغلاق الحالية للطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، تكثف اللجنة العسكرية "5+5" جهودها لفتح هذا الطريق خلال الأيام المقبلة؛ وذلك لاستكمال تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين طرفي الصراع الليبي، أواخر شهر أكتوبر الماضي في مدينة جنيف السويسرية، وهي خطوة تتسم بأهمية كبيرة لتعزيز مسار العملية السياسية وتحقيق السلام في ليبيا.

وقد وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، يوم 20 يونيو الماضي، عملية فتح الطريق الساحلي بـ "الاتجاه الصحيح نحو استعادة وحدة البلاد". ولكن يبدو أن تنفيذ هذه الخطوة تواجه بعض التحديات والعراقيل، وعلى رأسها عدم التوافق على القوة الأمنية التي ستشرف على تأمين الطريق بعد فتحه، وعدم جاهزية الطريق بسبب وجود الكثير من الألغام، وغياب وجود البوابات الأمنية.

فبعد نحو ثمانية أشهر من التوقيع على وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع الليبي، ما زال تنفيذ بند فتح الطريق الساحلي يسير ببطء، حيث إن النزعة العدائية لا تزال تسيطر على بعض أطراف الصراع، وهذا يجعل من الصعب على السلطة التنفيذية الجديدة تجاوز الانقسامات الحالية والمُضي قُدماً في اتجاه المصالحة الوطنية.

ختاماً، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الطريق الساحلي، الذي يُعلق على إعادة فتحه الكثير من الآمال لتحسين الأوضاع الراهنة في ليبيا، على المستويات كافة، السياسية والأمنية والاقتصادية، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهذا الطريق الرابط بين شرق وغرب البلاد. وبالتالي، فإن إعادة فتح الطريق الساحلي تعد من المتطلبات الفورية لنجاح خريطة الطريق السياسية في ليبيا، والتمهيد لإعادة وحدة البلاد وإنهاء انقسامها مناطقياً، وتجنيبها المزيد من الصراعات المتجدّدة، كما ستكون خطوة مهمة نحو تحقيق المصالحة الوطنية، ومن ثم خلق بيئة مواتية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر تنظيمها في نهاية ديسمبر 2021.