أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

هل يمكن التنسيق مع المسلحين؟

سُبل دعم الخدمات الإنسانية في أماكن الصراع

27 مارس، 2016


إعداد: عبدالغفار الديواني


تشهد دول العالم، وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط، العديد من الصراعات المسلحة والعنيفة التي تؤثر في حياة المقيمين في أماكن هذه الصراعات، سواء فيما يتعلق بعمليات النزوح أو اللجوء، أو سوء الأحوال الاقتصادية والصحية والمعيشية لهم. وتواجه المنظمات الإنسانية، الدولية والمحلية، تحديات كثيرة في سبيل الوصول إلى هؤلاء المتضررين، خاصةً في ظل انتشار وتزايد الجماعات المسلحة من غير الدول، وسيطرتها على مساحات واسعة من المدن والبلدات، ما يحد من وصول المساعدات الإنسانية.

وفي هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، تحت عنوان: "نحو تأسيس منهج للانخراط مع الجماعات المسلحة من غير الدول من أجل الأغراض الإنسانية"، وهي الدراسة التي أعدها الباحثان في المعهد "مايكل كيتنج" Michael Keating، و"باتريسيا لويس" Patricia M. Lewis. وتهدف الدراسة إلى تطوير آلية لتعزيز الجهود الإنسانية، وتلبية احتياجات السكان المتضررين من الصراعات المسلحة، مع عرض الفرص والتحديات التي تواجه هذا الهدف.

انتشار الجماعات المسلحة

الجماعات المسلحة من غير الدول Non-State Armed Groups، هي مجموعة متنوعة من الفاعلين المسلحين، يشاركون في الصراعات العنيفة التي تختلف في درجتها من الحرب الأهلية إلى التمرد الأقل حدة. وتقوم هذه الجماعات بعدة أدوار في الصراعات، مثل الانتقال عبر الحدود الدولية، وتشكيل تحالفات عابرة، والهيمنة على مساحات واسعة من الأراضي، كما تقوم بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت من أجل الدعاية والتجنيد والتدريب والتسليح.

وانتشرت الجماعات المسلحة من غير الدول خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تشير الدراسة إلى تزايدها بشكل كبير، وتقدر عددها في سوريا فقط بأكثر من 1000 جماعة مسلحة، بالإضافة إلى التنظيمات المنتشرة في اليمن وليبيا والعراق، وغيرها.

العلاقة بين المنظمات الإنسانية والجماعات المسلحة

تسعى الجماعات المسلحة من غير الدول إلى السيطرة على المدن والبلدات خلال الصراعات، ومن ثم تؤثر في عمل المنظمات الإنسانية، وعدم وصولها لمتضرري الصراع. وفي هذا الصدد، لا تميز المنظمات الإنسانية بين الطرف الذي تتفاوض معه، سواء كان حكومياً أو غير حكومي، حيث يظل الغرض الأساسي لهذه المنظمات توصيل المساعدات والخدمات لضحايا الصراع بصرف النظر عن الطرف المهيمن على المنطقة المستهدفة.

ولكن في المناطق التي تهيمن عليها الجماعات المسلحة، تتحول هذه الجماعات إلى شبه حكومية، حيث تقوم المنظمة الإنسانية بالتفاوض معها من أجل الوصول إلى المجتمع المحلي، وتوصيل المساعدات بشكل فعَّال وآمن، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، حيث إن كل طرف في الصراع له مواقف ومحددات، على أثرها قد تتم العمليات الإنسانية أو تتوقف.

وبالتالي، تختلف الجماعات المسلحة من غير الدول في مواقفها تجاه الأعمال الإنسانية، حيث تشير الدراسة إلى نوعين في هذا الشأن، الأول هو الجماعات التي تعتبر نفسها نظم حكم بديلة تتطلع إلى الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وتهدف إلى التعاون مع المنظمات الإنسانية في عملها لتعزيز الأغراض الإنسانية. أما النوع الثاني، فهو الجماعات المسلحة التي ترى في المنظمات الإنسانية جزءاً من الصراع، وربما جزءاً من استراتيجية عسكرية ضدها، ومن ثم تتعمد مثل هذه الجماعات استهداف العاملين في المجال الإنساني.

كما تتطرق الدراسة إلى مواقف حكومات الدول التي توجد بها صراعات، ورؤيتها لتعامل المنظمات الإنسانية مع الجماعات المسلحة، ففي بعض الحالات تنظر هذه الحكومات إلى مجرد السماح بالحديث مع الجماعات المسلحة من غير الدول لتقديم المساعدات الإنسانية، على أنه شكل من أشكال الاعتراف بهذه الجماعات من قِبل حكومة الدولة، ومن ثم منحها شرعية سياسية، ما قد يتناقض مع الأهداف الأساسية للحكومة بالقضاء على تلك الجماعات. وفي مثل هذه الحالات، تعتقد حكومة الدولة التي يوجد بها صراع، أن التفاوض مع التنظيمات المسلحة قد يُقوي الأخيرة ويدعمها.

وفي حالات أخرى، تتجه الحكومة لدعم توصيل الخدمات الإنسانية كجزء من استراتيجية سياسية وعسكرية لكسب قلوب وعقول هؤلاء الذين يقعون تحت سيطرة الجماعات المسلحة.

أبرز نتائج الدراسة

قامت مؤسسة "تشاتام هاوس" بدراسة العوامل التي تحدد كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة من غير الدول، من أجل أن تكون العمليات والمساعدات الإنسانية أكثر فعالية وأمناً واستدامة. وكان الهدف من هذه الدراسة مساعدة "القمة الإنسانية العالمية" المقبلة، وتوفير الدعم السياسي والخيارات العملية من أجل زيادة فعَّالية العمل الإنساني في الصراعات من خلال تحسين المشاركة والتفاعل مع التنظيمات المسلحة.

وركزت المؤسسة في الدراسة على أربعة فاعلين أساسيين، وهم:

1- الدول، بما فيها الدولة التي يوجد بها الصراع، حيث توفر الدول الدعم المالي والعسكري وغيره للفاعلين في الصراع.

2- المنظمات الإنسانية، سواء الأمم المتحدة أو لجنة الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية.

3- الجماعات المسلحة من غير الدول.

4- السكان المتضررين من الصراع.

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الرئيسية في هذا الشأن، وأبرزها ما يلي:

1- إن إيصال المساعدات الإنسانية يتطلب أن تقوم الجماعات المسلحة المهيمنة على الأرض بإبداء موافقتها على تسليم مساعدات المنظمات الإنسانية، من خلال عملية التفاوض.

2- أدت زيادة استخدام المساعدات الإنسانية كجزء من الاستراتيجيات العسكرية، إلى تقويض شفافية عمل المنظمات الإنسانية.

3- زيادة التركيز على تصنيف الجماعات المسلحة باعتبارها تنظيمات إرهابية، يزيد من تعقيد عمل المنظمات الإنسانية.

4- على الرغم من وجوبية احترام الجماعات المسلحة قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن آليات محاسبتها على الانتهاكات القانونية لم تلق اهتماماً أو أي تطور في مقابل آليات محاسبة الدول.

5- هناك محدودية في أساليب ومناهج تعامل الدول والمنظمات الدولية مع الجماعات المسلحة من غير الدول، حيث ينتشر نهجان فقط لتقليل الخطر على المدنيين في الصراعات، أولهما تعزيز المعايير الدولية بشأن حماية المدنيين والمقاتلين بهدف إقناع الجهات المسلحة لتغيير سلوكها، وثانيهما العمل على حل الصراع من خلال الحوار والوساطة ودعم التفاوض.

6- يوجد اتفاق بين المنظمات الإنسانية على ضرورة الاستماع لمُتلقي الخدمات والمساعدات، والذي من شأنه أن يزيد من فاعلية هذه المساعدات، وتحديد أولوياتها والتحديات التي تواجهها. ويمكن أن يسهل التقدم والتطور التكنولوجي من التواصل مع المدنيين المتضررين، فيما يُعرف بــ"العمل الإنساني الرقمي" digital humanitarianism.

خطوات نحو الانخراط مع الجماعات المسلحة

وضعت دراسة مؤسسة "تشاتام هاوس" عدة مقترحات أمام "القمة الإنسانية العالمية"، من أجل دعم فرص الانخراط مع الجماعات المسلحة من غير الدول، لتعزيز العمليات والأغراض الإنسانية، وتتمثل هذه المقترحات في الآتي:

1- المسؤولية الدولية: ثمة مسؤولية على جميع الأطراف الدولية والمحلية في الصراعات، لضمان وصول الاحتياجات الأساسية للمتضررين من الصراع. وفي ظل عدم تحمل الأطراف مسؤوليتها، يتعين على المجتمع الدولي الاستجابة لهذه الاحتياجات، وفقاً لمبادئ أساسية بما فيها تسهيل عمل المنظمات الإنسانية.

2- أسس استرشادية: فتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المتضررين من الصراعات، يتطلب من المنظمات الإنسانية التعامل مع من يتحكم في طرق الوصول إلى المجتمعات المحلية، بما فيها الجماعات المسلحة من غير الدول. وفي هذا الإطار، تؤثر مواقف الدول مباشرة على طبيعة وفعَّالية الشراكة الإنسانية مع الجماعات المسلحة. ويأتي دور القانون الدولي الإنساني الذي يلزم الدول بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، يجب على الدول توفير دليل استرشادي لمعايير وأُسس الانخراط مع التنظيمات المسلحة بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

3- التواصل والتنسيق: تشدد الدراسة على أهمية التفاهم والتنسيق والتعاون بين الجهات الإنسانية المختلفة، خاصةً المحلية منها، فهذه الجهات تحتاج إلى إعادة التأكيد على مبادئها، والأكثر من ذلك التأكيد على كيفية تطبيقها في الواقع، بما في ذلك الانخراط مع الجماعات المسلحة من غير الدول.

4- التقنين: من الأهمية بمكان التفكير في وضع إطار قانوني للانخراط مع الجماعات المسلحة في الأغراض الإنسانية، من خلال الاتفاقيات الخاصة، كما يجب فهم طبيعة التنظيمات المسلحة، وزيادة وعيها بضرورة احترام معايير القانون الدولي الإنساني.

5- سماع المتضررين: يتعين بذل المزيد من الجهود في الوصول إلى المدنيين المتضررين من الصراعات، وفهم رؤيتهم، ليس فقط من قِبل المنظمات الإنسانية، ولكن أيضاً من أجل توصيل مطالبهم وخياراتهم إلى الدول والفاعلين الأساسيين في الصراعات، وكذلك تحديد المتطلبات الإنسانية وأولوياتها.

6- الحوار المستمر: لابد من استمرار الحوار بين الدول حول طرق توصيل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، كما يجب إشراك المنظمات الإنسانية وبعض ممثلي الجماعات المسلحة في هذا الحوار.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "نحو تأسيس منهج للانخراط مع الجماعات المسلحة من غير الدول من أجل الأغراض الإنسانية"، والصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس"، في يناير 2016.

المصدر:

Michael Keating and Patricia Lewis, Towards a Principled Approach to Engagement with Non-state Armed Groups for Humanitarian Purposes”, (London: The Royal Institute of International Affairs "Chatham House", January 2016).